ضعف منظمات المجتمع المدني الكردي

أميرة لاوند
قبل أن نتطرق إلى مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات ومنظمات واتحادات، نسائية وشبابية، يتوجب علينا الوقوف عند السؤال التالي: هل في أوطاننا بالشرق الأوسط مجتمعات مدنية؟ هل نملك جمعيات ومنظمات شبيهة بالتي نشاهدها في بلاد المهجر؟
وتتوجب علينا معرفة بنية المجتمع المدني وخصائصه في أوطاننا بالشرق الأوسط، الذي يختلف عن المجتمعات الغربية في كلّ شيء. عند المقارنة سيكون جواب السؤال في المقدمة بالنفي وذلك لغياب الأنظمة الوطنية  المنبثقة من الشعب والقائمة على الدستور الديمقراطي التي تسهر على خدمة حقوق الإنسان ورفاهيته، ما يجعل قيام مؤسسات المجتمع المدني أمراً  بالغ الصعوبة.
مازالت مجتمعاتنا لا تؤمن بالفكر المدني، الذي يتعارض أصلاً بطبيعة المجتمع المدني وعلاقاته، ووظيفته، لذلك تخلو مؤسساتها من الكوادر البشرية المؤمنة بالأهداف التي  قامت من أجلها، باستثناء بعض منظمات تقلد النموذج الغربي شكليا، ولا تتوفر لديها مقومات النجاح، والاستمرارية، وحتى المنظمات الكوردية في بلاد المهاجر تعاني من خلل كبير في وظيفتها وأدائها، ولكل قاعدة استثناء طبعاً.  وقد تحدث أحياناً صراعات بين كوادر وقيادات هذه المنظمات فتنقسم على نفسها بسبب تأثرها الكبير بحالة الانقسام والتشرذم البغيض الذي تعيشه الأحزاب الكوردية.
أما في الخارج يبقى تأثير هذا العامل بشكل أو بآخر، يضاف إليه عدم ارتقاء القائمين على هذه المؤسسات إلى نضج في التأهيل والتثقيف والتدريب وضعف العمل الميداني ناهيك عن مسألة فهم الإطارات القانونية والإدارية التي تحكم مساحة هذه المنظمات والجمعيات.
إن منظمات المجتمع المدني في الغرب ينظر إليها كنشاط وفعاليات ومبادرات تتكامل مع العمل الحكومي من دون أن تتجاوز أحد حدود الآخر، من خلال الفهم المشترك لمصلحة البلد والإنسان والالتزام بالقوانين الناظمة للحياة العامة حتى تركت هذه المنظمات في الغرب تأثيراً قوياً على السياسات العامة للحكومات، عكس ما يجري في بلداننا، وعلى سبيل المثال، فحزب البعث الحاكم في سوريا كان يحتكر كلّ شيء حتى بداية الأزمة، ومازال النظام يتحكّم في مفاصل الدولة. (حزب البعث يحكم الدولة والمجتمع، من هنا فإن كل نشاط وحراك مجتمعي تعود إلى الدولة والأصح إلى سلطة النظام، واستخباراته. 
المنظمات في الدول الديمقراطية تعرف بدقة أهدافها، ويتمّ تدريب كوادرها على الوسائل التي تؤدي إلى تحقيق تلك الأهداف، التي يكون الإنسان وحريته ونشر المعرفة لديه في مقدمتها، أما في بلادنا فكل الاتحادات والنقابات هي صورية بل هي جزء من سلطة النظام لإخضاع شرائح المجتمع كاملة بشكل استبدادي.
وبعد 2011 تشكّلت عشرات المنظمات والجمعيات والاتحادات لكنّها لم تختلف كثيراً عما قبل 2011 من حيث التأثير في الحراك الاجتماعي ونشر الوعي المدني. فإدارات غالبيتها تجهل قوانين العمل، وتجهل الأهداف الحقيقية التي أسِّست من أجلها، فمن الطبيعي أن تفقد الوسيلة المناسبة لتحقيق الهدف الضائع. ومن الطبيعي كذلك حدوث الانقسامات والتصدعات فيها لتكون صورة حقيقية لأحزابنا السياسية. ولنا وقفات أخرى في هذا الصّدد.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   إن حملة وحماة القومية النيرة والمبنية على المفاهيم الحضارية والتنويرية لا يمكن أن يكونوا دعاة إلغاء الآخر أو كراهيته. على العكس، فإن القومية المتناغمة مع مبادئ التنوير تتجسد في احترام التنوع والتعددية، وفي تبني سياسات تعزز حقوق الإنسان والمساواة. ما أشرت (هذا المقال هو بمثابة حوار ورد على ما أورده القارئ الكريم ‘سجاد تقي كاظم’ من…

لوركا بيراني   صرخة مسؤولية في لحظة فارقة. تمر منطقتنا بمرحلة تاريخية دقيقة ومعقدة يختلط فيها الألم الإنساني بالعجز الجماعي عن توفير حلول حقيقية لمعاناة النازحين والمهجرين قسراً من مناطقهم، وخاصة أهلنا الكورد الذين ذاقوا مرارة النزوح لمرات عدة منذ كارثة عفرين عام 2018 وحتى الأحداث الأخيرة التي طالت مناطق تل رفعت والشهباء والشيخ مقصود وغيرها. إن ما يجري…

المهندس باسل قس نصر الله ونعمٌ .. بأنني لم أقل أن كل شيء ممتاز وأن لا أحداً سيدخل حلب .. فكانوا هم أول من خَرَج ونعم .. بأنني كنتُ مستشاراً لمفتي سورية من ٢٠٠٦ حتى الغاء المنصب في عام ٢٠٢١ واستُبدل ذلك بلجان إفتاء في كل محافظة وهناك رئيس لجان افتاء لسائر المحافظات السورية. ونعم أخرى .. بأنني مسيحي وأكون…

إبراهيم اليوسف بعد الفضائح التي ارتكبها غير الطيب رجب أردوغان في احتلاله لعفرين- من أجل ديمومة كرسيه وليس لأجل مصلحة تركيا- واستعانته بقطاع طرق مرتزقة مجرمين يعيثون قتلاً وفسادًا في عفرين، حاول هذه المرة أن يعدل عن خطته السابقة. يبدو أن هناك ضوءًا أخضر من جهات دولية لتنفيذ المخطط وطرد إيران من سوريا، والإجهاز على حزب الله. لكن، وكل هذا…