بلا رقيب *

مشعل التمو

الشرق الأوسط يشهد العديد من المعطيات السياسية التي تبدو وكأنها تشكل منعطفا ونقطة تحول في اتجاه تهدئة مطلوبة ليس فقط دوليا , بل إقليميا أيضا , وبما يتوافق مع أجندة كل لاعب وتشابك مصالحه , وبغض النظر عن مستقبل هذه التهدئة ومساراتها المتحولة , وبالتالي انعكاساتها على شعوب المنطقة , من حيث ملفات حقوق الإنسان والتغيير الديمقراطي في بلدان الاستبداد والقمع المفتوح , فان المنطقة مقبلة على تحولات عميقة يصعب تجنبها وعلى كافة مساراتها , ولعل سورية كإحدى دول قوس أزمات الشرق الأوسط هي بفعل تخبط نظامها الأمني وإصراره على سياسته بتغييب المجتمع وقمع تعبيراته المدنية والسياسية , تقع في قلب هذا القوس وما يتوقع من أحداث ومتغيرات مستقبلية.

 

أن القوى السياسية الكوردية التي تعتبر نفسها جزء من التيار الوطني الديمقراطي والذي يمتد في الأجزاء الأربعة من كوردستان ومعنية بالتغيير الديمقراطي في سورية , كممثلة لشعب كوردي يعيش على أرضه التاريخية , ويشكل قومية رئيسية من مكونات المجتمع السوري , ويسعى لان يكون شريك كامل الشراكة في وطن حقيقي وتداولي وتعاقدي , ومن هذا المنطلق القومي والإقليمي والدولي تبرز حاجة القوى الكوردية إلى توحيد صفوفها على أرضية مشروع مجتمعي , سياسي واجتماعي , يمتلك برنامج عمل ومهام قومية ووطنية تتمحور حول المصلحة القومية الكوردية , وهي المصلحة التي يستمد منها أي إطار سياسي كوردي مشروعية وجوده , وبما أن قضية الشعب الكوردي هي قضية الحرية والديمقراطية , فالحاجة موضوعية لإيجاد إطار نوعي أكثر ديناميكية وقدرة على التهيئة والاستعداد لمتغيرات المستقبل القادم , وأكثر تمثيلا وتعبيرا عن هاجس الحرية والدفاع ليس فقط عن الوجود القومي والحق المنبثق عنه , بل العمل من اجل إنهاء الاستبداد والاستعباد والاستغلال الذي يعاني منه الشعب السوري , مضافا إليه الاضطهاد القومي لشعبنا الكوردي , جراء السياسة العنصرية للنظام السوري , ولعل خيارنا العام وبالتعاون مع مجمل القوى الديمقراطية السورية , يتكرس في تحقيق الحرية والديمقراطية وبناء دولة حديثة , مدنية , دولة الحق والقانون , تقوم على أساس دستور ديمقراطي , يكرس الواقع الفعلي لسورية كدولة متعددة القوميات والاثنيات والطوائف , وينهي كافة المشاريع العنصرية المطبقة على شعبنا , ويعيد الحق إلى أصحابه وتعويضهم , وبالتالي يحقق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص , لتكون سورية لكل السوريين , بما ينسجم مع خيارات شعبنا الكوردي السياسية ونهجه السلمي والديمقراطي.
أن السعي لإيجاد حالة سياسية نوعية تكون ردا موضوعيا ونضاليا على حالة الفرقة والشرذمة التي تعاني منها الساحة الكوردية , وهي حالة فرز طبيعي بين تيارات سياسية لكل منها توجهها سواء الوطني أو القومي أو الكوردستاني , مثلما هي تمثل الرؤية الكوردية المجتمعية لطبيعة النظام وسياسته تجاه صهر وقمع وتغييب الشعب الكوردي , بمعنى تكريس  نموذج للعمل الميداني والمقاومة المدنية , السلمية والديمقراطية , وبكافة آليات المواجهة العملية التي جسدتها كافة العهود والمواثيق الدولية , وفي هذا السياق فان أي حالة تجميعية وتوافقية , لا تتعارض وليست بديلا عن أي حالة اخرى اكثر تكاملا وجمعية طالما تعتمد المصلحة القومية والتغيير الديمقراطي في سوريا معيارا لانجازها.
ان الانخراط بشكل فاعل وعن قناعة بمسار التغيير الديمقراطي في سورية , يشكل صدقية مباشرة وانعكاس حقيقي للمحتوى الديمقراطي للقضية القومية وجدية اعتبارها جزء من المسالة الديمقراطية , وهو يتطلب رؤية سياسية تقبل بالاختلاف والتوافق , بالوحدة والاختلاف , وتبتعد عن المنحى الذي يقبع فيه بعض بارونات الحركة الحزبية , سواء في تخبطهم السياسي او في وعيهم البائس الذي يعيد أي اختلاف سياسي الى اسباب شخصية , ومعلوم بان الوعي السياسي ينتج سياسة , والوعي البدائي المطعم بالقروية والمحلى بطعم الاستبداد ومكسراته , ينتج خلافا شخصيا , ويخال للبعض من مريدي البداوة الحزبية , بان الاقتراب من عمامة قداسة احدهم , كفر والحاد وزندقة , وهي ذات المفاهيم والادانات التي يستخدمها النظام الامني في وسم معارضيه السياسيين , وبغض النظر عن الوسم والواسمين واوهام الابدية , فان الفعل السياسي الذي انتجته الكتلة الشبابية الكوردية بتضحياتها ومقاومتها للسياسة العنصرية للنظام من جهة , ولمحاولات التدجين القروية من جهة ثانية , تفترض معايير اكثر قربا وملامسة للمطلب القومي الكوردي , واكثر شفافية في الخطاب والفعل الممارس , واكثر جدية في البحث عن اطر نوعية , تنهي القطيعة مع المجتمع وتنتج قادة شباب ينتمون الى العصر ومعطياته , يؤمنون بالديمقراطية ويمتلكون وعيها , يحترمون الاختلاف وثقافته , ويعتبرون أي خلاف في الرؤية هو خلاف سياسي يعبر عن رؤية ومفهوم محدد , وبالتالي خياراتهم واضحة ولا ضبابية على طرحهم السياسي ولا حتى على ممارساتهم المجتمعية.
——–
عن جريدة المستقبل التي يصدرها تيار المستقبل الكوردي – العدد (14)

