صلاح بدرالدين
في مساهمة سابقة على حلقات أربع وتحت العنوان ذاته طرحت رؤيتي حول جملة من المسائل الخلافية في صفوف ماهي متعارف عليها مجازا وبتحفظ بالمعارضة الوطنية السورية التي مازالت في طور الاكتمال من أطياف وتيارات وأشخاص وحاولت فيها الاشارة الى مجموعة من المسائل السياسية الأساسية مثار الاختلاف والتجاذب والتي تدخل في صلب المشروع الوطني ومنها: (تعريف سوريا الوطن والشعب والتعددية القومية والدينية والمذهبية والاستحقاقات والاعتراف بالحقوق والتزامات دستورية وقانونية وتباينات حول أساليب التغيير ووسائله السلمية منها والجماهيرية أو الدعم الخارجي وتباينات بشأن قراءة المشهد السياسي واصطفاف القوى على الصعيدين الاقليمي (فلسطين – لبنان – العراق – ايران – تركيا – الوضع العربي عموما) والدولي
في مساهمة سابقة على حلقات أربع وتحت العنوان ذاته طرحت رؤيتي حول جملة من المسائل الخلافية في صفوف ماهي متعارف عليها مجازا وبتحفظ بالمعارضة الوطنية السورية التي مازالت في طور الاكتمال من أطياف وتيارات وأشخاص وحاولت فيها الاشارة الى مجموعة من المسائل السياسية الأساسية مثار الاختلاف والتجاذب والتي تدخل في صلب المشروع الوطني ومنها: (تعريف سوريا الوطن والشعب والتعددية القومية والدينية والمذهبية والاستحقاقات والاعتراف بالحقوق والتزامات دستورية وقانونية وتباينات حول أساليب التغيير ووسائله السلمية منها والجماهيرية أو الدعم الخارجي وتباينات بشأن قراءة المشهد السياسي واصطفاف القوى على الصعيدين الاقليمي (فلسطين – لبنان – العراق – ايران – تركيا – الوضع العربي عموما) والدولي
أما بشأن التعارضات حول القضية الكردية وحقوق القوميات والأثنيات فذكرت بعمقها وظهور تبايناتها الجوهرية من خلال الاطلاع على برامج أطياف المعارضة السورية ولا ننسى هنا الخلافات المتفاقمة حول دور وجدوى جماعات الاسلام السياسي في العمل المعارض على ضوء التجارب العملية من حولنا التي توحي بعدم استقرارها السياسي وعجزها عن التطوير والتجديد واللحاق بركب الحضارة اضافة الى وقوف غالبية تلك الجماعات مع تيار الممانعة في المنطقة والى جانب محور طهران – دمشق بغية عرقلة عملية التغيير الديموقراطي ومع انقلابيي غزة وممارساتهم الفاشية التى تندى لها جبين الانسانية وفي تطور لاحق وقفت الى جانب دكتاتور السودان المتهم من محكمة الجنايات الدولية بممارسة جرائم ضد الانسانية واتباع العنصرية ضد شعب دارفور, ويسيطر الآن على مجموعات وأطر المعارضة الراهنة توجهان وعقليتان أحدهما شمولي قومي وديني رغم المغادرة التنظيمية للمدرسة الشمولية الأم أو ادعاء التخلص من الموروث القديم أو الاعلان عن اعادة النظر في برامج عفى عليها الزمن وتجاوزتها الأجيال, وآخر توجه جاد ديموقراطي ليبرالي عقلاني ونزيه صادق مع نفسه ومع الآخرين يجد نفسه في صدام سياسي فكري ثقافي متواصل مع عقلية التفرد العاملة في الظلام والنابذة للعمل الجماعي ونزعة الحق الالهي غير القابلة للنقاش مع نهج معتاد على فرض المواقف واستغلال الآخر بألف وسيلة ووسيلة بما فيها الملتوية في مقاربة واضحة مع سلوكيات نظام الاستبداد المطلوب الخلاص منه أساسا ومن الواضح أن نجد بين النهجين أفرادا يمتهنون الازدواجية لأسباب ذاتية خاصة بهم وهم لايشكلون على أي حال فريقا يحسب له الحساب.
