تهنئة السيد مسعود البرزاني وتعقيب الأستاذ صلاح بدر الدين

صالح بوزان

قبل أن أدخل في صلب موضوعي أريد أن ألفت انتباه القارئ إلى بعض الوقائع التي أراها ضرورية لكي لا تخرج مقالتي عن السياق الذي أرتئيه.

أولاً.

لست من الذين يقفون ضد المجلس الوطني الكردي السوري.

فهو في أضعف الحالات جمع شتات بعض الأحزاب الكردية والمستقلين في كتلة واحدة يسهل التحاور معها.

وقد تفرض الأحداث القادمة السعي الجماعي لتلافي نواقصه وجعله ممثلاً حقيقياً للشعب الكردي السوري بغض النظر عن تباين المواقف التي هي حالة صحية في أي مجتمع بشري حديث.
ثانياً.

ما أبديت من ملاحظات على هذا المؤتمر انحصرت فيما إذا كان هذا المؤتمر بقراراته يواكب المرحلة أم لا.

وهل كان من المستحيل تجميع كافة أطراف الحركة الكردية في هذا المؤتمر؟ لدي القناعة أن آلية التحضير للمؤتمر كانت ضيقة بحيث من الصعوبة بمكان توحيد كل أطراف الحركة الكردية السورية.

فعلى سبيل المثال لست متفقاً مع الخط السياسي الراهن لـPYD  ولكن في الوقت نفسه لا أعتقد أن تجمعاً كردياً لا يوجد فيه هذا الحزب وشباب التنسيقيات والمثقفين والكتاب الكرد المستقلين عامة سيكون ممثلاً حقيقياًً للشعب الكردي السوري.

أن نختلف شيء ولكن أن نلغي بعضنا بعضاً شيء آخر.

فالإلغاء يعني وجود قرارات سياسية مسبقة تتطلب إطاراً مضموناً لاستصدارها.


ثالثاً.

إن الخلاف الجوهري داخل الحركة الكردية السورية هو الموقف من الثورة السورية.

هل على الشعب الكردي السوري أن يكون في قلب الثورة أم متفرجاً حتى تتبين النتائج؟ بمعنى آخر أين تكمن الأولوية الكردية السورية في الوقت الراهن؟ هل في الوطنية السورية أم في القومية الكردية؟ لا أزيد من معارف أحد أن الوطنية أشمل من القومية.

وقد كان خطؤ حزب البعث التاريخي الادعاء بأن القومية العربية فوق القطرية.

وبالتالي تحول مع الزمن إلى حزب عنصري وفاشي.
مما تقدم سأنظر إلى رسالة التهنئة للسيد مسعود البرزاني إلى المؤتمر الكردي السوري وتعقيب الأستاذ صلاح بدر الدين.
أعتقد من دواعي سرور الشعب الكردي السوري أن يهتم السيد مسعود البرزاني بقضيته, ويرسل تلك التهنئة لمجموعة من الأحزاب والمستقلين الكرد الذين عقدوا مؤتمراً كردياً يمثل جانباً لا يستهان به من هذا الشعب.

لكن رسالته تثير بعض الأسئلة.
يشير السيد مسعود البرزاني بلغة الناصح ” نهيب بكم أن تستندوا في نضالكم على مبادئ التسامح والتعايش بين كافة المكونات القومية والدينية في سوريا عموماً“.

ألا نرى أن هذه النصيحة ليست في محلها.

لأن الحركة الكردية في سوريا طيلة أكثر من خمسين سنة كانت تتميز بروح التسامح والدعوة لتعايش كافة المكونات القومية والدينية في سوريا.

فهي رغم كل الممارسات العنصرية التي مورست بحقها لم تخلط بين موقف الساسة والشعوب.

لقد كانت هذه من أهم خصائص الحركة الكردية السورية منذ نشأتها رغم كل ملاحظاتنا الانتقادية لها.

وحتى الأحزاب الكردية السورية رغم اختلافاتها وانشقاقاتها لم تدخل في صدامات مع أي طرف غير كردي, كما أنها لم تقم باقتتال داخلي ولم تستخدم الاغتيالات السياسية.

ولا أعتقد أن السيد مسعود البرزاني يجهل هذه الحقائق.

فإذن إلى ماذا يشير؟
يورد السيد مسعود البرزاني في رسالته إلى ” أننا نقيم موقفكم (موقف الذين عقدوا المؤتمر الكردي) من الأحداث الجارية في سوريا إيجابياً ونراه موقفاً عقلانياً يستحق منا الإشادة والدعم“.


أول ما يلفت الانتباه في هذه الجملة أن السيد مسعود البرزاني يعتبر ما يجري في سوريا مجرد أحداث وليست ثورة.

الأحداث تسمى بهذا الاسم في حال حدوث بعض الاضطرابات المطالبة لبعض الحقوق لفئة من فئات المجتمع.

