هل حان وقت الانتفاضة على أحزاب المعارضة السورية…؟

الدكتور لقمان حسين*
Dr.luqman68@gmail.com

 يتفق العديد من المحللين والباحثين السياسيين على إن المطالب الإصلاحية والاجتماعية التي تصاعدت مؤخرا في العديد من الدول العربية جاءت كنتيجة منطقية للأوضاع والظروف الصعبة التي تعيشها الشعوب في تلك الدول نتيجة انتشار الفقر والفساد والبطالة على نطاق واسع مع غياب شبه تام للحريات العامة وتزايد ملحوظ للانتهاكات المرتكبة في مجال حقوق الإنسان بحجة تطبيق قوانين الطوارئ  يضاف إلى ذلك حالة الإحباط واليأس والملل التي شعر بها جيل الشباب من الوعود الوهمية المتكررة لحكومات تلك الدول فسرعان ما تحولت  هذه المطالب إلى انتفاضات شعبية عارمة أدت إلى تهاوي أنظمة شمولية لطالما أعتبرت ونتيجة لدورها الهام  في المنطقة العربية بأنها من أكثر الأنظمة العربية أمنا واستقرارا وهذا ما تمثل في كل من مصر وتونس.
واللافت في هذه الانتفاضات إنها قد كشفت أيضاً ضعف المعارضات التقليدية وعدم مقدرتها على تحريك الشارع وقيادته نحو التغييروالاصلاح وأثبتت عدم قدرتها على اخذ المبادرة وتنظيم الجماهير وتوجيهها وقد تجلى ذالك واضحاً في عدم التحاقها بالشارع إلا بعد مضي عدة أيام على بدء الاحتجاجات ويعود السبب الأساسي إلى ترهل قيادات هذه الأحزاب وتشابهها بشكل كبير مع الأحزاب الحاكمة وعدم تبنيها لبرامج واضحة للإصلاح والابتعاد عن هموم الجماهير وخاصة جيل الشباب الحامل الأساسي والمحرك لأي تغيير محتمل.
ولذالك فان مطالبة الأنظمة بالإصلاح والتغيير على أهميتها تفرض على القوى الداعية لها (المعارضة) المبادرة إلى إصلاح نفسها ومواكبة المتغيرات الدولية واستلهام الدروس والعبر من الأحداث الأخيرة آذ ليست الأنظمة وحدها بحاجة للإصلاح, وما يهمنا في هذا المقال هو التركيز على المعارضة السورية وبالتحديد في شقها الكردي المتمثل بالحركة الكوردية في سوريا لأنها من المفروض أن تعبر عن إرادة الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه وبتركيز  خاص على معاناة وآمال الشعب الكردي في سوريا, إذ أن الأحزاب الكوردية التي تقود نضال الشعب الكوردي في سوريا جزء من الحركة الوطنية والديمقراطية في البلاد لدرجة أنها تأثرت بها واكتسبت سماتها حتى في الحياة الحزبية حيث يعود اغلبها إلى زمن الحرب الباردة وبأسس تنظيمية لينينية وهي اليوم وأكثر من أي وقت مضى مدعوة لمراجعة الذات والوقوف على المشاكل التي تعاني منها وهي مطالبة بإجراء إصلاحات تنظيمية و مدعوة إلى تبني خطوات لبناء تنظيم ديمقراطي مؤسساتي شفاف لا مكان فيه للفساد والشللية وإقصاء الرأي الأخر وإفساح المجال إمام الطاقات الشابة لتلعب دورها المأمول.
ورغم أن  رياح التغيير قد هبت منذ مايقارب العقدين في مناطق مختلفة من العالم اثر انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية وتبني مفاهيم العلنية والشفافية واحترام حقوق الإنسان والرأي الآخر واعتماد التداول والمؤسساتية في إدارة الأحزاب مع ما شهده العالم من ثورة في مجال الإعلام والمعلوماتية إلا إن الأحزاب الكوردية لم تستطع مواكبة التطورات الأنفة الذكر  رغم محاولة بعضها ملامسة المتغيرات الدولية وإدخال التعديلات في لوائحها التنظيمية التي تعتمد المركزية وإفساح المجال للطاقات الحزبية لتعبر عن نفسها بحرية وقد نجحت بعضها في اعتماد التداول في قيادة الحزب ورأينا في السنوات الأخيرة طاقات شابة كانت كامنة لان القيادات الفردية التقليدية حاولت وبشتى السبل إبقائها في الظل وفي الصفوف الخلفية للحزب وقطع الطريق أمامها  للعمل في المواقع المتقدمة وبالتالي وضع العصي في عجلات الإصلاح والتغيير ومحاولة دفن المشاريع التي يقدمها الشباب لإحداث الإصلاح المنشود.
وفي هذا الصدد وعند الوقوف على الجانب النقدي في أداء الحركة الكوردية في تفاعلها مع المستجدات والمتغيرات وفي تبني برامج واضحة للإصلاح الحزبي والتنظيمي يتبادر للذهن وضع الحزب الديمقراطي التقدمي الكوردي في سوريا وأدائه المخيب للآمال ويعتبر هذا الحزب من أقدم الأحزاب الكوردية في سوريا وقد شهد أزمات وانشقاقات عديدة كانت أخرها تلك الأزمة التي تفجرت بعيد المؤتمر الثالث عشر في أواخر2009 (والذي كان مخيبا للآمال بكل المقاييس) والتي لم تنتهي فصولها كالأزمات السابقة بانشقاق تقليدي بل تم الإعلان عن حركة إصلاحية تقودها مجموعة من الشباب تطالب بإصلاح الحزب سياسيا وتنظيميا ووضع حد للفساد المستشري فيه في مواجهة الجناح الذي يقوده عبد الحميد درويش سكرتير الحزب منذ أكثر من خمسة وأربعون عاما والذي نال من كل أرقام غينس في طول فترة قيادته للحزب  وكان الملفت مطالبة الحركة له (أي للسكرتير) بالتنحي والرحيل، لمسؤوليته عما وصل إليه الحزب اليوم من تراجع على كل المستويات وفرض خيار التأبيد على أعضاء الحزب وتمهيد الظروف لجعل التوريث أمرا واقعا في الحياة الحزبية الكوردية ورفض السكرتير انتخاب نائب له وكان الحزب يفتقر لبديل قادر على قيادته فيما لو حدث فراغ في موقع السكرتير وتذكرنا حالة التقدمي بالحالة المصرية (وان لم تكن المقاربة دقيقة والفارق الكبير بين الرجلين) عندما رفض مبارك تعين نائب له طيلة ثلاثين عاما واضطر في النهاية وعلى مضض وتحت ضغط الشباب المعتصمين في ساحة التحرير للاستجابة لبعض مطالبهم والتي جاءت متأخرة جدا.
والأزمة الأخيرة في التقدمي لم تكن وليدة اللحظة وإنما كانت نتيجة للتراكمات السلبية في الحزب وللصراع بين مؤيدي الإصلاح وبين الساعين للإبقاء على الأوضاع كما هي وفي مقدمتهم سكرتير الحزب لان المطالب الإصلاحية لامست مصالحهم ومواقعهم الحزبية ولذلك لم يعدموا الوسيلة لإقصاء الطرف الأخر بكل السبل الممكنة  .