من الحقائق الموضوعية الثابتة التي لاتحتاج الى برهان افتقارنا جميعا في سورية من قوى سياسية في السلطة وخارجها ومثقفين واعلاميين وبدرجات متفاوتة الى الحدود الدنيا من ثقافة وتقاليد العمل الديموقراطي ولم تشهد بلادنا منذ نهاية خمسينات القرن الماضي أية ممارسة فعلية تذكرللحياة السياسية السليمة المستندة الى آليات منظمة معروفة بالتراث البشري في المنافسة السلمية بين المعارضة والحكم وتداول السلطة والمحاسبة والشفافية وأي أداء ثقافي ابداعي حر لتنوير الأجيال جراء طغيان الفكر الشمولي الأحادي المحصن بالأحكام العرفية وقانون الطوارىء والسياج الأمني وسيطرته على مقاليد السلطة بكل السبل بما فيها غير الشرعية عبر قوة الانقلابات العسكرية والخطاب الآيديولوجي الهائج وحرق المراحل بصورة قسرية الذي انعكس سوءا على النمو الطبيعي للطبقات الاجتماعية وأصول التعاملات في مابينها وكوارث على الاقتصاد الوطني والدخل القومي وتوزيع الثروات وتمزيقا على نسيج المكونات السورية باتجاه شيوع عدم الثقة والاقصاء وتعميق الصراعات الهامشية المصطنعة وتشويها على الفكر السياسي ليس لدى الفئات الحاكمة فحسب بل على نخب ورموز الأحزاب وهيئات المجتمع المدني السوري التي رفعت منذ ظهورها شعارات التغيير والاصلاح وحقوق الانسان ومطالب لتحسين أحوال الطبقات والفئات المظلومة والمضطهدة وقدمت غالبيتها من أجل ذلك التضحيات الجسام أيضا.
ثانيا: جبهة الخلاص الوطني
كنت قد تناولت في الحلقة السابقة – اعلان دمشق – بقراءة نقدية باعتباره أحد القوى الرئيسية في الطيف المعارض وتجربة تستحق الاهتمام وتتطلب استخلاص الدروس بالرغم من عمرها الزمني القصير نسبيا وهنا أرى لزاما وفائدة استكمال نقاشنا ببحث تجربة جبهة الخلاص الوطني التي أنتمي اليها بالقراءة النقدية ذاتها بل وأعمق وبصورة أوضح بحكم الاطلاع لأبدأ بالقول أن أزمتها تتخذ شكلا مغايرا لما هو في الاعلان في بعض أوجهها وتشابها في أوجه أخرى حيث انبثقت أساسا من تحالف بين تيارين : – قومي بعثي واسلامي – أعلنا تحالفهما في الاجتماع التشاوري في بروكسل (16 – 17 3 – 2006 ) انضم اليهما ممثلون عن المكون القومي الكردي في المؤتمر التأسيسي الأول ( 4 – 5 6 – 2006 ) بلندن وجماعات ديموقراطية و ليبرالية حزبية ومستقلة في المؤتمر الثاني ببرلين ( 16 – 17 9 – 2007 ) ومن خلال مناقشات المؤتمر الأخير الثرية وتجاذبات الحضور المتعدد القوميات والأديان والتوجهات حول العديد من المسائل المفصلية ومنها النقاش الحاد حول ما طرح عن وحدانية (الهوية الحضارية العربية والإسلامية للشعب السوري،وتعريف ثوابت الأمة ! ؟) التي فسرت أنها جاءت على حساب استبعاد وتجاهل الهويات الأخرى من سكان سوريا الأصليين ومكوناتها وتأثيراتها الثقافية والتاريخية على مر العصور ظهر اصطفاف جديد بين اتجاهين متباعدين في الرؤا واحد تجسد – عمليا – في المحور المؤسس الذي حاول جناحه الأكثر تنظيما وحراكا اعلاميا المساس بجوهر برنامج التغيير المبني على مبدأ التوافق والمشاركة والمصير الواحد يعتبر الجبهة خاصته يتخذ جانب الحذر من مسألة الانفتاح على الآخر غير العربي وغير المسلم وغير السني ولايرتاح الى التيارات الديموقراطية والليبرالية واليسارية ولا يرى فيها سوى غطاء وقت الحاجة وحتى لو اضطر الى التعامل معها فليس الا من باب التكتيك والدعاية الاعلامية وآخر ديموقراطي – يساري – ليبرالي من المكون القومي الكردي والقومي العربي والقادمين منذ المؤتمر الثاني من أحزاب ليبرالية ومستقلين ويساريين حاول جاهدا تكريس برنامج التغيير واللائحة التنظيمية كمرجعية ومأسسة الجبهة دون جدوى وقد مر أكثر من عامين دون أن يتم وضع آلية تنظيمية أو مكتب أو مجلس أو تسلسل قيادي وتوزيع مسؤوليات حسب مبدأ التوافقية المنصوص عليه في برنامج الجبهة .
