الحركة السياسية الكردية في سوريا من غياب الرؤية إلى الارتجالية في صناعة الموقف

نشرة يكيتي *

من خلال القراءة الأولية لموقف مجموع الأحزاب الكردية عشية الأحداث الدموية في مدينة قامشلو، ربما تأخذنا الانفعالية الناجمة عن حجم الجريمة، وبشاعتها، إلى استنتاجات أقل ما يمكن القول فيها أنها لم تكن شمولية ومدروسة بعمق، نتيجة غياب التواصل المطلوب فيما بينها.

فالموقف السياسي المنسجم والمتجانس لمجموع فصائل الحركة السياسية إزاء حدث مفصلي طارئ في الساحة الكردية، يحتاج إلى الكثير من العمل السياسي المشترك على الأرض، وذلك للتوصل إلى رؤية سياسية مشتركة واضحة –قبل كل شيء- يمكن من خلالها بناء الموقف السياسي الواضح والجلي إزاء أي حدث أو أية ممارسة نضالية في هذا الصعيد أو ذاك.

 

ودون الدخول في متاهات الخلافات الحزبية نقول إن المحاولات التي جرت في السابق لتوحيد الخطاب السياسي الكردي، والوصول إلى رؤية مشتركة للحركة، قد باءت بالفشل بسبب الطبيعة المختلفة والمتباينة لهذه الأحزاب.

فلكل فصيل من فصائل الحركة الكردية في سوريا خصوصيته التاريخية والسياسية وثقافته الحزبية الخاصة به.

وهناك الكثير من العوامل التاريخية –داخلياً وخارجياً- ساهمت إلى حد كبير في نشوء ثقافة خاصة، وذهنية حزبية بأبعاد ودلالات اصطفافية مسبقة، بغض النظر عن صوابية هذا الفصيل أو ذاك.

لذا فليس بالأمر السهل أن يقوم هذا الحزب أو هذا الفصيل من فصائل الحركة بحرق المراحل دفعة واحدة، أو يقوم باختزال كل الخلافات وحصرها في الزاوية الضيقة، ليقنع الآخرين بالعدول عن آرائهم في هذا الموقف أو ذاك، فالحالة أكثر تعقيداً مما تبدو، واللوحة السياسية معقدة إلى حد كبير، ولا يمكن القفز من فوق كل الحالات الحزبية بتناقضاتها وتداعياتها والحسم بإطلاق رصاصة الرحمة على التاريخ.
ومنذ زمن ليس بالقريب تحاول بعض فصائل الحركة استنهاض قوى الشعب الكردي، وإخراج الحركة السياسية من حالاتها السكونية، وتجاوز الخطوط التي رسمها النظام تاريخياً، لكن ومع الأسف، قوى الممانعة حتى هذا اليوم تملك الكثير من عناصر القوة.

ورغم النجاحات التي تحققت على الصعيد السياسي والممارسة النضالية منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، إلا أنها لم تحسم الموقف لصالحها حتى اليوم لعدة اعتبارات: منها داخلية متعلقة بضعف الثقافة الوطنية أمام الثقافة الحزبية الموروثة من الولاءات التقليدية لكل فصيل من فصائل الحركة، بالإضافة إلى عدم التواصل مع الجيل الجديد الذي نشأ على ثقافة الإعلام الإلكتروني والفضائيات، وليس له صلة بكل الموروث الحزبي التقليدي، كما أن قوة قمع النظام وممارساته الإرهابية ضد الشعب الكردي على مر عقود من الزمن ساهم في نشوء وشيوع ثقافة الخوف والخنوع، وعمد النظام بكل قوته إلى رعاية هذه الثقافة ودعمها.

هذا بالتزامن مع استهداف مئات بل آلاف المناضلين عبر الملاحقات الأمنية والتعذيب في أقبية السجون والمحاكمات العسكرية، وأمام محاكم أمن الدولة للنيل من عزيمة هؤلاء المناضلين، والحد من تصعيد العملية النضالية، ووأد الطموح الكردي المتنامي في هذه المرحلة الحساسة بالنسبة لتاريخ سوريا، والتي أصبحت دون شك، قاب قوسين أو أدنى من التغيير الحتمي.
وإضافة إلى هذه العوامل هناك العامل الخارجي المتمثل بالعلاقة مع أصدقاء الشعب الكردي عموماً والعلاقة مع الأطراف الكردستانية بشكل خاص، لم تستثمر هذه العلاقة حتى الآن في صالح القضية الكردية في سوريا بالشكل المناسب، فطبيعة العلاقات السائدة تاريخياً ومنذ عقود، حافظت على آلياتها التقليدية لا يحكمها الموقف السياسي بأي شكل من الأشكال، ولا المصلحة القومية للشعب الكردي عموماً.
ومن الصعوبة بمكان مواجهة كل هذه الممانعات الخارجية والداخلية والقوى المترامية الأطراف في آن واحد والخروج بصياغة موقف وطني كردي مشرف ومتميز يكون بمستوى الحدث، ومعبر عن طموح الشارع الكردي.

وهنا لابد من التذكير ببعض المواقف الوطنية المشرفة بخصوص هذه الأحداث، ونخص بالذكر موقف التجمع القومي الموحد الذي جاء رداً وطنياً قوياً على كل المشككين بالانتماء الوطني الكردي ومشروعية قضيته القومية، وموقف المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، بالإضافة إلى الموقف المشرف للمناضل مسعود بارزاني –رئيس إقليم كردستان- الذي كان بمثابة صفعة قوية في وجه أعداء شعبنا الكردي، وكان موقفه بحق امتداداً تاريخياً لمواقف البارزاني الخالد تجاه القضية القومية في عموم أجزاء كردستان الأربعة.
ولهذه الأسباب نرى أن الموقف الكردي من أحداث عشية نوروز /2008/ جاء وكأنه ارتجالي، وربما تعرض هذا الموقف للكثير من الانتقاد في الشارع الكردي، لكن لابد من قول الحقيقة كلها، فالموقف جاء بناء على تبعات وضغوط وتراكمات تاريخية سابقة للحدث لا مجال لذكرها كلها في هذا الاستعراض رغم استعراضنا بعضاً منها.
لكن السؤال المشروع الذي يطرح نفسه هو: هل كنا من خلال الاستعراض السابق نبحث عن مبررات فشلنا في إيجاد الأجوبة المقنعة لتساؤلات شعبنا؟؟ بالتأكيد لا، ولا يجب أن نكون كذلك.

إذ لابد من الإسراع والتعجيل بلملمة الصف الوطني الكردي، وتدارك مواطن الخلل في العملية السياسية بشكل عام، والعمل الميداني على الأرض بشكل خاص، من خلال تحديد شكل العلاقة مع ممارسات قمعية كهذه من جانب النظام، والبحث في آليات تصعيد العمل النضالي مع كل الفصائل الوطنية، للرد المناسب في الوقت المناسب، وليكون الموقف مبنياً على رؤية وطنية مشتركة، وجواباً رادعاً لكل من يتجرأ على الاعتداء على شعبنا الكردي.

—-

* نشرة دورية تصدرها اللجنة المركزية لحزب يكيتي الكردي في سوريا – العدد 155 آذار 2008

لمتابعة العدد انقر هنا  yekiti_155

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…