الأمازيغي: يوسف بويحيى
أولا يجب ان تؤخد بعض الأمور بعين الإعتبار جيدا، وهي ان “ترامب” لم يصرح بقرار الإنسحاب في مؤتمر رسمي من البيت الأبيض كما فعل “اوباما” بخصوص الإنسحاب من العراق، بل مجرد تغريدة على حسابه “ثويتر” علما أن الثويتر والفيسبوك وغبرها لا يؤخد بها سياسيا في مثل هذه القرارات المصيرية.
أمريكا دولة مؤسسات، ولكل مؤسسة ناطقها الرسمي، وإعلام خاص بها، أما وسائل التواصل الإجتماعي غالبا ما تستعمل فقط للحرب النفسية والمسايرة لا أقل و لا أكثر.
إن وضع “ترامب” السياسي في الداخل الأمريكي متأزم لكونه يعيش صراعات و تحديات من طرف معارضة الديموقراطيين ومنافسة شرسة من بعض الجمهوريين من نفس الحزب على منصب الرئاسة، فبالرغم من أن “ترامب” حقق أرباحا مالية لأمريكا في ولايته هاته إلا أن الوضع الإجتماعي الأمريكي يعيش سخطا مهولا على سياسته التي تعتمد الميز والعزل والعنصرية حتى بين الأمريكيين.
مازال “ترامب” إلى حد اللحظة يلام بشدة من طرف الديموقراطيين بسبب تخليه عن الكورد في “كركوك” ، حيث كانت تصريحات أعضاء مجلس الشيوخ و البنتاغون قاسية وشديدة اللهجة ضد سياسته البراغماتية المفرطة دون مراعاة العواقب والرؤى الإستراتيجية التي يلزمها الوقت لإعادتها كما كانت في الأول.
لقد لمح “ترامب” في أكثر من مناسبة إلى الإنسحاب من سوريا، ولكن الحقيقة كان كل هدفه إرغام دول الخليج بالدفع له مقابل الإستمرار، وكلما إستلم المال يغير خطابه إلى أنه باق إلى اجل غير مسمى، وما يحدث الٱن على الساحة السورية بمثابة نفس المسلسل يعيد نفسه.
إن الإنسحاب الأمريكي من سوريا ليس في مصلحة أمريكا أولا قبل حلفائها، إذ أن الأمريكيين يعلمون جيدا مدى المشقة التي عانوها في محاولات التمركز في سوريا نتيجة المنافسة الشرسة الروسية المتحكمة في النظام والقوات الكوردية، وإلى هذه اللحظة مازال البعض من المحللين السياسيين يستغرب من كيفية نجاح أمريكا بإقناع قوات سوريا الديموقراطية التابعة للنظام السوري وروسيا للعمل لأجل مصالحها (أمريكا).
إن تصريح “ترامب” بالإنسحاب إذا طبق لهو تهور بلا أدنى شك، وسيضع أمريكا في موقف حرج مستقبلا خصوصا انها مهندسة خريطة الشرق الاوسط الجديد، كما سيحرق مستقبل “ترامب” و أوراقه السياسية بالكامل مع العلم أنه يطمح للظفر بولاية ثانية، أي ما يثبت أن الإنسحاب الأمريكي غير متوقع و ما تصريحات “ترامب” إلا للتخويف و إثارة القلق لدى الحلفاء قصد دفع الأموال.
كنقطة أخرى يجب ان تؤخد بعين الإعتبار هي لو إفترضنا أن الإنسحاب الأمريكي أصبح واقعا فإن أمريكا لن تنسحب إلا عندما تجد البديل المناسب ليحل محلها، ومسألة إجتياح الأتراك لمناطق شرق الفرات الكوردية مرفوضة نهائيا لدى امريكا وروسيا، والحقيقة أن الإنسحاب لن يكون كليا بل جزئي و إملأ الفراغ بالتنسيق مع القوات الكوردية (ي ب ك و البيشمركة).
إن “ترامب” أحس ببرودة الشارع الأمريكي تجاهه في ظل إقتراب الإنتخابات الأمريكية، وما تهديداته الثويترية إلا لضرب عصفورين بحجر واحد، أولا ملء خزينة مال أمريكا، وثانيا كسب تأييد ودعم الأروبيين والخليجيين… في حملته الإنتخابية القادمة.
إن تصريحات أعضاء الكونغريس وغيرهم الرافضين لقرار “ترامب” هي مؤشرات لبداية حرب إنتخابية من الٱن فصاعدا، ستليها العديد من الإستقالات والإقالات والردود القوية ضد إدارة “ترامب” إلى أن تبدأ الحملة الإنتخابية الرئاسية بشكل رسمي.