المواطنة في رؤية ثلاث سياسيين كرد من سورية

تقرير: محي الدين عيسو

مقدمة : يشعر الكثير من المواطنين الكرد بأنهم ليسوا جزءا من الوطن السوري، وبأن هذا الوطن لم يقدم لهم شيئا، والحكومات المتعاقبة التي توالت على سوريا لم تعطي أهمية للقضية الكردية، لا بل عمقت من جراحات المواطن الكردي عبر سياسات أقل ما يقال عنها بأنها شوفينية، ولم تراعي التضحيات الجسام التي قدمها الكرد في سبيل وطنهم الأم سوريا، وفي حزيران عام 1957 كان ولادة أول حزب كردي تحت أسم الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا وقد جاء تأسيس الحزب كضرورة نضالية وما أفرزتها من الظروف القاسية للشعب الكوردي بالاضطهاد القومي والتمييز العنصري وتجاهل دوره الوطني وتضحياته في مقاومة الاستعمار ودورها في استقرار البلاد
وقد كان ميلان أول حزب كردي معبرا بصدق عن إرادة الشعب الكوردي النضالية ومستجيبا لآماله وطموحاته القومية والوطنية، وبعدها توالت الانقسامات والانشقاقات في صفوف الحزب الأم حتى أصبح عددهم في الفترة الأخيرة ثلاثة عشر حزبا قوميا، بعضها يطالب بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد ” دون توضيح ماهية الحقوق القومية المشروعة ” والبعض الآخر يطالب بكردستان الغربية، ومنها من تطالب بكردستان سوريا، ومنها من يرفع شعار المجتمع الكردستاني، ومن يطالب بالحقوق الثقافية والمدنية، وغيرها من الشعارات القومية والوطنية في آن واحد، ولم يعد المواطن الكردي قادرا على التمييز بين الخطاب القومي والخطاب الوطني لهذه الأحزاب، وهل هذه الأحزاب هي أحزاب وطنية أم أحزاب قومية أم أحزاب باطنية، وقد توجهنا بسؤالين إلى ثلاث من القيادات الكردية في سوريا لتوضيح هذه الأمور على أمل التوسع في هذا الموضوع  لما له من أهمية بالنسبة لكل المهتمين بالقضية الكردي في سوريا .
   – المواطنة انتساب جغرافي، أي انتساب إلى أرض معينة، والهوية انتساب ثقافي، أي  انتساب إلى معتقدات وقيم ومعايير معينة، فكيف يمكن توضيح مدى الارتباط بين المواطنة والهوية في الحالة الكوردية، ومدى التعارض بين هذين المفهومين في الخطاب القومي الكوردي .
 – المواطن هو الوحدة الأساسية في بناء الوطن، ودون الاعتراف بهذا المواطن لا يوجد شيء أسمه الوطن لما يمثله من علاقات إنسانية وعاطفية وثقافية ومادية، كيف يجد المواطن الكردي نفسه في هذا الوطن ؟ وهل يشعر بأنه جزء من مكوناته المتعايشة ضمن جغرافيته المحددة .
الأستاذ: إسماعيل عمر رئيس حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا ” يكيتي ” 
من المعروف أن سوريا كدولة، تشكلت بموجب اتفاقية سايكس- بيكو التي رسمت حدودها الحالية في إطار تقسيم شرق المتوسط على ضوء مصالح الدول الراعية لتلك الاتفاقية، ولم يقتصر ذلك التقسيم على الأرض بل شمل شعوب المنطقة، وهكذا ضمّت سوريا الحالية مناطق كردية، وارتبط مصير سكانها الكرد بمصير أشقائهم العرب والأقليات القومية من سريان وأرمن وغيرهم..

وبموجب التاريخ المشترك، حيث تشارك الجميع في النضال من اجل استقلال سوريا، وارتضوا جميعاً أن يعيشوا معاً، أصبحت سوريا وطن الجميع، كأمر واقع، واختاروا ذلك بإرادتهم الحرة..

ومن أجل ذلك ضحوا بدمائهم التي اختلطت في معارك الجلاء وفي مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية.

لكن شوفينية القومية السائدة تنكرت لتلك الشراكة الوطنية , وحاولت تأليب الرأي العام الوطني على الشعب الكردي الذي خضع منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي لسياسة تمييز قومي وجدت تعبيراتها في مختلف مجالات الحياة، وتوّجت بالعديد من القوانين الاستثنائية والمشاريع العنصرية، من إحصاء رجعي جرّد مئات الآلاف من المواطنين الكرد من جنسية بلدهم، وحزام عنصري حرم عشرات الآلاف من الفلاحين الكرد من أراضيهم الزراعية، إضافة لعمليات التعريب التي طالت أسماء المعالم الطبيعية والتجمعات البشرية، وأنتجت تلك السياسة شعوراً عميقاً بالاغتراب لدى المواطنين الكرد الذين ترك الآلاف منهم ديارهم في هجرات داخلية إلى ضواحي المدن الكبيرة، وخاصة دمشق، للعمل في المزارع والمطاعم وأعمال البناء، وهجرات خارجية الى أوربا التي قدمت لهم، بحدود قوانينها، جنسية بلدانها، مما خلق مفارقات غريبة، انعكست على الولاء الوطني لهذا المواطن الذي يجرًد من جنسية بلده ويحرم فيه من سبل العيش الكريم، ليحصل على جنسية بلد أخر يعامل فيه كإنسان وتحترم حقوقه في حدودها الدنيا على الأقل، كما انعكست تلك السياسة على انتعاش الأفكار الانعزالية في المجتمع الكردي كرد فعل على السياسة الشوفينية..

