خلفيات الحرب التركيّة المزعومة على «داعش»

هوشنك أوسي

 

ثمّة كثير من المخاتلة امتهنته حكومة «حزب العدالة
والتنمية» الإسلامي، منذ 2002، بحيث إنه لو أقسم زعيم الحزب الحقيقي، الرئيس التركي
رجب طيب أردوغان، وزعيمه الشكلي، أحمد داود أوغلو، على أطنان من المصاحف والكتب
المقدّسة، لما صدّقهما أحد. مناسبة هذا الكلام عدم تصديق «التغيير» المفاجئ في موقف
تركيا من تنظيم «داعش» الإرهابي، و «انخراطها الحقيقي والفعلي» في التحالف الدولي
ضدّ التنظيم، وأن هذا مردّه إلى مقتل جندي تركي برصاص «داعش» على الحدود التركيّة –
السوريّة، وما نتج من شنّ الطيران التركي هجمات على مواقع التنظيم، وفتح قاعدة
«إنجيرليك» الأميركيّة لطيران التحالف، وحملات الاعتقال بحق عناصر «داعش» داخل
المدن التركيّة، وما رافق ذلك من ضجّة إعلاميّة – سياسيّة، عربيّة ودوليّة، ركّزت
على «مظلوميّة» تركيا و «استهداف» الإرهاب الداعشي لها!
ذلك أن ردّة فعل تركيّة كهذه كان يُفترض أن تتخذها أنقرة بحقّ النظام السوري، حين
أسقط طائرات حربيّة تركيّة، وقام بتفجيرات داخل الأراضي التركيّة (تفجير
الريحانيّة)!؟. زد على ذلك التهديد والوعيد الذي كان يطلقه أردوغان، إبان رئاسته
للحكومة، وقوله: «حماة خط أحمر»، «حمص خط أحمر»…!، ولم ينتج عنه أي شيء!، ما
يؤكّد أن «دخول» تركيا في التحالف ضد «داعش» فيه من الزيف والمخاتلة ما
فيه!.
والحقّ أن ثمّة جملة أسباب متداخلة دفعت حكومة العدالة والتنمية إلى إعلان
«مشاركتها» في التحالف الدولي ضدّ «داعش»، منها:
1- افتضاح تورّط تركيا في دعم
هذا التنظيم الإرهابي، واستخدامه ذراعاً خفيّة وضاربة، في الحرب بالوكالة، أو عن
بعد، كما فعلت طهران في استخدام «حزب الله» اللبناني والميليشيات الشيعيّة
العراقيّة، وجماعة الحوثي في اليمن. لكن بينما نجحت طهران في ذلك، فشلت تركيا في
شكل ذريع، ونجح المقاتلون الكرد الموالون للعمال الكردستاني، وقوات البيشمركة
التابعة لحكومة كردستان العراق، ليس فقط في ليّ الذراع التركيّة، بل في كسرها
أيضاً، في كل من سورية والعراق. وبدل أن تقتطع تركيا أربيل من كردستان، وتلحقها
بدولة «داعش»، غداة هجوم الأخير على الموصل، والزحف نحو كردستان، نجحت البيشمركة في
ربط كركوك بكردستان. وكذلك الحال في مسألة كوباني التي حررها المقاتلون الكرد، ولم
يكتفوا بذلك بل حرروا تل أبيض وعين عيسى أيضاً، وصاروا يهددون عاصمة «داعش» في
الرقّة. وبالتالي، فالتدخّل التركي العاجل والمفاجئ، في أصله وفصله، هو إنقاذ ما
يمكن إنقاذه من «داعش»، تحت شعار محاربته.
2- لا تريد تركيا تكرار الخطأ
الاستراتيجي الذي وقعت فيه إبان إسقاط نظام صدام حسين سنة 2003، حين تخلّفت عن
التحالف الدولي ضدّه، وما أسفر عنه من إقرار الفيدراليّة لكردستان العراق في
الدستور، واضطرار تركيا للاعتراف بهذه الفيدراليّة الكرديّة، مع تعزز فرص تحوّلها
إلى دولة. وكعقوبة على الموقف التركي السالف الذكر، منعت واشنطن الجيش التركي من
اجتياح كردستان العراق، لملاحقة مقاتلي الكردستاني لمدة 5 سنوات، من نيسان (ابريل)
2003 لغاية شباط (فبراير) 2008، حيث سمح البيت الأبيض باجتياح محدود، مني هو الآخر
بالفشل في معركة الزاب التي قضى فيها أكثر من 200 جندي تركي. وبالتالي، إذا سقط
نظام «داعش» المدعوم تركياً على أيدي المقاتلين الكرد، ستترتّب انتصارات سياسيّة،
إقليميّة ودوليّة، وفرض أمر واقع، لا مناص أمام تركيا إلاّ الاعتراف بها، والتعامل
معها، كما جرى في كردستان العراق، من دون أن ننسى دعم تركيا للتنظيمات التكفيريّة
الإسلاميّة العراقيّة منذ 2007 (زعيم «داعش» في تلك السنة كان في تركيا تحت سمع
وبصر المخابرات التركيّة)، ودعمها لجماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابيّة المصريّة،
وتحوّل تركيا قِبلة للجماعات الإسلاميّة التكفيريّة الإرهابيّة. كل ذلك ضرب الثقة
الغربيّة والأوروبيّة بتركيا في الصميم، وضاعف اعتبار أميركا وأوروبا أن كرد العراق
وسورية حلفاء.
فمزاعم تركيا حول «حربها» على «داعش» هي في الأصل حرب على الكرد
في سورية وتركيا، وللحوؤل دون تصاعد الدعم الدولي لأكراد سورية والعراق وتركيا
أيضاً. وما توسيع حملات الاعتقال التركيّة لتشمل مناصري «داعش» و «الكردستاني»
والقصف الجوي لمعاقل الأخير في جبال قنديل، إلّا الدليل الدامغ على أن أردوغان يريد
المحافظة على «توازن الضعف» بين هذين التنظيمين، بالإضافة إلى أنه كان يمارس الخداع
طيلة سنوات أربع من عمر المفاوضات مع «الكردستاني» وزعيمه أوجلان، والوعود
والتطمينات التي كانت تقدّمها الحكومة، والتنازلات الكثيرة التي قدّمها الجانب
الكردي لأنقرة. ذلك أن أردوغان عزز، إبان هذه الفترة، مواقع حزبه داخليّاً، ونجح في
تحييد الكرد و «الكردستاني» عن خلافاته مع جماعة فتح الله غولن، وقبلها عن احتجاجات
غيزي بارك، وكل ذلك عبر استخدام أوجلان وتوظيف تأثيره على قيادة «الكردستاني» في
جبال قنديل!. وبالتالي، فالخديعة الكبرى التي عاشها كرد تركيا، هي الآمال الكبيرة
التي عقدوها على تطمينات ووعود أردوغان – أوجلان. وقد نجحت أنقرة إلى جانب تحييد
الكرد و «الكردستاني» داخليّاً، كما نجحت في استنزاف الأخير، داخل سورية، حيث فقد
ما يزيد عن 750 من مقاتليه في الحرب مع «داعش»، من دون أن يصاب إصبع جندي تركي
بخدش!. وهذه الخديعة التي سمّيت «تسوية سلميّة» أطاحها أردوغان، ليس الآن، بل منذ
اغتيال المخابرات التركيّة ثلاثاً من قيادات «الكردستاني» النسائيّة في باريس سنة
2013، ثم مع هجوم «داعش» على كوباني، المدعوم تركيّاً، وصولاً إلى العمليّة
الإرهابيّة والانتحاريّة التي استهدفت نشطاء شباناً من الكرد، في مدينة سروج
الكرديّة التركيّة، التي تقابل كوباني على الطرف الآخر من الحدود.
إن أنقرة التي
كانت تحارب الكرد و «الكردستاني»، من وراء الستار عبر «داعش»، نزلت الآن إلى
الميدان، داخل تركيا وخارجها، بكامل عدّتها وهيئتها السياسيّة والأيديولوجيّة،
يرافقها رهط من المرتزقة في المعارضة السوريّة، خاصّة التيّار الإخواني. فهل يعيد
أوجلان تكرار رميه «طوق النجاة» للحكومة التركيّة، كما فعل غير مرّة قبلاً، أم
سيفكّ أيدي «الكردستاني» من أغلالها؟ وهل تهديدات «الكردستاني» بإيقاف العمل
بالهدنة، والعودة إلى ممارسة العنف، جادّة وحقيقيّة، أم من طينة «قصّة الراعي
والذئب»؟
* كاتب كردي سوري
نقلا عن جريدة الحياة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سعيد عابد* في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني ألقى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي خطاباً أمام مجلس الخبراء، مؤكداً على الدور الحاسم الذي تلعبه هذه الهيئة في اختيار “المرشد المقبل”. وأعرب عن شكره لاستعدادهم، وحثهم على اليقظة في أداء هذا الواجب الذي وصفه بأنه ضروري لضمان استمرارية النظام ومنع انحرافه. ويعتبر المجلس، الذي أنشأه مؤسس النظام روح الله الخميني،…

