شاهين أحمد
نشر المعارض السوري المعروف السيد ” كمال اللبواني ” مقالة بعنوان ” مشروع الدولة الكوردية القادمة ” ، أثار الموضوع ردود فعل متباينة من القراء والمهتمين وخاصة من جانب أبناء شعبنا الكوردي في سوريا ، حيث تراوحت هذه الردود بين المرحبة والمشككة والسلبية ، وغالبية الردود السلبية لامست المقالة من قشرتها فقط ، دون الخوض في مضامينها ، والخطاب الجديد فيها ، ولاننسى هنا بعض الأقلام الأخرى التي تفاعلت مع ماصدر من المعارض المذكور من زاوية واقعية ، وقيمت المقالة في حقول تغليب الخطاب الإيجابي الذي يمهد لتأسيس أرضية مناسبة لبناء المشتركات الوطنية ، والإبتعاد عن الخطاب الكلاسيكي والتشكيكي الذي ساد طوال عقود من مرحلة الحرب الباردة .
وهنا وقبل الدخول في قراءة المقالة ثمة أسئلة تطرح نفسها على من تناول الموضوع من وجهة نظر سلبية ،من أهمها : لماذا كل هذا التشكيك تجاه ما صدر طوعاً من جانب أحد رموز المعارضة وخاصة أنه ينتمي إلى المكون العربي الذي يشكل الكتلة الأكبر من مكونات الشعب السوري ؟. هل نحن نتعامل مع النوايا على طريقة السحرة والمشعوذين وقراء الفناجين ، أم علينا أن نتعامل مع النصوص المادية كماهي ؟. من قال أن ” اللبواني ” ينتمي إلى طائفة الملائكة ؟. فهو إنسان قد يخطأ هنا وقد يصيب هناك، قد نتفق معه في موقف ، ونختلف معه في مواقف ، وهذا شيء طبيعي ، فمثلاً نتذكر جيداً موقفه السلبي من المطالب الكوردية أثناء إنضمام المجلس الوطني الكوردي ENKS إلى الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة أواخر عام 2013 ، وكذلك مواقفه السلبية من الفدرالية كشكل مستقبلي للدولة السورية حيث في مقابلة له مع ” زمان الوصل ” نشرت بتاريخ 19 كانون الثاني 2013 فتح فيها النار على الولايات المتحدة الأمريكية متهماً إياها بأنها تريد فيدرالية ” علوية – كوردية ” لإضعاف سوريا وتفكيكها !!.
يبدأ الكاتب مقالتة بمقدمة ربما شكلت أحد أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور هذا الكم الهائل من الردود السلبية حيث يقول : ” عندما نصح الرئيس التونسي بورقيبة الزعماء العرب عام ١٩٦٣ بقبول قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين، استمرّ طلاب المدارس بإسقاطه كل صباح حتى صحوا على هزيمة ١٩٦٧، التي احتلّت فيها إسرائيل كامل فلسطين ومساحة تفوقها من مصر وسورية، أذكر يومها كنّا نردّد كل صباح “يسقط الحبيب بورقيبة.. يسقط يسقط يسقط” …إنتهى الإقتباس ” . حيث وجد نسبة من القراء بأن المقارنة بين الحالتين غير جائزة ، لأن الأولى المتعلقة بوضع دولة إسرائيل ، ونظراً للتركيز الإعلامي السلبي طوال عقود خلت على هذا الموضوع ، وإطلاق شتى النعوت السلبية على اليهود بشكل عام ، ويهود فلسطين بصورة خاصة وذلك من طرف القوميين العرب الذين يعتبرون أن إسرائيل كيان مصطنع ، لايحق للإسرائيليين إقامة دولة على تراب فلسطين ، كون فلسطين أرض عربية !