عبدالباسط سيدا
يبدو أن تفجير العلاقة العربية – الكردية ركن أساس من أركان
الاستراتيجية المتّبعة إيرانياً تجاه المنطقة عموماً، وسورية تحديداً.
الاستراتيجية المتّبعة إيرانياً تجاه المنطقة عموماً، وسورية تحديداً.
فضرب
العلاقة هذه، يتوافق مع التوجّه المذهبي للسياسة الإيرانية، كما يزرع ألغاماً
مجتمعية ضمن الكيانات التي يمكن أن تتشكّل خارج مناطق النفوذ الإيراني في سورية
والعراق. فمنذ اليوم الأول للثورة السورية، تبيّن لنا أن النظام، بالتنسيق مع
النظام الإيراني، يريد تحييد الكرد بغية إخراجهم من المعادلة، وقد سعى عبر
الاتصالات المباشرة وغير المباشرة مع عديد الأطراف الكردية السورية، الى الوصول إلى
اتفاق ينصّ على الإقرار بقسط من الحقوق الكردية المشروعة، مقابل عدم المساهمة
الفاعلة في الثورة. بل طالب بعض الجهات الكردية بأن تساعده في ضبط الأوضاع ضمن
المناطق الكردية، وفي التجمعات الكردية الكبرى في المدن السورية، بخاصة دمشق وحلب.
العلاقة هذه، يتوافق مع التوجّه المذهبي للسياسة الإيرانية، كما يزرع ألغاماً
مجتمعية ضمن الكيانات التي يمكن أن تتشكّل خارج مناطق النفوذ الإيراني في سورية
والعراق. فمنذ اليوم الأول للثورة السورية، تبيّن لنا أن النظام، بالتنسيق مع
النظام الإيراني، يريد تحييد الكرد بغية إخراجهم من المعادلة، وقد سعى عبر
الاتصالات المباشرة وغير المباشرة مع عديد الأطراف الكردية السورية، الى الوصول إلى
اتفاق ينصّ على الإقرار بقسط من الحقوق الكردية المشروعة، مقابل عدم المساهمة
الفاعلة في الثورة. بل طالب بعض الجهات الكردية بأن تساعده في ضبط الأوضاع ضمن
المناطق الكردية، وفي التجمعات الكردية الكبرى في المدن السورية، بخاصة دمشق وحلب.
وليس سراً أن النظام السوري، وبالتفاهم الكامل مع النظام الإيراني، تواصل في بدايات
الثورة مع قيادة حزب العمال الكردستاني العسكرية، للتعاون من أجل مصادرة احتمالات
مشاركة الكرد في صورة فاعلة في الثورة، هم الذين تعرّضوا أكثر من غيرهم لظلم مركّب:
وطني وقومي، ولاضطهاد مزدوج، تمثّل في الحرمان من الحقوق والتعرّض لجملة إجراءات
ومشاريع تمييزية عنصرية. ولعلّ هذا ما يفسّر خطوة التسلّم والتسليم بين النظام وحزب
الاتحاد الديموقراطي صيف 2012، والتي سُلمت بموجبها إدارة المناطق الكردية إلى
الحزب المعني.
الثورة مع قيادة حزب العمال الكردستاني العسكرية، للتعاون من أجل مصادرة احتمالات
مشاركة الكرد في صورة فاعلة في الثورة، هم الذين تعرّضوا أكثر من غيرهم لظلم مركّب:
وطني وقومي، ولاضطهاد مزدوج، تمثّل في الحرمان من الحقوق والتعرّض لجملة إجراءات
ومشاريع تمييزية عنصرية. ولعلّ هذا ما يفسّر خطوة التسلّم والتسليم بين النظام وحزب
الاتحاد الديموقراطي صيف 2012، والتي سُلمت بموجبها إدارة المناطق الكردية إلى
الحزب المعني.