لكن الحركة الكردية، التي تتصدى لتلك السياسة الشوفينية، تبذل جهوداً مضنية لتعزيز الانتماء الوطني الكردي، وذلك بالتعاون مع مختلف القوى الوطنية السورية، وخاصة قوى إعلان دمشق لإدراج القضية الكردية بين القضايا التي تتطلب حلولا عادلة وديمقراطية وعاجلة، والانخراط في النضال الوطني العام الساعي للتغيير الديمقراطي السلمي لتحقيق شعار ان سوريا يجب ان تكون للجميع بقدر ما يكون الجميع لسوريا.


 هذا صحيح، حيث لا يمكن الحديث عن وطن دون الحديث عن مواطنين يملؤهم شعور الانتماء له ويحسّون بواجب الدفاع عنه والتضحية في سبيله، لكن بنفس الوقت، فإن الشرط الأساسي لقيام المواطن بواجباته هو أن تكون حقوقه مصانة، فالتوازن بين هذه الحقوق وتلك الواجبات هو الذي يحدد المعيار الضروري للمواطنة الصحيحة .
وبتطبيق هذا المعيار على المواطن الكردي، فان تلك العلاقة مع الوطن تتعرض للخلل في الكثير من الحالات، فالجنسية التي تعتبر الرباط الرسمي الذي يربطه به، جرّدت من مئات الآلاف من المواطنين الكرد لأسباب تعود لانتمائهم القومي .وبموجب ذلك حرم هؤلاء الضحايا من قائمة حقوق، اعتباراً من النوم في الفنادق حتى خدمة العلم، مروراً بحق العمل والتملك والتعليم العالي وغير ذلك..

فكيف يمكن أن نتصور طبيعة العلاقة مع وطن يحرم فيه أبناؤه بهذا الشكل، كما أن تعريب اسم قرية لمواطن كردي ولد فيها وانغرس هذا الاسم في وجدانه  وتاريخ حياته، وارتبط بملاعب طفولته يسيء لعلاقته مع قريته أولاً ووطنه ثانياً…وينطبق نفس المبدأ، وبشكل، آخر على مواطن كردي يتقدم لوظيفة لا يعامل فيها حسب كفاءاته، بل وفق اعتبارات سياسية تجعل من انتمائه القومي سبباً لعدم قبوله، أو على فلاح كردي يحرم من أرضه التي تمنح لفلاح آخر تستقدمه السلطة من مكان بعيد..

