هل ما يجري في غربي كردستان سببه فشل المثقف

دلكش مرعي 

  بداية
يمكننا القول بأن معظم الأنظمة السياسية هي نتاج التيارات الفكرية التي انتجها
النخب المثقفة  كالفلاسفة والمفكرين وغيرهم من المبدعين في مجال المعارف
المتنوعة  .. فالثورة الفرنسية انطلقت من فكر مجموعة من الفلاسفة
الفرنسيين .

 

والثورة الشيوعية انتجها
فكر ماركس  –  والأمر ينطبق على الفكر القومي والديني و بقية الانظمة السياسية الاخرى والتناحر والصراع
الجاري في هذا العالم هو بين مناصري هذه التيارات الفكرية فلكل تيار فكري مثقفوه
وأنصاره وساسته ومؤيدوه وحتى عبيده ويجري هذا الصراع داخل المجتمع الكردي أيضا .. 
 وحتى
لا نذهب بعيدا في هذا المجال اعتقد بأن الخلل لم يكن  في ثقافة المثقف
الكردي وأقصد هنا المثقف الحقيقي ربما كان السبب في الاسلوب الذي أتبعه في معالجة
القضايا التي عانى منها الشعب الكردي تاريخياً فهو كان يعتقد بأن نشر ثقافة تحمل
أنساق معرفية صحيحة مع مجموعة القيم والمفاهيم التي انتجت التطور والرقي في هذا
العصر هي كافية لتوصيل هذا الشعب إلى بر الأمان ولم يكن يدرك بأن المجتمع
الذي أبتلي بقيم التخلف وعاش مئات السنين تحت ظل الاحتلال لن يغير من قيمه
ومعتقداته بتلك السهولة وسيرفض أي فكر أو ثقافة لا تنسجم مع منهله الفكري وعاداته
وتقاليده  فمعظم أبناء هذا الشعب كما هو معروف مازال يعيش الحالة
العشائرية والبداوة  ومازالا القسم الاعظم منه يؤمن ايمان كامل بفكر
الدواعش فهناك مئات الشباب الذين انضموا إليهم من بعض مناطق كردستان  ..
أي كان هناك غياب للمشروع الثقافي الممنهج الذي يأخذ هذا الواقع وقضاياه بعين
الاعتبار وكيفية معالجته والتعامل مع إشكالاته المتعددة و قد أدى كل ذلك إلى نكوص
المشروع الثقافي نسبياً ولم يحقق ما هو مرجو منه  .. فخطأ المثقف كان في
محاولته لحرق المراحل التاريخية والقفز فوقها  فهو لم يحسب بأن  قيم
التخلف التي كرسها محتلو كردستان في نسيج القيم الكردية ستكون له بالمرصاد وإن
تغير ميراث الشعوب ليس بالأمر السهل كما كان يظن …  فحسب
اعتقادنا بأن المرحلة كانت تتطلب بالإضافة الى فتح النوافذ للثقافة العالمية
المتطورة والراقية كانت تتطلب التركيز على القيم الايجابية في التراث الكردي
كالأصالةً والبناء عليها كأساس ومنطلق ومن ثم التمدد نحو قيم المعاصرة شيئاً
فشيئاً لتحرير العقل الكردي من قيم التخلف أي التركيز على دور الشخصيات الوطنية
الشريفة والنزيهة والأصيلة داخل المجتمع لقيادة المرحلة لأنها تلقى قبولاً لدى
معظم إبناء الشعب الكردي وتظل محل ثقته واحترامه وقد لعبت الشخصيات الوطنية
المخلصة دوراً ايجابياً في حياة الشعوب المتخلفة  كغاندي ومنديلا
وكردياً البرزاني مصطفى إلى جنب ذلك  كان الوضع يتطلب تعرية الجانب
السلبي في التراث كالخيانة والعمالة  وفضح عناصرها أمام المجتمع هذه
الآفات التي عانى منها الشعب الكردي  تاريخياً وما يزال ….  ولكن
من المؤسف بأن نظام البعث  قد قضى على معظم قيم الاصالة في غربي كردستان
وفي عموم سوريا ووضع في واجهة المجتمع العناصر المخابراتية والعميلة والمفلسة
وأفسد الناس عبر سياسة ممنهجة استغرقت اكثر من نصف قرن   

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   في أروقة السياسة الدولية، حيث تتراقص المبادئ على إيقاع المصالح، تبدو القضية الكوردية كوتر مشدود بين أصابع القوى الكبرى، كلٌ يعزف عليه لحنًا يخدم نوتته الخاصة، ثم يطويه في غمد النسيان حين تنقضي الحاجة. إنها قضية أمة سُلب منها حقها في التشكل، ليس لأنها تفتقر إلى مقومات الهوية، بل لأن الخرائط التي رسمها المنتصرون بعد الحروب…

تزامناً مع حلول الذكرى الـ(٣٤)، للانتفاضة في كردستان العراق، صدر اليوم المصادف (٨/٣/٢٠٢٥)، كراس (في أدبيات حركة الكردايتي: مظلة الحركة التحررية لشعب كردستان)، وهو من تأليف الكاتب القدير الإعلامي البارز الأستاذ (ستران عبدالله)، الذي سعدت بترجمته من الكردية (السورانية)، ويتناول الكراس موضوع التشتت والشقاق بين صفوف الحركة الكردية، وضرورة وجود مظلة كردستانية تضم أطرافها تحت ظلها، أنه بالفعل (كراس صغير…

علي شمدين في خضم مساعي الحريصين والغيورين على مستقبل الكرد في سوريا الجديدة، ودعوتهم المستمرة لأطراف الحركة الكردية في سوريا للتوافق وتشكيل وفد مشترك يمثل الجميع من دون إقصاء من أجل استثمار هذه الفرصة التاريخية التي توفرت للكرد على إثر هذه المتغيرات الجذرية التي تعصف بالمنطقة عموماً وسوريا خصوصاً، في خضم ذلك هناك من يدفع بالحوارات الكردية- الكردية،…

درويش محما جنكيز تشاندار، المستشار الخاص للسياسة الخارجية لدى الرئيس الأسبق توركوت أوزال، تطرق في كتابه “قطار الرافدين السريع” إلى ضعف عبد الله أوجلان وإطلالته المخزية وهو يعرض خدماته لخاطفيه على متن الطائرة التركية التي أقلته من كينيا إلى السجون التركية، كما كتب عن الحالة اليائسة لأوجلان وخنوعه بعد اعتقاله وسجنه، وتأثير ذلك على مصداقية الرجل ومكانته، الأمر الذي…