وتجدر الإشارة إلى أن الوعود المتكررة لسكرتير التقدمي لإصلاح وضع الحزب وكان أخرها في المؤتمر الثاني عشر للحزب لم تجد طريقها للتنفيذ بل على العكس تماماً  كان الانتقام من الداعين للإصلاح دوما الحل الأنجع والأنسب عنده .
ومما يثير الاستغراب والتعجب مطالبة عبد الحميد درويش للسلطات السورية بالإصلاح وعبر رسالة مفتوحة للسيد رئيس الجمهورية في الوقت الذي يرفض فيه أي إصلاح لحزبه رغم المطالبات المتكررة ومنذ عشرات السنين متذرعا بان حزبه و الحركة الكوردية بحاجه له اليوم وأكثر من أي وقت مضى بسبب الظروف الحساسة والدقيقة…!؟ وان حزبه يشهد تجربة ديمقراطية قل نظيرها في الشرق الأوسط وان بعض الغوغاء يحاولون تحطيم صورة الحزب والنيل من مكانته الدولية!؟؟
إن المطالب الإصلاحية التي طرحها بعض الشبان في”حركة الإصلاح في الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا” والتي تتلخص في الإصلاح والشفافية ورفض التأبيد والتوريث في الحزب وتنحي السكرتير تعتبر مطالب جديدة على صعيد الساحة الكوردية الحزبية في سوريا وهي أول حركة تقول لا للاقصاء…لا للفساد… لا لهيمنة السكرتير على مفاصل الحزب التنظيمية والإعلامية والمالية هي مطالب عادلة ومشروعة وتضع المصلحة العامة في المقدمة  كما أنها تضع حدا للهيمنة الفردية للقيادات الحزبية ويجب أن تعمم هذه المطالب على صعيد  أحزاب المعارضة السورية عامة فثقافة الإصلاح في أوساط المعارضة السياسية مهمة نبيلة نظرا لما آلت إليه أوضاع المعارضة السورية عموماً وان تم التركيز في هذه الأسطر على احد الأحزاب الكردية (الديمقراطي التقدمي الكردي) فلأنه وخلال سنوات طويلة من عمره النضالي لعب دوراً قيادياً هاماً في الساحتين الكردية والوطنية قبل أن يتحول بفعل هيمنة وتفرد السكرتير وعدم تنفيذه لوعوده المتكررة بالإصلاح إلى أكثر الأحزاب الكردية ترهلا وعزلة وفسادا وابتعادا عن طموحات وأهداف شعبنا الكوردي في سوريا .
·  كاتب كردي سوري    
 
· للتعليق على المقال في موقع ايلاف يرجى النقر على الرابط التالي:

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…