إن الموضوع هنا لا يسمّي أحداً بطلاً.
الفيسبوك يلغي البطولة المعهودة لأنه لا ينطلق من مبدأ ثابت أو قاعدة معلومات مُحكَمَة، لأن أصل التعاطي الفيسبوكي المظهَر هو نسف المركزية المعلوماتية، كما هو الممكن الكشف عنه فيما يحاول هاوي الفيسبوك القيام به.
صحيح أنه من السهل جداً التحدث في شأن أبطال الفيسبوك، عن رموز رياديين له فيما صنعوه في سياق تصميم أفكار، أو وضع خطط سريعة أو بث شعارات خرجت سريعاً إلى النفوس والرؤوس، وتلمَّست مسالكها في مشاهد تحريض أو احتجاج، أو- حتى- ثورات شعبية،
وما نشهده فيسبوكياً هو هذا الصخب المقلق والذي يثقل على الروح، فلا يعود من الممكن دوام العمل بعقد سابق قديم مع من كانوا أبطالاً أو ما كانته التراجيديا حينها، وما يتسجل في الواجهة الفنية من أسماء معروفة بألقابها وأدوارها.
لقد صار الغفل من الاسم لاعب دور البطولة، والذين يؤدّون هذا الدور الحركي والمتلاطم هم كثر، لتحل الكثرة محل الندرة، وتكون الصورة الفاعلة على مدار الساعة مسمّية بطولات سريعة لكنها لافتة بلقطاتها الفنية كما هو شأن المختار منها وعرضها على الشاشة الصغيرة، وهي ليست صغيرة إلا من باب التمييز” تمييزها عن الشاشة السينمائية”، وكونها عارضة أنشطتها باستمرار، وليسهل التعامل معها نفسياً ويظهر في الاختيار خبراء سياسة وإيديولوجيون وذوو الصلة بالخبر المصور ونوعية المشاهدين وحتى الذين يقيمون في الطرف الأقصى باعتبارهم في صف الخصوم أو الجاري تنبيههم في مواقع اتخاذ القرار…الخ، وما يمكن لهؤلاء أن يقوموا به من جهتهم بأواليات أو ميكانيزمات فيسبوكية من باب الفعل وردّ الفعل على رابط بحثي مختلف، وما يدخل في صحبة المؤثّر المجابه لأن ثمة جمهوراً آخر، الجمهور الذي فقد هو نفسه نمطيته المتداولة وقد انقسم على نفسه، صار الحاضر والغائب، الذات والآخر، الخصم والحكم، المادة وصانعها والمعني بها وفاعل التغيير، ليكون الافتراضَ الأقصى والأكثر غواية بالمقاربة الدلالية، وكيفية جريان فعل الفيسبوك فيه من زوايا مختلفة، أي ليتفسبك وكأنه هو نفسه افتراض عبر الجاري فيه أو باسمه في مدة زمنية قصيرة، غينتسية بنتائجها الخاصة بمفهوم الجمهور عينه.