، مما خلق صورة سلبية وقاتلة لإسرائيل في أذهان شرائح واسعة من مجتمعاتنا . أما وضع الشعب الكوردي فهو مختلف تماماً ، لأن الجميع يعلم بأن كوردستان قسمت على مرحلتين ، الأولى كانت في عام 1514بعد الإنتهاء من معركة ” جالديران ” بين الدولة العثمانية السنية ، والصفوية الشيعية في إيران حيث تم تقسيمها إلى قسمين . والثانية كانت بنتيجة إتفاقية سايكس – بيكو عام 1916 المعروفة حيث قسم الجزء الملحق بالدولة العثمانية إلى ثلاثة أجزاء قسم ألحق بسوريا وقسم بقي داخل الدولة التركية وقسم ثالث ألحق بالعراق في إطار تقسيم المنطقة بشكل عام . بالرغم من أن الكاتب لم يشر لا من قريب ولا من بعيد بأن الإسرائليين لايحق لهم إقامة دولة في فلسطين . ويستهجن الكاتب تلك الموجة الإيديولوجية وتلك الشعارات القوموية الغير واقعية ، وعلينا الإقرار بأن هذا الخطاب يعتبر ” صحوة جميلة ” حتى لو جاءت متأخرة ، وهنا يريد أن يؤكد السيد ” لبواني ” بأن تلك العقلية تتعامل مع قضية الشعب الكوردي بنفس المنطق وذات الطريقة حيث يقول : ” بذات الطريقة يتخيل البعض أنّ منع قيام دولة كوردية يتم بالشعارات، وأنّه من الممكن تجاهل مطالب وإرادة شعب يعدّ حوالي ٤٠ مليون في المنطقة، فتستمر سياسات التجاهل والتخوين ويستمر الشعب الكوردي في بناء أسس قيام دولته، مستفيداً من الدعم الغربي الذي لا يريد للمشروع العثماني ولا الفارسي ولا القومي العربي أن يبقى مرتاحاً، فيدفع بالمشروع الكردي بهدف إشغالهم ببعضهم معاً، وهنا لا يمكن لوم الكردي إذا استفاد من الظروف والدعم الغربي، طالما أنّه يتعرّض للإنكار، فلو أعطي حقوقه ثم تآمر مع الغرب كان من الممكن اتهامه، أما أن يتعرّض لإنكار الوجود، ثم يطلب منه عدم البحث عن مصادر قوة لتحصيل حقوقه فهذا لا يقبل به أي شعب …إنتهى الإقتباس “.
ويخاطب الكاتب ممثلي وقيادات الشعوب العربية والتركية والفارسية مطالبة إياها بالواقعية وضرورة التلاقي مع ممثلي وقيادات الشعب الكوردي ، والبحث عن المشتركات التي من شأنها تجنيب شعوب المنطقة المزيد من الدماء والدمار ، وقطع الطريق على الطامعين في خيرات المنطقة حيث يقول : ” ليس من الصحيح التمترس وراء شعارات لا توجد وسيلة لتجسيدها، بل يجب فهم الظروف والبحث عن سياسات عملية تتجاوز تبعات هذا الصراع، فالجلوس على طاولة المفاوضات مع الكرد، هو الطريق الوحيد الذي يقي المنطقة صراعاً دموياً مريراً تدفع إليه معظم الدول الأجنبية الطامعة في السيطرة على المنطقة. الجلوس مع الكرد وإعطاؤهم حقوقهم بالحوار، يضمن حقوق البقية، أما التنكر لحقوقهم، فلن تكون نتيجته سوى الحرب التي يخسر بها كل الأطراف، بل يحرض عليها الأجنبي …. إنتهى الإقتباس ” . والسؤال هنا : من منا يرفض هذا الخطاب ، ومن منا لايريد التكامل مع شعوب المنطقة ، ومن منا لايريد طي صفحة الحروب والصراعات المسلحة المدمرة للمنطقة ، ومن منا لايقبل بالعيش بنفس سوية ووضعية وحقوق وواجبات شعوب المنطقة ؟!.
