م. محفوظ رشيد
إن إدلب هي أحد الأوراق الأساسية التي تمتلكها تركيا، وتبرزها حين اللزوم في الصراع الدائر ضد الغير لتحسين موقعها وشروطها في الأزمة السورية، إدلب تحت الوصاية التركية عسكرياً وإدارياً من الناحية الفعلية بشكلٍ أو بآخر، تصريح الضابط التركي إشارةٌ واضحة إلى تثبيت تلك الوصاية كنتيجةٍ للصفقة الأخيرة المبرمة في أستانا على غرار سابقاتها ، وادعاؤه بتطوير البنية التحتية والمرافق العامة ليس إلا دعاية إعلامية لتجميل صورة تركيا، وترغيب اللاجئين السوريين لديها بالعودة والاستقرار فيها.
مع استمرار الأزمة السورية وأردوغان يلوح بالحل العسكري دوماً للتهرب من أزماته الداخلية المتفاقمة سياسياً واقتصادياً… والسعي لتصديرها إلى الخارج، وكذلك لإشغال الجيش وعدم منحه فرصة التفكير والتحضير للانقلاب عليه، كما هو متوقع بسبب فشل سياساته الداخلية والخارجية المسماة ب”صفر أصدقاء”، والحديث عن شن الحرب على النظام السوري دعائي أكثر مما هو فعلي، ويندرج أيضاً ضمن الحرب الإعلامية الخاصة لخلط الأوراق وتشتيت الأنظار، لأنها ستكون مكلفة جداً وفواتيرها باهظة وتداعياتها كبيرة على جميع الأطراف المتصارعة، ثم أن قرار الحرب والسلم تتخذها مراكز القرار في الدول العظمى وليس تركيا.
إن أي تورطٍ تركي في إجراءٍ أحادي الجانب عسكرياً أو سياسياً دون تفاهمٍ أو اتفاقٍ مسبق مع باقي الأطراف ستواجه روسيا قبل غيرها بحكم تحالفها الوثيق مع النظام السوري وستكون العواقب وخيمةً عليها.
ما تسمى ب”المنطقة الآمنة” تجاوزاً لعدم تحقيق شروط التعريف الأممي لها (وفق قوانين مجلس الأمن الدولي) هي موضوع الاتفاقية المعلنة بين أمريكا وتركيا هي أمنية عسكرية بحتة لم تكشف النقاب عن تفاصيلها (لأسبابٍ لا داعي لذكرها)، وهي في حقيقتها مبادرة (صفقة) أمريكية تهدف إلى لجم الاندفاع التركي والتهديد باجتياح منطقة شمال شرق الفرات وزعزعة الأوضاع فيها، التي تشكلت نتيجة تحريرها من داعش بدعمٍ ومشاركةٍ من التحالف الدولي حيث أن قوات سوريا الديمقراطية “قسد” هي الشريك الميداني على الأرض. وتقوم المبادرة على التوفيق بين حليفي أمريكا وعدم حدوث احتكاك مباشر بينهما، الأول تركيا بضمان هواجسها الأمنية والثاني “قسد” بحماية الإدارة الذاتية ومنجزاتها، والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة لحين إقرار الحل النهائي للأزمة السورية ضمن توافقٍ دولي مرجعه الأساسي القرار الأممي 2254.
وبالمحصلة فإن الاتفاقية تخدم بالدرجة الأولى مصالح أمريكا (وحلفائها) الحيوية ومشاريعها الأمنية والاقتصادية على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
يأتي رفض النظام السوري من واجبه الوطني دفاعاً عن السيادة باعتباره الحاكم لسوريا، ومن تجاهله وعدم إشراكه في صياغة الاتفاقية كطرفٍ معني، وكذلك لتوجسه من إهمال دوره وغموض مصيره بعد تطبيق الاتفاقية، التي تؤسس لواقعٍ جديد وخارطة جديدة، قد تكون معارضة لأجنداته ومخالفة لتصوراته المستقبلية.
مصير المنطقة وخرائطها السياسية تقررها الدولة العالمية العميقة وتنفذها الدول العظمى، وما على الأطراف والأطر الكردية كافة (ومنها المجلس الوطني الكردي) إلا بتوحيد صفوفها وخطابها وترتيب أمورها لتصبح قوةً معتبرة مستقلة بذاتها تثبت حضورها على الساحة وتحسن أداءها وتفرض مطالبها، كي تحافظ على القضية الكردية أرضاً وشعباً ضمن الظروف الموضوعية المتوافرة، وعدم الانخراط في مشاريع الدول وبخاصة تلك المقتسمة لكردستان، التي تحارب وجود الكرد وتطلعاتهم القومية والوطنية بكل ما تملك.
وتجربة عفرين الأليمة والمريرة مازالت حيةً في الأذهان وماثلةً للعيان وعلى الجميع أخذ العبرة والدرس منها.
18/08/2019