لقد بات واضحاً أن المنطقة تشهد تحولاً في أجوائها السياسية بعد إتفاق الدوحة اللبناني وما تزامن معه من الإعلان عن مفاوضات سورية- إسرائيلية غير مباشرة بوساطة تركيا، وتحسناً نسبياًً للوضع الأمني في العراق، وانجاز اتفاقية تبادل الأسرى بين حزب الله وإسرائيل، التي توصّلت في الجانب الأخر إلى هدنة مع حماس بوساطة مصرية..
كل ذلك يؤكد ترابط قضايا المنطقة وتلازم مساراتها ودخول لاعبين جدد على خطوطها، ومنها فرنسا التي يسعى رئيسها ساركوزي إلى وضعها في نسيج جديد من العلاقات الدولية مع المحافظة على تقاربها مع السياسة الأمريكية في المنطقة، والتي تواجهها صعوبات جادة خاصة في العراق
كل ذلك يؤكد ترابط قضايا المنطقة وتلازم مساراتها ودخول لاعبين جدد على خطوطها، ومنها فرنسا التي يسعى رئيسها ساركوزي إلى وضعها في نسيج جديد من العلاقات الدولية مع المحافظة على تقاربها مع السياسة الأمريكية في المنطقة، والتي تواجهها صعوبات جادة خاصة في العراق
لكنه بالمقابل يريد تجاوز الشعور الفرنسي العام بأن واشنطن قد أحكمت سيطرتها على الشرق الأوسط بالتعاون مع بريطانيا، في حين خرجت فرنسا خالية الوفاض من هذه المنطقة الإستراتيجية، ولذلك فقد دعا إلى تنفيذ مشروع الإتحاد المتوسطي الذي يهدف من ورائه لتعزيز التعاون بين فرنسا ودول شرق وجنوب المتوسط.
وجاء مؤتمر الإتحاد من أجل المتوسط في 14 تموز الماضي مناسبة لتوجيه الدعوة إلى الرئيس بشار الأسد لزيارة باريس في مبادرة لفتح صفحة جديدة من العلاقات السورية الفرنسية، ورغم أن هذه المبادرة جاءت على خلفية رد الجميل للدور السوري في تسهيل انتخاب الرئيس اللبناني ميشيل سليمان وتشكيل حكومة لبنانية جديدة، لكن تغيّر أولويات السياسة الفرنسية من مجمل قضايا الشرق الأوسط استدعى تحولاً في هذه السياسة، بما في ذلك العلاقات الفرنسية السورية والتي يتطلع كل طرف من خلالها لتحقيق مصالح خاصة، فالجانب الفرنسي الذي يرى في البوابة اللبنانية مدخلاً للعودة إلى المنطقة، حقّق للبنان ما لم يستطع الآخرون تحقيقه حيث قبل الجانب السوري بإقامة علاقات دبلوماسية معه وتعهد بترسيم الحدود بين البلدين بعد تشكيل الحكومة، كما وعد الرئيس الأسد بتحويل المفاوضات مع إسرائيل إلى مباشرة برعاية فرنسية أمريكية مشتركة، إضافة إلى أن من ضمن المحركات تلك العلاقات هو الاندفاع الاستثماري الفرنسي، وقد تجلى ذلك في إقبال شركة لافارج على توقيع عقدين لتنفيذ معملين للإسمنت في سوريا بقيمة حوالي مليار وربع يورو، وكذلك في إمكانية الإفراج عن صفقة الايرباس التي تسمح بتوريد ست طائرات جديدة لصالح شركة الطيران السورية، ووعود مغرية لشركات النقل البحري ولشركات تصنيع المواد الغذائية والكيميائية والنفط والغاز وغيرها، مقابل وعود أخرى من الجانب الفرنسي لإقناع الأوروبيين بتوقيع اتفاقية الشراكة مع سوريا.
