د/ خالد محمد أبوالحسن
لست أبالغ إذا قلت لولا القائد الكردي المسلم صلاح الدين الأيوبي لما استطاعت الأمة أن تنفض عن جسدها غبار ذلك الغم و دنس ذلك العار المسمى بالحروب الصليبية, على أنني دائما ما كنت أتساءل: لماذا لم تظهر تلك الدعوات القومية في هذا الوقت العصيب؟ لماذا لم يظهر صلاح الدين الأيوبي على أنه البطل الكردي, الذي أنقذ العرب قبل الأكراد من حمأة ذلك العار, كنني ما فكرت كثيراًَ في الإجابة عن هذا السؤال لأني أعرف تلك الإجابة
أعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حسم هذا الخلاف بقوله: “لا فرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى” صدقت يا رسول الله, يا حبيب المؤمنين من أمتك, الأكراد منهم و العرب و غيرهم, لقد عرف القواد المسلمون أن كرامتهم في ولائهم للإسلام, لقد عرف القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي أنه عربي مسلم بعشق العرب له, و عرف أنه كردي مؤمن باعتزاز الأكراد بأنه من أبناء جلدتهم و قد عرف الجميع أنهم مسلمون عرب و كرد و فرس و ترك و …… بحبهم لدين الله, و لازال الأكراد يعتزون بكرديتهم انطلاقاً من تاريخهم الإسلامي المشرف, و علو شأنهم بين أخوانهم المسلمين.
العرب و صلتهم بالأكراد بعد الإسلام
ليس هناك من يستطيع أن ينكر على العرب ذلك الشرف الذي أولاهم إياه ظهور خاتم الرسل بينهم و من أشرف قبيلة فيهم, و قد روى البيهقي في دلائل النبوة عن أبي عمار شداد أنه سمع واثلة بن الأسقع يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الله تعالى، اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، و اصطفى قريشاً من كنانة، و اصطفى من قريش بني هاشم، و اصطفاني من بني هاشم.”[1]
و على الرغم من ذلك, فلم يرد عن الرسول صلى الله عليه و سلم أنه فضَّل أحداً من العرب على أخيه المسلم غير العربي, بل إنه صلى الله عليه و سلم جعل التقوى مقياس المفاضلة بين المسلمين على اختلاف مشاربهم و قومياتهم.
أما عن علاقة الأكراد بالعرب بعد الإسلام فهي قديمة قدم انتشار الإسلام في ربوع الجزيرة العربية, و كتب الحديث النبوي الشريف و غيرها تتحدث عن وجود صحابة و تابعين للرسول صلى الله عليه و سلم من أصول كردية أمثال: الصحابي “جابان الكردي” رضي الله عنه, و ابنه التابعي “ميمون الكردي[2]
إن العرب في أواخر العصر الجاهلي، و مع ظهور الإسلام، لم يكونوا يجهلون الكرد، إنهم كانوا يعرفون أن الكرد شعب قائم برأسه، و كانوا يعرفونهم بهذا الاسم تحديداً، و يميّزون بينهم و بين الفرس و الروم و الترك و الأرمن، رغم تبعية الكرد للدولة الفارسية حينذاك، ولذلك لم يُقولوا: (ميمون الفارسي) مثلاً، كما قالوا عن الصحابي الشهير (سلمان الفارسي)، والصحابي (بلال الحبشي)، بل قالوا: ميمون الكردي.[3]
و على هذا, فلم يغفل الشعب الكردي دوره في صدر الإسلام, كما أننا لو بحثنا في تاريخ تابعي التابعين و الأئمة و العلماء من المحدثين و الفقهاء و حفاظ القرآن، لوجدنا الأكراد منهم لا يقلون عن غيرهم من الأمم التي خدمت الإسلام و قدمت كل ما هو نفيس من أجل رفعة هذا الدين[4].
و يبقى أن نشير هنا إلى كلمة حق يجب أن تقال في حق الشعب الكردي, و هي: إذ ا كان الأكراد قد أدوا واجبهم في خدمة الإسلام و بادروا في المشاركة مع بزوغ شمسه، إلا أننا لم نلمس تواجدهم كأكراد أي أنهم لم يحاولوا أن يظهروا أنفسهم كأكراد, بل كان ظهورهم ظهوراً حميداً يحسب لهم لا عليهم، فلئن عرف التاريخ أشاوس الأكراد من المدافعين عن الإسلام فلقد عرفهم على أنهم مسلمون و حسب, و لئن مال القائد صلاح الدين على الصليبيين بسيفه, فلم يكن ذلك باسم الأكراد أو الفرس أو العرب, بل كان باسم الإسلام و في سبيل إعلاء كلمة الحق و الدين.