إنه مشهد طروادي لا يتوقف عن اقتحام مدينة الآخر، ولجوء الآخر هذا إلى تحبيك جبهة فيسبوكية والبحث عن حصان طروادي يليق به ويتناسب وتقديره للموقف ولخصمه الراصد له: جمهور ضد جمهور هما واحد أساساً، وعالم ضد عالم في أمكنة مرئية وغير مرئية ومباغتة لصناع القرَّار، كما لو أن اولمبياداً عالمياً قد أعد عدته لهذا الغرض في انفجار جنون مشتهىً لا يكاد يسلم من عدواه أحد، أحد، ولتبرز الأعراض ومقاومتها تبعاً للموقف وأهليه طبعاً، ولنكون إزاء أحصنة طروادية متكاثرة متزاحمة تقلق آلهة الأولمب نفسها ومن هم في مقام هؤلاء قرباً أو بعداً، قليلاً أو كثيراً، في مشاهد جسدية متفاوتة الوضوح، ليكون رهانُ السلط المتجابهة: المسماة في مواقعها المعسكرة والمجيشة لعناصرها، وتلك الغفل من الاسم وغير المعترف بها، وهي في مواقع معرضة للشبهة أو للتشويش عليها، الأمر الذي يحفّز على متابعة هذا الوطيس الحامي فيسبوكياً، لأن عروشاً تسمى هنا، وجيوشاً تدخل في معمعة الصور الصائتة، وهي تنفذ بتأثيرها الصاعق أحياناً إلى حزمة الشبكة العصبية لمن هم في الهرم السلطوي الأعلى وبحسب المرسَل فيسبوكياً دائماً، وهنا نحاط علماً بخاصية الفسيبوك: عدم احترام أي ميثاق واقع، لأن لا ميثاق عمل يعمل الفيسبوكي بمقتضاه، إنما ثمة نوع من حرب الاستنزاف، ثمة عمل فدائي لا يعلَن عنه إلا بعد القيام بالعملية حفاظاً على بلاغة السر، لحظة التفكير بالرموز: الشيفرة التي تصل ما بين القائمين بالعمل الفيسبوكي، وربما نجد إنذاراً فيما بعد، أو صحبة الصورة الملتقطة والمبثوثة في مواقع متنقلة معروضة للنظر وحتى بغية الاتجار، وهذا يذكرنا بالصراع القائم بين الفضائيات ومن ينخرط في لعبتها، وماذا يؤخَذ لقاء أي إسهام فيسبوكي عبر عرض السلعة إنما دون النظر في البعد القيمي، لأن المجابهة الفيسبوكية تعلمنا بأن الجميع سواسية فيما يقومون به، إذ إن مفاهيم الخيانة الوطنية، والعمالة للأجنبي: العدو، والمؤامرة، وضعف الانتماء الوطني، والسلامة الوطنية…الخ، تتعثر في خطاها، عندما ترتبط بواجهة إعلامية منقسمة على نفسها، وقد تخطت الحدود المحروسة بالعسكر وأعدت ذخيرة من نوع آخر، وهذا يعقّد عمل أو مهمة الذين يحرصون على سلامة السلطة القائمة، ويزيد من أعباء المعنيين بالأمن وهو ذاته متغير في مفهومه، لأن المسالك التي يستحدثها الفيسبوك تتبع حقولاً مغناطيسية خاصة تتجاوز حدود مراقبة أي نظام قائم، والكشف عن تحركات على غاية من الدقة والخطورة، ليكون الملعب طوابقياً، والمدرجات الخفية أكثر من العلنية أما الحكام فلا يخضعون لمراقبة محكّمين مختارين مسبقاً، لأن المباريات الفيسبوكية تخص أنظمة أخلاق وسياسات وتوجَّه عن بعد وعن قرب بالتناوب، ليكون الفيسبوك هذا ترجمة حية ومدهشة كذلك لمفهوم الكوانتا، لاهزنبرغ: ضبط الصورة لا يعني ضبط الملتقط لها تماماً، وضبط ملتقط الصورة لا يؤمّن سلامة الضابط لأن ثمة من يصوّره في غفلة عنه، وهو الفارق الإشكالي بين مفهوم السرعة المقدرة بالضبط والمكان العائد إلى المسافة، لنشهد هنا تحدياً لما هو تقليدي متَّبع وضرورة الإسراع بتغيير العلاقة مع هؤلاء الخصوم أو من يكونون في عدادهم، أي المصالحة مع واقع مستجد برعاية فيسبوكية تخص الجميع، ولكنها لا تعدل فيما بينهم، لأن الفيسبوك- أساساً- يقوم على مبدأ المفارقة هذه التي تسمّي المختلفين فيما بينهم إلى درجة التحارب الدامي كما هو الجاري هنا وهناك في العالم، وفي العالم العربي، إذ إن السلطة ذاتها تجد نفسها مسماة لصالح الأكثر مرونة وإدارة مهام على قدر تفهمها الفيسبوكي، وهو تفهم يكاد يشمل عالماً مفتوحاً.
