ترشُّحات العنصرية

ماجد ع  محمد
لنفترض بأن المئات من الجمعيات والمنظمات الإنسانية أخذت رأيي الشاعر والروائي الأمريكي، إسماعيل سكوت ريد، بعين الاعتبار، ذلك الذي رأى بأن العنصرية مشكلة طبية، وبناءً عليه يحتاج العنصريون حسب تصوره إلى مساعدة طبية ونفسية جادة، لأنهم وفق رؤيته كالفيروس بالجسد، يعذبون أنفسهم ويعذبون الجميع معهم؛ ومع أهمية ما يقوله ويقترحه ويراه ريد، ولكن مَن يا ترى ذلك الذي بمقدوره وضع كل أولئك المرضى في غُرَف العناية الفائقة لمباشرة النظر في عللهم وإيجاد العقاقير اللازمة لهم؟ ومَن الذي له صلاحية حشر كل أولئك المرضى في مكان واحد للبدء باستطبابهم؟ وهل سيعترف المصابون بذلك الوباء بأنهم ابتلوا بالسقم من دون رغبة منهم؟ ومَن هي الجهة المحلية أو العالمية القادرة على جمع كل المبتلين بتلك الآفة؟ ومَن هو صاحب السلطة الكونية الذي بمقدوره إجبار المرضى على أن يخضعوا رغماً عنهم لإرشادات الأطباء النفسيين لكي يتلقوا العلاج اللازم لعللهم؟
ومع أهمية مقترح الشاعر الأمريكي بخصوص السموم النفسية للعنصرية وترياقها، إلا أن ما يُلاحظ في منطقتنا وربما في باقي قارات العالم أيضاً، هو أن تبعات العنصرية أكثر خطورة من المرض الجسماني، لأن العلل الجسدية هي عادة محط نفور لدى معظم إن لم نقل كل أفراد المجتمع، كما أنه من النادر جداً إيجاد فرد ما يقبل بأن تُنقل الإصابة الجسدية إليه ولو كانت من أقرب الناس له، بينما العلة العنصرية فالآلاف جاهزون لاستقبالها بصدر رحب ولا خوف لديهم من نقل عدواها إليهم!! طالما أنها كانت تتناغم مع ما هو موجود أصلاً في بنيانهم من قَبل بفضل ما تلقفوه من البيئة المحلية ولو بكميات متفاوتة.
كما أن العنصرية ليست محصورة بأفراد معينين، ولا وباؤها منتشر في بقعة جغرافية محددة، إنما هي ثقافة قائمة على كره الآخر المختلف، الكره الذي يتجاوز حدود البغض منتقلاً إلى طور أكثر وضاعةً في التعامل مع الآخر الذي لم يُخلق على هيئة وشكل ونموذج النفر العنصري، ومن بعض الترشّحات النابعة عن الأفكار العنصرية المكتنزة، فعلى سبيل الذكر وليس الحصر هو ما جرى الشهر الفائت لمجموعة من سياح إقليم كردستان العراق في مدينة طرابزون التركية، حيث تعرضوا للاعتداء من قبل مجموعة عنصرية من الأتراك الذين يعادون كل شيء يخص الآخر من رموز ومقدسات وعلى وجه الخصوص الكرد وما يشير إليهم، وذلك أثناء محاولة السواح اِلتقاط صوَر تذكارية مع العلم الكردي الذي كان بحوزتهم؛ وكذلك الأمر ما فعله الضابط العراقي في السماوة، الذي بدلاً من أن يخجل من نفسه، ومن تاريخ نظامه البائد على ارتكابه لجرائم الأنفال، راح يطلب من ذوي ضحايا قائده المفدى، نزع علم كردستان الذي كان يتوشح به واحداً منهم في مدينة السماوة العراقية التي تم اكتشاف المقابر الجماعية فيها!!!
وبناءً على الموقفين المذكورين أعلاه نرى بأنه من غير العدل أن تُنسب الممارسات العنصرية لحكومة بعينها، أو حصره بحزب ما، أو حاكم دون غيره من الحكام في فترة زمنية محددة، لأن العنصرية قد تكون ثقافة الدولة برمتها، أو ثقافة طائفة كبيرة من المجتمع، فتمارَس حينها حسب موجات التأليب والتحريض على نطاقٍ ضيق أو واسع من قبل الموالين والمعارضين على حدٍ سواء، والدليل على أنها ليست مقتصرة على الموالاة أو المعارضة أن ما حصل مؤخراً في كركوك هو نفس الذي كان يجري ويمارس على نطاق واسع في زمن حكم حزب البعث العربي الاشتراكي، إذ في زمن حكم صدام حسين، مارسها عشاق الطاغية أجمعين، وكل حاملي فكر وسيف النظام البائد في العراق عامة وفي كركوك على وجه خاص، واليوم يمارسها حاملو فكر وسيف الحشد الشعبي في نفس المدينة، ما يعني بأن العنصرية متعلقة بثقافة وطباع الناس وما يتشربونه في مناهجهم الدراسية والحزبية، وبشكل أساسي لها علاقة مباشرة بما ينهلونه في منازلهم من الأهل والأقارب والمحيط الاجتماعي ومن ثم من قادة الرأيي لديهم، وهي ليست محصورة في نظام سياسي محدَّد، أو سلطة واحدة، أو حقبة معيّنة، وحيث أن المتربي على العنصرية يظهرها ويمارسها متى ما سنحت له الفرصة، ومتى ما توفر له ذلك المناخ العفن.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…