ومن جهة أخرى لا يمكن أن نتصور بأن هذه المبادرة جاءت من وراء ظهر الإدارة الأمريكية، بل أنها تأتي بموافقتها لأنها أي المبادرة الفرنسية قد تحقق ما عجزت هذه الإدارة في تحقيقه بأساليب أخرى، ويستدل على ذلك في الترحيب الأمريكي بتبادل التمثيل الدبلوماسي بين لبنان وسوريا، خاصة وأن من بين النقاط المتداولة هو طلب ساركوزي من الرئيس بشار الأسد ليكون وسيطاً بين الاتحاد الأوروبي من خلال فرنسا، وبين نظام طهران بشأن ملفها النووي، وهذا يعني أن فك الارتباط بين النظامين السوري والإيراني لم يكن الخيار الفرنسي الأول لأن ذلك يتعارض مع فرضية تكليف الرئيس الأسد بالوساطة، وهو ينسجم أيضاً مع أولوية الحل الدبلوماسي الأمريكي لهذا الملف، وأن الخيار المفضل هو تغيير العلاقة السورية الإيرانية بصيغتها الحالية، وتشجيع سوريا على تطوير علاقاتها بدلاً من ذلك مع تركيا التي تستطيع سد الفراغ الذي يمكن أن ينشأ عن أي تراجع في تلك العلاقة مع إيران، والتي تتهيأ لدور إقليمي يفتح أمامها أبواب الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد أن تخلصت حكومتها الحالية من تهديدات الحظر بتهمة معاداة العلمانية،علماً أن هذا الموضوع، أي فك الارتباط، يرتبط إلى حد كبير بالعلاقات السورية مع دول الاعتدال العربي التي لا تزال تتعامل بحساسية مع النظام السوري بسبب تحالفه الاستراتيجي مع إيران، التي قد يكون أحد أهداف المبادرة الفرنسية احتوائها من جهة، والإبقاء عليها من جهة ثانية، كفزاعة في المنطقة مثل الإبقاء على لبنان كرهينة للعبة الدولية.
في كل الأحوال فإن ما تقدم يعني أن هناك تغّير في سياسة النظام السوري الإقليمية والدولية أو محاولة تأقلم مع السياسة الأمريكية الأوروبية الداعية إلى تغيير سلوكه، وسواء كان هذا التغيّر بهدف الخروج من العزلة أو من أجل مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة، فإن هذا التغيّر ملموس ويجد تعبيراته في لبنان الذي لا يزال الجانب السوري يبدي استعداداته للتعاون من أجل إعادة الأمن إلى ربوعه، لكن ذلك يزرع القلق في صفوف المعارضة بسبب التباطؤ في موضوع المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الحريري مقابل التعهد بضبط حزب الله، وكذلك في فلسطين التي يساعد على ضبط تنظيماتها المتطرفة، وأيضا مع إسرائيل التي تجري معه مفاوضات غير مباشرة وصلت إلى جولتها الرابعة في استانبول وإعلان عزمه على الاستمرار فيها وتحويلها إلى مفاوضات رسمية مباشرة رغم الإعلان عن تخلي اولمرت عن العمل السياسي وإجراء انتخابات جديدة لاختيار رئيس لحزب كاديما واحتمالات توجّه إسرائيل إلى انتخابات برلمانية مبكرة..
أما في العراق فإن ما يشهده الآن من تراجع للعمليات المسلحة والاقتتال الطائفي، واتساع المناطق المستقرة يعود في بعض أسبابه إلى التعاون السوري الإيراني مع الحكومة العراقية التي تواجه الآن تحدّيات أخرى مثل الاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة الذي لم يتم الاتفاق على بنوده حتى الآن، فيما تواصل اللجان المشتركة مناقشة تفاصيل مذكرة التفاهم البديلة، ومن بين نقاط الخلاف وضع جدول زمني للانسحاب من العراق، كذلك موضوع الحصانة التي يتمتع بها الجنود الأمريكيون، أما التحدي الأخطر فهو قانون مجالس المحافظات بشكل عام والبند 24 منه المتعلق بكركوك بشكل خاص، والذي أثار التصويت عليه، بعيداً عن توافقات القوى السياسية، بما يتعارض مع المادة 140 من الدستور، مخاوف حقيقية وفتح أبواب واسعة للتوتر في ظل أوضاع أمنية غير مستقرة أصلاً.
فالمادة 140 تنص صراحة على ثلاث بنود هي (التطبيع والإحصاء والاستفتاء) أي تصحيح عمليات التعريب السيئة الصيت ثم إجراء إحصاء لتحديد نسب المكوّنات السكانية، ثم إجراء استفتاء لتحديد هوية كركوك..
