بعض أسباب فشل المثقف

دلكش مرعي

إن من بين أهم الإشكاليات
التي واجه المثقف في هذه المرحلة المصرية وواجهته في العقود المنصرمة من القرن
الماضي كانت وما تزال تكمن في كيفية إزالة قيم التخلف المكرسة في البنية الفكرية
والعادات والتقاليد والقيم الكائنة في مفاصل تراث الشعب الكردي وكيفية إيجاد السبل
للتحرر من آفاته وتغيره وبناء الأرضية الملائمة للدخول إلى الحداثة والمعاصرة
وإيجاد الحلول العلمية والعملية لتجاوز تلك الإشكاليات الكابحة للتطور… فقد أثبتت
التجارب الماضية في هذا المجال بأن  المثقف قد فشل في تغير الواقع المأزوم عبر
الحلول النظرية أو المواعظ أو الصيغ والوصفات الجاهزة أو عبر كتابة مقال هنا وتأليف
كتاب هناك أو عبر توجيه النقد الحاد إلى من يتلاعب بمصير هذا الشعب  ويعود بعض
أسباب الفشل في هذا المجال إلى عدم اهتمام الشارع الكردي بما هو ثقافي وفكري يُنتج
في العالم المعاصر .. 
طبعاً هناك أسباب عديدة لهذا الإهمال لسنا بصدها هنا ونتيجة لذلك تظل هذا الشارع
متمسكة ببنيتها الفكرية المأزومة تجتر بما هو سائد داخل التراث المترهل وترفض أي
فكرة أو عادة أو عقيدة  لا تنسجم وتتواءم مع معتقداتها السائدة حتى وأن كان الفكر
المطروح  قائم على أسس علمية ومعرفية صحيحة فهو لن يؤثر إلا بشكل بسيط ونسبي على
سلوك الناس وقد تحتاج حالة التغير المنشود عبر النهج السائد إلى عقود من الزمن أو
ربما قرون   … اختصارا هناك تصادم وصراع بين القديم المتعفن الذي يستوجب تجاوزه 
وبين المعرفة العلمية المعاصرة التي تتناقض قيمها كلياً مع ما هو كائن ومتداول في
العادات والتقاليد والعقائد الاجتماعية المورثة فيخلق هذا الصراع نوع من التصادم
والانفصامية والقلق والتوتر داخل الذات ينتج الفشل والجمود.. زد على ذلك هناك نوع
من الازدواجية والنفاق بين ما يطرحه العديد من أشباه المثقفين من أفكار نظرية كحرية
الرأي وحرية المرأة وحرية المعتقد بينما على أرض الواقع تتهرب هذه النخبة ذاتها من
تجسيد هذه الأمور في حياتها العملية وتلعب دوراً سلبيا هداماً عبر هذا السلوك فهي
غير مثقفة وتدعي الثقافة …
 اختصاراً فالصراع داخل المجتمع الكردي في الوقت
الراهن يجري بين صنفين من الأفكار بين فكر قديم متخلف تشل حركة العقل والذهن قائم
على الأساطير والغيبيات والسحر والشعوذة والقيم والعادات السيئة التي أنتجته مخيلة
شعوب ما بين النهرين وحوض النيل والجزيرة العربية وجوارهما ويعتبر هذا الموروث
الموبوء مرجعية وسلطة مطلقة ممنوع من المسائلة والجدل وهو الذي ينتج الاستبداد
السياسي والسلوكي والتخلف الحضاري   .. وبين فكر معاصر قائم على العلم والمعرفة
العلمية أنتجه العلوم التجريبية المعاصرة بتقنياته العلمية والبحثية المتطورة وقيمه
المادية التي تخدم الشعوب في الحاضر والمستقبل
 أي أن تجاوز جملة الإشكاليات
المذكورة لا تأتي بالتمني أو بالتأوه لأن تحرير العقل من العادات والقيم الاجتماعية
المتخلفة هي من بين أصعب الأمور فهي ليست بالأمر السهل كما يظن البعض ويتطلب جهدا
مشتركا ومتميزاً يتآزر فيه جميع النخب والفعاليات الثقافية الحقيقية التي تقع على
عاتقها تغير هذا الواقع المتردي الذي عانى منه هذا الشعب آلاف السنين ومازالا يجتر
مرارة هذه المعاناة ومآسيه .. وهذا الأمر يتطلب بالدرجة الأولى بناء مؤسسات فكرية
مختصة تقوم بتحليل جملة القيم والعادات والتقاليد الكردية والمنطلقات الفكرية التي
تبنى عليها مكونات الفكر الكردي أي تقييم نتائج كل فكرة وكل عادة وكل عقيدة على أسس
علمية ومعرفية صحيحة ليتمكن هذه الفعاليات من إبراز الجوانب الإيجابية  والسلبية
الكائنة في مفاصل هذا التراث وإزالة ما هو ضار ومشكل ومستغلق في داخله والإبقاء على
ما هو نافع ومفيد وأصيل وتطويره ومن ثم الالتزام بتطبيق ما تم التوصل إليه وتجسيده
عمليا على الأرض عبر كوادر مثقفة تمتلك قوة الإقناع بالتعاون مع مؤسسات المجتمع
المدني وبدعم مادي من مؤسسات مستقلة تهتم بنشر العلمانية والفكر الديمقراطي حتى
يتمكن المثقف من التحرر من الهيمنة المادية للأحزاب الفاشلة التي تستخدم العديد من
أشباه المثقفين كأبواق لتحقيق أجنداتها الحزبية البائسة … فالدعوة عامة لكل
الكتاب والمثقفين الكرد الحقيقيين في الخارج والداخل للقيام بواجبهم الإنساني لبناء
هذه المؤسسات عبر نهج علمي على أرض الوطن كي يتمكنوا من تأسيس اتحاد حقيقي للكتاب
والمثقفين الكرد  فوظيفة الكاتب والمثقف هو تحرير الشعوب من قيم التخلف والعادات
والمفاهيم السيئة التي تكبح التطور وتنتج الظلم والاضطهاد والجهل والحروب والصراعات
المدمرة 
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

