جردات حساب تلفزيونية مشبعة بالمآسي والكوارث

هوشنك أوسي 

عامٌ ينقضي، وآخر يجيء.

وكذا هي لعبة الزمن.

إذ تحيلنا للنظر وراءنا، وإجراء جردة حساب للمتراكم من الأحداث والإنجازات والإخفاقات، بعد فرزها وتصنيفها، من ثمَّ جمعها في ملفّ، يحمل عنوان «حدث في 2008».

لعل هذا العنوان هو القاسم المشترك بين غالبية الفضائيات التي اعتادت أن تقدم في الأسبوع الأخير من أيّ عام، عبر برامجها الإخباريَّة والسياسيَّة والثقافيَّة والفنيَّة، جردات حساب لمجريات العام الموشك على الأفول.

وهكذا نجد القنوات الفضائيَّة منهمكة، ولا تدّخر وسعاً لتقديم البيانات والأرقام وعناوين الأحداث حول تركة العام الذي يلفظ أنفاسه، سواء كان ذلك على الصعيد المحلّي أم العالمي.

وغالباً ما تكون البرامج أو المقالات المعنيَّة بإجراء جردات الحساب تلك، متشابهة، أو متطابقة، في ما يتعلَّق بالشقِّ العالمي.

أمّا ما يتعلَّق بالشقّ المحلّي، فلكلٍّ شؤونه وشجونه.

لذا، ليس مستغرباً أن تجد أحداثاً متعلّقة بالشأن الأميركي، من تجاذبات الانتخابات الرئاسيَّة، ونتائجها، إلى حادثة «الحذاء» الشهيرة.

وما هو متعلِّق بالشأن العراقي من أحداث، ودمويّتها وتجاذباتها حول الفيدراليّة وكركوك والاتفاقيّة الأمنيَّة.

وما يتعلّق بالشأن الإيراني، واختراقاته الإقليميَّة، وتصريحات أحمدي نجاد، مضافاً إليها سعي طهران النووي.

إضافة الى ما يتعلّق بالشأن اللبناني، وأحداث أيّار، ومخاضات انتخاب حكومة «الوحدة الوطنية»، وأحداث تتعلَّق بتركيا واجتياحها الفاشل لكردستان العراق، وقصفها المناطق الحدوديّة طيلة العام، واحتضان أنقرة للمفاوضات غير المباشرة بين تل أبيب ودمشق.

فضلاً عن أحداث تتعلّق بالسودان ودارفور وأفغانستان وباكستان والهند، وأحوال «القاعدة»، وأذرعها الممتدّة في العالم، الخ.

لا تستغرب أن يكون كلّ ذلك موجوداً في كل البرامج ذات الصّلة بـ «جردات الحساب» السياسيَّة الدوليَّة.

وبعد أن تنتهي من مشاهدة إحدى هذه البرامج، قد يخامرك رأي مفاده: ياه!، لقد كان 2008 كابوساً، وزال عن صدورنا! أو قد تقول: لقد كان عاماً أرحم وأرفق بنا من 2007، وما سبقه! أو تقول: اللهمَّ نجّنا مما يخبِّئه لنا 2009!

ومن السياسة ومآسيها تنطلق الى جردات حساب، تتعلّق بالأدب وإنجازاته وجوائزه، والسينما وإنجازاتها وجوائزها، والموسيقى والمسرح والتشكيل والنقد… وجردات حساب للإنجازات العلميَّة في ميادين الطبّ والفيزياء والفضاء والتكنولوجيا، الخ.

وحين تشاهد إحدى هذه البرامج، وما أنجزته إحدى دول الغرب على هذا الصعيد، وما أنجزه الشرق الأوسط مجتمعاً، لن يكون مستغرباً ان يقول لسان حالك: أين نحن؟ والعالم المتحضّر أين؟!.

وحين ينتابك شعور قاتل بالمرارة، وأنت تتصفَّح مجريات العام الذي مضى، ويخيّل اليك، أن الزمن معدوم عندنا، وإن هذا العام، لَكم يشبه سابقه، وسابقَ سابقهِ من حيث البؤس والفقر والبطالة، والنكبات الثقافيَّة والأخلاقيَّة، والمنزلقات الدمويَّة، والأميَّة، والاستبداد والفساد… حينئذ، أشمخ، واعتدّ بنفسك، وردد: أنا شرق أوسطي.

ورقم بطاقتي، من بين شعوب البؤس والتناحر والتحارب والتخاصم… كذا.

وإن «أجمل» السنوات، هي التي لم نعشها بعد.

بحسب قولٍ لشاعر تركيا، ناظم حكمت.


الحياة  – 27/12/08

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…