وهنا لا بد من الإقرار بأن بعض فصائل الجيش الحر أو المحسوبة
عليه، و «جبهة النصرة»، ساهمت في دفع العلاقة الكردية – العربية نحو التوتر
والتشنّج، حينما هاجمت مدينة راس العين/ سري كانيي خريف 2012، من دون مسوغات مقنعة.
وإذ ظهرت حالة نهب، تدخّل النظام نفسه وقصف المدينة بالبراميل، ما أدّى إلى تهجير
السكان. وقد بُذلت جهود كبيرة حتى تم نسبياً تجاوز تبعات ما حصل.
عليه، و «جبهة النصرة»، ساهمت في دفع العلاقة الكردية – العربية نحو التوتر
والتشنّج، حينما هاجمت مدينة راس العين/ سري كانيي خريف 2012، من دون مسوغات مقنعة.
وإذ ظهرت حالة نهب، تدخّل النظام نفسه وقصف المدينة بالبراميل، ما أدّى إلى تهجير
السكان. وقد بُذلت جهود كبيرة حتى تم نسبياً تجاوز تبعات ما حصل.
ثم جاء مشروع
«داعش»، الذي بدا واضحاً منذ اليوم الأول كمشروع معادٍ للثورة، وعلى تنسيق وتناغم
مع النظام. لقد جاء هذا المشروع ليؤدي في محافظات الحسكة والرقة وحلب، دوراً
تكاملياً مع مشروع حزب الاتحاد الديموقراطي، إذ عمل على استقطاب العرب مقابل
الاستقطاب الآخر الكردي حول الحزب المذكور.
«داعش»، الذي بدا واضحاً منذ اليوم الأول كمشروع معادٍ للثورة، وعلى تنسيق وتناغم
مع النظام. لقد جاء هذا المشروع ليؤدي في محافظات الحسكة والرقة وحلب، دوراً
تكاملياً مع مشروع حزب الاتحاد الديموقراطي، إذ عمل على استقطاب العرب مقابل
الاستقطاب الآخر الكردي حول الحزب المذكور.
وبدأ الطرفان صراعاً محموماً، ترافقه
حملة إعلامية تجييشية مركّزة. وضمن هذا السياق، جاءت الهجمة الداعشية على شنكال
وغيرها من مناطق كردستان العراق، وما تمخّض عنها من قتل واغتصاب واستعباد تعرّض له
الإيزيديون. ثم كانت الهجمة على كوباني، والتسبّب في نزوح أكثر من مائتي ألف كردي
في غضون أسبوع. هذا إلى جانب التفجير الذي تعرّض له المحتفلون بعيد نوروز هذا العام
في الحسكة، والمجزرة التي ارتكبها «داعش» أخيراً في حق سكان كوباني العائدين. كل
هذه الأمور تؤكد أن العقلية الموجِّهة للمشروع الداعشي، تريد دفع الوضع بين العرب
والكرد إلى القطيعة النهائية، ربما تمهيداً لترتيبات جغرافية وسياسية جديدة في
المنطقة.
حملة إعلامية تجييشية مركّزة. وضمن هذا السياق، جاءت الهجمة الداعشية على شنكال
وغيرها من مناطق كردستان العراق، وما تمخّض عنها من قتل واغتصاب واستعباد تعرّض له
الإيزيديون. ثم كانت الهجمة على كوباني، والتسبّب في نزوح أكثر من مائتي ألف كردي
في غضون أسبوع. هذا إلى جانب التفجير الذي تعرّض له المحتفلون بعيد نوروز هذا العام
في الحسكة، والمجزرة التي ارتكبها «داعش» أخيراً في حق سكان كوباني العائدين. كل
هذه الأمور تؤكد أن العقلية الموجِّهة للمشروع الداعشي، تريد دفع الوضع بين العرب
والكرد إلى القطيعة النهائية، ربما تمهيداً لترتيبات جغرافية وسياسية جديدة في
المنطقة.
