محمد ملا أحمد
قرأت في موقع ( وه لاتى مه ) مقالة للاستاذ خالد عيسى ، عن مجلة فرنسية، تكتب عن العقيد (بيدكر دو كراند رويت) المكلف بفرض سيطرة فرنسا على الجزيرة، لإلحاقها بالعاصمة دمشق.
وبعض المعلومات عن تحركاته، وقليلاً عن معركة بياندور.
كما قرأت تنويهاً للدكتور: برجس شويش عن المقالة.
ورأيتهما ناقصتين في المعلومات عن انتفاضة بياندور، وبما أنني مطلع نوعاً ما على احداثها، فقد وجدت لزاماً على أن أوضح الأمر، ليطلع عليها أبناء شعبنا.
وبعض المعلومات عن تحركاته، وقليلاً عن معركة بياندور.
كما قرأت تنويهاً للدكتور: برجس شويش عن المقالة.
ورأيتهما ناقصتين في المعلومات عن انتفاضة بياندور، وبما أنني مطلع نوعاً ما على احداثها، فقد وجدت لزاماً على أن أوضح الأمر، ليطلع عليها أبناء شعبنا.
وأبدأ بالقول وباختصار شديد، أن معلوماتي عن انتفاضة بياندور مستقاة من مصادر موثوق بها، معروفة في المجتمع الكردي بصلاتاها وعلاقتها بأحداث تلك الانتفاضة.
مثل السيد (جميل آغا بن حاجو آغا) عميد آل حاجو، والسيد (محمد عباس) آغا قرية نصران، بن المغدوربه عباس محمد عباس صاحب الحادثة التي تسببت في الانتفاضة، وكذلك آخرين من القرى المجاورة مثل تل شعير وغيرها، كان لهم دورهم فيها.
لذا فأنا، من جهتي، مطمئن تماماً لصدق أقوالهم.
انتفاضة بياندور انتفاضة كردية، قامت بها ، في شهر حزيران من عام 1923 (كما يقول بيير روندو)، عشائر كردية ضد ظلم واضطهاد الفرنسيين، المنتدبين على سوريا.
وكانت الانتفاضة بداية الرحلة الكردية مع فرنسا في سوريا، وإن كانت بدايات التعارف الكردي الفرنسي في مؤتمر السلام بباريس لم تكن تبشر بالخير للاكراد، لذا خلال حكمها لسوريا الذي دام أكثر من 25 عاماً لم يستفد الأكراد منها قومياً في سوريا ( إلا سماحها بتأسيس جمعية خويبون التي حددت نشاطها، ثم السماح بإصدار مجلة هاوار مع الشروط، و تأسيس نوادي رياضية في عامودا ودمشق لعدة أشهر)، لأنها منعتهم بشدة، من النضال من أجل حقوقهم القومية في سوريا.
وما كانت علاقتها بهم إلا استثمارهم لمصلحتها، فالتاريخ والأحداث تشهد.
وقد كانت انتفاضة بياندور انتفاضة وطنية، وردة فعل من مواطنين لسوريا (بحكم المادة 30 من معاهدة لوزان) على الظلم الذي لاقوه من مستعمر لسوريا، واحتجاجاً مسلحاً على ممارساتها اللاإنسانية في الواقع الجديد للمجتمع الكردي، بعد التقسيم، الذي رافقه متغيرات حدثت لكردستان، وتأثر بها شعبها.
كما كانت دعوة صريحة لفرنسامن أجل تطبيق العدالة في التعامل مع المواطنين، والسماح بالحريات، لكنها مع الأسف أصبحت كصرخة في واد، ذهبت بعد ذلك، مع أدراج الرياح.
والانتفاضة بحد ذاتها جزء من تاريخ كردستان الملحقة بسوريا، وجزء من تاريخ شعبها.
لا يمكن القفز من فوقها، (وكذا الحال مع انتفاضة عامودا عام 1937 ).
لذا لن أطنب أو أحمل اكثر مما كانت تمثله.
وسأروي الأحداث كما جرت، وكما نقلها لي أصحاب الانتفاضة، ليطلع الجميع عليها.
وأقول، ما أن جاء الفرنسيون إلى سوريا عام 1920، حتى بدأوا يتحكمون بمصيرها ومصير أهلها، مثل تقسيمها إلى دويلات (لم يكن للأكراد حصة فيها).
