كفاح محمود كريم
حينما كان العراق جحيما وسياط الطغاة تلاحق المناضلين من مدينة إلى أخرى ومن حي إلى آخر كانت سوريا حافظ الأسد تفتح أبوابها لحاملي مشاعل الحرية والانعتاق، ليس هذا فقط فحسب وإنما لتقطع كل أشكال التعاون والعلاقات مع نظام البعث العراقي وقادته، وتغلق الحدود بكاملها وتمنع إي عبور أو اختراق إلا لأولئك الذين يقاومون النظام ممن يحكمون العراق الجديد هذا اليوم.
لم تكن قيادة حافظ الأسد تفرق بين عربي أو كوردي، شيعي أو سني، فقد احتضنت الجميع وتضامنت معهم ومع عوائلهم وأمدتهم بالمال والسلاح والخبرة والأمن والأمان، بل منحتهم جواز سفرها وهوية دولتها للعبور إلى حيث يرغبون، حينما جردهم نظام البعث العراقي ورئيسه صدام حسين من كل ما يثبت هويتهم وجنسيتهم وجواز مرورهم.
هكذا كانت سوريا الأسد مع العراقيين المعارضين والمقاومين لنظام البكر- صدام، دونما أن تقول لهم إنكم شيعة أو سنة، كوردا أم عربا، وكذا كانت في مطلع الستينيات من القرن الماضي لولا أن أصاب بعض مفاصلها فيروسات الشوفينية التي انتقلت من خلال مفكر تلك العقلية ميشيل عفلق ومجموعته التي انشقت لتؤسس كيانا مسخا على شاكلة ما أراد تأسيسه أدولف هتلر في ألمانيا.
ففي عام 1963م كلف أمين الحافظ أحد ضباطه برتبة ملازم وهو (محمد طلب هلال) لكتابة دراسة أو بحث عن الوجود الكوردي في سوريا وكيفية التعاطي معه وبالذات في منطقة الجزيرة السورية، ولم يتأخر ذلك الملازم المغمور في إسقاط مكنوناته الشوفينية ومركبات نقصه في بحث أقل ما يقال عنه، إنه صفحة من أبشع صفحات العنصرية هنا في منطقتنا وفي سوريا التي ما عرفت في تاريخها نمطاً كهذا من التعامل والتعاطي مع الآخرين، بل إنها ربما كانت في غفلة من كثير من القيادات السياسية الأخرى في سوريا.
لقد وضع ذلك الملازم مجموعة من مشاريع إفراغ الجزيرة من الكورد بتشتيتهم وإسقاط جنسياتهم وتهجيرهم تدريجيا إلى خارج سوريا أو تحويلهم إلى نزلاء فندق دون حق المواطنة وإذابة من يتبقى منهم في أغلبية عربية باستخدام استيطان الآخرين على أطلال قراهم ومزارعهم.
فضلا عن اقتراح الأحزمة الأمنية وهي مجاميع من القرى العربية أقيمت على طول الحدود الدولية مع العراق بعد ترحيل وتهجير سكانها الكورد واستقدام عشائر لا تمت بصلة للمنطقة واسكانها هناك مع إعطائها امتيازات ومكافآت في الجيش وقوى الأمن الداخلي.
ولم تمض إلا سنتان وبدأت تلك القوى الشوفينية بتنفيذ مخططها العنصري في شق الصف السوري وزرع الكراهية بين مكوناته وأعراقه وشن حملة شعواء ضد واحد من أهم مكونات الدولة السورية من أحفاد ذلك القائد الذي حرر ذات يوم الأرض العربية في فلسطين! هذا المكون من الكورد الذين أسهموا في بناء سوريا بكل مجالات الحياة في الاقتصاد والصناعة والزراعة والسياسة والآداب والفنون، واستشهد الآلاف من شبابهم ومن مناضليهم لأجل سوريا وسيادتها وحرمة أراضيها منذ استقلالها وحتى آخر حرب من حروبها مع إسرائيل.
وهكذا قاد أمين الحافظ ومجموعته من الجناح الشوفيني عمليات التهجير والفصل العنصري والأحزمة العازلة وإسقاط حقوق المواطنة عن مواطنين سوريين لا ذنب لهم سوى أنهم ليسوا عربا ومن القومية الكوردية ليس إلا!.
ويقول في هذا الصدد رئيس التجمع القومي الموحد في سوريا السيد رفعت الأسد على لسان ناطقه الرسمي انه قاتلهم ونهجهم (ويقصد تيار أمين الحافظ ومجموعته) في شوارع دمشق حتى أدى ذلك أخيرا إلى هروب أمين الحافظ وميشيل عفلق إلى بغداد.
