خسائر عرضية على طريق تحرير عفرين وسري كانيه

حسين جلبي
أصبح معتاداً في كل ذكرى سنوية للهزائم الكثيرة التي لحقت بحزب العمال الكُردستاني في سوريا، والتي انعكست كوارثاً على الوجود الكُردي في البلاد، مثلما يجري في هذه الأيام التي هُزم فيها الحزب أمام الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية الموالية له في منطقة سري كانيه/تل أبيض، أن ينبري أبطال الهزائم وجوقة المطبلين والمزمرين الدائرين في فلكهم؛ على التوعد بقلب هزائمهم المشهودة إلى انتصارات عظيمة، وتحرير ما خسروه وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، وكأنه شيئاً لم يكن. فهل هناك كُردي واحد، يصدق فعلاً بأن الحزب الذي سيطر على الكُرد منذ ظهوره في سوريا، واستخدمهم وقوداً في أجندة المتناوبين على تشغيله حتى كاد يستهلكهم، سيخوض معركة ضد تركيا وفصائل المعارضة الموالية لها، بهدف تحرير المناطق الكُردية التي سيطرت عليها، وهل هناك عاقل يمكن أن يصدق بأن الحزب سينتصر في أية معركة، وإعادة تطبيع الأوضاع في المناطق التي سيحررها، وهو الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه، ويخشى الاصطدام مع الأتراك؟
فكيف سينتصر حزب العمال الكُردستاني على تركيا، ولا وجه للمقارنة بين ميزان القوى بين الطرفين، درجة لم يبقَ بسبب اختلاله وجود للحزب في ساحته الرئيسية المفترضة داخل تركيا، ويعيش قادته مختفين في كهوف جبال قنديل النائية، بينما يتخذ من المدنيين في إقليم كُردستان وما تبقى من المناطق الكُردية السورية دروعاً بشرية، ولا يملك من أسلحة سوى منصات التواصل الاجتماعية، يطلق منها الصواريخ الكلامية العابرة للحدود، للتغطية على مرارة هزائمه وما خلفته من كوارث، بالاضافة طبعاً إلى سلاح حفر الخنادق الذي لا زال يصر على استخدامه، مثلما يفعل هذه الأيام في مدينة الدرباسية؟ كيف سينتصر الحزب وقد وافق على (المنطقة الآمنة) التركية في المناطق الكُردية السورية، واعتبر الاتفاق انجازاً له واعتبر نفسه جزءاً منه، وقد أخرج مسلحيه مما تبقى منها بتوافق تركي أمريكي روسي، بحيث لم تبق له ساحة يخوض منها معركة التحرير المفترضة التي يتوعد بها، وقد بات يخشى الظهور العلني في المنطقة كيلا يستهدف، وأصبح عمله يقتصر على السمسرة مقابل حفنة من الدولارات بين المنتجين الكُرد ونظام الأسد، وحراسة آبار النفط وتهريبه، والصرف من عائداته على عناصر داعش وذويهم، الذين يحرسهم بأمرة التحالف الدولي؟
كلما تحدث مسؤولي حزب العمال الكُردستاني في المنطقة، ألدار خليل ومظلوم عبدي وإلهام أحمد عن تحرير المنطقة من الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية، وضع الكُرد أيديهم على قلوبهم، فقد أدت خطتهم في تحويل عفرين إلى مقبرة للأتراك وملاحقة فلول الجيش التركي حتى إسطنبول؛ إلى خسارة الكُرد لعفرين وتحول أهلها إلى نازحين في مخيمات الحزب بالريف الحلبي، كما أدت خططهم لتحرير عفرين فيما بعد؛ إلى خسارة الكُرد لسري كانيه وتحول أهلها إلى نازحين في مخيم واشوكاني وغيره من مراكز الإيواء، والخشية أن يؤدي تحريرهم عفرين وسري كانيه دفعة واحدة؛ إلى وصول الجيش التركي إلى ما تبقى من مدن وبلدات كُردية سورية، ويصبح ما تبقى من الكُرد على طريق التشرد، بحيث لا تتوفر لهم رفاهية الخيمة، مثل الذين سبقوهم على مذبح انتصارات الحزب التي لا تنتهي.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي * حوالي ظهر يوم السبت الموافق 26 أبريل (نيسان)، وقع انفجار هائل في ميناء رجائي بمدينة بندر عباس في محافظة هرمزغان، والذي يُعد أحد أهم وأكثر المراكز التجارية حساسية في إيران، مخلفًا أبعادًا واسعة من الخسائر البشرية والمادية. وبينما لم تُنشر حتى الآن، وبعد مرور أكثر من 24 ساعة، معلومات دقيقة وموثوقة حول السبب الرئيسي للانفجار وحجم…

خالد ابراهيم منذ أربعة عشر عامًا، كان الأطفال السوريون يعيشون في مدارسهم، في بيوتهم، في أحلامهم. كان الحلم بالغد أقرب إليهم من أي شيء آخر. وكانوا يطمحون لمستقبل قد يحمل لهم الأمل في بناء وطنهم، سوريا، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عزةٍ وكرامة. كان العلم هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يغير مجرى الحياة. لكن بعد ذلك، غيّرت الحرب…

اكرم حسين لطالما كان الكرد في قلب الجغرافيا الشرق أوسطية أحد أكثر الشعوب تعرضاً للتهميش والاضطهاد القومي، بالرغم من كونهم يشكلون ثاني أكبر قومية في المنطقة بعد العرب، ويملكون تاريخاً عريقاً وثقافة غنية ومطالب سياسية مشروعة في الاعتراف بهويتهم القومية وحقوقهم في الحكم الذاتي أو المشاركة العادلة في السلطة. في تركيا وإيران وسوريا والعراق، تكررت السياسات ذاتها: إنكار…

دلدار بدرخان لم يعد اليوم بالأمر الصعب أن تكشف افتراءات وأضاليل الجهات التي تحاول تزوير التاريخ وتشويه الحقائق كما كان في السابق، فما هي إلا كبسة زر لتحصل على كامل المعلومات حول أي موضوع أو مادة ترغب بمعرفته، ولم يعد الأمر يحتاج إلى مراجع وكتب ضخمة غالبيتها مشبوهة ومغلوطة، بل يكفي الاتصال بالإنترنت، ووجود هاتف بسيط في متناول اليد، وبرنامج…