من المعلوم أن جبهة الخلاص وعلى ضوء الأسباب الموما اليها أعلاه تعيش منذ حين أزمة سياسية وبنيوية في غاية الخطورة تهدد وجودها وتجعلها تقف أمام عتبة خيارين لاثالث بينهما : اما تكريس المعادلة القديمة (تنظيميا وسياسيا واداريا واعلاميا) التي ظهرت فيها للمرة الأولى بالاجتماع التشاوري وطغيانها وهي تعني في واقع الأمر الدوران في حلقة مفرغة ووأد فكرة – الجبهة – من الأساس وتعميق العزلة عن النخب الثقافية والكتلة الشعبية داخل البلاد والاخفاق في توفير مسوغات القبول عربيا واقليميا ودوليا وكمثل العديد من الجماعات الأخرى خارج البلاد أعجز من تحريك ساكن في الداخل , أو في حالة الخيار الثاني (وحسب آليات تنظيمية متعارف عليها) التطور الطبيعي باتجاه التوسع بآلية ديموقراطية وقيادة جماعية وشفافية الى أقصى درجاتها والانفتاح التنظيمي والسياسي بما يلبي مسلتزمات التعددية ومتطلبات انضمام قوى ومكونات متنوعة في المؤتمرين التأسيسي والثاني وفتح الأبواب أمام تيارات وشخصيات جديدة أخرى كتعبير واقعي عن سوريا الحقيقية والجديدة القادمة بعد التغيير وبالمناسبة فان الخيار الأخير لمصلحة كل من يسعى الى التغيير عن حق وحقيقة والسبيل الى تحقيق نوع من التوازن في العمل الوطني الجبهوي بعيدا عن هيمنة فريق واحد أو استئثاره بالقرار السياسي والمقدرات باسم الحقيقة المطلقة أوتقمص الوحي الالهي وقد بات معلوما لأي متابع لأحوال المعارضة عامة وجبهة الخلاص الوطني بشكل خاص مدى تحمل غالبية أعضاء الأمانة العامة من ممثلي المكونات والاتجاهات والمستقلين من الضغوط والانتقادات والاحراجات من قواعدها وأصدقائها ومعارفها بسبب آليات ومسار العمل داخل الجبهة وتصديهم لجميع أنواع التشكيك الموجهة الى الزملاء من رموز (الاجتماع التشاوري) وهم أكثر الناس ادراكا بهذه الحقيقة وهذا واجب نشعر به ونؤديه والتزام بمقتضيات التحالفات الجبهوية قد لايستمران الى مالانهاية اذا لم يواجه بمثله من جهة واذا لم تترسخ تقاليد العمل الديموقراطي بما في ذلك التشارك الحقيقي في القرار السياسي والمصارحة والشفافية وتعزيز الثقة والحد من التردد باالتوافق حول اقرار خطوات عملية لاتخلو من التضحيات في نضال الداخل ساحتنا الرئيسية والمدخل الوحيد للتغيير الديموقراطي من الجهة الأخرى .
