فيصل يوسف
ليس من الـدقة و الموضوعية، أن نحكم دومــاً علي العـلاقة بين الشعبين العربي والكـردي في كل من سورية والعراق بدلالة السياسـات الحكومية المتبعة في البلـدين والتي ميزت وفرقت بين أبناء الوطن الواحــد وأحدثت شرخا بين متحداتها الوطنية، وألحقت الأذي والضرر بأخوة الشعبين، وتاريخهما المشترك و التي طالما تحطمت عليها أطماع الغزاة والمستعمرين.
ليس من الـدقة و الموضوعية، أن نحكم دومــاً علي العـلاقة بين الشعبين العربي والكـردي في كل من سورية والعراق بدلالة السياسـات الحكومية المتبعة في البلـدين والتي ميزت وفرقت بين أبناء الوطن الواحــد وأحدثت شرخا بين متحداتها الوطنية، وألحقت الأذي والضرر بأخوة الشعبين، وتاريخهما المشترك و التي طالما تحطمت عليها أطماع الغزاة والمستعمرين.
إن الدعوة العربية نحو نهضتها وتحررها، ومنذ بدايات القرن الماضي، لم تكن إلا مشروعا للتحــرر والانعتاق نحو الآفاق الوطنية للحرية والعدالة والمساواة، و بناء دولة الحق والقانون التي يتمتع بها كل المواطنين بحقوقهم سواسية، وهكذا كان الأصل في العراق و سورية، وليس من قبيل المبالغة أو المجاملة القول أن أول دستور لبناء دولة سورية في عام 1928 يعتبر نموذجا لما كان يطمح إليه دعاة المشروع النهضوي العربي الأول في بلادنا، حيث ساهم فيه مختلف ألوان الطيف السياسي و الثقافي و الاجتماعي، بعربه وكرده و إسلامه و مسيحييه نذكر منهم فارس الخوري- إبراهيم هنانو- إبراهيم العلي – شكري القوتلي و كثيرون غيرهم، وقياساً علي المقولة المنطقية بان المقدمات الصحيحة تفضي إلي نتائج صحيحة، فان ذاك الدستور لوبقي معمولا به و بآلياته التي كانت تتضمن تعديله عند اللزوم و الحاجة، لكنا ألان بغني عن كل هذه السلبيات في العلاقات الوطنية والكردية العربية.
فعوضاً عن توسيع دائرة الرابطة القومية وإغنائها بمختلف مكونات مجتمعها، فقد اعتمدت السلطة آراء بعض المنظرين العرب الذين اعتمدوا أفكارا قومية ضيقة مستنسخة من نظريات عرقية سادت أوربا في النصف الأول من القرن الماضي، أتت بالويلات لشعوبها وكانت من نتائجها حربان عالميتان، خلفت ورائهما كماً هائلا من الموت والدمار والفقر والعوز وهدر الكرامة الإنسانية إلا إن تلك الشعوب وبعد أن تبينت لها مدي خطورة تلك النظريات وفداحتها علي مستقبلها تخلصت منها واستعاضت بدلا منها ببناء وحدات اقتصادية وسياسية فيما بينها علي أسس عصرية، ترافقت بتفاعل ثقافي، المنطلق فيها حرية الإنسان وكرامته، وهي الآن تشكل منظومة عصرية، لها ثقلها الاقتصادي والثقافي والسياسي والحضاري في العالم وبقينا نحن في هذه البلدان نعاني من نتائج تلك النظريات ومفاعيلها حتي اليوم.
وإذا كنا نذكر بعضاً من المنظرين العرب و مسؤوليتهم، في إذكاء نار الفـــــــتنة والخلاف بين الكرد والعــــرب، بسبب موقفهم غير العادل و المنصف لقضية الشعب الكردي، وما يتعرض له من مظالم واضطهاد، وغيره من الشعوب والأقليات الاثنية فهذا لا يعبرعن الموقف العربي عموما.
فالزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر رائد المشروع العربي التحرري في النصف الثاني من القرن الماضي كان يؤكـــــد دوما (حسبما نقل عنه) ومنذ عام 1959، أي مذ أن طــرحت المسألة الكردية نفسها بشكل حاد علي مسرح الأحداث في العراق، و علي العلاقات العربية و المشاريع الوحدوية علي الإخاء العربي الكردي، علي ضرورة إزالة كل أسباب التصادم بين الشعبين العربي والكردي، وكان يدفع دائما لتأييـــد مشاريع التوثيق بينهما في العراق كما كان في طليعة القادة العرب القوميين الذين أكدوا علي حق الشعب الكردي في الحصول علي حقوقه القومية، وانه أول من استقبل الزعيم الكردي البارز الراحل مصطفي البرزاني ومرافقيه بعد عودتهم من المنفي بالاتحاد السوفييتي السابق.