سعيد يوسف ظهر الدين الإسلامي بحسب المصادر التاريخية…في المنطقة الجغرافية التي تسمى الآن بشبه الجزيرة العربية. منذ البداية استعان المسلمون الاوائل بنسق من المفاهيم الفكرية المستمدة من أنساق دينية سابقة كان لها أتباع في الجغرافية المذكورة، أومن أنساق دينية أخرى أو مفاهيم أفرزتها الحياة الاجتماعية الجديدة كمفهومي الأنصار والمهاجرين والصحابة …ثم تمّ توظيفها توظيفاً براجماتياً في خدمة أهدافهم السياسية والاجتماعية…..

خالد بهلوي عاش الإنسان السوري سنوات طويلة في خوف ورعب؛ خوفًا من البراميل المتفجرة، والغرق في البحار أثناء الهجرة، والفقر والجوع، والخوف على مستقبل الأجيال المتعاقبة وتعليمهم. من الطبيعي أن تنتهي كل هذه العوامل مع نهاية حكم الطاغية بشار الأسد، الذي خلق الخوف والرعب لكل أسرة بنِسبٍ وأشكال مختلفة. بعد سقوط الأنظمة الاستبدادية في العديد من الدول، غالبًا ما…

صلاح بدرالدين الاكاديمي والثورة السورية حوار قصير بين وطني سوري وبسمة القضماني عندما شكلت جماعة – الاخوان المسلمين – ( المجلس الوطني السوري ) باستانبول بعد اندلاع الثورة السلمية العفوية الدفاعية بعدة اشهر عام ٢٠١١ ، وارادوا – تطعيمه – كعمل تكتيكي بحت برموز ليبرالية ، ويسارية ، والاحتفاظ بسلطة القرار ، والمفاصل الأساسية المالية ، والعسكرية…

«شهداء ثورة القرن»: عنوان الملف الذي نشرته مجلة العربي القديم في عدده الخاص، الذي صدر بمناسبة انتصار الثورة السورية ، وثقت فيه ابرز شهداء الثورة، وضمت القائمة الشهيدين مشعل التمو وحسين عيسو. فيما يلي ننشر رابط المجلة ورابط الشهيدين (مشعل التمو وحسين عيسو): رابط الشهيد حسين عيسو بقلم الكاتب حسين جلبي: Hisen_Iso رابط الشهيد مشعل التمو بقلم الكاتب محمد عبدالستار…