ورغم أن الجانب الكردي يوافق على اعتماد إحصاء 1957 بدلاً من الاستفتاء حالياً لإزالة الحجج التي يتذرع بها البعض حول الدور الكردي في تغيير طابع المدينة ، فإن مجلس النواب أقدم على إجراء التصويت على القانون المذكور بأسلوب ملتو يتعارض مع الأصول الديمقراطية، وأصر على تقسيم كركوك إلى أربع مناطق انتخابية على أسس قومية ودينية وبنسب غير عادلة وضعت أصلاً لطمس الحقائق التاريخية وتحجيم دور الكرد، وتسبب ذلك بنشوب اضطرابات واسعة في مدن كردستان وزيادة المخاوف من تحوّل الاحتقان المشحون على أساس عنصري إلى مشروع جديد لاضطرابات قد تخطط لها جهات إقليمية، وخاصة إيران وتركيا اللتين لا تخفيان تدخّلهما في شأن كركوك التي تستخدم كمادة للمساومة بين نظامي تلك الدوليتين، وبينهما وبين الحكومة العراقية أيضاً، وكورقة ضغط على حكومة إقليم كردستان.
أما في الداخل السوري فإن القلق يطغى على مشاعر المواطنين وتزداد المخاوف من انعكاس بوادر فك العزلة على النظام التي بدأت من باريس على الحريات العامة، خاصة بعد ما ورد في تصريح للرئيس الأسد بأن (على أوروبا أن تقبلنا كما نحن في قضايانا الداخلية المتعلقة بحقوق الإنسان)، وقد ترجم ذلك عملياً في إصرار السلطة على تقديم كوادر إعلان دمشق إلى محكمة الجنايات بتهم الإساءة لهيبة الدولة وإثارة النعرات العنصرية والمذهبية وتغيير كيان الدولة وغيرها من التهم التي أريد منها التضليل وقلب الحقائق، وهو ما أنكره ورفضه جميع المعتقلين أثناء استجوابهم في محكمة الجنايات الأولى بدمشق بتاريخ 30/7 كما أن تعامل السلطة مع أحداث سجن صيدنايا العسكري، والتي أحيطت بالكتمان والتعتيم الرسمي حول تفاصيل تلك المجزرة، عبّر عن مدى استخفافها بعقول الناس وكرامتهم واستهتارها بحقوقهم..
ورغم غياب المعلومات الدقيقة حول عدد الضحايا ومجريات الحدث، فإن ما يمكن أن نسجّله على هذه المجزرة هو توجيه رسالة الى الداخل السوري لتلمس قدرة السلطة عملياً على القمع، وقطع الطريق أمام أي تحرك معارض، وتوجيه رسالة أخرى للخارج تدّعي الشكوى من القوى الأصولية المتطرفة والاستعداد للمشاركة والتعاون لمكافحة الإرهاب، إضافة الى أسباب أخرى.
ويعبر العامل الأول عن تأزم الوضع المعاشي الداخلي وتعمّق الأزمة الاقتصادية، مما يهدد السلم الأهلي بالتوتر ويبقي الأبواب مفتوحة أمام الاحتجاجات التي قد يغذيها اتساع دائرة الفقر وبروز غول المجاعة في العديد من المحافظة السورية خاصة في الحسكة و دير الزور والرقة وريف حلب على خلفية الجفاف الذي أصاب المواسم الزراعية والثروة الحيوانية، وتجاهل السلطة لأوضاع المواطنين المزرية، وعدم قدرتها على معالجة مشاكلهم وإيجاد الحلول لمعاناتهم العميقة.
وفي الساحة الكردية، وأمام الأوضاع المتأزمة على أكثر من صعيد، فإن الحركة الكردية لا تزال تقف مترددة أمام أزمتها الخاصة والموصوفة بالتشتت والمبتلية بالمهاترات التي ألحقت أضراراً بالغة بإرادة التلاقي والوحدة، مما يتطلب من الجميع، ليس فقط الإعلان عن مصطلحات وشعارات تعني نظرياً وحدة الصف والموقف الوطني الكردي، بل كذلك توفير مستلزمات تلك الوحدة التي تبدأ من بناء الإنسان الملتزم وتحسين سلوكه وإقناعه باحترام الرأي الآخر، والتحرر من أمراض التحزّب والأنانية، والاقتناع بأن الشأن الكردي لا يقتصر على حزب أو مجموعة أحزاب فقط، بل آن الأوان لإعادة السياسة للناس وإعادة الناس لاهتماماتهم السياسية وتنظيم طاقاتهم، ومن هنا فإن المجلس العام للتحالف وضع في مقدمة أهدافه تطوير آلياته التنظيمية بما ينظم العلاقات بين أعضائه (أحزاباً ومستقلين) على أسس سليمة من التوازن بين الحقوق والواجبات، ويترك أبوابه مفتوحة أمام أي حزب أو فرد يرتضي نظامه الداخلي وبرنامجه السياسي.