وهي لا تهدف إلى تغير مسار البلد السياسي والاقتصادي والفكري.

أما الثورة فهي تريد نقل البلد من وضع إلى وضع آخر يختلف كلياً عن الوضع السابق.

هي انعطاف كبير تفرضه الضرورة التاريخية نتيجة تراكمات كبيرة كانت تتجمع تحت المظهر الخارجي السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

بمعنى آخر الثورة لا تقيم بشعاراتها اليومية ولا بمطالبها المعلنة فقط.

بل هناك مطالب تاريخية تكمن وراء ها قد لا يدرك تفاصيلها الثوار في لحظتها.

من دروس التاريخ أن لا أحد من القادة والزعماء, مهما عظم شأنهم, قادرون على وقف هذه السيرورة التاريخية.

وحتى إذا فشلت الثورة فالوضع السابق غير قادر على الاستمرارية كما كان.

إن الشعب السوري يحفر نفقاً للعبور من الظلمة إلى النور بأجساد خيرة أبنائه.

والوقوف بحيادية في هذه الحالة يخرج عن العقلانية والحكمة, ناهيك أنه موقف خارج مسار التاريخ.


هناك مسألتان في سوريا بالنسبة للشعب الكردي السوري.

الأولى أن النظام لم يتعامل مع الأكراد في يوم من الأيام كمواطنين, بل اعتبرهم مجرد لاجئين من تركيا والعراق.

ولذلك كان يحاكم السياسيين الكرد بتهمة اقتطاع جزء من الوطن وضمه إلى بلد أجنبي.

والمسألة الثانية, من المستحيل أن يحصل الشعب الكردي السوري على حقوقه بدون موافقة الشعب العربي السوري, فهو الشريك الأهم.

ونقطة التفاهم الرئيسية بين هذين الشعبين هي الانتماء الوطني لسوريا.

فالكردي السوري لن يجد حقوقه القومية في كردستان العراق ولا في كردستان تركيا.

بل سيجدها في كردستان سوريا التي هي الآن جزء من الخارطة السورية الحديثة.
إن حقوق الشعب الكردي تمر في مرحلتين.

الأولى تغيير هذا النظام بنظام ديمقراطي تعددي وعلماني (وكان هذا البند في قرارات المؤتمر الكردي صائباً) لأن هذا المطلب يلتف حوله غالبية السورين بكافة مكوناتهم القومية والدينية والطائفية.

والمرحلة الثانية ترسيخ الحقوق الكردية في النظام الجديد.

لا يجوز تقييم الثورة السورية من خلال تصريحات برهان غليون أو البيانوني أو عرعور.

فالحقوق الكردية تنبثق بالاتفاق مع ثوار حمص ودرعا وحماه وادلب وريف دمشق واللاذقية وبقية المدن المنتفضة.

إن الإيحاء بأن الكرد السورين سيقفون إلى جانب الجهة التي تعطيهم حقوقهم القومية, ولو كانت جهة مستبدة, هو موقف بعيد عن روح العصر, ناهيك أنه موقف غير أنساني.

فالشعب الذي لا يستند في حقوقه على القيم الإنسانية السامية هو شعب غير حضاري بالتأكيد.

لكن الأستاذ صلاح بدر الدين في تعقيبه على رسالة التهنئة للسيد مسعود البرزاني توصل إلى حقائق كبيرة, ولو أنه صاغها بدبلوماسية سياسية بعيدة عن طبيعة الكاتب غالباً.

فهو يشير إلى تباين المواقف والسياسات التكتيكية وأحياناً إلى تضارب المصالح الجزئية والوقتية بين القوى السياسية في أجزاء كردستان الأربعة.

وهذه حقيقة ملموسة لا يستطيع أي كردي القفز فوقها.

والأستاذ صلاح بدر الدين يلمّح بطريقة مهذبة إلى التناقض بل التعارض بين موقفه وموقف السيد مسعود البرزاني حول الحالة السورية عامة والكردية السورية خاصة.

لقد كان من أوائل السياسيين الكرد الذين اعتبروا منذ البداية أن ما يجري في سوريا ثورة وليست مجرد أحداث.

وبذل جهداً سياسياً ملموساً لاستنهاض الأكراد إلى جانب الثورة.

وفي تعقيبه السابق الذكر يتناقض مع السيد مسعود البرزاني الذي ينظر إلى ما يجري في سوريا من خلال رؤية أعضاء المؤتمر الكردي السوري.


لقد قادنا السيد صلاح بدر الدين من خلال خنادق ضيقة حول الإستراتيجية والتكتيك ليصل إلى القول “..

أن الحركة الكردية في المرحلة الراهنة في كل بلد تشكل جزءاً من الحركة الوطنية والديمقراطية فيه وتعمل على حل قضيتها عبر الحوار والنضال المشترك والالتزام بالمصالح الوطنية
“.