ما العمل ؟
انه التساؤل التاريخي الذي يتردد صداه في الآذان ويشد الأبصار في اللحظات الحاسمة من مسيرة الشعوب والمطروح بكل قوة في المرحلة الراهنة على كل من يبدي الغيرة على مستقبل بلادنا ويحرص على اعادة بناء المعارضة الديموقراطية السورية وتنظيم صفوفها وتفعيل دورها كمهمة وطنية لاتقبل التأجيل ومما يعزز التفاؤل بهذا الصدد انكباب عدد من المثقفين الجادين نحو تلمس جوانب هذا الموضوع الحيوي وبذل جهود فكرية وثقافية تشكل مدخلا سليما لحوار منهجي قد ينتج عنه رؤا مشتركة تمهد لبرنامج نضالي يجمع تحت مظلته أكثر القوى والمكونات والجماعات استعدادا لخوض غمار التغيير الديموقراطي وخطوة البدء في ذلك تترجم كما أرى بالعمل على التقاء الأقرب فكريا وثقافيا وسلوكا والأكثر تعبيرا عن مصالح ومطامح الطبقات الشعبية والمكونات الوطنية من مختلف أطياف المعارضة الراهنة وأفرادها وبالأخص ماتمخض عن تجربتي الاعلان والجبهة وجماعات أخرى متواجدة في الداخل وفي أوروبا وأمريكا من نتائج وافرازات واصطفافات جديدة قد تجسد قاعدة سليمة للالتقاء والانطلاق بعد انجاز متطلباتها التنظيمية على صعيدي الداخل والخارج وكذلك البرنامجية والسياسية حسب أفضل السبل والوسائل التي يمكن الحديث عنها في أوانها, ومما يسهل تحقيق هذا التوجه – الاستراتيجي – الواقعي هو ما نلحظه من عملية فرز سياسي جارية من حولنا بمحاولة – مرتدين – مقيمين في الداخل والخارج معروفين بصلاتهم وتبعيتهم لنظام الاستبداد وتخفيهم تحت شعارات ومسميات حقوقية انسانية ! في تنفيذ – انقلاب – محبوكة الخيوط سلطويا ضد التيار المبدئي الصلب الذي يقبع أصحابه في السجون والمعتقلات واقدام البعض ممن كان – معارضا – على اصدار الفتاوى – التصالحية – مع نظام الاستبداد لمجرد التفاوض مع اسرائيل و – رؤية – دمشق وعلى حين غرة شيئا مختلفا عن ما تروج له المعارضة من تهم ونعوت وأضاليل !!؟؟ واعتبار من يهدف الى التغيير الديموقراطي حالما وطوباويا ومبالغا تماما مثل من يدعو الى صيانة النظام – الصامد – دون شروط ووضع الطرفين في سلة واحدة, والدعوة الى دق اسفين – عنصري – بين المعارضة الوطنية العربية من جهة والحركة القومية الديموقراطية الكردية من الجهة الأخرى باستحضار واجترار واستهجان مبادىء أساسية استراتيجية ليست بنت اليوم بل تتصدر النضال الكردي منذ أكثر من قرن مثل اسم وجغرافية وموقع موطن الكرد التاريخي (كردستان) وجزئه السوري الذي رأى النور بعد أن خرج من رحم اتفاقية – سايكس بيكو – الاستعمارية السيئة الصيت وهي معلنة ومطروحة للنقاش والحوار مع الشريك العربي بصورة سلمية ودون اي – استفزاز – لمشاعر أبناء الشعب العربي الشقيق تماما مثل مبادىء وشعارات القوى الوطنية العربية المرفوعة منذ أكثر من قرن حول الوطن العربي الكبير من المحيط الى الخليج ومن ديار بكر الى جنوب السودان واعتبار من يسكن فيه عربا أو أقليات مهاجرة ليست من السكان الأصليين والطرح المستمر لسوريا العربية والعراق العربي دون الاشارة الى الشعوب والقوميات الأخرى التي تعد بالملايين مما لاتثير حفيظتنا ولا تستفزنا بل تدفعنا من موقع الواثق من شرعية قضيته الى مزيد من الحوار والتمسك بالشراكة والاخوة والصداقة لأن تحقيق الحلم الديموقراطي المشترك في بلداننا كفيل باحقاق الحق وتبيان الباطل وترسيخ العيش المشترك على قاعدة الاعتراف المتبادل بالحقوق واذا كان الهدف من اثارة الموضوع الآن زرع الفتنة وتفكيك الصف المعارض أو تحميل الكرد وزر خطايا المعارضة وعجزها فنقول ببساطة أن الحركة القومية الديموقراطية الكردية ستبقى الشعلة الوقادة في الصف الوطني المعارض وأداة تجسير للقاء المعارضين وعامل توازن في صفوفها وهياكلها فهذه هي رسالتها ومبرر وجودها في المرحلة الراهنة وفي المستقبل .
