‏ إيكولوجي يجهل البيئة

ماجد ع  محمد
 
 مع أن الإيكولوجيا هو العلم الذي يدرس العلاقات المتبادلة بين الكائن الحي ومحيطه، أو بمعنى أدق هو علم البيئة، أو علم الأحياء البيئي، وهو كعلم معني بالدراسة العملية لتوزع وتلاؤم الكائنات الحية مع بيئاتها، والتفاعلات القائمة بين الأحياء كافة وبين محيطها البيئي، ويبقى أهم تناغم بين الكائنات التي تشغل المكان هو الذي يحدث بين البشر والطبيعة، بين الإنسان والغطاء النباتي ككل، مع كل هذا يمكن أن ترى أحدهم واضعاً عشرات الصفحات عن شيءٍ بينما في الوقت نفسه قد يكون جاهلاً بالذي يدعو إليه، باعتبار أن النسخ واللصق والمحاكاة العمائي هو ما دفعه ليتبنى ويتفاخر بنظرية يجهل كنهها.
حقيقة إن الشعارات البراقة لدى الأحزاب، والتي تلجأ إليها الكثير من التنظيمات الشرق أوسطية، الهدف منها هو إبهار الجمهور أو الرعية، والمفاخرة بشكلٍ يناهض الجوهر، وهذه الآلية تذكرنا ببعض المواطنين الذين يسمون أولادهم بأسماء ليس لهم من معناها أي نصيب، إذ قد ترى من يسمى الواحد ابنه منيراً بينما يكون الصبي في قمة إعتامه، أو يسميه بهيج وهو على مدار الساعة عابس والتكشيرة لا تفارق محياه، وقد يأتي من يسميه رحيم بينما يكون الولد منافساً للشيطان في كل ما يصدر عنه، أو يسمى طيّب بينما تكون الخلفة في كامل خبثها، أو يسميه شريفاً بينما الفجور تتأفف عند حضوره، أو ترى بعضهم يسمون الابن جواداً بينما يكون في الواقع أشح من أبو نجيب في المسلسل السوري “زمن البرغوث”، وهذا هو حال بعض التنظيمات السياسية التي تضع كل جهودها في اختيار كلماتٍ لا تمت لها بصلة، كلماتٍ براقة تخفي صداها الداخلي، أو تطلق شعارات بين الأنام وهي أصلاً بالنقيض منها في اليقظة والمنام. 
على كل حال ففي هذه الوقفة القصيرة لن نعرج إلى حقل شعارات حزب البعث العربي الاشتراكي، ولا حزب الله اللبناني، ولا حركة حماس الفلسطينية، ولا إلى مضارب تنظيم الإخوان المسلمين، إنما سنقف عند بعض تلك الجُمل البراقة والمتناقضة لدى أحد روافد حزب العمال الكردستاني، أي حزب الاتحاد الديمقراطي وسريالية كتاباته التي يشير الكاتب سامي داود إلى أنها مكونة من خلطة عجيبة تأخذ عبارات مجنونة من مثل “طبيعة ما بعد الكون” للمجتمع الكوانتي، والتي تظهر حسب تصور داود مستوى الجهل في خلط المفردات، وذلك بناءً على النظام الداخلي للحزب والدستور الذي وضع لبناء ما يطلقون عليه “المجتمع الأخلاقي السياسي الأيكولوجي”.  
إذ اِنطلاقاً من الجملة الموضوعة بين الأقواس، فربما بتصور القارئ المكتفي بقراءة أدبيات ذلك الحزب من دون أن يقاربه سلوكياً أو يعاينه ميدانياً، أن هذا التنظيم يعي ذلك الوئام التام بين الإنسان مع المحيط الطبيعي، وأنه معني جداً بالعلاقة الأخلاقية بين البشر والبيئة الطبيعية، ويؤكد على ارتباط علم البيئة النباتية ارتباطاً وثيقاً بالأخلاقيات الاجتماعية، وهذا الحرص يعني بأن الحزب يضع زراعة الأشجاء والإكثار من الغطاء النباتي في سلم أولوياته، خصوصاً وأن مناطق نفوذ الحزب الحالية هي مناطق تعاني أصلاً من اللاتوازن بين مكونات المكان، وهي بحاجة ماسة إلى الغطاء النباتي، وزراعة المزيد من الأشجار تأكيداً على إيلاء الأهمية للتوازن الإيكولوجي، بينما الإدارة المصونة وبدلاً من زراعة الأشجار المثمرة أو غرس أشجار الزينة على الطرقات العامة، قامت بنصب رتلٍ مصنوع من البيتون على شكل الشجر في بلدة تل كوجر! والفضحية التي عرت القائمين على المشروع قبل أن تجف المجسمات كانت في التعرية السريعة لسعف النخيل المصطنع، إذ في العادة تتخلص الأشجار الطبيعية من وريقاتها في فصل الخريف، أي يطول فترة اخضرارها حتى ولو كانت فقط شجيرات تزينية وغير مثمرة، بينما شجيرات النخيل المصطنعة في تل كوجر فلم يدم عمر سعفها شهراً واحداً، وحيث التقط رواد التواصل الاجتماعي تلك الأشجار بعد تنصيبها بأيام، وهي عارية تماماً، وقد بينت أسلاكها “عظامها” في الصور المنتشرة على الفيس بوك!.
والأمر الذي يستدعي النفور أكثر في مشاريع دعاة الإيكولوجيا، هو ليس في زرع الاسمنت بدلاً عن الشجر الذي سيعمل على تحسين المناخ، ويوفر الظلال، ويجمَل المكان، ويؤمن الهواء النظيف، إنما في اختيار مجسمات لا تمت للجمال الفني بصلة! مع أن مشروعهم برمته شكلي، صوري، تزييني، وليس بيئي، وعلماً أن منطقة الجزيرة فيها ما يزيد عن مئتي فنان تشكيلي، ومِنهم مَن انتشرت لوحاتهم في أرقى صالات العالم، ولكن مَن يدري فلربما كل هذه التصرفات المتكررة منذ سنوات ابتداءً بتمثال كاوا المشوّه في عفرين ـ الذي دمره فيما بعد عناصر من الكتائب العسكرية في غزوة عفرين ـ  مروراً بالحسكة من خلال طائرها الممسوخ الذي دمج مجسمهُ بين أكثر من طائر، وحيث ظهر معاً في شكل “الحمامة والنسر والدجاجة” إلى تل كوجر ونخلها الاسمنتي المصنوع من قِبل هواةٍ محسوبين على تلك الإدارة التي تعشعشت فيها المحسوبية والفساد كباقي المناطق السورية، الهدف منه هو أن يصل المواطن في الختام إلى قناعة مفادها: بأن من أهم وظائف المهووسين بالتوسع الأيديولوجي في الشرق الأوسط، هو تشويه المفاهيم، وتعميم القُبح في كل مناحي الحياة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   في أروقة السياسة الدولية، حيث تتراقص المبادئ على إيقاع المصالح، تبدو القضية الكوردية كوتر مشدود بين أصابع القوى الكبرى، كلٌ يعزف عليه لحنًا يخدم نوتته الخاصة، ثم يطويه في غمد النسيان حين تنقضي الحاجة. إنها قضية أمة سُلب منها حقها في التشكل، ليس لأنها تفتقر إلى مقومات الهوية، بل لأن الخرائط التي رسمها المنتصرون بعد الحروب…

