وخرج المارد من قمقمه أخيراً

بقلم: بلند حسين

   قال أحد المنفيين السوريين يوماً: دعيتُ إلى مؤتمرات وندوات لا تُعدّ ولا تُحصى، وفي كل دعوة كنت واثقاً من قدرتي على الاجابة عن أي سؤال أو استفسار محتمل يتعلق بالشأن السوري.

وأضاف: لكنني كنتُ أتهرب دوماً من تساؤل الحضور، عن فحوى الصمت المريب في ظل هذا الاستبداد المقيت، الذي يلف السوريين طوال هذه العقود، وكنت أتوجس خوفاً وأتردد في الاقدام على الاجابة عنه.

   هذا التوصيف كان يتردد حقيقة على لسان كل سوري قبل 15 آذار 2011 م، حيث بلغ اليأس مبلغه.

لكن كُرْدَ الجزيرة(أهالي عامودا تحديداً) لم يكفّوا ـ كعادتهم ـ في تداول الفكاهات الساخرة والبليغة، ذات الدلالات المعبرة على هذا الصعيد، ومنها على سبيل المثال لا الحصر النكتة التالية:
   يُحكى عن أحد “الميرسينيين” * البخلاء بأنه اقتنى نمراً صغيراً بهدف ترويضه.

وكان الميرسيني ينهال عليه ضرباً مبرحاً، ويقدم له القليل القليل من الزاد والشراب، حتى أضحى النمر المسكين هزيلاً وفي هيئة قط(هر).

وحين أُعْلِنَ عن إجراء مسابقة القطط، جاء الميرسيني بنمره في الموعد المحدد إلى حلبة المصارعة.

وبعد صولات وجولات، تمكن النمر من التنكيل بكل القطط، فتقاطر المتفرجون على النمر وأثنوا عليه وأبدوا اعجاباً منقطع النظير به، لكنهم فوجئوا به على رؤوس الأشهاد وهو يقول: أنا يا سادة لستُ قطاً كما تظنون، بل نمرٌ أذلّه هذا الشخص، وهو يشير باصبعه إلى صاحبه الميرسيني، فَسَرَتْ همهمة بين القوم، ثم تفرقوا، ولسان حالهم يردد ما يمكن أن يفعله الجوع وسوء المعاملة بالنمر الذي يضرب به المثل.

   أجل، هي ذي حكاية الشعب السوري، الذي عاش في سجن كبير اسمه سوريا، وتحمل الفقر والقمع والاذلال بصبرٍ من دونه صَبْرَ أيوب، مثله في ذلك كمثل النمر الذي إقتناه الميرسيني، لكنه انتفض أخيراً على واقعه المزري، وتمرد على الاستبداد المقيت، فسجل ملاحم لامثيل لها في التصدي السلمي لآلة القمع، بعد أن أزاح جدار الخوف الذي أقامه النظام الشمولي لعقود.

جدير ذكره أن الشرارة الأولى إنطلقت من درعا في 18 آذار 2011م ايذاناً بخروج هذا المارد من قمقمه، لكن ارهاصاتها تجلت أول ما تجلت في الحريقة بدمشق، حين أهان شرطيٌ أحدَ أهالي الحيِّ، حينئذٍ نجح وزير الداخلية، الذي حضر إلى موقع الحدث حالاً، في اجهاض الحراك بوعوده الخلبية.

ثم تلتها مظاهرة جامع بني أمية الكبير وتلتها اعتصامات، إلى أن تفجرت الثورة في حوران وعمّت كل أرجاء سوريا، من أقصاها لأقصاها، وضمت مكونات الشعب السوري قاطبة.
ـــــــــــــــــ
*الميرسينية: احدى العشائر الكردية التي استقرت في الجزيرة منذ القديم، تمتاز بروح التفكه والدعابة في تقويم الاعوجاج، سكنت جنوب شرق ماردين، وإلى الجنوب من الحدود الحالية بين تركيا وسوريا قبل أن تُرْسَم.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي* لم تکن ممارسة عملية الحکم من قبل النظام الإيراني سهلة وهينة لأنه ومنذ البداية واجه رفضا داخليا قويا مثلما کانت هناك عزلة دولية تفاقمت عاما بعد عام، وحاول النظام جاهدا مواجهة الحالتين وحتى التعايش معهما ولاسيما وهو من النوع الذي لا يمکن له التخلي عن نهجه لأن في ذلك زواله، ولهذا السبب فقد مارس اسلوب الهروب…

نارين عمر ألا يحقّ لنا أن نطالب قيادات وأولي أمر جميع أحزاب الحركة الكردية في غربي كردستان، وقوى ومنظّمات المجتمع المدني والحركات الثّقافية والأدبية الكردية بتعريف شعوب وأنظمة الدول المقتسمة لكردستان والرّأي العام الاقليمي والعالمي بحقيقة وجود شعبنا في غربي كردستان على أنّ بعضنا قد قدم من شمالي كردستاننا إلى غربها؟ حيث كانت كردستان موحدة بشمالها وغربها، ونتيجة بطش…

إبراهيم اليوسف منذ اللحظة الأولى لتشكل ما سُمِّي بـ”السلطة البديلة” في دمشق، لم يكن الأمر سوى إعادة إنتاج لسلطة استبدادية بشكل جديد، تلبس ثياب الثورة، وتتحدث باسم المقهورين، بينما تعمل على تكريس منظومة قهر جديدة، لا تختلف عن سابقتها إلا في الرموز والخطاب، أما الجوهر فكان هو نفسه: السيطرة، تهميش الإنسان، وتكريس العصبية. لقد بدأت تلك السلطة المزيفة ـ منذ…

شادي حاجي سوريا لا تبنى بالخوف والعنف والتهديد ولا بالقهر، بل بالشراكة الحقيقية والعدالة التي تحفظ لكل مكون حقوقه وخصوصيته القومية والدينية والطائفية دون استثناء. سوريا بحاجة اليوم إلى حوارات ومفاوضات مفتوحة وصريحة بين جميع مكوناتها وإلى مؤتمر وطني حقيقي وشامل . وفي ظل الأحداث المؤسفة التي تمر بها سوريا والهستيريا الطائفية التي أشعلت لدى المتطرفين بارتكابها الجرائم الخطيرة التي…