رئاسة الإقليم بين الأهلية والنزوع

شريف علي

شهور عدة مرت ولا تزال قضية رئاسة إقليم كوردستان
لم تحسم بشكل نهائي رغم المحادثات والحوارات المتعددة التي جمعت لأكثر من ثمان مرات
بين القوى الكوردستانية إن كانت على مستوى تلك الأطراف المتمثلة في البرلمان أو تلك
التي تمثلت في حكومة الإقليم ورغم كافة المحاولات والمقترحات التي كانت تأتي من
جانب الحزب الديمقراطي الكوردستاني والمطالبة بالعودة إلى الجماهير الكوردستانية
والاحتكام إلى ما تراه في خدمة مصالحها القومية العليا  حاضرا ومستقبلا لا سيما في
هذه المرحلة عالية الدقة التي تمر بها المنطقة عموما و كوردستان بشكل خاص حيث بقيت
نقاط الخلاف عالقة ،
 واستمر الحلف الرباعي المتمثل بحركة التغيير والإتحاد الوطني الكوردستاني و
الاتحاد الإسلامي والحركة الإسلامية  متمسكا بطرحه الساعي إلى انتخاب الرئيس من
البرلمان الكوردستاني وفق نوايا مبيتة تتلخص بالتحكم بموقع القرار الكوردستاني ،
بموجب ما توحي بها أجندات الأنظمة الغاصبة لكوردستان، التي باتت ترى في النمو
المطرد للدور الكوردستاني وتحت قيادة الرئيس البارزاني في تقرير مستقبل المنطقة
خطرا محدقا بها وهذا ما كان وراء عملها على كافة الجبهات، مستهدفة الإقليم
الكوردستاني  أرضا وشعبا وإدارة من جانبها و وبالتنسيق والمتابعة مع الميليشيات
الإرهابية والقوى الارتزاقية العاملة لحسابها، وهذا ما بدا جليا  بدخول الجنرال
قاسم سليماني الممثل العسكري الخاص لعلي خامنئي في الخارج على خط التفاوض قبيل 20
آب/أغسطس المنصرم الموعد الذي حدده الرئيس البارزاني كآخر مهلة لحل الأزمة ، وقال
في حينه أبو بكر علي عضو المكتب السياسي للإتحاد الإسلامي:” كلما دخل سليماني على
الخط يصنع القرارات من دون نقاش ” . وإذا كان هذا موقف الإتحاد الإسلامي فإن مواقف
الأطراف الثلاثة الباقية لم تكن بعيدة عنها أو حتى خارج سياق المنحى ذاته خاصة إذا
علمنا أن تلك الأطراف دعت شخصيةـ استخباراتية ـ عسكرية أجنبية مثل الجنرال الإيراني
قاسم سليماني والذي أياديه ملطخة بدماء السوريين واللبنانيين واليمنيين، لحضور جلسة
خاصة للبرلمان الكوردستاني لمناقشة موضوع رئاسة الإقليم .
على ضوء هذا الواقع
التفاوضي فإن  الحوارات الماراثونية تلك لم تكن لتفضي إلى نتائج مثمرة كفيلة بتجاوز
الأزمة القائمة،  وهذا بحد ذاته مؤشر على  تخبط صارخ في نهج وسياسة تلك الأطراف
الكوردستانية التي كلفت باختلاق هذه الأزمة ،وخلل فادح في المعايير التي تعتمدها ،
تلك الأزمة التي  اختلقت أساسا لأهداف وغايات  بعيدة عن مصالح الشعب الكوردي فيما
إذا لم تكن بالضد منها ،ولا تخدم سوى موكليها . وهذا ما جعل من أولى نتائجها تنعكس
سلبا عليها قبل أن تنعكس على غيرها أو من استهدفنهم ،حيث تتالت حالات التعارض في
المواقف وانبثقت تيارات متعارضة ضمن صفوف الطرف الواحد وصلت ببعضها إلى مرحلة
الانشقاق التنظيمي كتأكيد على عدم التجانس لدي تلك الأطراف في قراءتها للمشهد
الكوردستاني . 
 ففي الوقت الذي تلوح فيه تلك الأطراف التي غرقت في الخندق
المعادي للمصالح العليا للشعب الكوردي بوجود أزمة دستورية في الإقليم لم تدخر جهدا
في السعي لافتعال هذه الأزمة أساسا ولم تخطو خطوة واحدة بالاتجاه الذي يمهد ـ على
الأقل ـ للخروج من هذه الأزمة بل بقيت ولا تزال مصدرا للعقبات كان آخرها حملتها
الإعلامية الشرسة ضد المؤسسات الحكومية والرموز السيادية في الإقليم ،لا بل والأكثر
من ذلك محاولات لإثارة الشارع الكوردي وزعزعة حالة الاستقرار والأمن الذي ساد
الإقليم هدم المكتسبات التاريخية التي حققت بفضل تضحيات أبناء كوردستان على مدى
عقود من الزمن وفي مقدمتها المؤسسات الدستورية التي رسخت لتجربة رائدة للحرية
الديمقراطية في المنطقة وبشهادة الأعداء قبل الأصدقاء، لكن تلك الأطراف ورغم
قناعتها الضمنية بضرورة استمرارية الرئيس بارزاني في منصبه كضرورة حتمية تتطلبها
القضية الكوردستانية في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة على ضوء الظروف الدولية
والإقليمية التي تمر بها لكنها وكما يتم توجيهها تتمسك بما يساهم في تنفيذ المخطط
الانقلابي في الإقليم وتحت عباءة الفهم الخاطئ للدستور،رغم عجزها الواضح في تقديم
البديل المؤهل لقيادة  البلاد  والوصول بقضية الشعب الكوردستاني إلى بر الحرية
والاستقلال كمؤشر على أن ما تصبو إليه تلك الأطراف لايتجاوز كونه ترجمة كوردية
لأجندات إقليمية أفشلتها الدبلوماسية الكوردية في ظل قيادة ورعاية الرئيس
البارزاني،ونزعة انقلابية تستمد طاقاتها من عقلية الهيمنة والقمع والفكر الاستبدادي
للأنظمة المناهضة للحرية والديمقراطية والأخذ برأي الشعب عموما،و للأنظمة الغاصبة
لكوردستان بشكل خاص . 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين حول المشاركة الكردية في المعارضة والثورة أولا – ليس خافيا وقوف الحركة الوطنية الكردية السورية منذ ظهورها مع الاستقلال ، والسيادة الوطنية ، وضد مختلف أنواع الظلم والاستبداد ، فلم يسمح بمشاركة هذه الحركة يوما مع اية حكومة في السلطة والقرار ، بل صنفت دوما اما بالعدو او الخطر على امن الدولة ، وتعمقت معارضة تياراتها الأساسية منذ…