لكن رغم قساوة القوانين الاستثنائية والمشاريع العنصرية التي تستهدف عرقلة تطور المجتمع الكردي عموماً، مثلما تستهدف الإساءة الى دوره الوطني، فان المواطن الكردي لن يجد بديلاً عن المطالبة بحقوقه وحل قضية القومية في إطار وحدة البلاد، وعن التعاون مع بقية المواطنين، على اختلاف انتماءاتهم القومية والدينية، لتعزيز اللحملة الوطنية وبناء دولة الحق والقانون والمواطنة الحقة.
الأستاذ مشعل التمو الناطق الرسمي باسم تيار المستقبل الكردي في سوريا
في المجتمعات التعددية , قوميا أو دينيا أو حتى ذات بنى ونظم ما قبل مدنية , يصبح مفهوم المواطنة معيارا لدرجة التقدم والتحول والتطور في هذا المجتمعات , بمعنى كلما تعددت التكوينات والمكونات السياسية والثقافية والاجتماعية , تصبح المواطنة أساسا لبناء الدولة المدنية , الحديثة , وبالتالي تكون المواطنة معيارا للحق والواجب , تتحدد عبرها العلاقة بين المجتمع والدولة .
واذا كانت المواطنة انتساب جغرافي , بمعنى حيز جغرافي , متحد تعيش فيه مجموعة من الأفراد أو الجماعات ترتبط بعلاقات إنسانية متعددة , والهوية انتساب إلى معتقدات وقيم ومعايير ثقافية , أي هوية معينة , فان البشر قد يكونوا مواطنين في وطن , لكن هذا الوطن لا يحدد الهوية التي ينتسب إليها المواطنون , فالهوية تتضمن عدة متكونات تراكمية يصفها حازم صاغية بالمستويات , المستوى الأهلي المباشر في مستوى الطبقة الاجتماعية , وفي مستوى الوطن والدولة , وفي مستوى الإقليم الجغرافي , وفي مستوى النطاق الثقافي , بمعنى الهوية تتجاوز توصيفات الدولة وحدودها , وفي كل الدول التي اغتصبت أو ضُم إليها جزء من كوردستان , لم تتحقق المواطنة بمفهومها المدني , لا بشكلها السياسي ولا بمستواها الثقافي ولا حتى بشكلها الاجتماعي , وحتى مفهوم المواطنة كتعريف قبل أن يتجسد دستوريا وقانونيا في المجتمع لا زال مرتبط بالقوالب النمطية العروبية حيال الجماعات الوطنية الأخرى , والنمطية هذه تتجلى في ضرورة تعريب ما هو موجود , حتى يتلاءم مع الصورة النمطية للمواطنة , وهي ذاتها لا تتضمن سوى مسار واحد هو العرب واندماج الآخرين في هويتهم , وهذه النمطية مزروعة في الثقافة والوعي الباطن لدى أغلبية المثقفين العرب , العلمانيين والليبراليين , ناهيك عن البقية الباقية من المؤدلجين والأصوليين والقبليين , ولعل التمسك الأعمى بصفة العروبة بدءا من اسم الدولة وانتهاء بأصغر الأشياء , هو تمسك بالهوية العربية , وإصرار على تجاوز المواطنة المدنية , وطبيعي أن تمسك أي جماعة بهويتها ومحاولة فرضها بالإكراه والعسف أو بالحيلة , يقابله تمسك الجماعات الأخرى بهويتها , بمعنى بثقافتها الخاصة , بل ورفض أي سياق آخر , بمعنى ليس هناك في سوريا مواطنة حتى ترتبط بها الهوية الكوردية , وحتى من يريد تأسيس ذلك أو يدعوا إليه , لا زال قصور النظر ونمطية القوالب هي التي تطفح وتتجلى في السلوك , أو وفق تعبير مايكل اليوت , ما زال العالم الثالث مكونا من أمم محبطة غير قادرة على تحقيق التنمية أو تجاوز جدران التخلف أو تحقيق الاندماج الوطني , وطبيعي أن حالة الإحباط والخوف من الأخر المختلف قوميا , المتكرسه في الوعي والسلوك العروبي , يمنع حتى الفهم المتبادل ناهيك عن تجسيد وصفة المواطنة المدنية كحل للمجتمعات المتعددة قوميا ودينيا وقبليا , ولعل اكبر دليل على هذه النمطية , عدم امتلاك القدرة على الاعتراف بوجود الكورد كشعب يتشارك معهم في ذات الحيز الجغرافي , بل وظاهرة المجردين من الجنسية والتراتبية الاجتماعية التي وضعوا فيها , دليل فاقع على مدى نمطية الحمق السائدة في الوعي والسلوك العروبي .
اعتقد بان الحديث عن المواطنة بشكلها النظري البحت الذي نصادفه هنا أو هناك , في مقالة أو بيان أو توصيف معين , لا يعني بان ثقافة المواطنة ومبدئها , قد تكرس في الممارسة العملية , حيث نفي شبه كامل للجوانب السياسية والمدنية والقانونية في السلوك اليومي وحتى في الرؤية لمستقبل سوريا كوطن تشاركي , وبدون تكريس مبدأ المواطنة على ارض الواقع , أو الإقرار به بكل وضوح وعلنية , لا اعتقد بان أي انتماء أو تشارك سيتحقق , فلا معنى للمواطنة النظرية أو البحثية , إذا لم تقترن بإجابات محددة ولم تتحول إلى قيمة اجتماعية وسلوك , بمعنى الدعوة إلى المساواة والعدالة , بدون تحديد دقيق للفهم العملياتي للمواطنة , هل هي مدنية , كالمواطنة الكندية أو السويسرية ( مجتمعات متعددة قوميا ) أو هي على النمط العروبي , وعلى طريقة الصياد صاحب الأرنب إياه ؟ بمعنى هل يمكن أن يعترف ويعمل ويقر المثقف العربي بان المواطنة المدنية في مستواها السياسي , تتضمن حتى حق تقرير المصير للجماعات الوطنية الأخرى ؟ ناهيك عن الجوانب التشاركية الأخرى في إدارة المجتمع , وان المواطنة تعني قبول الأخر والاعتراف بوجوده وخصوصيته وثقافته
إضافة إلى تجسيد الأنواع الثلاثة من المواطنة وهي المواطنة السياسية والتي ترتبط بسوية ومستوى المشاركة السياسية , والمواطنة المدنية التي تتعلق بالمساواة القانونية والحماية من التمييز والصهر العنصري , والعدالة والحرية والأمن والسلامة الشخصية , والمواطنة الاجتماعية والتي يتمتع الفرد عبرها بكافة الحقوق المتصلة بالاحتياجات الأساسية لتحقيق الذات ,  واذا كان البعض يدعو إلى وحدة الجسم الاجتماعي على أرضية أن المواطنة تتألف من اتحاد حر لإفراد مستقلين , فهذا يتطلب وفق روسو , صياغة عقد اجتماعي يضمن حقوق الجميع ولا ينسجم هذا الطرح مع محاولة فرض هوية عربية وتجلياتها على ارض الواقع .
اعتقد بان ما يسود في سوريا من عسف سياسي رسمي , يقابله تمسك عروبي بالهوية , يقابله أيضا انزواء كوردي وإصرار على الهوية , ينفي وجود أية صفة أو موصوف للمواطنة , وبالتالي فعدم وجود وسيادة مبدأ المواطنة ككل في سوريا , يدفع باتجاه نموات ما قبل مدنية وليس فقط القومية , وإنما هناك تفتيت للانتماء الوطني الذي هو أهم مرتكز للمواطنة , فالعسف السياسي وهدر الإنسان أسس لارتكاس مجتمعي عام , وطبيعي أن مفهوم المواطنة في الحالة السورية لا زال مطمحا أو مطلبا يلبي حاجة المجتمع في التوافق والتشارك , وعندما ندعو في الحالة الكوردية إلى عقد اجتماعي جديد فهذا يظهر مدى الترابط الوثيق بين مفهوم المواطنة المدنية , والهوية الكوردية وتجسيداتها بالتوازي والتساوي والترافق مع الهويات القومية الأخرى , واعتقد بان صفة الانتساب إلى هوية محددة , لا تنفي ولا تتعارض مع مبدأ المواطنة الحديث المبني على المساواة في الحقوق والواجبات والاعتراف بالتعدد القومي والديني وتوفير الهوامش المطلوبة لممارسة تلك الخصوصيات , ووفق كل مستويات المواطنة (سياسيا ومدنيا واجتماعيا ) .
