لا أخفي على القارئ الكريم، بأن مجرد الدخول في سجالات حول وضع الحركة الحزبية الكردية وموقعها وآلية تعاملها مع الأحداث والمستجدات، نظراً لما هي عليها من بناء وبنية في الجانبين السياسي والمعرفي، هو ما يشبه اللهو مع حد السيف، بحكم أن طرفيه قاطع، والقطع في الجانبين يكون في صميمنا، نحن الذين توارثنا هموم القهر وشجون الحياة، فمن جهة؛ تعتبر هذه الحركة – أو هكذا ينبغي أن تكون – الجهة الممثلة لخيارات القضية التي نتفاعل سوية من أجل الوصول بها إلى حيث استحقاقاتها، ومن جهة ثانية، فهي لا تكف عن مشاغباتها، بل استهتارها بعقلية المتلقي حينما تقرر، أو حينما تترجم دعواتها إلى فعل وممارسة خاصةً ونحن نمتلك ذاكرة خصبة، لها القدرة في أن تفتش عن مراميها ومواقفها، وتحديداً حينما تكون جماعية، وعليه نحتار في أمرنا ونحن نتلقى منها مرةً تلو الأخرى إجراءات هي في غاية التعسف، وقرارات تكاد تكون سطحية، ولا تنم عن دراية بالقضايا التي نحمل لواء التصدي لها، مما نكون وأمام الحالة هذه، بين فكي كماشة لو حاولنا أن ندلي بدلونا في رصد مرتكزات السياسة التي تنتهجها، لأننا لو اتبعنا سبل الشفافية، لجعلنا من المسافات التي تفصل بيننا وبين أدائها تزداد هوةً واتساعاً، ولو سلكنا خيار الصمت والسكون والتغاضي، كنا والمنطق في حالة شقاق، إن لم يكن تناحر وتنافر، وعليه نقول؛ مهما حاولنا أن نشذب الكلمات ونهذبها، أو نتهرب من النطق بها حتى لا نكتوي بنيران تداعياتها، فإن لها طريقها إلى الخروج، خاصةً ونحن ندعي بحملنا لرسالة البحث في الحقيقة والكشف عما هو مستور ومسكوت عنه وعليه ..
وكي لا يدخل القارئ ضمن دوامات، وهو يرزح تحت أهوال الصدمة من الذي جرى في القامشلي، تلك المدينة الثكلى، فإنه وتماشياً مع أولويات المنطق ومبادئ السياسة وعلم الإدارة، سنقف على قرار الحركة الحزبية الكردية، وهي تعلن للملأ إلغاءها لاحتفالات نوروز، تحت مسميات هي ابتدعتها ..
بعيداً عن لغة المزاودات وتدبيج مفردات في الوطنية نقول؛ إن الشهادة أسمى من كل شيء آخر، كونها تقف عند تخوم الحياة والاستمرارية، وعليه فإن الشهيد لا بد وأن يكرم، ولكن إكرام الشهيد واحترام المشاعر المختلجة، لا يكون عبر نحر الآخر حتى نبرهن على صدقية الموقف تجاه دم الشهيد، كون الشهيد دفع بدمه من أجل يحيا الآخر وهو ممتلكاً لكرامته، كما أن إكرامه لا يعني نسف المكتسبات، بحكم أنه سقط من أجل أن يبقى المكتسب ممتلكاً لإرادة البقاء والديمومة، وعليه فإن ما أقدمت عليها الحركة الحزبية وهي تلغي المكتسب القومي نوروز، يجعل منا أن نردد بالرغم عنا تلك المقولة : أستضعفوك فوصفوك..
إن القرار الذي اتخذته الحركة وهي تعلن حالة الطوارئ، فتحت الأبواب على مصراعيها أمام من يشكك ومن يطعن ومن يؤول، وكل ينطلق من خلفيات ومرجعيات، لسنا في وارد مناقشتها، كما أننا لسنا في موقف المدافع عن الموقف الخجول والهزيل الذي وضعتنا فيه حركتنا الحزبية، بحكم أن الموقف كان ينبغي أن يأخذ حيثيات الوضع وتداعياته في الحسبان، إلى جانب أنه كان عليه أن يعتبر من التجارب والدروس السابقة، كون هذه ليست المرة الأولى التي تضع الحركة فيها ذاتها في زوايا ضيقة ومساحات قابلة للتأويل والتفسير ..