ويستطرد الناطق باسم السيد رفعت الأسد في تعليقه على الإحداث الأخيرة في قامشلو قائلا:
ومن المؤكد أن الأوضاع السابقة ، قد لحق بها الكثير من التحسن بعد ذلك ، لكن الحقيقة التي لا ينبغي إنكارها ولا القفز من فوقها، أن الأمور ظلت، وإلى حد كبير ، محكومة بفكر لم يتحمل اسم حي الكورد التاريخي في دمشق ، حيث تم إلغاؤه ، وإعطاؤه اسما عربيا بديلا ، هو (ركن الدين).
إن ما يجري منذ سقوط نظام حزب البعث العراقي الذي كان يضع نظام حكم الرئيس حافظ الأسد بمستوى إسرائيل في التعامل والتعاطي إلى درجة إعدام أي شخص تثبت علاقته بالبعث السوري أو مجرد مدحه للرئيس الأسد بل إن مجرد العبور عبر الأراضي السورية أو زيارتها تعدو جريمة لا يغفرها النظام السابق، أن ما يجري ألان من احتواء واستقبال وإعادة الحياة لذلك النظام من بعض أوساط الحكم في دمشق لا يجد له إي تبرير أو مسوغ معقول إلا اللهم إن كانت هذه الأوساط تعمل لصالح ذلك النظام من خلال مؤسسات الحكم في سوريا قبل سقوطه وهي تداري تلك العلاقة الخطيرة الآن بادعاء مساعدة الشعب العراقي ومقاومته واتهام مناضلي الأمس بالعمالة للاحتلال!؟ خصوصا وقد فتحت كل أبواب سوريا لأولئك الذين كانوا يعتبرون نظام الرئيس حافظ الأسد أخطر من إسرائيل في أدبياتهم وسلوكياتهم.
بل إن ما جرى في قامشلو منذ انتفاضتها وحتى الهجوم الأخير على مواطنين مدنيين سوريين كورد وهم يحتفلون بعيدهم القومي، وقتل أربعة من شبابهم وجرح العديد منهم تأتي ترجمة لعقلية ذلك النظام الذي كاد يدمر العراق وشعبه والذي ما زال يدفع فاتورة تلك السياسة العنصرية التي استخدمها البعث العراقي ضد الكورد والتركمان والشيعة.
ويتذكر ضحايا رئيس النظام السابق صدام حسين في سوريا والعراق بألم وأسى حينما رفع أولئك المندسون في مؤسسات الحكم السوري الأمنية وتنظيمات الحزب في القامشلو بعد الانتفاضة، صور ذلك الدكتاتور الذي ما برح يعتبر سوريا ورئيسها الراحل وحزبها اخطر من الكيان الصهيوني على حد تعبيره في خطابه بعد إعدام مجموعة محمد عايش عام 1979 م.
إن كل ما حدث منذ أكثر من ثلاثين عاما من تاريخ حكم ذلك النظام من حروب ومآس وتدمير لكوردستان وللجنوب العراقي ولإيران والكويت وللبنى العراقية التحتية وهدر الثروة الهائلة للعراق إنما جاء نتيجة لتلك السياسة الحمقاء في التعاطي مع الكورد والشيعة ومع الجيران عربا وإيرانيين وأتراكا، وأدى آخر المطاف إلى احتلال العراق وإسقاط ذلك النظام الذي فشل في أن يبلور فكرة المواطنة الصحيحة بسياسته الرعناء طوال ما يقارب من أربعة عقود حتى سقطت بغداد دونما مقاومة تذكر وتحولت منظمات وتنظيمات ذلك النظام البائس إلى مجاميع من السراق واللصوص وقطاع الطرق في تنفيذ عمليات السلب والنهب في ما سمي بالحواسم حيث سرقوا كل شيء يتبع المال العام من الموصل وحتى البصرة.
إن الاستهانة بأرواح الآخرين وتهميش مكونات أساسية من الدولة السورية لا يتفق والإرث الراقي للحضارة الشامية والنسيج المحبوك للمجتمع السوري المعروف برقيه وسمو معانيه، ولا يتفق تماما مع ذلك النهج المتوازن للرئيس الراحل حافظ الأسد الذي أرسى نظاما علمانيا وطنيا يدعو للعدل وللمساواة بين مكونات الشعب السوري وأطيافه الزاهية.
وبقي لعقود طويلة لا يساوم على مواقفه من النظام الاستبدادي والشوفيني الذي أقامه ميشيل عفلق ومجموعته في ما سمي بالبعث العراقي برئاسة صدام حسين، ودافع بإصرار عن المعارضة العراقية ومواقفها وتبنى موقفا ايجابيا ومناصرا من القضية الكوردية في العراق وقياداتها طوال العقود الثلاثة قبل سقوط النظام السابق.