واجزم بأنه يجب التمييز بين نوعين من الخطاب الكوردي , الخطاب الحزبي الذي يحدد مسار الأطر الحزبية ويخضع للرؤية الحزبية ومصالح هذا الإطار أو ذاك , والخطاب القومي المعبر عن الهوية القومية للشعب الكوردستاني في سوريا , فالخطاب الحزبي بأغلبه لا زال توسليا , غير مستند إلى منهجية علمية في المطلب السياسي , وبحكم التخلف المحض في الوعي والسلوك الحزبي الناجم عن تغييب البشر وتعويم العقل من جراء سياسات الاستبداد , فان الأطر الحزبية الكوردية تعاني من فقر ثقافي حيال مفاهيم المجتمع المدني ككل , بل وتعاني من فقر سياسي عام , لذلك نجدها تتخبط على صعيد المفهوم وعلى صعيد السلوك , ونجد بعضها يتهافت على أي طرح بسيط فيما يخص الوجود القومي , وتعتبر ذلك انجازا من لدن هذا المثقف أو السياسي العربي أو ذاك , بينما هو في الواقع سياق آخر للصهر القومي وفرض الهوية العربية على سوريا , في مقابل فتات رضائي للقوميات الأخرى , في تقزيم واختزال لمبدأ المواطنة بتجسيده العملي .
اعتقد بان الحديث عن تعارض بين المفاهيم في الخطاب القومي الكوردي , لا أجد فيه معنى , بحكم أن الخطاب الحزبي  الكوردي في سوريا , لا زال رهين الأمية الثقافية والسياسية , ولا زال لا يمتلك القدرة على تجاوز هوامش الفعل العروبي سياسيا وثقافيا , ناهيك عن سوية المعرفة بالمفاهيم لدى الخطاب الحزبي , لا زالت دون الحد المطلوب , بمعنى لا زال مفهوم المواطنة , خارج إطار الخطاب الحزبي.
أما الخطاب القومي الكوردي المبني على المعرفة والعلمانية والهوية بكل محدداتها , فاعتقد بان المواطنة المدنية تنسجم معه , بل وتتحد وإياه , كخصوصية قومية تتعانق عبر المواطنة مع عمومية أكثر اتساعا وشمولا.
ففي الأنظمة الاستبدادية , لم تتشكل الدولة الحيادية , بل تواجدت سلطات أمنية وقمعية التهمت الدولة واختزلتها أولا في حزب واحد ومن ثم في شخص واحد , وبالتالي لم يعد هناك مواطن حر , فرد حر , بل مجموعة رعايا وعبيد يخدمون سلطة محددة , وعندما ينتفي المواطن الحر , ينتفي الوطن , وطبيعي انه عندما يختل التوازن في العلاقات العامة وتتكسر معايير التساوي ويسود التفاضل على أساس حزبي أو مادي أو طائفي أو قومي , يختل أيضا الشعور بالانتماء ويضمحل هذا الانتماء في الوعي والسلوك , وان بقي على أساس التعداد السكاني , لكنه ينتكس إلى نمواته ما قبل المدنية ويصبح الانتماء أما قوميا أو قبليا أو طائفيا ….الخ , وكل هذا الاختلال يجعل من الشعور بالانتماء الوطني أمر شكليا لأنه مفروض بقوة العسف والقمع , وليس كقيمة ومساواة.
أن الوطن لا يكتسب صفته , إلا بتوفر فضاء حر وفرد حر يتمتع بكافة حقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية , يمارس تلك الحقوق كتجسيد لانتمائه للوطن , وهذه الممارسة هي التي تشكل الارتباط بين وجود الفرد الحر, المواطن , وبين وجود الوطن , فوجود الأول كحالة حرة , يبنى عليه وجود الوطن , وما عدا ذلك فلا وطن بوجود رعايا وقمع واستبداد وصهر وعسف متنوع الإشكال والإحجام والأسماء.
اعتقد بان عدم وجود مواطن ليست حصرية بالكورد بل هي حالة عامة في سوريا , وبالتالي فالشعارات العابرة للحدود والعاطفية لا تخلق مواطن ولا توجد وطن , بل قد تكرس هيمنة سلطة معينة , لكنها بالمحصلة تدمر المواطن والوطن , ولو توقفنا قليلا على قيم المواطنة , كقيمة المساواة التي يجسدها الدستور وسائر القوانين المختلفة بدون تمييز , والقيمة الثانية , قيمة التشارك في الوطن والأسهم الموزعة بين كافة قوميات وطوائف المجتمع , وهي الأسهم التي تصون الوجود وتؤمن المشاركة والتشارك الفاعل في الوطن , والقيمة الثالثة , هي قيمة الحرية , سواء الحرية السياسية , أو كافة الحريات العامة والفردية , والقيمة الرابعة , المسئولية وتوزعها العادل , والمبنية على شعورالفرد بالمسئولية تجاه الوطن  
ترى أي من هذه القيم متوفر في سوريا , وهل توصيف مفردة الوطن تصح في الحالة السورية.
اعتقد بان أي من قيم المواطنة غير متوافر , بل يتوفر النقيض وعلى كل المستويات , وعندما لا يكون هناك وطن فلا اعتقد بوجود شعور بالانتماء , فالقيم غير المتوفرة , تجسد حالة من التذرر واللامبالاة وتبعثر المكونات وتعيدها إلى حالتها البدائية , وعندما تنتفي الحواضن الوطنية , تبرز وتتكون الحواضن البديلة سواء القومية أو القبلية أو الطائفية , وهي فعليا الموجودة في سوريا , سواء اعترف المرء بذلك أو أنكر توافقا مع الشعارات الرنانة , واجزم بان لا وجود لوطن لا انتماء فيه , وسوريا باتت تحت حكم حزب البعث وسلطته الأمنية , حدود جغرافيا لا انتماء وطني فيها , بل انتماءات متعددة , كلها تندرج في سياقات ما قبل مدنية , وبالتالي حتى وان شعر وعمل الفرد الكوردي على انه جزء من مكونات المجتمع السوري , وهي حقيقة ثابتة , فما قيمة هذا الشعور إذا لم يتجسد أو يبنى على أرضية دستورية , فالجغرافيا وحدها لا تكرس الشعور بالانتماء , بل ما يسود هو حالة من الاغتراب ليس الكورد فقط , بل اعتقد هي معاناة عامة , إذ حتى الكثير من الشرائح العربية هي مغتربة في وطنها , ومقصية عنه وعن شؤونه.
أن غياب المواطنة , تقوض أسس وجود الوطن , وتكرس مفهوم الرعية المحكومة بالقبضة الحديدية , وما هو موجود ليس بدولة , بل سلطة هيمنت وقضمت الدولة , وبالتالي فلا شعور حقيقي بالانتماء لما هو موجود , رغم أن الفعل الممارس لدى الكورد يصب في اتجاه بناء دولة مدنية , دولة لكل مواطنيها , وفي هذا السياق يجب التمييز بين حقوق الإنسان التي هي حقوق عامة ينالها الإنسان في أي وقت ومكان , وبين حقوق المواطنة التي هي حقوق تعاقدية بين المواطن والدولة يترتب عليها واجبات والتزامات متبادلة.
حقيقة أن الشعور بالتشارك مع القوميات الأخرى في بقعة جغرافية لدى الكورد , شعور حقيقي وموجود في السلوك والممارسة العملية , وهذا الشعور لا يرتبط بالفعل العنصري الذي تقوم به السلطات الأمنية , بل ينجم عن الإحساس بالمسئولية لدى النخب الكوردية , بغض النظر عن عدم قبول الكوردي كفرد وكحالة قومية , لكنه يعمل ليس لحاضر متعفن ومتكلس في المفاهيم الناظمة لتعايش الشعوب , بل يحاول جاهدا وهو متيقن من ذلك في بناء سوريا مدنية , تكون فيها الدولة حيادية , والسلطة تعددية وتداولية , ينظمها عقد اجتماعي جديد , يؤسس لوعي بقيم المواطنة التي اجزم بأنها ستؤسس لوطن حر خال من العسف والاضطهاد وإنكار الوجود.
الأستاذ حسن كامل : سياسي كردي
حول المواطنة “من منظور الساسة”
الأسئلة تدور حول “مواطنية” الكردي في سوريا كانسان أولاً؟!!
إلا إننا لا نستطيع فتح هذا الملف دون الرجوع إلى المرجعية الفلسفية للحركة السياسية الكردية والسورية دون استثناء عند تناولها لقضية المواطنة وتحديد موجباتها..