من الحقائق الموضوعية الثابتة التي لاتحتاج الى برهان افتقارنا جميعا في سورية من قوى سياسية في السلطة وخارجها ومثقفين واعلاميين وبدرجات متفاوتة الى الحدود الدنيا من ثقافة وتقاليد العمل الديموقراطي ولم تشهد بلادنا منذ نهاية خمسينات القرن الماضي أية ممارسة فعلية تذكرللحياة السياسية السليمة المستندة الى آليات منظمة معروفة بالتراث البشري في المنافسة السلمية بين المعارضة والحكم وتداول السلطة والمحاسبة والشفافية وأي أداء ثقافي ابداعي حر لتنوير الأجيال جراء طغيان الفكر الشمولي الأحادي المحصن بالأحكام العرفية وقانون الطوارىء والسياج الأمني وسيطرته على مقاليد السلطة بكل السبل بما فيها غير الشرعية عبر قوة الانقلابات العسكرية والخطاب الآيديولوجي الهائج وحرق المراحل بصورة قسرية الذي انعكس سوءا على النمو الطبيعي للطبقات الاجتماعية وأصول التعاملات في مابينها وكوارث على الاقتصاد الوطني والدخل القومي وتوزيع الثروات وتمزيقا على نسيج المكونات السورية باتجاه شيوع عدم الثقة والاقصاء وتعميق الصراعات الهامشية المصطنعة وتشويها على الفكر السياسي ليس لدى الفئات الحاكمة فحسب بل على نخب ورموز الأحزاب وهيئات المجتمع المدني السوري التي رفعت منذ ظهورها شعارات التغيير والاصلاح وحقوق الانسان ومطالب لتحسين أحوال الطبقات والفئات المظلومة والمضطهدة وقدمت غالبيتها من أجل ذلك التضحيات الجسام أيضا.
ثانيا: جبهة الخلاص الوطني
كنت قد تناولت في الحلقة السابقة – اعلان دمشق – بقراءة نقدية باعتباره أحد القوى الرئيسية في الطيف المعارض وتجربة تستحق الاهتمام وتتطلب استخلاص الدروس بالرغم من عمرها الزمني القصير نسبيا وهنا أرى لزاما وفائدة استكمال نقاشنا ببحث تجربة جبهة الخلاص الوطني التي أنتمي اليها بالقراءة النقدية ذاتها بل وأعمق وبصورة أوضح بحكم الاطلاع لأبدأ بالقول أن أزمتها تتخذ شكلا مغايرا لما هو في الاعلان في بعض أوجهها وتشابها في أوجه أخرى حيث انبثقت أساسا من تحالف بين تيارين : – قومي بعثي واسلامي – أعلنا تحالفهما في الاجتماع التشاوري في بروكسل (16 – 17 3 – 2006 ) انضم اليهما ممثلون عن المكون القومي الكردي في المؤتمر التأسيسي الأول ( 4 – 5 6 – 2006 ) بلندن وجماعات ديموقراطية و ليبرالية حزبية ومستقلة في المؤتمر الثاني ببرلين ( 16 – 17 9 – 2007 ) ومن خلال مناقشات المؤتمر الأخير الثرية وتجاذبات الحضور المتعدد القوميات والأديان والتوجهات حول العديد من المسائل المفصلية ومنها النقاش الحاد حول ما طرح عن وحدانية (الهوية الحضارية العربية والإسلامية للشعب السوري،وتعريف ثوابت الأمة ! ؟) التي فسرت أنها جاءت على حساب استبعاد وتجاهل الهويات الأخرى من سكان سوريا الأصليين ومكوناتها وتأثيراتها الثقافية والتاريخية على مر العصور ظهر اصطفاف جديد بين اتجاهين متباعدين في الرؤا واحد تجسد – عمليا – في المحور المؤسس الذي حاول جناحه الأكثر تنظيما وحراكا اعلاميا المساس بجوهر برنامج التغيير المبني على مبدأ التوافق والمشاركة والمصير الواحد يعتبر الجبهة خاصته يتخذ جانب الحذر من مسألة الانفتاح على الآخر غير العربي وغير المسلم وغير السني ولايرتاح الى التيارات الديموقراطية والليبرالية واليسارية ولا يرى فيها سوى غطاء وقت الحاجة وحتى لو اضطر الى التعامل معها فليس الا من باب التكتيك والدعاية الاعلامية وآخر ديموقراطي – يساري – ليبرالي من المكون القومي الكردي والقومي العربي والقادمين منذ المؤتمر الثاني من أحزاب ليبرالية ومستقلين ويساريين حاول جاهدا تكريس برنامج التغيير واللائحة التنظيمية كمرجعية ومأسسة الجبهة دون جدوى وقد مر أكثر من عامين دون أن يتم وضع آلية تنظيمية أو مكتب أو مجلس أو تسلسل قيادي وتوزيع مسؤوليات حسب مبدأ التوافقية المنصوص عليه في برنامج الجبهة .