بتقديري كان من المفترض أن يتم التعامل مع خطوة الدكتور ” كمال اللبواني ” بإيجابية ومسؤولية وواقعية ، وهو معارض وطني سوري ، قضى قرابة عقد من عمره في سجون نظام البعث الشوفيني ، وتعرض لشتى صنوف التعذيب الجسدي والنفسي ، وجدير ذكره هنا أنه ليس من معارضي ” الصدفة ” الذين تسلقوا على دماء شهداء الثورة السورية وتصدروا المشهد المعارض بعد 15 آذار 2011 ، وقدم رؤية مختصرة – بالرغم من وجود بعض الثغرات فيها وبعض الملاحظات عليها – تشكل وجهة نظر متقدمة على الغالبية الساحقة لرموز المعارضة العربية في سوريا تجاه قضية الشعب الكوردي وحقه في تقرير مصيره . الردود التشكيكية السلبية تجاه هذه الخطوة الإيجابية لامعنى لها على الإطلاق ، يجب تشجيعها ومطالبة بقية الشركاء بأن يخطو خطوات مماثلة ، لفتح حوار وطني حقيقي على أسس الشراكة والتوافق والتوازن بين ممثلي مختلف مكونات الشعب السوري ، وليس سد مسارات التلاقي ، وإغلاق أبواب الحوار الإيجابي ، نعم موقف متأخر ولكنه إيجابي ، وخطوة مباركة ، وإذا بقينا أسير ماقيل في الماضي لايمكن أن نؤسس للمستقبل . ما العيب ، أين تكمن المشكلة ، الرجل وصل الى قناعة بأن الشعب الكوردي تعداده عشرات الملايين في هذه المنطقة ، له كل الحق في تقرير مصيره ، ويستحق دولته المستقلة إسوةً بشعوب المنطقة من العرب والتراك والفرس ، ويدعو قيادات وممثلي الشعوب المذكورة بالإقرار بحقه والتفاوض مع ممثليه للتوصل إلى صيغة تعايش تناسب جميع شعوب المنطقة ؟!. ويقر بشكل واضح بأن الكورد يجمعهم شراكة تاريخية مع شعوب المنطقة ، مطالباً تلك الشعوب برد الحق إلى أصحابها ، والجلوس مع أبناء الشعب الكوردي على طاولة الحوار، وطي صفحة الشعارات الغوغائية والتضليلية ، والتوقف عن إستخدام القوة ضد هذا الشعب الأصيل ، لقطع الطريق على التدخلات الخارجية والقوى الإستعمارية التي لاتريد الخير لجميع شعوب المنطقة من خلال الاستعانة بالأجنبي . وينهي مساهمته بوضع شعوب المنطقة ونخبها وقياداتها أمام المشهد بكل وضوح حيث يقول : ” الدولة الكوردية تسير نحو الوجود ، وأمامها طريقين فقط ، الأول : هو المرور بمرحلة الحكم الذاتي ثم الانفصال عن الدول الراهنة وإقامة دولته المستقلة ، أو اتجاه المنطقة كلها معاً نحو الديموقراطية واحترم التنوع وحقوق الإنسان، وبناء نظام ” إتحادي جامع للمنطقة كلها “، يضم الترك والكرد والعرب والفرس، كمكونات متساوية في الحقوق الثقافية ، متعاونة في دولة إتحادية واسعة تعبر عن متطلبات العولمة ، والتقدّم والازدهار في المنطقة… الحوار سيبني السلام والاستقرار والاستقلال، بينما الصراع سيدفع باتجاه الفقر والاستعمار والتبعية، فأيّهما نختار ؟ “.
ومن مبادىء العمل السياسي ، ونظراً لتعقيدات قضيتنا وتداخلاتها مع ملفات المنطقة ، علينا أن نعمل لتوسيع جبهة الأصدقاء ، وكسب الشركاء والمناصرين لقضيتنا العادلة ، وأن لانتعامل مع الحاضر بمنطق ومفردات مرحلة الحرب الباردة ، من الحكمة أن نرفض السلبي فقط ، ونشجع الإيجابي ، وأن ندرك تماماً بأن سياسة ” إما أبيض أو أسود ” هي سياسةٌ حمقاء وخاطئة ، والحكمة والواقعية تقتضي منا أن لانَحمل الماضي فوق ظهورنا ، وأن لانضعه على الطاولة بشكل دائم ، مع تأكيدنا بأننا لن ننسى الحقب السوداء . ويجب التعامل مع هكذا مواقف من منطلق الشعور بالمسؤولية الأخلاقية والقومية والوطنية ، وأن الموضوع يعني ويمس قضية ملايين الكورد في سوريا بشكل مباشر . ومن جهة أخرى علينا أن نتحرر من معضلة الشعور بالمظلومية ، ونخرج من حقول اليأس ، وأن نتحرر من الوهم بأن الجميع هم أعداء لنا ، وأنه لايمكن أن نتفق مع أحد ….. وللحديث بقية .