صلاح بدرالدين
نعم نعيش الآن زمن ” الخطاب مابعد الكولونيالية ” التي أرسى بنيته النظرية – فرانز فانون – في كتابه – معذبو الأرض – الذي قدم له الفيلسوف الفرنسي – جان بول سارتر – , ونتخطى عتبة عصر تغيير الخرائط الاقصائية العشوائية منها أو المدروسة المتجاهلة للآخر قوما أو دينا أو فئة التي رسمتها المؤسسات العسكرية – الاستخباراتية المتغلغلة في المستعمرات قبل أكثر من قرن حسب اجتهاداتها الميدانية القابلة للخطأ والصواب ورفعتها الى مكاتب المندوبين الساميين المطلقي الصلاحيات لدولتي انكلترا وفرنسا على وجه الخصوص وايطاليا واسبانيا في عهود مابعد الحرب العالمية الأولى المعروفة بالعصر – الكولونيالي – الذهبي , فمنذ القرن السادس عشر أبدت بريطانيا اهتماماً خاصاً ببلدان المنطقة بسبب تجارتها البرية مع الهند والشرقين الأدنى والأقصى وحذت فرنسا حذوها بل دخلت معها في صراعات تنافسية لتوسيع الحدود الكولونيالية كما حصل على سبيل المثال من خلافات بين الدولتين بشأن توزيع مناطق النفوذ بعد اقرار اتفاقية سايكس – بيكو عام 1916 وقد مرت الغالبية الساحقة من شعوب وأقوام كوكبنا ان لم يكن كلها في مراحل الاحتلال والانتداب والوصاية والعدوان والهيمنة وذاقت طعم – الكولونيالية – من معظم حكومات بلدان أوروبا – المتحضرة ! – الديموقراطية طوال القرون الماضية وحتى القارة الأمريكية لم تسلم منها .
شكل العدوان الثلاثي على مصر الناصرية البلد الأهم في العالم العربي نقطة تحول في مستقبل الدول الأوروبية الاستعمارية – العجوزة – السابقة في الشرق الأوسط وبقدوم سبعينات القرن الماضي بدأ النفوذ البريطاني والفرنسي بالانحسار من شمال افريقيا الى لبنان ومن باب المندب انتهاء بمنطقة الخليج لمصلحة التمدد الأمريكي السريع في المجالات الاقتصادية ( النفط والصادرات والمشاريع الاستثمارية ) والعسكرية ( من تسليح وعقود تدريب واقامة قواعد واتفاقات أمنية ) والثقافية والاعلامية ( بعثات ومنح دراسية وفضائيات ومنظمات مجتمع مدني ) ولم يتوقف الحضور الأمريكي على الصعد السالفة الذكر فحسب بل شمل كما ذكر الكاتب الولوج في عملية تفكيك ليس ماأقامته القوى الكولونيالية من بنى كانت مركبة بالأساس واعادة رسم ما وضعته من حدود فحسب بل طالت كل ما خلفته موازين القوى مابعد الحربين الكونيتين بما في ذلك نتائج مقايضات وتفاهمات الشرق والغرب أو الدول المنتصرة المتحالفة بين ( روزفلت وستالين وتشرشل ) في اعادة هيكلة العالم وتوزيع مناطق النفوذ وقيام أنظمة دول شرق أوروبا في اطار النفوذ السوفييتي وقد عكست النتيجة العملية لهذا الفعل الأمريكي المؤثر المزيد من النتائج الايجابية باتجاه رفع الغبن عن ” الآخر القومي ” بعد سلسلة من االعمليات – الاستقلالية – لعدد من الشعوب والقوميات في أوروبا وآسيا وأفريقيا وفسرت على أنها انتصارلأراداتها في تقرير المصير كما ربط البعض هذه الانجازات الأمريكية وبعضها عبر عمليات التدخل الانساني و– الحروب العادلة – الى تاريخ يعيد نفسه في هذا العصر عندما أعلن الرئيس الأمريكي – ويلسون – قبل نحو قرن عن مبادئه الأربعة عشر بجواز تطبيق حق تقرير مصير الشعوب والتي لم تلاقي الارتياح من مؤتمر السلام بباريس كيف لا وأن الشعوب المعنية هي من ضحايا الكولونيالية الأوروبية في ذلك الزمان .