تركيا تفجر الملفات الموقوتة بهدف الابتزاز والاستفزاز..

م. محفوظ رشيد
 الحرب الدائرة بين آزربيجان وأرمينيا على إقليم  ناغورني – قرباغ (كوردستان الحمراء) تقع ضمن منطقة الاسترايجية للنفوذ والأمن الروسيين، ولن تسمح روسيا بتوغل تركيا في القوقاز والتمدد إلى ما ورائها، وهذه النقطة الأخيرة تتفق روسيا مع الغرب (أمريكا وأوربا) عليها. وقد استبعدتها روسيا فعلياً من لعب أي دور مشارك لها بالرغم من تدخلها المباشر من خلال ارسال مرتزقتها من العصابات الارهابية التابعين للائتلاف السوري، الأمر الذي غضت روسيا عنه لتأديب حليفتها أرمينيا (عبر تقدم محدود) التي اتجهت نحو الغرب منذ تسلم رئيسها الحالي بالرغم من ارتباطهما باتفاقية الدفاع المشترك عبر الكومولث.
لذلك فالمتوقع أن روسيا ستقوم باحتواء الأزمة القائمة دون حسم نهائي رغم محاولات تركيا لتفجيرها، لأن الملف معقد، فمصالح الدول متشابكة ومتضاربة بين طرفي الصراع، فأي تصعيد سيؤدي إلى تصادم مباشر بين روسيا وحلف الناتو وهذا ما لا يرغبان به.
غاية تركيا من التدخل بالأساس هي استفزاز وابتزاز لروسيا من أجل المقايضة على مناطق أخرى كبحر إيجة وليبيا ومناطق خفض التصعيد والإدارة الذاتية في سوريا، وكذلك للغرب على يونان وشرق المتوسط، بالمقابل فإن روسيا لن تفرط بآزربيجان إحدى روافدها الاقتصادية وأرمينيا المسيحية وخاصرتها الأمنية.
 تركيا الساعية لاستعادة أمجادها العثمانية كي تصبح لاعباً كبيراً ورئيسياً على الساحة الدولية تحاول تفجير القضايا الموقوتة والحساسة لرفع الغطاء عن الصفقات والعلاقات المتعارضة للدول العظمى وخلط أوراقها، متذرعة بمكافحة الارهاب ومحاربة pkk تارة، والدفاع عن الاسلام والأمة التركية تارة أخرى, ومستغلة عضويتها في حلف الناتو وعلاقاتها المميزة مع اسرائيل الممثلة للدولة العميقة في العالم.
لكن تورطها في العديد من الأزمات والمناطق ستجعلها عاجزة على التقدم في كافة الجبهات ومواجهة كل الأطراف في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية.. داخلها، لذلك ستسعى على استمرار سياساتها القائمة ببرود وبطء مراهنة على كسب الوقت والتغيرات التي تتأملها على الصعيد الدولي.
الملف الكوردي بشكل عام؛ والكوردي السوري بشكل خاص، الذي يقض مضاجع تركيا فيحتل الصدارة في سياساتها واهتماماتها، وتسعى بكل الوسائل والأساليب المتاحة لها لتحجيمه أو إغلاقه أو نسفه، فأبرز أسباب إطالة أمد الحوارات بين   ENKS وPYNK  والتأخيرعن إعلان الاتفاق بينهما هو الضغوط التركية، ولكن بالنهاية فإن الدولة الراعية والمشرفة على الحوارات هي المسؤولة عن سيرها وتحديد توقيتاتها وجولاتها ومآلاتها.
 التوافق الكوردي المنشود سيقوي الادارة الذاتية القائمة ويزيد من حصانتها ومقاومتها في وجه التحديات القائمة والتدخلات الخارجية وبخاصة التركية، بالتزامن مع تصريحات أمريكا بالرد السريع على أي خرق لاتفاق الحملة التركية العسكرية المسماة ظلماً ب”نبع السلام” بعد احتلالها لرأس العين (Serê kaniyê) وتل أبيض (Girê sipî).
  إن تقارير الخارجية الأمريكية والأمم المتحدة الصادرة مؤخراً بشأن تزايد الانتهاكات والجرائم في المناطق الكوردية التي تغتصبها مرتزقة تركيا من العصابات الارهابية بتخطيط ودعم الأجهزة الأمنية التركية المحتلة، وكذلك فإن تمديد قانون الطوارئ لمدة عام من قبل الإدارة الأمريكية إشارات واضحة على جدية الحلفاء بقيادة أمريكا في حماية مناطق الإدارة الذاتية من أي عدوان تركي مرتقب.
15/10/2020

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…

بوتان زيباري   في قلب المتغيرات العنيفة التي تعصف بجسد المنطقة، تبرز إيران ككيان يتأرجح بين ذروة النفوذ وحافة الانهيار. فبعد هجمات السابع من أكتوبر، التي مثلت زلزالًا سياسيًا أعاد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات، وجدت طهران نفسها في موقف المفترس الذي تحول إلى فريسة. لقد كانت إيران، منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، تُحكم قبضتها على خيوط اللعبة الإقليمية،…