وهنا لا بد من الإشارة بأن هذا المجلس لا يطرح نفسه بديلاً عن المرجعية الكردية المنشودة التي تتطلب، من ضمن شروطها، أن تنال الشرعية المطلوبة من خلال مؤتمر وطني يشارك فيه كذلك المستقلون الممثلون للفعاليات الاجتماعية والثقافية بنسب عادلة.
31/7/2008
اللجنة السياسية
وجاء مؤتمر الإتحاد من أجل المتوسط في 14 تموز الماضي مناسبة لتوجيه الدعوة إلى الرئيس بشار الأسد لزيارة باريس في مبادرة لفتح صفحة جديدة من العلاقات السورية الفرنسية، ورغم أن هذه المبادرة جاءت على خلفية رد الجميل للدور السوري في تسهيل انتخاب الرئيس اللبناني ميشيل سليمان وتشكيل حكومة لبنانية جديدة، لكن تغيّر أولويات السياسة الفرنسية من مجمل قضايا الشرق الأوسط استدعى تحولاً في هذه السياسة، بما في ذلك العلاقات الفرنسية السورية والتي يتطلع كل طرف من خلالها لتحقيق مصالح خاصة، فالجانب الفرنسي الذي يرى في البوابة اللبنانية مدخلاً للعودة إلى المنطقة، حقّق للبنان ما لم يستطع الآخرون تحقيقه حيث قبل الجانب السوري بإقامة علاقات دبلوماسية معه وتعهد بترسيم الحدود بين البلدين بعد تشكيل الحكومة، كما وعد الرئيس الأسد بتحويل المفاوضات مع إسرائيل إلى مباشرة برعاية فرنسية أمريكية مشتركة، إضافة إلى أن من ضمن المحركات تلك العلاقات هو الاندفاع الاستثماري الفرنسي، وقد تجلى ذلك في إقبال شركة لافارج على توقيع عقدين لتنفيذ معملين للإسمنت في سوريا بقيمة حوالي مليار وربع يورو، وكذلك في إمكانية الإفراج عن صفقة الايرباس التي تسمح بتوريد ست طائرات جديدة لصالح شركة الطيران السورية، ووعود مغرية لشركات النقل البحري ولشركات تصنيع المواد الغذائية والكيميائية والنفط والغاز وغيرها، مقابل وعود أخرى من الجانب الفرنسي لإقناع الأوروبيين بتوقيع اتفاقية الشراكة مع سوريا.
ومن جهة أخرى لا يمكن أن نتصور بأن هذه المبادرة جاءت من وراء ظهر الإدارة الأمريكية، بل أنها تأتي بموافقتها لأنها أي المبادرة الفرنسية قد تحقق ما عجزت هذه الإدارة في تحقيقه بأساليب أخرى، ويستدل على ذلك في الترحيب الأمريكي بتبادل التمثيل الدبلوماسي بين لبنان وسوريا، خاصة وأن من بين النقاط المتداولة هو طلب ساركوزي من الرئيس بشار الأسد ليكون وسيطاً بين الاتحاد الأوروبي من خلال فرنسا، وبين نظام طهران بشأن ملفها النووي، وهذا يعني أن فك الارتباط بين النظامين السوري والإيراني لم يكن الخيار الفرنسي الأول لأن ذلك يتعارض مع فرضية تكليف الرئيس الأسد بالوساطة، وهو ينسجم أيضاً مع أولوية الحل الدبلوماسي الأمريكي لهذا الملف، وأن الخيار المفضل هو تغيير العلاقة السورية الإيرانية بصيغتها الحالية، وتشجيع سوريا على تطوير علاقاتها بدلاً من ذلك مع تركيا التي تستطيع سد الفراغ الذي يمكن أن ينشأ عن أي تراجع في تلك العلاقة مع إيران، والتي تتهيأ لدور إقليمي يفتح أمامها أبواب الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد أن تخلصت حكومتها الحالية من تهديدات الحظر بتهمة معاداة العلمانية،علماً أن هذا الموضوع، أي فك الارتباط، يرتبط إلى حد كبير بالعلاقات السورية مع دول الاعتدال العربي التي لا تزال تتعامل بحساسية مع النظام السوري بسبب تحالفه الاستراتيجي مع إيران، التي قد يكون أحد أهداف المبادرة الفرنسية احتوائها من جهة، والإبقاء عليها من جهة ثانية، كفزاعة في المنطقة مثل الإبقاء على لبنان كرهينة للعبة الدولية.