أعتقد أن هذا هو جوهر المسألة.

وربما كانت الاختلافات الكردية السورية حول هذه المسألة من إحدى العوامل التي أفشل الاجماع الكردي حول مؤتمر أكثر اجماعاً, وكان لها دور ملموس في انقسام الشارع الكردي.

لماذا غابت هذه الحقيقة عن رسالة السيد مسعود البرزاني مادام يتوجه إلى المؤتمرين بلغة الناصح والمرشد.

أعتقد أن الوعي الكردي الفكري والسياسي في سوريا قادر على تحليل كل الشيفرات السياسية, مهما كانت معقدة.


يبرر الأستاذ صلاح بدر الدين موقف السيد مسعود البرزاني بأن”..إقليم كردستان العراق كجزء من جمهورية العراق يراعي التزاماته السياسية مع المركز الاتحادي بحسب الدستور ويتخذ مواقف الدولة الاتحادية من الجوار والعالم وكذلك هو الحال مع باقي القوى والجماعات السياسية في الأجزاء الأخرى أي أن العامل الوطني يطغى الآن على العامل القومي“.

أليس هذا تبريراً غير منطقي لموقف السيد مسعود البرزاني فيما إذا كان يستند عليه في محتوى رسالته.

فإذا كان المالكي يقف مع النظام السوري نتيجة الضغط الإيراني فهل من الوطنية العراقية أن يتخذ السيد مسعود البرزاني هذا الموقف بحجة الالتزام بالدستور الفدرالي؟ ومن قال أن موقف المالكي ينبثق من الوطنية العراقية؟ إن مالكي طائفي حتى النخاع.
أعتقد أن موقف السيد مسعود البرزاني لا يرتقي إلى مستوى المسؤلية التي تتطلبها المرحلة الراهنة للقضية الكردية في سوريا.

وعلى الشعب الكردي السوري الحق في هذه الحالة أن يحدد موقفه من كل بلد جوار ومن كل شخصية حسب موقف ذلك البلد وتلك الشخصية من الثورة السورية.

لأن الثورة السورية في المحصلة هي ثورة الشعب الكردي أيضاً.


أليس من حق الشعب الكردي في سوريا أن لا يقبل بأن تنظر الأطراف الكردية في كردستان العراق وتركيا إليه بأنه الأخ الأصغر الذي يحتاج إلى رعاية حتى يكبر.

لقد كبر الشعب الكردي السوري, وهو يحمل في ذاكرته عقوداًً من المعانات والتجارب, وبالتالي فهو يعرف ماذا يريد, وقادر أن يعمل باتجاه ما يريد بإرادة صلبة.

وقد قدم الضحايا في هذا المسار, وكان آخرها مقتل المناضل مشعل تمو والشهيدين الآخرين الذين قتلا برصاصات قوى الأمن السوري خلال تأبينه.
ـــــــــــــــــــــــ

للعودة إلى رسالة التهنئة للسيد مسعود البرزاني وتعقيب الأستاذ صلاح بدر الدين يمكن العودة إلى موقع welateme.info تاريخ 7/11/2011

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)* تطورات هامة ومستجدات كبيرة تشكل واقع إيران والمنطقة والعالم. وتشير المواقف المتخذة إلى أن “إيران” في محور هذه التطورات! من هو الرابح ومن هو الخاسر؟ أجريت الانتخابات في ما يقرب من 70 دولة حول العالم، في عام 2024، وكان أهمها الانتخابات الأمريكية. كما فاز الحزب الجمهوري في أمريكا برئاسة الجمهورية، بالإضافة إلى الفوز بأغلبية مقاعد مجلسي…

كفاح محمود منذ تأسيس كثير من دول الشرق الأوسط خاصة تلك التي أُسّست نتيجة اتفاقية سايكس بيكو وخرائطها المفروضة بمبضع بريطاني فرنسي تركي، والأنظمة التي تكوّنت على إثرها عانت وما تزال تعاني من عقدة مركّبة بين هوية الدولة وأزمة نُخَبِها السياسية والثقافية ومفهوم المواطنة والانتماء، ومن أبرز ظواهرها التغييرات الدموية في الأنظمة السياسية التي حكمتها منذ منتصف القرن الماضي وحتى…

بدعوة من لجان تنسيق مشروع حراك ” بزاف ” لاعادة بناء الحركة الكردية السورية ، التامت الندوة الافتراضية الموسعة الثانية ليلة الثالث والعشرين من الشهر الجاري بمشاركة نحو أربعين شخصية وطنية مستقلة ، من بنات وأبناء شعبنا الكردي السوري ، من الداخل وبلدان الشتات ، ومن مختلف الفئات الاجتماعية ، وناشطي المجتمع المدني ، الذين تحاوروا بكل حرية ، وابدوا…

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…