وكذلك في 20 / 11 / 1921 وقعوا مع تركيا الكمالية، الا تفاقية المعروفة باتفاقية ( بريان ـ بكر)، أوباتفاقية (فرنكلين ـ بويون).
هذه الاتفاقية جعلت القسم الجنوبي الغربي من كردستان، ابتداء من خليج اسكندرونه على البحر الأبيض المتوسط غرباً، إلى نهر دجلة شرقاً، ضمن الأراضي التابعة لدولة سوريا الناشئة حينها.
مقسمة المدن والقرى والعشائرإلى قسمين، قسم بقي في تركيا وآخر أصبح في سوريا.
كما حدث لمدينة نصيبين التارخية ومدينة رأس العين مثلاً.
ومن هذا الوقت بدأت القضية الكردية ( قضية أرض وشعب ) في سوريا.
وبعد ترسيم الحدود جاءت قوات فرنسية إلى الجزيرة (القوات التي تكلم الاستاذ خالد عيسى عنها) تريد تكملة مهمتها بربط الجزيرة إدارياً بالعاصمة دمشق، التي لا سابقة لها، وجعلها قسماً من سوريا.
إذ أن الجزيرة كانت دائماً مرتبطة بولاية ماردين، وجزؤها الشرقي بجزيرة بن عمر أو بالموصل.
المهم أن الفرنسيين جعلوها في مخططهم محافظة مرتبطة بدير الزور بشكل مؤقت، إلىأن يتم تنظيمها إدارياً (ثم جعلوا من قرية الحسكة في عام 1930 مركز لمحافظتها).
ومن ناحية أخرى أرادوا تقسيمها إلى أقضية ( مناطق ) فأوجدوا قضاء في الشرق مركزه (عين ديوار) على نهر دجلة، ثم نقلوه إلى (ديريك ـ المالكية)، كما أوجدوا قضاء في غرب الجزيرة جعلوا مركزه بلدة (رأس العين) ، واحتاجوا لإيجاد قضاء متوسط بينهما، إذ المسافة بينهما أكثر من / 200 / مائتي كم، لذا وجدوا قرية ( بياندور) الواقعة شرق القامشلي ب / 20 / كم، مكاناً مناسباً لمركز القضاء في وسط الجزيرة، وسموه بقضاء ( كيرو) نسبة إلى اسم نهر صغير يجري بقربه معروف باسم نهر ( قيرو ) فحوره الفرنسيون حسب لغتهم إلى (كيرو).
وأوجدوا في القرية قاعدة عسكرية وأماكن إدارية، وعينوا رجلا ً من دير الزور اسمه (سالم نوح) قائمقاماً للقضاء.
وكان حينها الكابتن (روكان) هو المسؤول عن القضاء.
وبدأوا بإيجاد علاقات تبعية مع العشائر والجماعات.
وما أن عين المركز والقضاء وبدأت ترتيبات الاستقرار، حتى بدأت الجماعات والعشائر من الأكراد والعرب والمسيحيين، المهاجرين من آزخ ومديات وماردين ودياربكر، نتيجة الأحداث الدامية المؤسفة، التي أقامها فيهم الأتراك وشارك فيها بعض الأكراد الجهلاء، وبعض أصحاب المصالح ورجالات السلطة التركية، بالتقرب من الحكام الجدد لتأمين مصالحهم.
وفي هذه الأثناء تمكن بعض المقربين من الفرنسيين الوشاية بالأكراد عامة ورؤساء عشيرة (دوركان) خاصة، على انهم ألحقوا الضرر الكبير بالمسيحيين ، لذا يجب الانتقام منهم.
فما كان من الكابتن (روكان) العصبي المتهور، إلا أن استدعى رئيس عشيرة دوركان (سليمان عباس) إليه، فجاء هذا ومعه ابن أخيه (عباس محمد عباس) فألقى روكان القبض عليهما وزجهما في السجن.
ومن ثم حفر حفرة عميقة وضع ابن أخ الآغا (عباس محمد عباس، ذي الجثة الضخمة، ظنا ً منه أنه هو رئيس العشيرة) في الحفرة، ثم ملأها بالتراب حتى عنقه، ورشها بالماء حى توفي فيها (حسب قول السيد محمد “آغا قرية نصران وغيره” ، ابن المغدور به عباس بن محمد عباس، في مقابلة معه).