إنه تفهم الكل بينما هو الجزء الذي يُركَّز عليه وهذا لا ينفصل عن الكل( ما يتلقط من صور لمشهد أزمة حاصلة، تمثّل تهديداً، أو تحدياً لذوي الشأن السلطوي، ومن ثم تستعرض خاصيتها في مواقع لا يُتحكَّم بها، لوجود سياسات مختلفة كما هو الجاري بين القنوات الفضائية العربية وغيرها).
الفيسبوك أشبه ما يكون بابن زنى، بلقيط، لا وجود لأب له، وبالتالي، يكون القصف المعنوي والإيقاع بالخصم المعتبر قوياً بحسب القيّم على الحراك الفيسبوكي ومواهبه، إنه الخصم اللدود للآباء جميعاً، لكن ثمة من يعترف بأبوة فيسبوكية جرَّاء هذا الاستيلاد للمشاهد التي تشير إليه بالبنان الضوئي الناطق، بفضائحيات معروضة تليق بأصل الفيسبوك الذي لا يرعوي أو لا يعرف حدوداً، تعبيراً لافتاً عن مرجعيته الذاتية ومن يحتكم إليه، وما يدخل في طور رفض الآبائية في الخارج لنكون إزاء مجازات بالجملة، ولكن الخطأ الفادح حين يظن أي منا أننا مجازيون فقط، عندما يكون المستهدف فيسبوكياً هو الطعن بالثوابت الأبوية هذه التي تقوم أصلاً على المجاز الوهمي: تمردها الذاتي على قانون طبيعتها، وجعل أي فعل لها في عهدة المجاز كما لو أن الواقع لا وجود له، ويعني بالمقابل: إرجاع الواقع إلى ما هو عليه، ومعاينة الأشخاص المتنفذين وهم موضوع الفيسبوك باعتبارهم داخلين في لعبة الزمن ومتحولاته، كما لو أن حكماً أخلاقياً يستدرج هؤلاء إلى دائرة الضوء التاريخية، وتعيين اللقطاء الفعليين كما هو الممكن تلمسه فيما يُقرأ فيسبوكياً ويندرج في تعرية المقامات ومن يتعقب أصولها، وكل ذلك مقدَّر في لعبة عروض القيم التي يكتظ بها ميدان الفيسبوك الهائل التوسع والمرعب فيما يصلنا به لاحقاً..
إنه إيذان بتجلي أخلاقيات جديدة، صادمة، إلى درجة الوقاحة أحياناً، كلما لوحظ في الانتشار الفيسبوكي هذا التمادي من منظور القيّم على الجاري، وما يجري التنويه باسمه والاشتغال عليه، كما هو المتيسر حضوره في عالمنا الراهن، وفي العالم العربي بامتياز.
الفيسبوك لا يمنح حصانة لأحد حتى لمخترعه أو من كان صاحب فكرته والحارس لسلامة بقائه، إنه هو نفسه داخل في لعبته لأن القاعدة التي يعمل الفيسبوك بموجبها هو نزع الاعتراف الإملائي بأي كان، سحب الامتياز فيما يمكنه قوله أو التصرف به أو التمترس داخله.
ثمة نوع من الفوضى اللافتة كما لو أن جيشاً من الأعين والأنامل تتوحد في غابة ضوئية وتبث أرقاماً وكلمات وعبارات متعددة بأوصافها ومراميها أو مغازيها، إنه الجيش الغفل من الاسم وعلامة الموقع، ربما لإعلام من يهمه العلم، أن زمناً تنسَف فيه لغة الوصاية، أو النواهي الضاغطة، قد آن أوان التوقف عنده أو الاعتراف بسلطته.
طبعاً من يعنون بسلطة الفيسبوك، ولو من باب التخريب ونشر البلبلة، ولكن لا شيء يحمل دمغة البراءة، حتى لو كان ذلك لتزجية الوقت، فكيف الحال بمن يجيشون بياض الفيسبوك نفسه في أوقات دون أخرى؟ إنه التباري الفيسبوكي بين أطراف يمكن تلمس أوجه صراعات فيما بينها بصيغ شتى، إنها السلطة في اختبار قواها الحية فيسبوكياً إذاً!