إن دولة تنتهج نمطاً كهذا من السلوك لا يمكن لبعض مفاصلها أن تتصرف بما يسيء لسمعة هذا النهج وتقوم بعمليات أقل ما يقال عنها بأنها عمليات إجرامية بحق الإنسان وحقوقه المدنية وحريته في ممارسة شعائره وأعياده القومية والدينية.
هكذا كانت سوريا الأسد مع العراقيين المعارضين والمقاومين لنظام البكر- صدام، دونما أن تقول لهم إنكم شيعة أو سنة، كوردا أم عربا، وكذا كانت في مطلع الستينيات من القرن الماضي لولا أن أصاب بعض مفاصلها فيروسات الشوفينية التي انتقلت من خلال مفكر تلك العقلية ميشيل عفلق ومجموعته التي انشقت لتؤسس كيانا مسخا على شاكلة ما أراد تأسيسه أدولف هتلر في ألمانيا.
ففي عام 1963م كلف أمين الحافظ أحد ضباطه برتبة ملازم وهو (محمد طلب هلال) لكتابة دراسة أو بحث عن الوجود الكوردي في سوريا وكيفية التعاطي معه وبالذات في منطقة الجزيرة السورية، ولم يتأخر ذلك الملازم المغمور في إسقاط مكنوناته الشوفينية ومركبات نقصه في بحث أقل ما يقال عنه، إنه صفحة من أبشع صفحات العنصرية هنا في منطقتنا وفي سوريا التي ما عرفت في تاريخها نمطاً كهذا من التعامل والتعاطي مع الآخرين، بل إنها ربما كانت في غفلة من كثير من القيادات السياسية الأخرى في سوريا.
لقد وضع ذلك الملازم مجموعة من مشاريع إفراغ الجزيرة من الكورد بتشتيتهم وإسقاط جنسياتهم وتهجيرهم تدريجيا إلى خارج سوريا أو تحويلهم إلى نزلاء فندق دون حق المواطنة وإذابة من يتبقى منهم في أغلبية عربية باستخدام استيطان الآخرين على أطلال قراهم ومزارعهم.
فضلا عن اقتراح الأحزمة الأمنية وهي مجاميع من القرى العربية أقيمت على طول الحدود الدولية مع العراق بعد ترحيل وتهجير سكانها الكورد واستقدام عشائر لا تمت بصلة للمنطقة واسكانها هناك مع إعطائها امتيازات ومكافآت في الجيش وقوى الأمن الداخلي.
ولم تمض إلا سنتان وبدأت تلك القوى الشوفينية بتنفيذ مخططها العنصري في شق الصف السوري وزرع الكراهية بين مكوناته وأعراقه وشن حملة شعواء ضد واحد من أهم مكونات الدولة السورية من أحفاد ذلك القائد الذي حرر ذات يوم الأرض العربية في فلسطين! هذا المكون من الكورد الذين أسهموا في بناء سوريا بكل مجالات الحياة في الاقتصاد والصناعة والزراعة والسياسة والآداب والفنون، واستشهد الآلاف من شبابهم ومن مناضليهم لأجل سوريا وسيادتها وحرمة أراضيها منذ استقلالها وحتى آخر حرب من حروبها مع إسرائيل.
وهكذا قاد أمين الحافظ ومجموعته من الجناح الشوفيني عمليات التهجير والفصل العنصري والأحزمة العازلة وإسقاط حقوق المواطنة عن مواطنين سوريين لا ذنب لهم سوى أنهم ليسوا عربا ومن القومية الكوردية ليس إلا!.
ويقول في هذا الصدد رئيس التجمع القومي الموحد في سوريا السيد رفعت الأسد على لسان ناطقه الرسمي انه قاتلهم ونهجهم (ويقصد تيار أمين الحافظ ومجموعته) في شوارع دمشق حتى أدى ذلك أخيرا إلى هروب أمين الحافظ وميشيل عفلق إلى بغداد.
ويستطرد الناطق باسم السيد رفعت الأسد في تعليقه على الإحداث الأخيرة في قامشلو قائلا:
ومن المؤكد أن الأوضاع السابقة ، قد لحق بها الكثير من التحسن بعد ذلك ، لكن الحقيقة التي لا ينبغي إنكارها ولا القفز من فوقها، أن الأمور ظلت، وإلى حد كبير ، محكومة بفكر لم يتحمل اسم حي الكورد التاريخي في دمشق ، حيث تم إلغاؤه ، وإعطاؤه اسما عربيا بديلا ، هو (ركن الدين).
