خرافــــة الحل العســــكري التركي

  بقلم: علي الجزيري

   مرة أخرى وكعادتها ، تكشر تركيا عن أنيابها ، وتجتاز قواتها الحدود الدولية (التركية ـ العراقية) براً وجواً وتتوغل داخل أراضي إقليم كردستان العراق، تحت ذريعة مطاردة حزب العمال الكردستاني ، وسط  صمت دولي مريب وتواطىء أمريكي وإقليمي ملحوظ ، غير آبهة بالعواقب التي ستزيد من إحتقان الكرد في كل مكان وتأجيج مشاعرهم لمواجهة غطرستها من جهة وتبعات الأعباء الاقتصادية والبشرية التي سيتحمل وزرها الشعبان الكردي والتركي من جهة أخرى.
   ما من شك أن ما تروج له وسائل الاعلام التركية هو تضليل للرأي العام التركي والإقليمي والعالمي لجملة من الأسباب:
أولها ـ خرافة الحل العسكري ، هذا الحل الذي سبق لتركيا أن سلكته مراراً ، دون أن تجني سوى الخيبة ، وقد سبق لـ (تورغوت أوزال) أن أدرك ذلك ولو متأخراً .
وثانيها ـ تريد تركيا أن تصدر أزمتها الى الخارج في مثل هذا الظرف بالتحديد ، مستخدمة هذه المرة يافطة (محاربة الارهاب) ، متناسية إرهاب الدولة الذي تمارسه منذ عقود ضد شعبنا الكردي وقضيته العادلة .
وثالثها ـ يتمثل في قلقها من التجربة الفيدرالية التي يشهدها إقليم كردستان العراق بشكل خاص والتطور الديمقراطي في العراق بشكل عام ، وغيظها من تداعيات ذلك كله على الكرد في جميع أرجاء كردستان ، من هنا تجدها تسعى لعقد اللقاءات الثنائية والثلاثية الأمنية وترتيبها للدول الإقليمية بين الفينة والأخرى .
   من هنا ، يمكن القول أن حلم تركيا بالإنضمام الى الاتحاد الأوربي يأخذ بالتضاؤل رغم أنها دولة عضو في حلف الناتو ، نتيجة سجل تركيا السيء الصيت في مجال حقوق الانسان ومحاولاتها  الحثيثة لإجهاض طموحات الكرد بأي ثمن وفق الايديولوجيا الطورانية التي أرسى دعائمها أتاتورك ، ناهيك عن إبادة الأرمن والمشكلة القبرصية والوضع الاقتصادي المزري …الخ .

لذا، كان على تركيا ـ  وفق تصور الأخ (مسعود البارزاني) رئيس إقليم كردستان العراق المعروف بحكمته وحنكته المعهودتين للقاصي والداني ـ  البحث عن خيارات أخرى غير أسطورة الحل العسكري ، ولعل الخيار السلمي المرتكز على العقلانية السياسية في التعامل مع الملف الكردي والحوار المتكافىء، هو الخيار الوحيد الذي لم تمارسه تركيا يوماً ، والأجدر بها أن تقدم على ممارسته ولو لمرة واحدة .
    ومن تداعيات الحدث وأمام هذا الواقع، طبيعي أن يتناهى الى ذاكرتنا تلك القصيدة التي أبدعها الشاعر الفلسطيني (سميح القاسم) يوماً ، ولا بأس من إقتباسها في مواجهة الغطرسة التركية :
[تقدموا تقدموا، كل سماءٍ فوقكم جهنمُ ، وكل أرضٍ تحتكم جهنمُ ، تقدموا، يموت منا الطفلُ والشيخُ ، ولا يستسلمُ ، وتسقط الأم على أبنائها القتلى، ولا تستسلمُ ، تقدموا، بناقلات جندكمْ ، وراجمات حقدكمْ  ، وهدَدوا  ، وشرَدوا، ويتَموا، وهدَموا، لن تكسروا أعماقَنا، لن تهزموا أشواقنا ، نحن قضاءٌ مبرمُ ، تقدموا، كيف إشتهيتم وإقتلوا، قاتِلكمُ مبرَأُ، قتيلنا مُتَهًمُ ، وكل ليل وله نهاية ، وشمسنا بداية البداية].
القامشلي ـ 23 شباط 2008 م  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بيمان حسين ما حدث في 8 ديسمبر من عام 2024، على قدر جماله وروعته، كان شيئا غير متوقع على الإطلاق. فحلم الانعتاق والتحرر من نير النظام القمعي كان حلما تطلب تحقيقه مهرا غاليا من التضحيات اللامتناهية. في أعرافنا وثقافاتنا، نربط الأشياء غير المفهومة بالقدرة الإلهية، ولكن في هذا الموضوع بالتحديد، هناك رغبات وقدرات أخرى غير إلهية كان لها التأثير الأكبر…

المهندسِ باسل قس نصر الله في زمنٍ مضى، كانتْ سوريّٞةَ تصنعُ رجالاً لا تصنعُهمُ ٱلظروفُ، بلْ يصنعونَ ٱلظروفَ ذاتَها. فارسُ ٱلخوريِّ كانَ واحداً منْ هؤلاءِ: معلماً، ومشرِّعاً، ورجلَ دولةٍ يعرفُ أنَّ الوطنَ ليسَ شعاراً يُرفعُ عندَ ٱلحاجةِ، بلْ عقدَ شرفٍ يُمارسُ كلَّ يومٍ. فارسُ ٱلخوريِّ لمْ يُعرفْ بطائفتِه ولا بمذهبِه، بلْ بسوريّتِه المطلقةِ. وقفَ في وجهِ الانتدابِ الفرنسيِّ،…

جلسة حوارية منظمة من قبل منصة ديفاكتو الحوارية حول مفهوم الإعلان الدستوري في سوريا في فندق الشيراتون . حاضر فيها الاستاذ أحمد سليمان نائب سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا والأستاذ معن الطلاع مدير قسم البحوث العلمية في مركز عمران للدراسات و بتيسير من الأستاذ خورشيد دلي بمشاركة عدد من المثقفين و المهتمين بالشأن السياسي السوري. تمحورت الجلسة حول…

إبراهيم اليوسف نيسان واعد بعد نسيان وتناس خرجت إلى السطح، ومن جديد، في أعقاب مؤتمر السادس والعشرين من نيسان عام 2025 في مدينة قامشلي، الذي شكل علامة فارقة في تاريخ الكرد السوريين، أصوات ما فتئت منذ سنوات تنفث أحقادها ضد الكرد باسم قضايا زائفة. كما اعتادت هذه الأصوات أن تختبئ وراءه. إذ لم يعد الأمر مقتصرًا على معاداة”…