سنتيمترات فقط بين المناضل الحقيقي .. والرخيص

عبدو خليل
في البلدان المرتاحة اقتصادياً وسياسياً .. اي تلك التي تعيش في بحبوحة ديمقراطية ومالية ويسود القانون .. ليست مشكلة مطلقاً الدخول في منافسات وصراعات انتخابية على مناصب .. وكراسي .. اياً كان هذا المنصب .. رئيس دولة او محافظة أو بلدية .. وصولاً إلى حارس في الحديقة العامة .. قد يقول البعض ولماذا حارس الحديقة تلك قصة اخرى سأتي على ذكرها في بوست اخر .. ولكن حقيقة استغرب عندما نجد مناضلاً من البلدان الشمولية .. افنى نصف عمره في النضال .. وبدون مقابل .. أو شخصاً دخل المعتقل على خلفية قناعاته وتحمل الكثير من قسوة جلاديه.. كيف له أن يتحول ويغدو شخصاً اخر ما أن يصل لمنصب.. حتى لو كان هذا المنصب سكرتير فرقة حزبية على اربعة رؤوس ساذجة .. 
تجده ينخرط في اللعبة .. لعبة المناصب.. سيما إن كانت اللعبة مأجورة .. تراه يتماهى وينزلق ويتدحرج ويتمرغ في الطين لقاء الحفاظ على موارد معينة أو للاحتفاظ بوجاهة لا تزيد عن وجاهة حارس الحديقة .. هذا الصنف لايهمه إن كانت ولوجه اللعبة تكلف اهله واقرانه دماً ونزوحاً وتعتيراً .. تراه يبيع الموقف تلو الموقف ويمضي خلف شهوة السلطة والمال والوجاهة … وعندما تسأله عن هوسه ولوثته في التمسك بالمنصب يرد عليك : هكذا هي السياسة .. ويضيف حتى في البلدان المتطورة هناك منافسة مبرراً بذلك انتباجه وتوزمه وتمسكه بالمنصب .. طبعاً هذا النموذج / الأنتيكا ينسى او يتناسى أنه في البلدان المتقدمة حوادث صغيرة قد تطيح بحكومات كاملة وتنسفها من جذورها .. وينسى ايضاً ان المنافسة في حالة الرخاء والبحبوبة لا تشبه المنافسة عندما تكون صاحب قضية عادلة أو عندما تنتمي لبلد بات ربع سكانه معطوبين جسدياً أو نفسيا ونصفه الاخر مهجر ونازح .. وربما لا يدرك هذا الفطحل أن المسافة بين البرغماتية و الانتهازية والوضاعة سنتمترات فقط .. وأن الوضاعة والرخص لا تصنع سياسياً ولا مثقفاً .
في هذه الحالة .. اي النموذج الأخير / المناضل اللعيب.. البخس .. نكون أمام معضلة اخلاقية ونفسية تستوجب الملاحظة والدراسة و نقترب من تشخيص غرامشي للمعنى الحقيقي للمناضل وللحالة النضالية .. لكن في بعض الأحيان ايضاً نحتاج إلى العم عزيز نيسين رحمة الله عليه حتى يفك لنا هذه المعضلة بطريقته الساخرة .. ونمزج حينها الوجع بالفكاهة .. خاصة عندما لا تجدي صافرة حارس الحديقة في كف ايادي العابثين بأزهار القيم والأخلاق

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…