فإذا كانت الحركة قد انطلقت في رسمها للموقف من قناعتها الركون إلى خيار الهدوء والاستقرار، وعدم دفعها للشارع نحو التصادم والمزيد من إهدار الدماء، نتيجة قراءاتها للوضع السياسي العام والوضع الداخلي على وجه الخصوص، إلى جانب الحالة المحتقنة التي تلف المواطن السوري عموماً والكردي خصوصاً، وما قد يتمخض من تحرك الشارع من إرهاصات وتداعيات، وأن قرارها يشكل بحد ذاته رسالة إلى مراكز القرار في السلطة، كان عليها أن تبحث عن قوة القرار أولاً، وعن الجوانب الفنية والتنظيمية في تجسيده ثانياً ..
فالقرار جاء معمماً على الداخل والخارج، وفي فترة زمنية لا يمكن التكييف معه من جانب الشارع، بحكم أن موضوع القرار كان منصباً على واقعة (إلغاء النوروز) لن تأخذ ترجمتها لدى الشارع، بحكم أنه وانطلاقاً من حسه القومي لا يملك خيار التضحية بها، وعليه فإن القرار ظل أسير ذاته، وتحول من رسالة إلى الآخر إلى موضع اشمئزاز في الداخل، وإن كان قد حمل توقيع الغالبية من أطراف الحركة، تلك التي تسارعت وبصورة تنافسية إلى إبلاغ قواعدها عن موقفها قبل أن تلتئم في شكلها الجماعي، مما كان القرار بحكم الأمر الواقع على البعض الذي أراد مدعياً أن يغير من شكله أو أن يأخذ الخارطة الجغرافية بعين الاعتبار، لأنه وعند سماع الشارع بما حدث في القامشلي، انطلقت أصوات تدعوا إلى جعل احتفالات القامشلي – تحديداً – مناسبة لإحياء مراسيم تأبين الشهداء، وممارسة طقوس الاحتفال في المناطق الأخرى، التي ليست لديها البديل، بمنأى عن مظاهر الفرح، ولكن دون التضحية بها وجعلها كأداة عادية يمكن تجاهلها أو التلاعب بها ..
إن ما حصل هو موقف سياسي بامتياز، ويتحمل الكل مسؤوليته الأخلاقية والسياسية تجاهه، حتى وإن وجد البعض وهو يردد بأن الغالبية كانت متفقة، وأنه قد أرغم على الموافقة تماشياً مع رؤيته في عدم الخروج من تحت السقف العام والتغرد بعيداً عن السرب، حتى لا يشكل مرتكزاً جديداً في الشقاق، فإن المنطق في السياسة حسب ما أفهم يقول؛ كان على هذا المدعي أن يتجنب التوقيع على مثل تلك الوثيقة، وأن يتماشى مع قناعاته ورؤيته بعدم إحيائه لمظاهر الفرح، ولكن شريطة عدم الاستفراط بالمكتسب، ولكن والحقيقة أقول؛ إن ما جرى كان نتاج عقلية الأبوة التي تدار من خلالها العمل الحزبي داخل الأطر الكردية، حيث أن مصادر القرار في القامشلي قد أجمعت رأيها على ذاك القرار دون حتى استشارة الأطراف في القيادة، بحكم أن المنطق السائد يؤكد ممارسةً بأن مركز القرار هو تلك المدينة، وما على الأطراف سوى تحمل وزر نتائجها، وإذا كان هناك من معترض، فما عليه سوى استنطاق البقية الباقية من قيادته واستفسارها عن علمها من عدمه بمحتوى القرار وموضوعه، إلى جانب تفهمنا الكامل لموضوع الإجماع وكيف أن البعض يحتمي بها حين الحاجة ويلفظها حينما يحتاج حزبيته، وأن هذا الإجماع المزمع لا يمكن له أن يجسد ولو حالة واحدة في الارتقاء السياسي وهي على نموذجها في التعامل مع مفردات السياسية ..
وعليه فما علينا نحن الذين ننحاز إلى جانب الصمت والسكوت حيال ما تقدم عليها الحركة، إلا أن نتوجه إليها لنقول لها؛ قلوبنا معك، ولكن بخجل .