ومعرفة مساهمتها في نشر ثقافة المواطنة التي هي نابعة من ثقافة التنوير والحداثة التي تتلخص في الفهم للثقافة الديمقراطية التي ترتكز على المواطنة الحرة أولاً.
ثانياً:ً هذا يستوجب علينا وبالمعنى العلمي ان نحدد المفردات ونستوضحها قبل أن نستنطقها لتكوّن لنا المرجعية التي تظهر الخلفية المنهجية للرد على السؤالين..اخذين بعين الاعتبار خصوصية الكردي في سوريا..
من هو الكردي؟..

وما علاقته بالوطن؟!! وعن أي وطن نتحدث؟ وطن سايكس بيكو أم وطن الانتماء؟..وما مدى الارتباط فيما بين وطن سايكس بيكو ووطن الانتماء؟..
إنما قبل كل هذا دعونا نتفق على مفهوم المواطنة أولاً.
دون أن ندخل في ارخنة المواطنة سنكثفها أولا لكي نحدد المفهوم..وتكون الأساس في الحوار..
ما اقصده من مفهوم  المواطنة: هي المساواة..وما ينتج عن ذلك من حقوق وواجبات بين أفراد المجتمع بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه أو عرقه..
صحيح إن قيمة المساواة هي ذاتها تحمل قيمة الحرية في التعبير والاعتقاد والتأييد والاحتجاج..الخ لدى المواطن، وأيضا تحمل قيمة المشاركة الفاعلة للفرد  لحق التصويت والانتخاب وما يترتب عليها من تفعيل للمجتمع وفي صنع السياسة، لتتأطر كل هذه الحقوق بالمساواة في صيغتها النابعة من المسؤولية الاجتماعية التي هي حاضنة الواجبات اتجاه الآخر.

