وثائق ويكيليكس هل تؤثر على بنية التفكير السياسي والدبلوماسي؟! *

  محمد قاسم ” ابن الجزيرة “
m.qibnjezire@hotmail.com

مضطرون دوما للعودة إلى البدايات عندما نكتب عن موضوع ما، لمعرفة مسار النشوء والتبلور فيه.
لكن المشكلة في هذه العودة –البدايات- أن فهمها وتفسيرها؛ يختلفان بين الناس لأسباب عديدة منها: أسباب طبيعية، ومنها: أسباب صنعية…
ومن الأسباب الصنعية، ما هي: ذات خصائص تلقى قبولا اجتماعيا وفقا لقيم أخلاقية سائدة.

 ومنها ما هي:  اجتهاد قد يحمل في أحشائه بُعدا مصلحيا خاصا –بغض النظر عن توافقها مع القيم المشروعة أم لا ..!
هذا الاختلاف يجعل متابعة الأحوال، والأسباب، والنتائج…مهمة ضرورية، ومسؤولية أيضا.
 وتحتاج – في دراستها – لتخصص أحيانا –  وخبرة- دائما-..للوصول إلى معرفة الحقيقة و ما يخالفها-  والصدق والكذب،  والصواب والباطل…الخ.
وربما كان هذا التنوع والتعقيد –في سياق الاختلاف، من عوامل تحريك الحياة؛ وما فيها من تغيّرات، وتطورات، في اتجاهات متنوعة، وكثيرة؛ تضفي الحيوية عليها، وتتطلب حركية للعمل في البناء والتعمير والوصول عموما..
وهذا يفرض – ويفترض- البحث باستمرار عن الصيغ التي تعين الإنسان على تحسين حياته نحو اليسر في المعيشة، والغنى من اجل حياة مرفهة..انبثاقا من رحم المعرفة الواثقة والموضوعية.!
لكن المشكلة أن هذه الجهود الإيجابية من الإنسان-البشر عموما-  تواجه –غالبا- ظروفا غير مواتية، وينبغي التغلب عليها- سواء بسبب الطبيعة ومعيقاتها ،أو بسبب الانحراف – وربما بسبب اختلاف في الاجتهاد مع توفر النية الحسنة-….
المهم أن الظروف ليست دائما –وبالضرورة – في اتجاه يلائم نجاح هذه الجهود الإيجابية.
وهنا ننتقل – على ضوء ما سبق – إلى تساءل:
ترى هل  إن نشر وثائق ويكيليكس وما فيها من أنباء ومواقف،اهتز لها الرسميون في مختلف جهات العالم -ومنها العالم الشرقي والعربي..؟!.
وهل هذا الاهتزاز الذي أحدثه نشر الوثائق، والحرج الذي نتج عنه ؛ سيدفع المعنيين – الطبقة السياسية –  إلى إعادة النظر في أساليبهم التي باتت معروفة  ومبتذلة..والتوجه بصراحة ووضوح أكثر في التعامل الدبلوماسي..الذي يُفهم منها أنها تعتبر المعيار في العلاقة هو النجاح مع الآخر بغض النظر عن الأسلوب والوسائل؛ والتي تصل أحيانا –إن لم نقل غالبا – الى إتباع الكذب والدجل والرياء والنفاق …بل والوسائل القذرة الأخرى كالقتل اغتيالا وغير ذلك مما يصب في هذا النمط من السلوك وتتوجّه الأعمال الاستخباراتية التي تستحل كل شيء باسم المصلحة –الوطنية..القومية..الخ.- وهي – بالإضافة الى الدبلوماسيين والسياسيين عموما ومعهم المالويون-من المال—تكاد تكرس ثقافة مختلفة تماما عن تلك التي جهدت الأديان والفلاسفة والمفكرون والمصلحون …لوضع الأساس لها على أساس المصلحة الإنسانية العامة مع الاعتبار للخصوصيات الإثنية والعقيدية ..في سياق  ذلك.
هل سيتجه هؤلاء الى الوضوح  والشفافية ،أم أنهم سيبتكرون أساليب جديدة لمنع تسريبات وثائقهم السرية، والتي هي -في معظمها-  ذات طبيعة استخباراتية – ليست بالضرورة لمصلحة الوطن ،ولا المجتمع، بقدر ما هي تخدم السلطات الحاكمة، أو اتجاهات ذات نفوذ سياسي ومالي في المجتمع والدولة بشكل عام..؟!
وهل ستكشف هذه الوثائق طبيعة الثقافة السياسية السائدة،ومن ثم تخضعها لأبحاث المفكرين والعلماء والفلاسفة والباحثين..الخ.