وقد شاءت الصدف أن يكون ضيف الكابتن في تلك الليلة، أحد شيوخ عشيرة طي العربية، الشيخ محمد العبد الرحمن، صاحب الفرنسيين، ولما رأي هذا الشيخ وفاة عباس، وسجن سليمان عمه، رئيس العشيرة الذي ينتظر موته في صبيحة اليوم التالي، استنكر عمل الكابتن ونصحه بإطلاق سراحه، وأن ويحسن معاملته مع زعماء العشائر، إذا كان يريد جذبهم إليه.
يكمل محمد ابن المغدور به عباس قوله لي: (أنهم افتدوا سليمان عباس رئيس العشيرة ب 300 ثلاثمائة ليرة ذهبية، و12 إثنا عشر حصاناً، حتى تم أطلق سراحه في اليوم الثاني) .
هذه الجريمة النكراء التي اقترفها الضابط الفرنسي روكان، كانت السبب المباشر لقيام عدد من العشائر الكردية (عشيرة دوركان وعشيرة حاجي سليمانا وعشيرة هفيركان وآخرين) بالانتفاضة ضد الحكم الفرنسي في سوريا، الذي كان يعمل على تأجيج نارالفتنة بين أبناء الوطن الواحد، ليديم سيطرته وحكمه.
وتجاه هذه الجريمة النكراء، عزمت عشيرة (دوركان) الأخذ بالثأرمن قاتلها، يقول جميل آغا حاجو، في مقابلة لي معه، كتب رئيسها، سليمان عباس رسالة إلى حاجو آغا، الذي كان وقتها ما يزال في تركيا، يطلب منه المساعدة للأخذ بثأر ابن أخيه المقتول عباس، على اعتبار أن عشيرة دوركان تعود في أصولها إلى هفيركان (إذ هفيركان، تتكون من تحالف ( 18 )عشيرة، مسلمة ويزيدية و مسيحية، منها عشيرة دوركان )، ويكمل جميل آغا كلامه بقوله : أن والده عرض رسالة سليمان آغا على الجهات المسؤولة في تركيا، فأعطته الضوء الاخضر.
حينها أرسل / 400 / اربعمائة من رجاله بقيادة أحد أبنائه إلى قرية تل شعير (الشيتية)، للمشاركة مع رجال عشيرة دوركان ورجال عشير حاجي سليمانا، سكان تل شعير وما حولها، بالإضافة لآخرين (ومن بين الآخرين كانت عدة بيوتات عربية (حولي خمسة) من عشيرة جوالة الطي، ساكنة بين ظهراني الأكراد في إحدى قرى عشيرة دوركان، وحينما تهيأت العشيرة لمقاتلة الفرنسيين، اشترك رجال هذه العوائل مع مضيفيهم في مقاتلة الفرنسيين في معركة (كرى توبى) قرب محطة القطار.
(ومع الأسف يذكر بعض عرب الجزيرة، أنهم هم أصحاب انتفاضة بياندور، تزويراً للتاريخ).
وبعد التحضيرات للعملية، تسللوا ليلاً عن طريق مسيل جاف بين القريتين، تل شعير وبياندور المتجاورتين، وفاجؤوا الجند الفرنسي فقتلوا عددأ منه، كما قتلوا القائمقام وأحرقوا القاعدة العسكرية ، وانهزم بقية الجند الفرنسي إلى العشائر المجاورة المتصاحبة مع فرنسا، حيث أوصلتها إلى الحسكة.
لم يكتف المنتفضون، بل تقدموا بجموعهم نحو الشرق، لملاقاة القاتل، الكابتن (روكان) العائد من جولة له في الشرق، وكمنوا له ما بين بلدة تربسبي ومحطة قطارها.
وحينما اقترب منهم، رآهم بمنظاره ينتظرونه، واشتعلت المعركة بينهما في المكان المعروف باسم (كرى تو بى) فسدد
عباس عموكه، من أهالي قرية حلوة، التابعة لعشيرة حاجي سليمانا، نحو روكان وأرداه قتيلا، مضرجاً بدمائه، ثأراً لعباس محمد عباس المقتول غدراً.