لقد كانت هناك في مختلف الحركات القومية العربية تيارات أساسية، تنطلق من منظور إنساني ديمقراطي تقدمي في مقولاتها القومية و في العمل لبناء وحدة الأمة العربية، وفي التعامل مع القوميات الأخري ومع حركات تحرر الشعوب في العالم، وتميزت هذه التيارات برفض الشوفينية و التعصب والتمايز الفئوي، وكافة أشكال الظلم و الاستغلال، وكانت تتطلع من منظور مستقبلي إلي بناء دولة قومية ديمقراطية حديثة.
إن ما يتعرض له أبناء الشعب الكردي في سورية، من هتك لحقوقه القومية المشروعة هو من تداعيات و نتائج، غياب الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، والمواطنة، في عموم البلاد و ليس موقفاً عربياً وان كان طابعها عروبياً لكنه بمضمون استبدادي، فالحركة القومية العربية حين تتذكر مقوماتها الديمقراطية الإنسانية و التقدمية، لا بد أن لا تقبل لنفسها، ولا تريد، بأية حال، أن تفرض سيطرتها، ولا الدمج، والاندماج علي أي شعب آخر.
انه لمن دواعي الأسف أن تلجأ السلطات الحاكمة في بلادنا و بدءاً من ستينيات القرن الماضي، لخطط وإجراءات غير عادلة ولا إنسانية بحق الكورد في سورية أضرت بالتعامل العربي الكردي، حيث لم تكن هناك مشكلات معقدة غير قابلة للحل، في سياق التطور الطبيعي للبلاد، فحالة القربي والقرابة كانت قائمة بين الكثير من العوائل العربية والكردية، وأيضا حيوية التفاعل والاندماج الوطني قبل أن تتخذ السلطات هذه السياسات التمييزية ومن أبرزها سلخ الجنسية عن عشرات الآلاف من المواطنين الكرد في سورية، وتسميتهم بالأجانب، و نزع الملكية الزراعية عنهم، و تسليمها لفلاحين عرب جيء بهم من مناطق أخري (الحزام العربي) وتعريب الأسماء في مناطق التواجد الكردي وإتباع سياسات استثنائية خاصة بهم في أكثر من مجال وصعيد.
اليوم، وفي غمرة انهماك أبناء الشعب السوري بقضاياه الوطنية، والموقف السلبي من جانب السلطة للتحاور مع القوي الوطنية الديمقراطية المعارضة، لإيجاد حلول واقعية لها، فإن المحافظة علي العلاقة العربية الكردية في إطار الوطن السوري، يعتبر عنصراً أساسياً في أي معادلة تنشد الخروج من مأزومية الوضع الراهن، اقتصادياً و ثقافياً و اجتماعياً و ما يجب التأكيد عليه هو إبراز الجانب المضيء في التآخي الكردي العربي، وما يجمع بين هذين الشعبين من روابط تاريخية و دينية وثقافية، ونضال مشترك خاضاه عبر مراحل التاريخ المشترك، ويمكن البناء عليه لمستقبل واعد و الأخذ في الاعتبار بأنه ثمة مفهومية باتت تترسخ لدي جيل الشباب من الكرد و العرب، وكأن حقوقهما متعارضة، وأن احدهما في الطرف المعادي للآخر، مما يفرض علي المعنيين من القوي السياسية العربية والكردية ايلاء هذه الحالة المزيد من الاهتمام وعقد الندوات حولها وان كان الإخوة العرب يتحملون مسؤولية أكثر، لأن الكرد يشعرون بأنهم يعانون من الظلم بواجهة عربية.
..
إن القضية الكردية، وبتعبير المفكر العربي السوري الراحل الدكتور جمال الاتاسي، هي واحدة من المسائل الوطنية الأساسية لهذه المنطقة، و فتح ملفها و دعوة القوي السياسية العربية من حولها، وتحديد الموقف منها إنما يتناول بالضرورة قضيتنا القومية العربية ذاتها، و مقوماتها، ومبادئها، كما يتناول مسائل وحدتنا العربية و سبل تحقيقها.
….ونحن عندما نبحث عن المسالة الكردية، و مستقبلها، فلما لها أيضا من تداخل مع قضيتنا القومية، و من علاقة بها و عندما نسأل عن مستقبلها فلأن له علاقة بمستقبلنا .