في كل الأحوال فإن ما تقدم يعني أن هناك تغّير في سياسة النظام السوري الإقليمية والدولية أو محاولة تأقلم مع السياسة الأمريكية الأوروبية الداعية إلى تغيير سلوكه، وسواء كان هذا التغيّر بهدف الخروج من العزلة أو من أجل مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة، فإن هذا التغيّر ملموس ويجد تعبيراته في لبنان الذي لا يزال الجانب السوري يبدي استعداداته للتعاون من أجل إعادة الأمن إلى ربوعه، لكن ذلك يزرع القلق في صفوف المعارضة بسبب التباطؤ في موضوع المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الحريري مقابل التعهد بضبط حزب الله، وكذلك في فلسطين التي يساعد على ضبط تنظيماتها المتطرفة، وأيضا مع إسرائيل التي تجري معه مفاوضات غير مباشرة وصلت إلى جولتها الرابعة في استانبول وإعلان عزمه على الاستمرار فيها وتحويلها إلى مفاوضات رسمية مباشرة رغم الإعلان عن تخلي اولمرت عن العمل السياسي وإجراء انتخابات جديدة لاختيار رئيس لحزب كاديما واحتمالات توجّه إسرائيل إلى انتخابات برلمانية مبكرة..
أما في العراق فإن ما يشهده الآن من تراجع للعمليات المسلحة والاقتتال الطائفي، واتساع المناطق المستقرة يعود في بعض أسبابه إلى التعاون السوري الإيراني مع الحكومة العراقية التي تواجه الآن تحدّيات أخرى مثل الاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة الذي لم يتم الاتفاق على بنوده حتى الآن، فيما تواصل اللجان المشتركة مناقشة تفاصيل مذكرة التفاهم البديلة، ومن بين نقاط الخلاف وضع جدول زمني للانسحاب من العراق، كذلك موضوع الحصانة التي يتمتع بها الجنود الأمريكيون، أما التحدي الأخطر فهو قانون مجالس المحافظات بشكل عام والبند 24 منه المتعلق بكركوك بشكل خاص، والذي أثار التصويت عليه، بعيداً عن توافقات القوى السياسية، بما يتعارض مع المادة 140 من الدستور، مخاوف حقيقية وفتح أبواب واسعة للتوتر في ظل أوضاع أمنية غير مستقرة أصلاً.
فالمادة 140 تنص صراحة على ثلاث بنود هي (التطبيع والإحصاء والاستفتاء) أي تصحيح عمليات التعريب السيئة الصيت ثم إجراء إحصاء لتحديد نسب المكوّنات السكانية، ثم إجراء استفتاء لتحديد هوية كركوك..
ورغم أن الجانب الكردي يوافق على اعتماد إحصاء 1957 بدلاً من الاستفتاء حالياً لإزالة الحجج التي يتذرع بها البعض حول الدور الكردي في تغيير طابع المدينة ، فإن مجلس النواب أقدم على إجراء التصويت على القانون المذكور بأسلوب ملتو يتعارض مع الأصول الديمقراطية، وأصر على تقسيم كركوك إلى أربع مناطق انتخابية على أسس قومية ودينية وبنسب غير عادلة وضعت أصلاً لطمس الحقائق التاريخية وتحجيم دور الكرد، وتسبب ذلك بنشوب اضطرابات واسعة في مدن كردستان وزيادة المخاوف من تحوّل الاحتقان المشحون على أساس عنصري إلى مشروع جديد لاضطرابات قد تخطط لها جهات إقليمية، وخاصة إيران وتركيا اللتين لا تخفيان تدخّلهما في شأن كركوك التي تستخدم كمادة للمساومة بين نظامي تلك الدوليتين، وبينهما وبين الحكومة العراقية أيضاً، وكورقة ضغط على حكومة إقليم كردستان.