وتنتهي المعركة بانهزام بقية الجند الفرنسي، وعودة العشائر الكردية إلى قراها، ويبقى الاسم لحاجو آغا كقاتل للكابتين روكان الفرنسي.
ويحاسب عليها حينما يهرب من الأتراك إلى سوريا عام 1926 .
لكنه يعرف كيف يتعامل معهم.
مثل السيد (جميل آغا بن حاجو آغا) عميد آل حاجو، والسيد (محمد عباس) آغا قرية نصران، بن المغدوربه عباس محمد عباس صاحب الحادثة التي تسببت في الانتفاضة، وكذلك آخرين من القرى المجاورة مثل تل شعير وغيرها، كان لهم دورهم فيها.
لذا فأنا، من جهتي، مطمئن تماماً لصدق أقوالهم.
انتفاضة بياندور انتفاضة كردية، قامت بها ، في شهر حزيران من عام 1923 (كما يقول بيير روندو)، عشائر كردية ضد ظلم واضطهاد الفرنسيين، المنتدبين على سوريا.
وكانت الانتفاضة بداية الرحلة الكردية مع فرنسا في سوريا، وإن كانت بدايات التعارف الكردي الفرنسي في مؤتمر السلام بباريس لم تكن تبشر بالخير للاكراد، لذا خلال حكمها لسوريا الذي دام أكثر من 25 عاماً لم يستفد الأكراد منها قومياً في سوريا ( إلا سماحها بتأسيس جمعية خويبون التي حددت نشاطها، ثم السماح بإصدار مجلة هاوار مع الشروط، و تأسيس نوادي رياضية في عامودا ودمشق لعدة أشهر)، لأنها منعتهم بشدة، من النضال من أجل حقوقهم القومية في سوريا.
وما كانت علاقتها بهم إلا استثمارهم لمصلحتها، فالتاريخ والأحداث تشهد.
وقد كانت انتفاضة بياندور انتفاضة وطنية، وردة فعل من مواطنين لسوريا (بحكم المادة 30 من معاهدة لوزان) على الظلم الذي لاقوه من مستعمر لسوريا، واحتجاجاً مسلحاً على ممارساتها اللاإنسانية في الواقع الجديد للمجتمع الكردي، بعد التقسيم، الذي رافقه متغيرات حدثت لكردستان، وتأثر بها شعبها.
كما كانت دعوة صريحة لفرنسامن أجل تطبيق العدالة في التعامل مع المواطنين، والسماح بالحريات، لكنها مع الأسف أصبحت كصرخة في واد، ذهبت بعد ذلك، مع أدراج الرياح.
والانتفاضة بحد ذاتها جزء من تاريخ كردستان الملحقة بسوريا، وجزء من تاريخ شعبها.
لا يمكن القفز من فوقها، (وكذا الحال مع انتفاضة عامودا عام 1937 ).
لذا لن أطنب أو أحمل اكثر مما كانت تمثله.
وسأروي الأحداث كما جرت، وكما نقلها لي أصحاب الانتفاضة، ليطلع الجميع عليها.
وأقول، ما أن جاء الفرنسيون إلى سوريا عام 1920، حتى بدأوا يتحكمون بمصيرها ومصير أهلها، مثل تقسيمها إلى دويلات (لم يكن للأكراد حصة فيها).
وكذلك في 20 / 11 / 1921 وقعوا مع تركيا الكمالية، الا تفاقية المعروفة باتفاقية ( بريان ـ بكر)، أوباتفاقية (فرنكلين ـ بويون).
هذه الاتفاقية جعلت القسم الجنوبي الغربي من كردستان، ابتداء من خليج اسكندرونه على البحر الأبيض المتوسط غرباً، إلى نهر دجلة شرقاً، ضمن الأراضي التابعة لدولة سوريا الناشئة حينها.
مقسمة المدن والقرى والعشائرإلى قسمين، قسم بقي في تركيا وآخر أصبح في سوريا.
كما حدث لمدينة نصيبين التارخية ومدينة رأس العين مثلاً.
ومن هذا الوقت بدأت القضية الكردية ( قضية أرض وشعب ) في سوريا.