صدرت للكاتب والباحث د. محمود عباس مؤخراً ثلاثة كتب جديدة، وبطباعة فاخرة، ضمن سلسلة مخطوطاته التي تتجاوز الأربعين كتابًا، متناولةً القضايا الكوردية من مختلف جوانبها: النضال السياسي، والمواجهة مع الإرهاب، والتمسك بالهوية الثقافية. تُعدّ هذه الإصدارات شهادة حيّة على مسيرة د. عباس، الذي يكتب منذ أكثر من ربع قرن بشكل شبه يومي، بثلاث لغات: العربية، الكردية، والإنجليزية. إصدارات الدكتور محمود…

اكرم حسين تستند الشعبوية في خطابها على المشاعر والعواطف الجماهيرية، بدلًا من العقلانية والتخطيط، حيث أصبحت ظاهرة منتشرة في الحالة الكردية السورية، وتتجلى في الخطاب السياسي الذي يفضل دغدغة المشاعر الجماهيرية واستخدام شعارات براقة، ووعود كاذبة بتحقيق طموحات غير واقعية، بدلاً من تقديم برامج عملية لحل المشكلات المستعصية التي تعاني منها المناطق الكردية. إن تفاقم الاوضاع الاقتصادية وانتشار الفقروالبطالة، يدفع…

خالد حسو عفرين وريفها، تلك البقعة التي كانت دائمًا قلب كوردستان النابض، هي اليوم جرحٌ عميق ينزف، لكنها ستبقى شاهدة على تاريخٍ لا يُنسى. لا نقول “عفرين أولاً” عبثًا اليوم، بل لأن ما حدث لها، وما يزال يحدث، يضعها في مقدمة الذاكرة الكوردية. لماذا عفرين الآن؟ لأن عفرين ليست مجرد مدينة؛ هي الرئة التي تتنفس بها كوردستان، والعروس التي تتوج…