أما في الداخل السوري فإن القلق يطغى على مشاعر المواطنين وتزداد المخاوف من انعكاس بوادر فك العزلة على النظام التي بدأت من باريس على الحريات العامة، خاصة بعد ما ورد في تصريح للرئيس الأسد بأن (على أوروبا أن تقبلنا كما نحن في قضايانا الداخلية المتعلقة بحقوق الإنسان)، وقد ترجم ذلك عملياً في إصرار السلطة على تقديم كوادر إعلان دمشق إلى محكمة الجنايات بتهم الإساءة لهيبة الدولة وإثارة النعرات العنصرية والمذهبية وتغيير كيان الدولة وغيرها من التهم التي أريد منها التضليل وقلب الحقائق، وهو ما أنكره ورفضه جميع المعتقلين أثناء استجوابهم في محكمة الجنايات الأولى بدمشق بتاريخ 30/7 كما أن تعامل السلطة مع أحداث سجن صيدنايا العسكري، والتي أحيطت بالكتمان والتعتيم الرسمي حول تفاصيل تلك المجزرة، عبّر عن مدى استخفافها بعقول الناس وكرامتهم واستهتارها بحقوقهم..
ورغم غياب المعلومات الدقيقة حول عدد الضحايا ومجريات الحدث، فإن ما يمكن أن نسجّله على هذه المجزرة هو توجيه رسالة الى الداخل السوري لتلمس قدرة السلطة عملياً على القمع، وقطع الطريق أمام أي تحرك معارض، وتوجيه رسالة أخرى للخارج تدّعي الشكوى من القوى الأصولية المتطرفة والاستعداد للمشاركة والتعاون لمكافحة الإرهاب، إضافة الى أسباب أخرى.
ويعبر العامل الأول عن تأزم الوضع المعاشي الداخلي وتعمّق الأزمة الاقتصادية، مما يهدد السلم الأهلي بالتوتر ويبقي الأبواب مفتوحة أمام الاحتجاجات التي قد يغذيها اتساع دائرة الفقر وبروز غول المجاعة في العديد من المحافظة السورية خاصة في الحسكة و دير الزور والرقة وريف حلب على خلفية الجفاف الذي أصاب المواسم الزراعية والثروة الحيوانية، وتجاهل السلطة لأوضاع المواطنين المزرية، وعدم قدرتها على معالجة مشاكلهم وإيجاد الحلول لمعاناتهم العميقة.
وفي الساحة الكردية، وأمام الأوضاع المتأزمة على أكثر من صعيد، فإن الحركة الكردية لا تزال تقف مترددة أمام أزمتها الخاصة والموصوفة بالتشتت والمبتلية بالمهاترات التي ألحقت أضراراً بالغة بإرادة التلاقي والوحدة، مما يتطلب من الجميع، ليس فقط الإعلان عن مصطلحات وشعارات تعني نظرياً وحدة الصف والموقف الوطني الكردي، بل كذلك توفير مستلزمات تلك الوحدة التي تبدأ من بناء الإنسان الملتزم وتحسين سلوكه وإقناعه باحترام الرأي الآخر، والتحرر من أمراض التحزّب والأنانية، والاقتناع بأن الشأن الكردي لا يقتصر على حزب أو مجموعة أحزاب فقط، بل آن الأوان لإعادة السياسة للناس وإعادة الناس لاهتماماتهم السياسية وتنظيم طاقاتهم، ومن هنا فإن المجلس العام للتحالف وضع في مقدمة أهدافه تطوير آلياته التنظيمية بما ينظم العلاقات بين أعضائه (أحزاباً ومستقلين) على أسس سليمة من التوازن بين الحقوق والواجبات، ويترك أبوابه مفتوحة أمام أي حزب أو فرد يرتضي نظامه الداخلي وبرنامجه السياسي.
وهنا لا بد من الإشارة بأن هذا المجلس لا يطرح نفسه بديلاً عن المرجعية الكردية المنشودة التي تتطلب، من ضمن شروطها، أن تنال الشرعية المطلوبة من خلال مؤتمر وطني يشارك فيه كذلك المستقلون الممثلون للفعاليات الاجتماعية والثقافية بنسب عادلة.
31/7/2008
اللجنة السياسية
لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)