تم بحمد الله
الحلقة القادمة مع الفرس و علاقتهم بالأكراد
العرب و صلتهم بالأكراد بعد الإسلام
ليس هناك من يستطيع أن ينكر على العرب ذلك الشرف الذي أولاهم إياه ظهور خاتم الرسل بينهم و من أشرف قبيلة فيهم, و قد روى البيهقي في دلائل النبوة عن أبي عمار شداد أنه سمع واثلة بن الأسقع يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الله تعالى، اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، و اصطفى قريشاً من كنانة، و اصطفى من قريش بني هاشم، و اصطفاني من بني هاشم.”[1]
و على الرغم من ذلك, فلم يرد عن الرسول صلى الله عليه و سلم أنه فضَّل أحداً من العرب على أخيه المسلم غير العربي, بل إنه صلى الله عليه و سلم جعل التقوى مقياس المفاضلة بين المسلمين على اختلاف مشاربهم و قومياتهم.
أما عن علاقة الأكراد بالعرب بعد الإسلام فهي قديمة قدم انتشار الإسلام في ربوع الجزيرة العربية, و كتب الحديث النبوي الشريف و غيرها تتحدث عن وجود صحابة و تابعين للرسول صلى الله عليه و سلم من أصول كردية أمثال: الصحابي “جابان الكردي” رضي الله عنه, و ابنه التابعي “ميمون الكردي[2]
إن العرب في أواخر العصر الجاهلي، و مع ظهور الإسلام، لم يكونوا يجهلون الكرد، إنهم كانوا يعرفون أن الكرد شعب قائم برأسه، و كانوا يعرفونهم بهذا الاسم تحديداً، و يميّزون بينهم و بين الفرس و الروم و الترك و الأرمن، رغم تبعية الكرد للدولة الفارسية حينذاك، ولذلك لم يُقولوا: (ميمون الفارسي) مثلاً، كما قالوا عن الصحابي الشهير (سلمان الفارسي)، والصحابي (بلال الحبشي)، بل قالوا: ميمون الكردي.[3]
و على هذا, فلم يغفل الشعب الكردي دوره في صدر الإسلام, كما أننا لو بحثنا في تاريخ تابعي التابعين و الأئمة و العلماء من المحدثين و الفقهاء و حفاظ القرآن، لوجدنا الأكراد منهم لا يقلون عن غيرهم من الأمم التي خدمت الإسلام و قدمت كل ما هو نفيس من أجل رفعة هذا الدين[4].
و يبقى أن نشير هنا إلى كلمة حق يجب أن تقال في حق الشعب الكردي, و هي: إذ ا كان الأكراد قد أدوا واجبهم في خدمة الإسلام و بادروا في المشاركة مع بزوغ شمسه، إلا أننا لم نلمس تواجدهم كأكراد أي أنهم لم يحاولوا أن يظهروا أنفسهم كأكراد, بل كان ظهورهم ظهوراً حميداً يحسب لهم لا عليهم، فلئن عرف التاريخ أشاوس الأكراد من المدافعين عن الإسلام فلقد عرفهم على أنهم مسلمون و حسب, و لئن مال القائد صلاح الدين على الصليبيين بسيفه, فلم يكن ذلك باسم الأكراد أو الفرس أو العرب, بل كان باسم الإسلام و في سبيل إعلاء كلمة الحق و الدين.
تم بحمد الله
الحلقة القادمة مع الفرس و علاقتهم بالأكراد
لرواية الأحاديث عن النبي محمد عليه السلام، مخافة الزيادة أو النقص، و معروف أن بعض الصحابة كانوا يحجمون عن رواية الأحاديث عن النبي محمد عليه السلام خشية السقوط في خلل عند الرواية،
و قد كان سماع جابان من النبي محمد عليه السلام متكررًا؛ أي أن لقاءه بالنبي لم يكن لقاء عابراً، و إنما كان يلتقيه مرارت عديدة، وقد كان الناس يطالبون ابنه ميمونًا بأن يروي لهم ما سمعه عن أبيه، عن النبي محمد عليه السلام.
و الحق أن المعلومات المتعلقة بحياة الصحابي جابان قليلة، بل قليلة جداً، ولا تتحدث عنه المصادر التراثية- ولا سيما كتب التراجم- إلا بأسطر قليلة، لكن ما وصلنا من معلومات حول ابنه التابعي (ميمون) هي التي تنير لنا الطريق إلى حقيقة ذلك الرجل، فالكتب الخاصة برجال الحديث النبوي تذكر تابعيًا اسمه ميمون الكردي، وجاء في كتاب (ميزان الاعتدال في نقد الرجال) للحافظ الذهبي أن كنيته أبو بَصِير، وقد ذكر كل من الحافظ المِزّي والحافظ الذهبي تابعيًا آخر اسمه ميمون بن جابان، وكنيته أبو الحَكَم، روى عن أبي رافع الصائغ، عن أبي هريرة مرفوعًا: “الجراد من صيد البحر”.