من المعلوم أن جبهة الخلاص وعلى ضوء الأسباب الموما اليها أعلاه تعيش منذ حين أزمة سياسية وبنيوية في غاية الخطورة تهدد وجودها وتجعلها تقف أمام عتبة خيارين لاثالث بينهما : اما تكريس المعادلة القديمة (تنظيميا وسياسيا واداريا واعلاميا) التي ظهرت فيها للمرة الأولى بالاجتماع التشاوري وطغيانها وهي تعني في واقع الأمر الدوران في حلقة مفرغة ووأد فكرة – الجبهة – من الأساس وتعميق العزلة عن النخب الثقافية والكتلة الشعبية داخل البلاد والاخفاق في توفير مسوغات القبول عربيا واقليميا ودوليا وكمثل العديد من الجماعات الأخرى خارج البلاد أعجز من تحريك ساكن في الداخل , أو في حالة الخيار الثاني (وحسب آليات تنظيمية متعارف عليها) التطور الطبيعي باتجاه التوسع بآلية ديموقراطية وقيادة جماعية وشفافية الى أقصى درجاتها والانفتاح التنظيمي والسياسي بما يلبي مسلتزمات التعددية ومتطلبات انضمام قوى ومكونات متنوعة في المؤتمرين التأسيسي والثاني وفتح الأبواب أمام تيارات وشخصيات جديدة أخرى كتعبير واقعي عن سوريا الحقيقية والجديدة القادمة بعد التغيير وبالمناسبة فان الخيار الأخير لمصلحة كل من يسعى الى التغيير عن حق وحقيقة والسبيل الى تحقيق نوع من التوازن في العمل الوطني الجبهوي بعيدا عن هيمنة فريق واحد أو استئثاره بالقرار السياسي والمقدرات باسم الحقيقة المطلقة أوتقمص الوحي الالهي وقد بات معلوما لأي متابع لأحوال المعارضة عامة وجبهة الخلاص الوطني بشكل خاص مدى تحمل غالبية أعضاء الأمانة العامة من ممثلي المكونات والاتجاهات والمستقلين من الضغوط والانتقادات والاحراجات من قواعدها وأصدقائها ومعارفها بسبب آليات ومسار العمل داخل الجبهة وتصديهم لجميع أنواع التشكيك الموجهة الى الزملاء من رموز (الاجتماع التشاوري) وهم أكثر الناس ادراكا بهذه الحقيقة وهذا واجب نشعر به ونؤديه والتزام بمقتضيات التحالفات الجبهوية قد لايستمران الى مالانهاية اذا لم يواجه بمثله من جهة واذا لم تترسخ تقاليد العمل الديموقراطي بما في ذلك التشارك الحقيقي في القرار السياسي والمصارحة والشفافية وتعزيز الثقة والحد من التردد باالتوافق حول اقرار خطوات عملية لاتخلو من التضحيات في نضال الداخل ساحتنا الرئيسية والمدخل الوحيد للتغيير الديموقراطي من الجهة الأخرى .