بيد ان هذا التعريف يفقد معانيه ان لم نحدده بالجغرافية أو قطعة الأرض التي تسمى بالوطن.
ربما كل هذا لا خلاف عليه..أنما يبدأ الخلاف وخاصة بالنسبة للكورد أن حددنا اشتقاق المواطنة بهوية الوطن..ما المقصود بالوطن الكوردي؟!!.


 دعنا ندخل في صلب الموضوع وبدون مقدمات..هناك أشكال مركب فيما يخص المواطنة بالنسبة للأكراد نابعة من التداخل فيما بين الرؤية السياسية والقراءة السوسيولوجية للمجتمع الكردي وخاصة في سوريا.

لا يتحمل مسؤوليتها الساسة أو المفكرين الكرد فقط إنما يتحمل مسؤوليتها وبشكل اكبر الساسة والمفكرين السورين وهم على خلاف هوياتهم الايديولوجية..اما مسؤولية السلطة فلا جدوى من التطرق والحديث عنها..رغم إنها حملت الكثير من القوى السورية إيديولوجيتها الاقصائية.


من إحدى الإشكالات في الرؤية السياسية لدى الحركة الكردية إنها عومت المصطلحات المعرفية والمفاهيم..وابتعدت عن التوضيح بالمعنى الدلالي للمفردات مما استدعى ذلك منها أن تعمل على التوافق ما بين الرؤية السياسية والاساس المعرفي لكل منظومتها الفكرية..والسبب في ذلك يكمن في الحدس الامنوـ سياسي لدى الحركة الكردية..اي بمعنى ادق كانت القراءة السياسية لدى الحركة مظللة بالبعد الأمني الانفصالي.
الا ان هذا البعد وان كانت مفسرة في مرحلة معينة من تاريخ الحركة..أعتقد  من الخطأ الاستمرار بها والاعتقاد ما أنتجته خلال الفترة السابقة من مفاهيم تصلح لبناء معرفي لخطابها السياسي.
الحركة السياسية الكردية بمجملها تعلن على أنها تنظيمات سياسية طوعية تحمل الهم القومي للشعب الكوردي في سوريا وتسعى إلى حلها من خلال برنامجها السياسي المعلن.
إلا إن الحركة الكردية لم تفسر لنا أو تمهد لنا معرفة بناء هذه الجملة التي تحدد المهام وطبيعة الحركة والتي هي بحاجة الى فكفكة واستقراء بشكل منهجي وعلمي..لنكون على بينة من أمر المهمة أولاً والهوية الانتمائية ثانياً..

أي بمعنى:
ما هو الهم الكوردي؟!! وما حجمه؟!! وما هي خواص هذا الهم؟!! هل هذا “الهم” يدخل قي نطاق القضية القومية الكوردية في سوريا؟!! أم إنه أشكال مواطنة عابرة في ظل ديكتاتورية؟!!..الخ.

والى أي درجة تتقاطع إشكالية القضية (القوم أو القومية الكوردية) مع اشكالية المواطنة في سوريا ؟!!.


من الملاحظ ومن خلال طرح الأسئلة نلمس بان الحركة الكردية في سوريا لم تحدد الخط الفاصل فيما بين حدود القضية الكردية في سوريا وحدود المواطنة في ظل الديكتاتورية..أي بمعنى أدق..هل تنتهي الحدود المطلبية للكرد في سوريا عند اتمام حقوق المواطنة حسب تعريفنا السابق؟.
وهنا لابد لنا من أن نلفت الانتباه إلى أن وبغض النظر إن اتفقنا أو اختلفنا على تسمية “القضية كوردية في سوريا” ـ قضية ـ أو إشكالية مواطنة؟..ستظهر لنا إشكالية الانتماء؟؟.

علينا أن نحددها أولا ونظهرها، هل ينتمي الاكراد الى كردستان التاريخية أم ينتمون إلى سوريا سايكس بيكو؟..
هل الأكراد جزء من كردستان بغض النظر عن المساحة الجغرافية؟!!.
هل الوطن الكردستاني يفرض على الكردي الامتثال له كحقيقة وجودية؟؟!أم أن الوطن السوري قد شاط بالكرد وفرض عليهم  ما رسم قسراً عن الشعوب وأصبح الكردي جزءً من الوطن السوري؟!!
إلى أي درجة يكون التجاوب متوافقاً في التمييز ما بين المواطن والوطن؟!!
هل هناك وطنيين للفرد وهو في مرحلة الانعتاق القومي..