عبداللطيف محمدأمين موسى إن القراءة المنهجية في التحليل الاستراتيجي لسير الأحداث، وجملة المتغيرات الدراماتيكية في المشهد السوري العام من خلال عاماً على سقوط نظام بشار الأسد الطاغية، تجسد الفرحة المنقوصة أو النصر الغير المكتمل لدى السوريين، في ظل عجز السلطة الإنتقالية في دمشق، عن تحقيق أدنى متطلبات الحوار الوطني والمصالحة الداخلية التي تشكل الركيزة الجوهرية في البنية الحيوية لبناء…

حسن خالد في الثامن من “ديسمبر” كانون الأول ٢٠٢٤، وقبل عامّ بالتحديد، كنتُ في مهمة عمل في منطقة شبه مقطوعة عن العالم “لا إنترنت متوفر” وأن توفر ففي حالة ضعف، وكذلك “ضعف شديد في شبكة الهاتف الخليوي حدّ الملل” لذا لم أكن اعرف مجريات الأحداث السورية هاتفني أخٌ عزيز مساءً، ليطمئن على صحتي و وضعي، و لِيُبشرني ب “فرار…

بروفيسور سربست نبي طالما ليس هنالك أي إنجاز سياسي يستحق الذكر والإشادة، طوال عام، فيمكن ببساطة شديدة إلهاء السوريين وصرف انظارهم عن التقهقر الشامل والاخفاقات والمآسي، التي عاشوها في ظلّ النظام الجديد، عبر نشر تلك الفيديوهات المثيرة للنظام القديم، الذي تفسخ قبل عام. كل ذلك لإشغالهم في مثل هذا التوقيت بالذات عن القيام بمحاكمات عقلانية ومراجعة نقدية لعام من الأوهام…