تطلعا الى تصحيح مسار الثقافة الكونية في منحى يخدم الكون كله بما فيه البشر.؟
وأخيرا هل ستحرك هذه الوثائق وتسريباتها..

الجماهير الشعبية لتفهم ما يجري حولها، والكيفيات التي تُستغل بها من قبل أولئك الذين يكررون دائما بأنهم حريصون على مصلحتها؛ من القيادات السياسية في أي موقع –حزبي أو سلطوي..؟
بل هل ستحرك هذه الوثائق وجدان المسؤولين عن مجتمعاتهم وشعوبهم ومواطنيهم
ليثوبوا إلى رشدهم، فيحتضنوا مواطنيهم بدلا من القمع الذي يقتل فيهم الوعي،  والتفتح الذهني والسلوكي، وبدلا من:
 هدر أموالهم والثروات الطبيعية…فيما لا يخدم الوطن والشعب ..وبدلا من تبني سياسات تضاد مصالح أوطانهم وشعوبهم..والكون كله بما فيه البشر والكائنات الأخرى..

والبيئة عموما؛ باعتبارها الحاضن للحياة المفترضة بكل معطياتها؟!
لننتظر..ولنأمل…فالتفاؤل يبقى الضرورة الأهم –وربما الوحيدة – فمن اجل استمرار الحياة وعدم الانجراف مع التشويه النفسي الذي قد يزيد من مساحة الانحراف بدلا من تقليصها..!
……………………………..

·  بمناسبة الإفراج بكفالة عن مؤسس موقع ويكيليكس بشروط.

في بريطانيا بعد فشل الاستئناف السويدي لإبقائه معتقلا وطلب تسليمه إليها..

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نحن أبناء قبائل الملية وحرصا منا على وحدة الصف وتمسكا بقيم وتضحيات أجدادنا التاريخية التي دأبت على توحيد الكرد، فإننا ندين ونستنكر بشدة زج اسم عشيرة الملية في البيان الصادر والمعنون ب بيان الكتل السياسية والعشائرية والمدنية الكردية برفض وثيقة مؤتمر القامشلي والذي نشر بتاريخ ٢٨-٠٤-۲۰۲٥- والذي يرفض وثيقة مؤتمر وحدة الموقف والصف الكردي المنعقد في قامشلو بتاريخ ٢٦ نیسان…

بيمان حسين ما حدث في 8 ديسمبر من عام 2024، على قدر جماله وروعته، كان شيئا غير متوقع على الإطلاق. فحلم الانعتاق والتحرر من نير النظام القمعي كان حلما تطلب تحقيقه مهرا غاليا من التضحيات اللامتناهية. في أعرافنا وثقافاتنا، نربط الأشياء غير المفهومة بالقدرة الإلهية، ولكن في هذا الموضوع بالتحديد، هناك رغبات وقدرات أخرى غير إلهية كان لها التأثير الأكبر…

المهندسِ باسل قس نصر الله في زمنٍ مضى، كانتْ سوريّٞةَ تصنعُ رجالاً لا تصنعُهمُ ٱلظروفُ، بلْ يصنعونَ ٱلظروفَ ذاتَها. فارسُ ٱلخوريِّ كانَ واحداً منْ هؤلاءِ: معلماً، ومشرِّعاً، ورجلَ دولةٍ يعرفُ أنَّ الوطنَ ليسَ شعاراً يُرفعُ عندَ ٱلحاجةِ، بلْ عقدَ شرفٍ يُمارسُ كلَّ يومٍ. فارسُ ٱلخوريِّ لمْ يُعرفْ بطائفتِه ولا بمذهبِه، بلْ بسوريّتِه المطلقةِ. وقفَ في وجهِ الانتدابِ الفرنسيِّ،…

جلسة حوارية منظمة من قبل منصة ديفاكتو الحوارية حول مفهوم الإعلان الدستوري في سوريا في فندق الشيراتون . حاضر فيها الاستاذ أحمد سليمان نائب سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا والأستاذ معن الطلاع مدير قسم البحوث العلمية في مركز عمران للدراسات و بتيسير من الأستاذ خورشيد دلي بمشاركة عدد من المثقفين و المهتمين بالشأن السياسي السوري. تمحورت الجلسة حول…