وبعد ترسيم الحدود جاءت قوات فرنسية إلى الجزيرة (القوات التي تكلم الاستاذ خالد عيسى عنها) تريد تكملة مهمتها بربط الجزيرة إدارياً بالعاصمة دمشق، التي لا سابقة لها، وجعلها قسماً من سوريا.
إذ أن الجزيرة كانت دائماً مرتبطة بولاية ماردين، وجزؤها الشرقي بجزيرة بن عمر أو بالموصل.
المهم أن الفرنسيين جعلوها في مخططهم محافظة مرتبطة بدير الزور بشكل مؤقت، إلىأن يتم تنظيمها إدارياً (ثم جعلوا من قرية الحسكة في عام 1930 مركز لمحافظتها).
ومن ناحية أخرى أرادوا تقسيمها إلى أقضية ( مناطق ) فأوجدوا قضاء في الشرق مركزه (عين ديوار) على نهر دجلة، ثم نقلوه إلى (ديريك ـ المالكية)، كما أوجدوا قضاء في غرب الجزيرة جعلوا مركزه بلدة (رأس العين) ، واحتاجوا لإيجاد قضاء متوسط بينهما، إذ المسافة بينهما أكثر من / 200 / مائتي كم، لذا وجدوا قرية ( بياندور) الواقعة شرق القامشلي ب / 20 / كم، مكاناً مناسباً لمركز القضاء في وسط الجزيرة، وسموه بقضاء ( كيرو) نسبة إلى اسم نهر صغير يجري بقربه معروف باسم نهر ( قيرو ) فحوره الفرنسيون حسب لغتهم إلى (كيرو).
وأوجدوا في القرية قاعدة عسكرية وأماكن إدارية، وعينوا رجلا ً من دير الزور اسمه (سالم نوح) قائمقاماً للقضاء.
وكان حينها الكابتن (روكان) هو المسؤول عن القضاء.
وبدأوا بإيجاد علاقات تبعية مع العشائر والجماعات.
وما أن عين المركز والقضاء وبدأت ترتيبات الاستقرار، حتى بدأت الجماعات والعشائر من الأكراد والعرب والمسيحيين، المهاجرين من آزخ ومديات وماردين ودياربكر، نتيجة الأحداث الدامية المؤسفة، التي أقامها فيهم الأتراك وشارك فيها بعض الأكراد الجهلاء، وبعض أصحاب المصالح ورجالات السلطة التركية، بالتقرب من الحكام الجدد لتأمين مصالحهم.
وفي هذه الأثناء تمكن بعض المقربين من الفرنسيين الوشاية بالأكراد عامة ورؤساء عشيرة (دوركان) خاصة، على انهم ألحقوا الضرر الكبير بالمسيحيين ، لذا يجب الانتقام منهم.
فما كان من الكابتن (روكان) العصبي المتهور، إلا أن استدعى رئيس عشيرة دوركان (سليمان عباس) إليه، فجاء هذا ومعه ابن أخيه (عباس محمد عباس) فألقى روكان القبض عليهما وزجهما في السجن.
ومن ثم حفر حفرة عميقة وضع ابن أخ الآغا (عباس محمد عباس، ذي الجثة الضخمة، ظنا ً منه أنه هو رئيس العشيرة) في الحفرة، ثم ملأها بالتراب حتى عنقه، ورشها بالماء حى توفي فيها (حسب قول السيد محمد “آغا قرية نصران وغيره” ، ابن المغدور به عباس بن محمد عباس، في مقابلة معه).
وقد شاءت الصدف أن يكون ضيف الكابتن في تلك الليلة، أحد شيوخ عشيرة طي العربية، الشيخ محمد العبد الرحمن، صاحب الفرنسيين، ولما رأي هذا الشيخ وفاة عباس، وسجن سليمان عمه، رئيس العشيرة الذي ينتظر موته في صبيحة اليوم التالي، استنكر عمل الكابتن ونصحه بإطلاق سراحه، وأن ويحسن معاملته مع زعماء العشائر، إذا كان يريد جذبهم إليه.
يكمل محمد ابن المغدور به عباس قوله لي: (أنهم افتدوا سليمان عباس رئيس العشيرة ب 300 ثلاثمائة ليرة ذهبية، و12 إثنا عشر حصاناً، حتى تم أطلق سراحه في اليوم الثاني) .
