السياسة بين المصالح والأخلاق الاعتراف المتأخر بالابادة الأرمنية

أكرم الملا
اعترف مجلس النواب الأميركي للمرة الأولى بعمليات الإبادة الجماعية التي ارتُكِبَت بحق الأرمن بقرار من الإمبراطورية العثمانية، وذلك من خلال تشريع تم اقراره بموافقة 405 أعضاء مقابل 11 عضواً بعدم الموافقة. كل المحاولات السابقة لتمرير قرارات في الكونغرس لإدانة الإبادة الجماعية كانت تُمنى بالفشل بسبب المعارضة شديدة من الحكومة التركية عن طريق “لوبيات” الضغط التي اشترتها بالمال، لكن هذه المرة فشلت جماعات الضغط هذه بالتغلب على حالة الغضب التي سيطرت على المشرّعين الأميركان بسبب تصرفات تركيا في مجال سياستها الخارجية وما قامت به من غزو واحتلال للمناطق الكوردية في سورية وعمليات القتل والنهب والتغيير الديموغرافي التي تتم بمباركة تركية. 
ولكن قرار الإدانة مع ذلك يعكس كما يقول بعض السياسيين الأرمن “أفضل ما في أميركا حيث يمثل تتويجاً للعمل الدؤوب الذي قام به ممثلوا الشعب الأرمني والمجتمع الأرمني الأميركي”، حيث جاء القرار في وقت يشهد خلافاً شديداً بين الكونغرس الأميركي وتركيا، وهذا ما يثير المخاوف والهواجس أنه يتم سوء استغلال لإبادة جماعية بحق شعب مسالم لغايات سياسية، وعلى الرغم من وجود دوافع سياسية وراء اتخاذ القرار، الا أنه يظل أمراً ايجابياً بحق الأرمن.
المحور الأساسي في هذه القضية والقرار الأميركي، هو اتفاق المؤرخين أن العثمانيين فعلاً مارسوا الابادة الجماعية بحق الأرمن وغيرهم من المسيحيين، حيث أنفقت الحكومة التركية ملايين الدولارات على جماعات الضغط الأميركية للحيلولة دون تمرير القرارات التي اقترحت في السابق للاعتراف بالإبادة الجماعية بحق الأرمن، وكذلك التحركات الدبلوماسية مع الأميركان ومحاولة استغلال علاقاتها كعضو في حلف الناتو والعلاقات الاقتصادية مع اوربا وأميركا، وكان هناك سبب آخر يكمن في أن الادارات الأميركية المتعاقبة، كانت تفكر كثيراً في التكلفة الدبلوماسية الباهظة نتيجة هكذا قرار .
ان قرارات الاعتراف بالابادة الجماعية تنبع أصلاً من الموقف الأخلاقي والمجتمعي من القتل والإبادة بحق الشعوب، قرار مجلس النواب الأميركي يُعتبر نجاحاً تاريخياً للشعب الأرمني بعد عقود من المحاولات الفاشلة لتمرير مثل هذا القرار، على الرغم من أنه يرسم الصورة الواضحة التي تبين كيف أن السياسيين قد يتأثرون بالمصالح الخاصة لدرجة أن ينكروا بشكل لا أخلاقي إبادة جماعية لأكثر من قرن، وأن يعترفوا بها فقط حين تخدم أهدافهم السياسية.
ان عمليات الإبادة الجماعية تشكل مسألة أخلاقية تمس روح الانسان وتربيته، عندما يتم الإعتراف بالإبادات الجماعية، فهذا كي يحيل دون حدوثها ثانية، واظهار أن حياة الانسان ذو قيمة روحية وحياتية، لذلك إذا كان لدى السياسيين والمشرعين في الولايات المتحدة واوروبا وجميع دول العالم أي أُسس أخلاقية، فالمطلوب منهم الوقوف الى جانب الحقائق التي تفضح ممارسات القتل والإبادة الجماعية التي تحدث في العالم، ومنها التي تجري يومياً بحق شعبنا الكوردي، وخاصة من قبل أحفاد الامبراطورية الدموية العثمانية، وأن تعمل المؤسسات التشريعية والانسانية على وقف الإبادات الجماعية أينما كانت وبحق من كانت.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…