ما العمل ؟
انه التساؤل التاريخي الذي يتردد صداه في الآذان ويشد الأبصار في اللحظات الحاسمة من مسيرة الشعوب والمطروح بكل قوة في المرحلة الراهنة على كل من يبدي الغيرة على مستقبل بلادنا ويحرص على اعادة بناء المعارضة الديموقراطية السورية وتنظيم صفوفها وتفعيل دورها كمهمة وطنية لاتقبل التأجيل ومما يعزز التفاؤل بهذا الصدد انكباب عدد من المثقفين الجادين نحو تلمس جوانب هذا الموضوع الحيوي وبذل جهود فكرية وثقافية تشكل مدخلا سليما لحوار منهجي قد ينتج عنه رؤا مشتركة تمهد لبرنامج نضالي يجمع تحت مظلته أكثر القوى والمكونات والجماعات استعدادا لخوض غمار التغيير الديموقراطي وخطوة البدء في ذلك تترجم كما أرى بالعمل على التقاء الأقرب فكريا وثقافيا وسلوكا والأكثر تعبيرا عن مصالح ومطامح الطبقات الشعبية والمكونات الوطنية من مختلف أطياف المعارضة الراهنة وأفرادها وبالأخص ماتمخض عن تجربتي الاعلان والجبهة وجماعات أخرى متواجدة في الداخل وفي أوروبا وأمريكا من نتائج وافرازات واصطفافات جديدة قد تجسد قاعدة سليمة للالتقاء والانطلاق بعد انجاز متطلباتها التنظيمية على صعيدي الداخل والخارج وكذلك البرنامجية والسياسية حسب أفضل السبل والوسائل التي يمكن الحديث عنها في أوانها, ومما يسهل تحقيق هذا التوجه – الاستراتيجي – الواقعي هو ما نلحظه من عملية فرز سياسي جارية من حولنا بمحاولة – مرتدين – مقيمين في الداخل والخارج معروفين بصلاتهم وتبعيتهم لنظام الاستبداد وتخفيهم تحت شعارات ومسميات حقوقية انسانية ! في تنفيذ – انقلاب – محبوكة الخيوط سلطويا ضد التيار المبدئي الصلب الذي يقبع أصحابه في السجون والمعتقلات واقدام البعض ممن كان – معارضا – على اصدار الفتاوى – التصالحية – مع نظام الاستبداد لمجرد التفاوض مع اسرائيل و – رؤية – دمشق وعلى حين غرة شيئا مختلفا عن ما تروج له المعارضة من تهم ونعوت وأضاليل !!؟؟ واعتبار من يهدف الى التغيير الديموقراطي حالما وطوباويا ومبالغا تماما مثل من يدعو الى صيانة النظام – الصامد – دون شروط ووضع الطرفين في سلة واحدة, والدعوة الى دق اسفين – عنصري – بين المعارضة الوطنية العربية من جهة والحركة القومية الديموقراطية الكردية من الجهة الأخرى باستحضار واجترار واستهجان مبادىء أساسية استراتيجية ليست بنت اليوم بل تتصدر النضال الكردي منذ أكثر من قرن مثل اسم وجغرافية وموقع موطن الكرد التاريخي (كردستان) وجزئه السوري الذي رأى النور بعد أن خرج من رحم اتفاقية – سايكس بيكو – الاستعمارية السيئة الصيت وهي معلنة ومطروحة للنقاش والحوار مع الشريك العربي بصورة سلمية ودون اي – استفزاز – لمشاعر أبناء الشعب العربي الشقيق تماما مثل مبادىء وشعارات القوى الوطنية العربية المرفوعة منذ أكثر من قرن حول الوطن العربي الكبير من المحيط الى الخليج ومن ديار بكر الى جنوب السودان واعتبار من يسكن فيه عربا أو أقليات مهاجرة ليست من السكان الأصليين والطرح المستمر لسوريا العربية والعراق العربي دون الاشارة الى الشعوب والقوميات الأخرى التي تعد بالملايين مما لاتثير حفيظتنا ولا تستفزنا بل تدفعنا من موقع الواثق من شرعية قضيته الى مزيد من الحوار والتمسك بالشراكة والاخوة والصداقة لأن تحقيق الحلم الديموقراطي المشترك في بلداننا كفيل باحقاق الحق وتبيان الباطل وترسيخ العيش المشترك على قاعدة الاعتراف المتبادل بالحقوق واذا كان الهدف من اثارة الموضوع الآن زرع الفتنة وتفكيك الصف المعارض أو تحميل الكرد وزر خطايا المعارضة وعجزها فنقول ببساطة أن الحركة القومية الديموقراطية الكردية ستبقى الشعلة الوقادة في الصف الوطني المعارض وأداة تجسير للقاء المعارضين وعامل توازن في صفوفها وهياكلها فهذه هي رسالتها ومبرر وجودها في المرحلة الراهنة وفي المستقبل .