جدارنا العالي..

جهاد أسعد محمد

«لا تبُلْ (هنا) يا حمار..»، أو «لا ترمِ الزبالة (هنا) يا حيوان»، أو «ابن شر… كل من يخ… (هنا)»… شعارات يرفعها أصحاب بعض الجدران «الواطئة» ذات الموقع الاستراتيجي «المميز» أملاً بمنع أصحاب بقية الجدران من التبول عليها، أو التغوط في ظلها وخلف سترها، أو تكويم الزبالة عندها وحولها، ولكن هذه الشعارات، وبعكس المأمول، لا ينتج عنها عادة سوى المزيد من القاذورات، لأنها تتحول إلى شعارات جاذبة ونقطة علاّم إنقاذية لكل من لديه فائض يكاد يخرج عن السيطرة من البول والخراء والقمامة ليتخلص منها بشكل إسعافي..

فصاحب الحاجة، وهو أرعن كما نعلم جميعاً، لا يرى عقله الباطن من الشعار إلا كلمتين: الكلمة التي تدل على اسم حاجته الاضطرارية، وكلمة (هنا)!!.
هذه المقاربة ليست من إبداعي، بل هي إحدى «الاكتشافات» المبكرة لأحد أصدقائي في المرحلة الإعدادية، وكان ولداً حشاشاً، ويقوم  بالكثير من الأفعال التي تثبت بأنه «حربوق» و«أخو شليتة»..

وقد كان على خلاف دائم مع أبيه الذي كثيراً ما كان يطرده من البيت فينام بالشارع!..

ومرة، وبعد طرده من البيت نهائياً، ونكاية بأبيه المتسلط، كتب أحد هذه الشعارات على حائط بيته، وبادر هو بأول «فرفورة» وأول «خرية»، وسرعان ما تحول الحائط إلى مرحاض ومزبلة!.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فهذا ما حصل في سورية طوال عقود..

سورية ذات الموقع الاستراتيجي والجيوسياسي والتاريخي «المميز»، مع فارق أساسي، هو أن الشعب مُنع من حماية الجدار والمحافظة على نظافته من خلال القمع والتهميش والتحييد، أما من يحسب نفسه صاحب الدار والجدار وحاميهما، فرفع الشعارات الداعية ظاهراً لـ«النظافة» و«المنعة»، وكان أول من قام بتوسيخ الدار والجدار والإيحاء للآخرين، الأقربين والأبعدين، ليحذوا حذوه!.
فتاريخياً رُفعت شعارات «مكافحة الفساد»، ولأنها ظلت مجرد شعارات تقال في المناسبات والمؤتمرات ونشرات الأخبار بينما الفساد يكبر ويتعاظم في الدولة والمجتمع ويتمركز الكبير منه في أيدي «النخبة المباركة»، شكّل هذا دعوة للفاسدين من كل بقاع الأرض، ليأتوا ويستثمروا فسادهم عندنا، وليبولوا على جدارنا، بل وفي عقر دارنا..

في جبالنا وبوادينا وشواطئنا ومياهنا الإقليمية..

وفهمكم كفاية..
وتاريخياً، تم رفع شعار «لا حياة في سورية إلا للتقدم والاشتراكية»، فسقطت منه بالتقادم أداة الحصر «إلا»، ثم «حياة»، ثم «سورية!»، وبقيت الرجعية والرأسمالية المشوهة، رأسمالية العصابات! أما الـ«لا» القوية فظلت تركل «الاشتراكية» المزعومة على مؤخرتها، إلى أن تمت المجاهرة باعتناق «النيوليبرالية»، وظلت ترفس «التقدم» المنهك على سيقانه حتى جاءت الحركة الشعبية لتثبت أن قليلاً من الشحن الطائفي تمارسه «النخبة المباركة» ومن لف لفها من أصدقائها وخصومها المزعومين، يمكن أن يدمر البلاد.
 وهذا حال بقية الشعارات، من البيئة…… إلى الغناء الشعبي، مروراً بكل ما انصرع به الشعب السوري من شعارات متنوعة وحماسية لا تغني، ولا تسمن من جوع، ولا تحمي من حياض، بينما ظل جزء يدّعي أنه منا، وكل من شاء من الآخرين، يبولون على جدارنا ليل نهار، إلى أن أوشكت البلاد أن تتحول إلى مستنقع خراء وقاذورات..

ومع ذلك ما يزال هناك من يقف مندهشاً أمام انفجار الحركة الاحتجاجية الشعبية الوطنية..

وما يزال يسأل نفسه ومن حوله باستغراب: ماذا يريد المحتجون..

لماذا لا يعودون إلى بيوتهم؟؟ ويرفض الاعتراف بالحركة الشعبية، ويأبى القبول بفكرة أن البلاد تمر بأزمة عميقة، مصراً أن «سورية بخير» اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وأن «المشكلة» «خلصت»، وتم القضاء على المؤامرة والمتآمرين…
على سيرة البول وأشباهه..

هل تعلمون أيها السادة ما الذي يجب أن تفعله الحركة الشعبية بعد انتصارها مباشرة؟؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…