هذه الجريمة النكراء التي اقترفها الضابط الفرنسي روكان، كانت السبب المباشر لقيام عدد من العشائر الكردية (عشيرة دوركان وعشيرة حاجي سليمانا وعشيرة هفيركان وآخرين) بالانتفاضة ضد الحكم الفرنسي في سوريا، الذي كان يعمل على تأجيج نارالفتنة بين أبناء الوطن الواحد، ليديم سيطرته وحكمه.
وتجاه هذه الجريمة النكراء، عزمت عشيرة (دوركان) الأخذ بالثأرمن قاتلها، يقول جميل آغا حاجو، في مقابلة لي معه، كتب رئيسها، سليمان عباس رسالة إلى حاجو آغا، الذي كان وقتها ما يزال في تركيا، يطلب منه المساعدة للأخذ بثأر ابن أخيه المقتول عباس، على اعتبار أن عشيرة دوركان تعود في أصولها إلى هفيركان (إذ هفيركان، تتكون من تحالف ( 18 )عشيرة، مسلمة ويزيدية و مسيحية، منها عشيرة دوركان )، ويكمل جميل آغا كلامه بقوله : أن والده عرض رسالة سليمان آغا على الجهات المسؤولة في تركيا، فأعطته الضوء الاخضر.
حينها أرسل / 400 / اربعمائة من رجاله بقيادة أحد أبنائه إلى قرية تل شعير (الشيتية)، للمشاركة مع رجال عشيرة دوركان ورجال عشير حاجي سليمانا، سكان تل شعير وما حولها، بالإضافة لآخرين (ومن بين الآخرين كانت عدة بيوتات عربية (حولي خمسة) من عشيرة جوالة الطي، ساكنة بين ظهراني الأكراد في إحدى قرى عشيرة دوركان، وحينما تهيأت العشيرة لمقاتلة الفرنسيين، اشترك رجال هذه العوائل مع مضيفيهم في مقاتلة الفرنسيين في معركة (كرى توبى) قرب محطة القطار.
(ومع الأسف يذكر بعض عرب الجزيرة، أنهم هم أصحاب انتفاضة بياندور، تزويراً للتاريخ).
وبعد التحضيرات للعملية، تسللوا ليلاً عن طريق مسيل جاف بين القريتين، تل شعير وبياندور المتجاورتين، وفاجؤوا الجند الفرنسي فقتلوا عددأ منه، كما قتلوا القائمقام وأحرقوا القاعدة العسكرية ، وانهزم بقية الجند الفرنسي إلى العشائر المجاورة المتصاحبة مع فرنسا، حيث أوصلتها إلى الحسكة.
لم يكتف المنتفضون، بل تقدموا بجموعهم نحو الشرق، لملاقاة القاتل، الكابتن (روكان) العائد من جولة له في الشرق، وكمنوا له ما بين بلدة تربسبي ومحطة قطارها.
وحينما اقترب منهم، رآهم بمنظاره ينتظرونه، واشتعلت المعركة بينهما في المكان المعروف باسم (كرى تو بى) فسدد
عباس عموكه، من أهالي قرية حلوة، التابعة لعشيرة حاجي سليمانا، نحو روكان وأرداه قتيلا، مضرجاً بدمائه، ثأراً لعباس محمد عباس المقتول غدراً.
وتنتهي المعركة بانهزام بقية الجند الفرنسي، وعودة العشائر الكردية إلى قراها، ويبقى الاسم لحاجو آغا كقاتل للكابتين روكان الفرنسي.
ويحاسب عليها حينما يهرب من الأتراك إلى سوريا عام 1926 .
لكنه يعرف كيف يتعامل معهم.
لقد كان للمعركة وقع سيئ على فرنسا، الدولة الكبيرة المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، مما دفعها للتوقف عن التقدم في هذه الديار المجهولة عليها، وتتأنى في الخطو فيها، بعد أن دفعت ضريبة غالية من رجالهاوسمعتها، وتسأل عن طريق جديد لإحكام سيطرتها على المنطقة، فوجدت في تغيير مركز القضاء من بياندور، إحدى الوسائل إلى ذلك، فتوجهت إلى موقع القامشلي، جنوب نصيبين التاريخية، على نهر جقجق، وبنته منذ عام 1926 ، وجعلته مركز القضاء بدل بياندور.