وفي خضم هذا الصراع المحموم، غاب النظام، أو بتعبير أدق: غُيّب، وكأنه
لم يعد موجوداً، إعلامياً بطبيعة الحال، بينما كان ولا يزال موجوداً واقعياً، يوجّه
عمليات المتقاتلين ويشرف عليها.
لم يعد موجوداً، إعلامياً بطبيعة الحال، بينما كان ولا يزال موجوداً واقعياً، يوجّه
عمليات المتقاتلين ويشرف عليها.
وجاءت التصريحات الأخيرة للسفير الأميركي السابق
في سورية روبرت فورد، إلى جانب جملة التسريبات الخاصة بما ذهب إليه بعض المسؤولين
الإسرائيليين، لتشير إلى ملامح مشروع تقسيمي في الأفق، تتحاشى مختلف الأطراف الحديث
عنه مباشرة أو علانية. لكن ما يُستنتج من التطورات في مختلف المناطق، يعزّز موقف
أصحاب نظرية التقسيم، بخاصة في ظلّ ضعف المعارضة السياسية، وغياب موقف عربي فاعل
ومؤثر نتيجة انشغال كل دولة بقضاياها الخاصة.
في سورية روبرت فورد، إلى جانب جملة التسريبات الخاصة بما ذهب إليه بعض المسؤولين
الإسرائيليين، لتشير إلى ملامح مشروع تقسيمي في الأفق، تتحاشى مختلف الأطراف الحديث
عنه مباشرة أو علانية. لكن ما يُستنتج من التطورات في مختلف المناطق، يعزّز موقف
أصحاب نظرية التقسيم، بخاصة في ظلّ ضعف المعارضة السياسية، وغياب موقف عربي فاعل
ومؤثر نتيجة انشغال كل دولة بقضاياها الخاصة.
هل سنكون أمام كيانات أو دويلات
الأمر الواقع، على أساس التجانس المذهبي أو القومي، تمهيداً لمشاريع أخرى ينتظر
أصحابها في المنطقة؟ سؤال بات مطروحاً أكثر من أي وقت مضى.
الأمر الواقع، على أساس التجانس المذهبي أو القومي، تمهيداً لمشاريع أخرى ينتظر
أصحابها في المنطقة؟ سؤال بات مطروحاً أكثر من أي وقت مضى.
أما الحديث عن الرفض
التركي القاطع لأمر من هذا القبيل، فما نراه أن تطور الأحداث يدفع بالجميع، وتركيا
ضمناً، إلى مراجعة الحسابات والاستعداد للتعامل مع الوضعية الجديدة بعقلية قادرة
على استيعابها، والتكيّف معها. ومن يدري، فقد تكون سورية الملتهبة أخطر في المدى
البعيد على البنية المجتمعية التركية من جملة كيانات ضعيفة هزيلة، ستكون مضطرة،
بناء على عوامل التاريخ والجغرافيا والحاجة والقرابة والثقافة المشتركة، الى تمتين
العلاقة مع الجار التركي القوي، في مواجهة أطماع القوى الإقليمية الأخرى، وذلك ضمن
إطار توازنات إقليمية جديدة، تستند إلى معادلات جديدة.
التركي القاطع لأمر من هذا القبيل، فما نراه أن تطور الأحداث يدفع بالجميع، وتركيا
ضمناً، إلى مراجعة الحسابات والاستعداد للتعامل مع الوضعية الجديدة بعقلية قادرة
على استيعابها، والتكيّف معها. ومن يدري، فقد تكون سورية الملتهبة أخطر في المدى
البعيد على البنية المجتمعية التركية من جملة كيانات ضعيفة هزيلة، ستكون مضطرة،
بناء على عوامل التاريخ والجغرافيا والحاجة والقرابة والثقافة المشتركة، الى تمتين
العلاقة مع الجار التركي القوي، في مواجهة أطماع القوى الإقليمية الأخرى، وذلك ضمن
إطار توازنات إقليمية جديدة، تستند إلى معادلات جديدة.