إن إعادة الاعتبار للعلاقة العربية الكردية، وتعزيزها وتمتينها والمساهمة معا، لإزالة التصور الخاطئ، و كأن العروبة قومية استعلائية عنصرية، وان الكرد والعرب هما في حالة عداء هو من واجب القوميين الديمقراطيين العرب والكرد و بيان حقيقة أن الشعبين قد عمدا إخوتهما عبر التاريخ المديد بدماء الشهداء والعديد من المقومات التي يمكن الركون إليها لتعزيز وتمتين هذه العري في مواجهة المتعصبين ودعواتهم الضارة وللإنصاف كانت هناك أصوات عربية في الماضي، و توجد الآن في الحاضر، تؤكد أهمية تلبية الحقوق القومية للشعب الكردي، سواء في العراق أم في سورية…
ولا نعتقد بأنه وأيا كانت درجة طمس الحقائق لدي البعض إنكار ما يقوم به الكرد في سورية والعراق من اجل رفعة بلديهما والدفاع عن قضاياهما وسعيهم نحو المواطنة الحقة والإخلاص لوطنهم.
ختاما، أذكر بدعوة المفكر الراحل الدكتور الاتاسي (بأن نبدأ بأنفسنا كعرب و أن نحاسب و أن نطالب أحزابنا ونظمنا قبل أن نحاسب و نطالب الأطراف القومية المقابلة لنا).
عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سورية
25/07/2008
فعوضاً عن توسيع دائرة الرابطة القومية وإغنائها بمختلف مكونات مجتمعها، فقد اعتمدت السلطة آراء بعض المنظرين العرب الذين اعتمدوا أفكارا قومية ضيقة مستنسخة من نظريات عرقية سادت أوربا في النصف الأول من القرن الماضي، أتت بالويلات لشعوبها وكانت من نتائجها حربان عالميتان، خلفت ورائهما كماً هائلا من الموت والدمار والفقر والعوز وهدر الكرامة الإنسانية إلا إن تلك الشعوب وبعد أن تبينت لها مدي خطورة تلك النظريات وفداحتها علي مستقبلها تخلصت منها واستعاضت بدلا منها ببناء وحدات اقتصادية وسياسية فيما بينها علي أسس عصرية، ترافقت بتفاعل ثقافي، المنطلق فيها حرية الإنسان وكرامته، وهي الآن تشكل منظومة عصرية، لها ثقلها الاقتصادي والثقافي والسياسي والحضاري في العالم وبقينا نحن في هذه البلدان نعاني من نتائج تلك النظريات ومفاعيلها حتي اليوم.
وإذا كنا نذكر بعضاً من المنظرين العرب و مسؤوليتهم، في إذكاء نار الفـــــــتنة والخلاف بين الكرد والعــــرب، بسبب موقفهم غير العادل و المنصف لقضية الشعب الكردي، وما يتعرض له من مظالم واضطهاد، وغيره من الشعوب والأقليات الاثنية فهذا لا يعبرعن الموقف العربي عموما.
فالزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر رائد المشروع العربي التحرري في النصف الثاني من القرن الماضي كان يؤكـــــد دوما (حسبما نقل عنه) ومنذ عام 1959، أي مذ أن طــرحت المسألة الكردية نفسها بشكل حاد علي مسرح الأحداث في العراق، و علي العلاقات العربية و المشاريع الوحدوية علي الإخاء العربي الكردي، علي ضرورة إزالة كل أسباب التصادم بين الشعبين العربي والكردي، وكان يدفع دائما لتأييـــد مشاريع التوثيق بينهما في العراق كما كان في طليعة القادة العرب القوميين الذين أكدوا علي حق الشعب الكردي في الحصول علي حقوقه القومية، وانه أول من استقبل الزعيم الكردي البارز الراحل مصطفي البرزاني ومرافقيه بعد عودتهم من المنفي بالاتحاد السوفييتي السابق.
لقد كانت هناك في مختلف الحركات القومية العربية تيارات أساسية، تنطلق من منظور إنساني ديمقراطي تقدمي في مقولاتها القومية و في العمل لبناء وحدة الأمة العربية، وفي التعامل مع القوميات الأخري ومع حركات تحرر الشعوب في العالم، وتميزت هذه التيارات برفض الشوفينية و التعصب والتمايز الفئوي، وكافة أشكال الظلم و الاستغلال، وكانت تتطلع من منظور مستقبلي إلي بناء دولة قومية ديمقراطية حديثة.
إن ما يتعرض له أبناء الشعب الكردي في سورية، من هتك لحقوقه القومية المشروعة هو من تداعيات و نتائج، غياب الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، والمواطنة، في عموم البلاد و ليس موقفاً عربياً وان كان طابعها عروبياً لكنه بمضمون استبدادي، فالحركة القومية العربية حين تتذكر مقوماتها الديمقراطية الإنسانية و التقدمية، لا بد أن لا تقبل لنفسها، ولا تريد، بأية حال، أن تفرض سيطرتها، ولا الدمج، والاندماج علي أي شعب آخر.