وطن الإقامة ووطن القومية؟!! الأكراد في سوريا نموذجاً.
هذه الاسئلة وما يتبعها بحاجة إلى تبصر وتمعن بحاجة الى فكفة واستقراء منهجي، لأنها ومن خلال الرد عليها، سيتم تحديد هويتنا الوطنية، وبالتالي ستؤسس إلى تحديد المسار لمفهومية المواطنة.
باختصار: إن كل قضية وبغض النظر عن حجمها تحمل في داخلها معرفتها وبالتالي تحدد منظومتها وتفرز أدواتها السياسية المتناسبة معها هذه قاعدة لا خلاف حولها، إنما ما هو ملفت للنظر بأن الحركة السياسية الكوردية في سوريا قد أضاعت البوصلة السياسية وهي تحاول البحث عن المفهوم للمصطلحات وخاصة إذ أدركنا المعاني للمفردات والمصطلحات على أنها هي التي تؤطر الفكر السياسي.


في قراءة أولية لمجمل المصطلحات المستخدمة في الأدبيات السياسية الكردية ولدى مقارنتها بالوقائع المطلبية للحركة ترى الفارق الأولي لهذه المصطلحات قد ازدادت شرخاً عن ما يحمله من معنى..ولهذا السبب تحديداً ترتجل الحركة السياسية الكردية مفرداتها السياسية لتعوم ما هو باطن..ولهذا السبب أيضا يتم النظر إلى الحركة السياسية الكردية على أنها حركة باطنية لا تعلن عن ما تختزنه.

ناهيك على إن عدم الوضوح هذا تربك العلاقة ما بين الحركة والمجتمع الكردي..أو بشكل أدق مع المجتمع الكردستاني في سوريا..
لا احد ينكر الدور النضالي المركب للأكراد وهم في مواقعهم “إيران، العراق، تركيا، سوريا” ..إنما من الضروري توضيح الخط الفاصل ما بين النضال القومي وبغض النظر إن كان كردي أو كردستاني البعد والنضال الديمقراطي لعموم البلاد.
قدر الأكراد استوجبت عليهم هذه المعادلة ويبدو لي لامناص منها فهي تتقاطع في مناحي عدة وتتفارق عند خط البعد الاستراتيجي لتطلعات الأكراد..
هذه المعادلة هي التي أسست لفكرة نبذ الثقافات..حيث عجزت الحركة السياسية الكردية رغم كل نضالاتها أن تؤسس لفكرة التوحد القومي من خلال القفز على المهام التي استوجبت تحديد معالمها الثقافية بثقافة المتكون الواحد.
ومنها تندرج الأسئلة..
ما هو الفرق ما بين الوطن والقومية؟!! وما المغزى السياسي لهذا التفارق؟؟!!.
ومن جهة أخرى..يندرج وينسحب السؤال إلى المغزى من الوجود القومي..هل الكوردي ينتمي إلى أمة كردستانية أم إلى أمة كوردية؟!!
ما الفرق بين الكوردية والكردستانية؟!!
وخاصة إن أدركنا بان المتعايشين من الأقوام والملل هم أوسع من أن يسمو أكراد..

السريان الاشورين الكلدان العرب الأرمن..الخ..
أسئلة لم تتوقف ويجب أن لا تتوقف وعلينا أن نستنبض منها كل المتشعبات لنصل إلى حدود التوضيح لكل المعاني للمفردات التي  تؤسس لنا الرؤية وعليه يتم تحديد المسار الفكري القادر على ابتداع الأشكال النضالية المتناسبة للمرحلة وبذلك نحدد الدور الوظيفي للحركة السياسية الكردية في سوريا.

وهنا يكمن الإشكال.
حيث لا بوصلة تحدد الدور الوظيفي للحركة السياسية الكردية في سوريا؟..
ربما يكون هذا الحكم جائراً بعض الشيء عند مقارنتها بالنضالات التي أرهقت الحركة عبر عقود من الزمن..وهذا حق..إنما سيكون صائباً إن شملناها بنتاجات الحركة السياسية الكردية في سوريا والتي استخلصناها من خلال تراكمات العقود الماضية.
ما أود أن أصل إليه إن مفهوم المواطنة ما زال معوماً وغير مرئياً لدى الحركة الكردية لأن توضيحه والتأسيس عليه برنامجياً سيخلق إشكالات وهي بغنى عنها.

ربما نتفهم هذا..رغم إننا لن نبرره لها..
إنما ما يدعو إلى الاستغراب وعدم التفهم نابعة من القوى السورية وخاصة تلك القوى التي تدعي إنها ديمقراطية أو تلك القوى التي تبنت الديمقراطية مؤخراً بعد تحديثها..أو تلك القوى التي ما زالت مسترسلة بالماركسية؟!!.
هذه القوة وبمجموعها دخلت من حيث تدري أو لا تدري منظومة سايكس بيكو أولاً..وباتت تدافع عن هذه المنظومة الحدودية على أنها الحدود الوطنية..وبنت استراتيجيتها وفق هذه المنظومة الحدودية..وهذه غرابة..لا بل أكثر من ذلك استطيع القول انه الانتصار بعينه للاستعمار..
قبل سايكس بيكو لم نشاهد رسومات للحدود في المنطقة..

وكانت الرؤية العسكرية لغازي سوريا آنذاك إبراهيم باشا يعلن بأن حدود سوريا تنتهي عند جبال طوروس..رسائل الملك فيصل لم تعرف لنا الطبوغرفيا الحدودية لسوريا..