وقد روى ميمون الكردي عن أبي عثمان النَّهْدي، وعن أبيه، عن النبي صلى الله عليه و سلم، و روى عنه جماعة منهم الزاهد الشهير مالك بن دِينار، و عدّه أبو داود من الثقات، و قال أحمد بن حنبل في مسنده: حدّثنا يزيد، حدّثنا دَيْلم، حدّثنا ميمون الكردي، عن أبي عثمان؛ سمع عمرَ يخطب، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يقول: ” إن أخوفَ ما أخاف على هذه الأمة كل منافق عليم اللسان و قال اليماني صاحب (الأنوار الكاشفة) عن ميمون الكردي:
” لم يُعزَ و لم أعثر عليه، و والد ميمـون الكردي لا يكاد يُعرف.
و قد ذُكر في أسد الغابة و الإصابة باسم (جابان)، و لم يذكروا له شيئاً.
و سأل مالكُ بن دينار ميمونَ الكردي أنه حدّثْ عن أبيه الذي أدرك النبي و سمع منه، فقال: كان أبي لا يحدّثنا عن النبي مخافة أن يزيد أم ينقص”.
ولم تُذكر السنة التي توفّي فيها التابعي ميمون الكردي، لكن المصادر تشير إلى أن مالك بن دينار الذي روى عنه عاش في البصرة، وتوفّي سنة (123، أو 127، أو 130 هـ)، وإذا أخذنا بالحسبان أن متوسط عمر كل جيل يتراوح بين (35 – 40) سنة ، فذلك يعني أن ميمون الكردي كان على الغالب حيًا في العقد الأخير من القرن الأول الهجري.
(أنظر: دكتور أحمد خليل, مشاهير الكرد في التايخ الإسلامي<http://www.shabablek.com/vb/showthread.php?t=44597>
و قد كان سماع جابان من النبي محمد عليه السلام متكررًا؛ أي أن لقاءه بالنبي لم يكن لقاء عابراً، و إنما كان يلتقيه مرارت عديدة، وقد كان الناس يطالبون ابنه ميمونًا بأن يروي لهم ما سمعه عن أبيه، عن النبي محمد عليه السلام.
و الحق أن المعلومات المتعلقة بحياة الصحابي جابان قليلة، بل قليلة جداً، ولا تتحدث عنه المصادر التراثية- ولا سيما كتب التراجم- إلا بأسطر قليلة، لكن ما وصلنا من معلومات حول ابنه التابعي (ميمون) هي التي تنير لنا الطريق إلى حقيقة ذلك الرجل، فالكتب الخاصة برجال الحديث النبوي تذكر تابعيًا اسمه ميمون الكردي، وجاء في كتاب (ميزان الاعتدال في نقد الرجال) للحافظ الذهبي أن كنيته أبو بَصِير، وقد ذكر كل من الحافظ المِزّي والحافظ الذهبي تابعيًا آخر اسمه ميمون بن جابان، وكنيته أبو الحَكَم، روى عن أبي رافع الصائغ، عن أبي هريرة مرفوعًا: “الجراد من صيد البحر”.
وقد روى ميمون الكردي عن أبي عثمان النَّهْدي، وعن أبيه، عن النبي صلى الله عليه و سلم، و روى عنه جماعة منهم الزاهد الشهير مالك بن دِينار، و عدّه أبو داود من الثقات، و قال أحمد بن حنبل في مسنده: حدّثنا يزيد، حدّثنا دَيْلم، حدّثنا ميمون الكردي، عن أبي عثمان؛ سمع عمرَ يخطب، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يقول: ” إن أخوفَ ما أخاف على هذه الأمة كل منافق عليم اللسان و قال اليماني صاحب (الأنوار الكاشفة) عن ميمون الكردي:
” لم يُعزَ و لم أعثر عليه، و والد ميمـون الكردي لا يكاد يُعرف.
و قد ذُكر في أسد الغابة و الإصابة باسم (جابان)، و لم يذكروا له شيئاً.
و سأل مالكُ بن دينار ميمونَ الكردي أنه حدّثْ عن أبيه الذي أدرك النبي و سمع منه، فقال: كان أبي لا يحدّثنا عن النبي مخافة أن يزيد أم ينقص”.
ولم تُذكر السنة التي توفّي فيها التابعي ميمون الكردي، لكن المصادر تشير إلى أن مالك بن دينار الذي روى عنه عاش في البصرة، وتوفّي سنة (123، أو 127، أو 130 هـ)، وإذا أخذنا بالحسبان أن متوسط عمر كل جيل يتراوح بين (35 – 40) سنة ، فذلك يعني أن ميمون الكردي كان على الغالب حيًا في العقد الأخير من القرن الأول الهجري.
(أنظر: دكتور أحمد خليل, مشاهير الكرد في التايخ الإسلامي<http://www.shabablek.com/vb/showthread.php?t=44597>
[1] – البيهقي, دلائل النبوة, ج1, ص, 108-109.
[2] – كان جابان من الصحابة، فقد لقي النبي محمداً صلى الله عليه وسلم، و سمع منه، و روى عنه، و كان الرجل شديد الورع، إلى درجة أنه كان غير متحمّس
[3] – المرجع السابق
[4] – سوف نتحدث في الحلقات المقبلة عن مشاهير الأكراد.