 

لقراءة مواد العدد انقر هنا  pesheroj_14

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نارين عمر ألا يحقّ لنا أن نطالب قيادات وأولي أمر جميع أحزاب الحركة الكردية في غربي كردستان، وقوى ومنظّمات المجتمع المدني والحركات الثّقافية والأدبية الكردية بتعريف شعوب وأنظمة الدول المقتسمة لكردستان والرّأي العام الاقليمي والعالمي بحقيقة وجود شعبنا في غربي كردستان على أنّ بعضنا قد قدم من شمالي كردستاننا إلى غربها؟ حيث كانت كردستان موحدة بشمالها وغربها، ونتيجة بطش…

إبراهيم اليوسف منذ اللحظة الأولى لتشكل ما سُمِّي بـ”السلطة البديلة” في دمشق، لم يكن الأمر سوى إعادة إنتاج لسلطة استبدادية بشكل جديد، تلبس ثياب الثورة، وتتحدث باسم المقهورين، بينما تعمل على تكريس منظومة قهر جديدة، لا تختلف عن سابقتها إلا في الرموز والخطاب، أما الجوهر فكان هو نفسه: السيطرة، تهميش الإنسان، وتكريس العصبية. لقد بدأت تلك السلطة المزيفة ـ منذ…

شادي حاجي سوريا لا تبنى بالخوف والعنف والتهديد ولا بالقهر، بل بالشراكة الحقيقية والعدالة التي تحفظ لكل مكون حقوقه وخصوصيته القومية والدينية والطائفية دون استثناء. سوريا بحاجة اليوم إلى حوارات ومفاوضات مفتوحة وصريحة بين جميع مكوناتها وإلى مؤتمر وطني حقيقي وشامل . وفي ظل الأحداث المؤسفة التي تمر بها سوريا والهستيريا الطائفية التي أشعلت لدى المتطرفين بارتكابها الجرائم الخطيرة التي…

د. محمود عباس في عالم يتأرجح بين الفوضى والنظام، يبرز المشهد السياسي للولايات المتحدة في ولاية دونالد ترامب الثانية (2025) كمحطة حاسمة لإعادة تعريف التوازنات العالمية. إن صعود ما يُمكن تسميته بـ “الدولة العميقة العصرية”، التي تجمع بين النخب الاقتصادية الجديدة والتكنولوجية والقوى السياسية القومية، يكشف عن تنافس ضمني مع “الدولة العميقة الكلاسيكية”، المتمثلة في المؤسسات الأمنية والعسكرية التقليدية. هذا…