وعند التعمق في مضمونها نلاحظ خطوط الفصل تنتهي عند البادية الشامية أي غرب الفرات..
إلا إن سايكس بيكو فرض منظومته الحدودية وباتت الحدود الوطنية لكل دولة من الدول التي شملتها الخطوط المرسومة..
من نتائج سايكس بيكو..إن بقي الشريط الحدودي وعلى طول يتراوح مابين 700ـ 800 كم طولي وباعماق مختلفة جزء من المجتمع الكردستاني انضووا تحت وصاية الحدود السورية..هذا الإجراء لا يستطيع أحد أن يتحمل مسؤوليتها سوى الاستعمار..

أي كانت فرضاً رغم انف الكل مجتمعين.
هذه حقيقة..إنما هذه الحقيقة تعكس وجها آخر لها، وبات لزاماً علينا التبصر بها وملامستها وخاصة ان سلمنا بان “هذه الحقيقة” باتت واقعاً..

وهنا يكمن الخلاف الجوهري.
هل نحن ملزمون بالتسليم لهذا الواقع؟!! وبغض النظر إن كنا أكرادا أو عرباً ..أو..

الخ؟!!.
ما هو الموقف من ان يتحول المجتمع الكردستاني بعموميته إلى أربع مجتمعات منفصلة؟..هذا إن سلمنا على إن حل الإشكال الكردي “محدد بالأشكال المواطنة” في كل جزء من الحدود الوطنية للدولة التابعة لها..اي حدود سايكس بيكو؟.
كيف تنظر القوة الوطنية السورية “طبعاً بعد تحديثها..” الى هذا الإشكال عندما تصر على ان حل القضية الكردية في سوريا تدخل في نطاق حل إشكالية المواطنة فقط؟..
من المؤكد لا نستطيع ان نفهم المواطنة عند القوى الوطنية السورية قبل ما ان نفهم منابعها الفكرية وخلفياتها الايديولوجية التي تستمد منها مبرراتها..
الحركة السياسية السورية تستمد شرعيتها من ثلاث ايديولوجيات كانت في الضد من مفهومية المواطنة ذات الاصول الليبرالية..اي المواطنة الحرة..التي تأسست على فهم دمقرطة المجتمع وتبلورت كقيمة ذاتية لدفع المجتمع للتفاعل والمشاركة.

دون ان استثني احد منهم..
إن كانت القوى ذات المرجعية الإسلامية التي لم تتمعن بالمواطنة وتتفهمها  الا من خلال الفهم للاخرة وولي الأمر..والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
أو القوى القومية التي أجلت كل مناسك المواطنة لمعركة التحرير والوحدة..ألخ.
أو القوى الماركسية التي لم تكن ترى في المواطنة إلا دلالة البرجوازي الذي يسلم بانحلال الدولة وبناء المجتمع الشيوعي.
هذه الخلفيات الفكرية كان من الصعب عليها ان تؤسس لمفهوم المواطنة الشرعية للمجتمع، وألزمت أدبياتها أن تنحو منحى الإقصاء لكل من هو على خلاف لرؤيتها..وبالتالي دخلت المواطنة في حيز الإيديولوجية التي هي الأس الاقصائي لكل متكون مجتمعي يخالف هذه المرجعيات.
 على خلاف من هذه المنابع الفكرية، كان الأكراد مع غيرهم من مكونات المجتمع السوري مهمشين في المجتمع لأنهم لا يتبعون الإيديولوجيات المهيمنة..لا بل وأكثر من ذلك استطيع القول بأنهم كانوا متهمين، وينظر إليهم على أنهم دخلاء ويجب التعامل معهم بطريقة الصهر في المجتمع العربي السوري أو إقصاءهم.
وهنا جالت الفكرة التي تدور حول الصهر واستخدمت كل الأساليب من السلطة وبمساعدة فعلية أو من خلال الصمت المطبق والذي كان ينم في كثير من الأوقات على الموافقة من القوى التي كانت ترى بنفسها وطنية.

لتستمر لأكثر من خمسة عقود ..
ليس المقصود هو التذكير والمحاسبة بقدر ما هو مطلوب القراءة النقدية لكل تلك السياسات التي اتكات على ايديولوجيات اقصائية لتتحاشى الصدام مع المجتمع  مستقبلاً..
آن الأوان على القوى السورية وبغض النظر عن انتماءاتها الفكرية ان تتبصر إلى الحقائق المكونة للمجتمع السوري..وتدرسها كما هي فعلياً..
من المستحيل أن يتحول المجتمع السوري عربياً خالصاً ولا إسلاميا خالصاً..مهما تطورت أداة الإقصاء..وتجربة العقود الخمسة السابقة من حكم القوميين جلية لا تحتاج إلى أي تعليق.
من المستحيل أن يتحسس الكردي بالمواطنة دون ملامسته للامان المجتمعي..وهذا الأمان لا تمنحها السلطة الاقصائية التي حولت مفهوم المواطنة إلى الولاء المطلق لها وباتت مقاييس الانتماء مرتبطة بمقياس الولاء.
لذا توجب على الحركة السياسية السورية أن تتخطى إيديولوجيتها، لتكون قادرة على فهم الواقع الاجتماعي بكل مكوناتها الاثنية والعرقية والمذهبية وتعمل على الاعتراف غير المشروط بها.

على الحركة السياسية الكردية كما على الحركة السياسية السورية أن تعمل على إعادة الاعتبار للمفاهيم أولا، قبل أن تصوغ أي عقد اجتماعي، هذا إن أرادت الحياة المشتركة والتعايش السلمي للمجتمع السوري.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…