سورية، الكيان السياسي
الذي شهد النور بعد الحرب العالمية الأولى، في خطر جدّي. وعلينا أن نعترف، ونعمل،
لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
الذي شهد النور بعد الحرب العالمية الأولى، في خطر جدّي. وعلينا أن نعترف، ونعمل،
لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وإذا كان النظام يتحمّل المسؤولية الأولى في ذلك،
فالمعارضة، بخاصة جناحها السياسي، تتحمّل جزءاً لا يستهان به. فهي أهملت الأوراق
المجتمعية التي استخدمها النظام منذ البداية: ورقة العلويين وورقة الكرد والمسيحيين
والمكونات الأخرى. وتخيّلت هذه المعارضة أنها ستتسلّم البلد بعد تغيير جهاز الحكم،
من دون تغيير المنظومة المفهومية والممارسات الاستبدادية والمشاريع التمييزية التي
رسّخها هذا الجهاز على مدى أكثر من أربعين عاماً. أما المعارضة الميدانية، فسلّمت
قوى كثيرة منها، بسبب ضعف الإمكانات، أمورها لأصحاب وصفات جهادية لا علاقة لها
بالواقع السوري، ولا قدرة لها على التعايش مع الخصوصية السورية في المدى الطويل،
اللهم إلا إذا كانت النوايا معقودة على تمزيق سورية بين مقاطعات وإمارات ومشاريع
دويلات. كما أن القوى الإقليمية مسؤولة بتدخلاتها وحساباتها وتبايناتها، وكذلك
المجتمع الدولي، بسبب سلبيّته ولا مبالاته المنهجية اللافتة. ولعلّه سيكون من
المناسب أن يتمعّن المرء في الاتفاق الغربي – الإيراني، ويستشفّ أبعاد نتائجه
الآنية والمستقبلية على أوضاع المنطقة.
فالمعارضة، بخاصة جناحها السياسي، تتحمّل جزءاً لا يستهان به. فهي أهملت الأوراق
المجتمعية التي استخدمها النظام منذ البداية: ورقة العلويين وورقة الكرد والمسيحيين
والمكونات الأخرى. وتخيّلت هذه المعارضة أنها ستتسلّم البلد بعد تغيير جهاز الحكم،
من دون تغيير المنظومة المفهومية والممارسات الاستبدادية والمشاريع التمييزية التي
رسّخها هذا الجهاز على مدى أكثر من أربعين عاماً. أما المعارضة الميدانية، فسلّمت
قوى كثيرة منها، بسبب ضعف الإمكانات، أمورها لأصحاب وصفات جهادية لا علاقة لها
بالواقع السوري، ولا قدرة لها على التعايش مع الخصوصية السورية في المدى الطويل،
اللهم إلا إذا كانت النوايا معقودة على تمزيق سورية بين مقاطعات وإمارات ومشاريع
دويلات. كما أن القوى الإقليمية مسؤولة بتدخلاتها وحساباتها وتبايناتها، وكذلك
المجتمع الدولي، بسبب سلبيّته ولا مبالاته المنهجية اللافتة. ولعلّه سيكون من
المناسب أن يتمعّن المرء في الاتفاق الغربي – الإيراني، ويستشفّ أبعاد نتائجه
الآنية والمستقبلية على أوضاع المنطقة.
ويبقى السؤال: هل ستكون سورية وحدها ضحية
التقسيم في حال حدوثه، أم أنها ستكون مجرد البداية؟ وما يضفي المشروعية على هذا
التساؤل يتمثّل في واقع الزلازل العنيفة، والاضطرابات الكبرى، وحالات القمع الداخلي
القاسية في غالبية العالم العربي.
التقسيم في حال حدوثه، أم أنها ستكون مجرد البداية؟ وما يضفي المشروعية على هذا
التساؤل يتمثّل في واقع الزلازل العنيفة، والاضطرابات الكبرى، وحالات القمع الداخلي
القاسية في غالبية العالم العربي.
* كاتب وسياسي سوري
نقلا عن جريدة
الحياة
الحياة