انه لمن دواعي الأسف أن تلجأ السلطات الحاكمة في بلادنا و بدءاً من ستينيات القرن الماضي، لخطط وإجراءات غير عادلة ولا إنسانية بحق الكورد في سورية أضرت بالتعامل العربي الكردي، حيث لم تكن هناك مشكلات معقدة غير قابلة للحل، في سياق التطور الطبيعي للبلاد، فحالة القربي والقرابة كانت قائمة بين الكثير من العوائل العربية والكردية، وأيضا حيوية التفاعل والاندماج الوطني قبل أن تتخذ السلطات هذه السياسات التمييزية ومن أبرزها سلخ الجنسية عن عشرات الآلاف من المواطنين الكرد في سورية، وتسميتهم بالأجانب، و نزع الملكية الزراعية عنهم، و تسليمها لفلاحين عرب جيء بهم من مناطق أخري (الحزام العربي) وتعريب الأسماء في مناطق التواجد الكردي وإتباع سياسات استثنائية خاصة بهم في أكثر من مجال وصعيد.
اليوم، وفي غمرة انهماك أبناء الشعب السوري بقضاياه الوطنية، والموقف السلبي من جانب السلطة للتحاور مع القوي الوطنية الديمقراطية المعارضة، لإيجاد حلول واقعية لها، فإن المحافظة علي العلاقة العربية الكردية في إطار الوطن السوري، يعتبر عنصراً أساسياً في أي معادلة تنشد الخروج من مأزومية الوضع الراهن، اقتصادياً و ثقافياً و اجتماعياً و ما يجب التأكيد عليه هو إبراز الجانب المضيء في التآخي الكردي العربي، وما يجمع بين هذين الشعبين من روابط تاريخية و دينية وثقافية، ونضال مشترك خاضاه عبر مراحل التاريخ المشترك، ويمكن البناء عليه لمستقبل واعد و الأخذ في الاعتبار بأنه ثمة مفهومية باتت تترسخ لدي جيل الشباب من الكرد و العرب، وكأن حقوقهما متعارضة، وأن احدهما في الطرف المعادي للآخر، مما يفرض علي المعنيين من القوي السياسية العربية والكردية ايلاء هذه الحالة المزيد من الاهتمام وعقد الندوات حولها وان كان الإخوة العرب يتحملون مسؤولية أكثر، لأن الكرد يشعرون بأنهم يعانون من الظلم بواجهة عربية.
..
إن القضية الكردية، وبتعبير المفكر العربي السوري الراحل الدكتور جمال الاتاسي، هي واحدة من المسائل الوطنية الأساسية لهذه المنطقة، و فتح ملفها و دعوة القوي السياسية العربية من حولها، وتحديد الموقف منها إنما يتناول بالضرورة قضيتنا القومية العربية ذاتها، و مقوماتها، ومبادئها، كما يتناول مسائل وحدتنا العربية و سبل تحقيقها.
….ونحن عندما نبحث عن المسالة الكردية، و مستقبلها، فلما لها أيضا من تداخل مع قضيتنا القومية، و من علاقة بها و عندما نسأل عن مستقبلها فلأن له علاقة بمستقبلنا .
إن إعادة الاعتبار للعلاقة العربية الكردية، وتعزيزها وتمتينها والمساهمة معا، لإزالة التصور الخاطئ، و كأن العروبة قومية استعلائية عنصرية، وان الكرد والعرب هما في حالة عداء هو من واجب القوميين الديمقراطيين العرب والكرد و بيان حقيقة أن الشعبين قد عمدا إخوتهما عبر التاريخ المديد بدماء الشهداء والعديد من المقومات التي يمكن الركون إليها لتعزيز وتمتين هذه العري في مواجهة المتعصبين ودعواتهم الضارة وللإنصاف كانت هناك أصوات عربية في الماضي، و توجد الآن في الحاضر، تؤكد أهمية تلبية الحقوق القومية للشعب الكردي، سواء في العراق أم في سورية…
ولا نعتقد بأنه وأيا كانت درجة طمس الحقائق لدي البعض إنكار ما يقوم به الكرد في سورية والعراق من اجل رفعة بلديهما والدفاع عن قضاياهما وسعيهم نحو المواطنة الحقة والإخلاص لوطنهم.
ختاما، أذكر بدعوة المفكر الراحل الدكتور الاتاسي (بأن نبدأ بأنفسنا كعرب و أن نحاسب و أن نطالب أحزابنا ونظمنا قبل أن نحاسب و نطالب الأطراف القومية المقابلة لنا).
عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سورية
25/07/2008
جريدة القدس العربي