إن ما يجري منذ سقوط نظام حزب البعث العراقي الذي كان يضع نظام حكم الرئيس حافظ الأسد بمستوى إسرائيل في التعامل والتعاطي إلى درجة إعدام أي شخص تثبت علاقته بالبعث السوري أو مجرد مدحه للرئيس الأسد بل إن مجرد العبور عبر الأراضي السورية أو زيارتها تعدو جريمة لا يغفرها النظام السابق، أن ما يجري ألان من احتواء واستقبال وإعادة الحياة لذلك النظام من بعض أوساط الحكم في دمشق لا يجد له إي تبرير أو مسوغ معقول إلا اللهم إن كانت هذه الأوساط تعمل لصالح ذلك النظام من خلال مؤسسات الحكم في سوريا قبل سقوطه وهي تداري تلك العلاقة الخطيرة الآن بادعاء مساعدة الشعب العراقي ومقاومته واتهام مناضلي الأمس بالعمالة للاحتلال!؟ خصوصا وقد فتحت كل أبواب سوريا لأولئك الذين كانوا يعتبرون نظام الرئيس حافظ الأسد أخطر من إسرائيل في أدبياتهم وسلوكياتهم.
بل إن ما جرى في قامشلو منذ انتفاضتها وحتى الهجوم الأخير على مواطنين مدنيين سوريين كورد وهم يحتفلون بعيدهم القومي، وقتل أربعة من شبابهم وجرح العديد منهم تأتي ترجمة لعقلية ذلك النظام الذي كاد يدمر العراق وشعبه والذي ما زال يدفع فاتورة تلك السياسة العنصرية التي استخدمها البعث العراقي ضد الكورد والتركمان والشيعة.
ويتذكر ضحايا رئيس النظام السابق صدام حسين في سوريا والعراق بألم وأسى حينما رفع أولئك المندسون في مؤسسات الحكم السوري الأمنية وتنظيمات الحزب في القامشلو بعد الانتفاضة، صور ذلك الدكتاتور الذي ما برح يعتبر سوريا ورئيسها الراحل وحزبها اخطر من الكيان الصهيوني على حد تعبيره في خطابه بعد إعدام مجموعة محمد عايش عام 1979 م.
إن كل ما حدث منذ أكثر من ثلاثين عاما من تاريخ حكم ذلك النظام من حروب ومآس وتدمير لكوردستان وللجنوب العراقي ولإيران والكويت وللبنى العراقية التحتية وهدر الثروة الهائلة للعراق إنما جاء نتيجة لتلك السياسة الحمقاء في التعاطي مع الكورد والشيعة ومع الجيران عربا وإيرانيين وأتراكا، وأدى آخر المطاف إلى احتلال العراق وإسقاط ذلك النظام الذي فشل في أن يبلور فكرة المواطنة الصحيحة بسياسته الرعناء طوال ما يقارب من أربعة عقود حتى سقطت بغداد دونما مقاومة تذكر وتحولت منظمات وتنظيمات ذلك النظام البائس إلى مجاميع من السراق واللصوص وقطاع الطرق في تنفيذ عمليات السلب والنهب في ما سمي بالحواسم حيث سرقوا كل شيء يتبع المال العام من الموصل وحتى البصرة.
إن الاستهانة بأرواح الآخرين وتهميش مكونات أساسية من الدولة السورية لا يتفق والإرث الراقي للحضارة الشامية والنسيج المحبوك للمجتمع السوري المعروف برقيه وسمو معانيه، ولا يتفق تماما مع ذلك النهج المتوازن للرئيس الراحل حافظ الأسد الذي أرسى نظاما علمانيا وطنيا يدعو للعدل وللمساواة بين مكونات الشعب السوري وأطيافه الزاهية.
وبقي لعقود طويلة لا يساوم على مواقفه من النظام الاستبدادي والشوفيني الذي أقامه ميشيل عفلق ومجموعته في ما سمي بالبعث العراقي برئاسة صدام حسين، ودافع بإصرار عن المعارضة العراقية ومواقفها وتبنى موقفا ايجابيا ومناصرا من القضية الكوردية في العراق وقياداتها طوال العقود الثلاثة قبل سقوط النظام السابق.
إن دولة تنتهج نمطاً كهذا من السلوك لا يمكن لبعض مفاصلها أن تتصرف بما يسيء لسمعة هذا النهج وتقوم بعمليات أقل ما يقال عنها بأنها عمليات إجرامية بحق الإنسان وحقوقه المدنية وحريته في ممارسة شعائره وأعياده القومية والدينية.
حقا إن سوريا حافظ الأسد لا تقتل الصقور، لكنهم ربما كانوا خفافيش يختبئون في زوايا العتمة التي أسسها نظام البعث العراقي وارتحل دون رجعة تاركا أولئك المندسين هنا وهناك بثقافتهم البائسة ينشرون الجريمة والرذيلة أينما حلوا أو ارتحلوا.