تزامناً مع حلول الذكرى الـ(٣٤)، للانتفاضة في كردستان العراق، صدر اليوم المصادف (٨/٣/٢٠٢٥)، كراس (في أدبيات حركة الكردايتي: مظلة الحركة التحررية لشعب كردستان)، وهو من تأليف الكاتب القدير الإعلامي البارز الأستاذ (ستران عبدالله)، الذي سعدت بترجمته من الكردية (السورانية)، ويتناول الكراس موضوع التشتت والشقاق بين صفوف الحركة الكردية، وضرورة وجود مظلة كردستانية تضم أطرافها تحت ظلها، أنه بالفعل (كراس صغير…

علي شمدين في خضم مساعي الحريصين والغيورين على مستقبل الكرد في سوريا الجديدة، ودعوتهم المستمرة لأطراف الحركة الكردية في سوريا للتوافق وتشكيل وفد مشترك يمثل الجميع من دون إقصاء من أجل استثمار هذه الفرصة التاريخية التي توفرت للكرد على إثر هذه المتغيرات الجذرية التي تعصف بالمنطقة عموماً وسوريا خصوصاً، في خضم ذلك هناك من يدفع بالحوارات الكردية- الكردية،…

درويش محما جنكيز تشاندار، المستشار الخاص للسياسة الخارجية لدى الرئيس الأسبق توركوت أوزال، تطرق في كتابه “قطار الرافدين السريع” إلى ضعف عبد الله أوجلان وإطلالته المخزية وهو يعرض خدماته لخاطفيه على متن الطائرة التركية التي أقلته من كينيا إلى السجون التركية، كما كتب عن الحالة اليائسة لأوجلان وخنوعه بعد اعتقاله وسجنه، وتأثير ذلك على مصداقية الرجل ومكانته، الأمر الذي…