(نص مذكرة الدفاع عن سيامند ابراهيم حين تم احالته موقوفا إلى المحكمة لحيازته كتب باللغة الكردية)
المحامي
مـحمود عـمـر
القامشلي شارع الوحدة
مذكرة دفاع تقدم لسيادة قاضي الفرد العسكري بالقامشلي المحترم
في الدعوى رقم أساس417لعام2011م
من المدعى عليه:عبدا لسلام عبدا لله حاجي إبراهيم, يمثله المحامي محمود عمر.
أولا ـ مقدمة:
يقول الله سبحانه وتعالى:(وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) ـ (لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) ـ (ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألونكم).
إن من نعم الله سبحانه وتعالى هو أنه جعل البشر شعوبا وقبائل وذلك للتعارف والتعاون,وجعل وسيلة التعارف التواصل والتفاعل بينهم اللغة, ولعل إن ابرز نموذج لهذا التواصل والتعارف بين الشعوب هي تلك العلاقة التي تربط الكرد مع العرب والتي تمتد لعهود غابرة ,والتي ترسخت ونمت وتطورت في عهد الحضارة الإسلامية التي كفلت لكل الشعوب المنضوية في ظلها الرقي والازدهار وفي كافة ميادين الحياة ,فكما ظهرـ وفي ظل هذه الحضارةـ بين الكرد القادة العظام كصلاح الدين الأيوبي وأبا مسلم الخراساني, والمؤرخين والفلاسفة والعلماء كأبناء الأثير, وابن خلكان, والفارابي,واحمد شوقي, فقد ظهر أيضا وفي مجال اللغة والأدب والشعر أناس عظام كالشاعر أحمدي خاني وملحمته (مم وزين )التي ترجمها الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ومنذ عقود إلى اللغة العربية, ودواوين أحمد الجزري التي تأتي معظم قصائدها بعدة لغات حيث بيت باللغة الكردية وآخر باللغة العربية,ومازالت مؤلفات هؤلاء وغيرهم ودواوينهم وقواميسهم تعرض وتباع في جميع مكتبات البلاد وغيرها من الدول العربية.
وفي العصر الحديث ربما يجدر بنا أن نشيرـ وعلى سبيل المثال ـ إلى أن المرحوم الأمير جلادت بدرخان ظل يصدر ويطبع وينشر مجلته(هاوار)أي (الصرخة) ولعدة سنين في دمشق, وفيها أصدر قاموس اللغة الكردية,وان مؤسس ورئيس مجمع اللغة العربية في دمشق كان العلامة محمد كرد علي, وان دمشق ظلت تحتضن والى هذا اليوم المبدعين الكرد وغيرهم لنشر إبداعاتهم,وان أول إذاعة كردية خارج مناطق التواجد الكردي قد تأسست وبثت برامجها في القاهرة في عهد المرحوم جمال عبد الناصر إبان الوحدة,وبدءا من هذه المدينة الصغيرة(القامشلي) ووصولا إلى العاصمة دمشق فإن مكتباتها تعرض على واجهاتها الكثير من المؤلفات والدواوين والقواميس الكردية, ولم يثر ذلك حفيظة أحد أو امتعاضه, وذلك كله يأتي في إطار العلاقة الطبيعية والتمازج والود الذي جمع الكرد بالعرب عبر تاريخهم ومصيرهم المشترك,حيث كان للغة الدور الأكبر في الحفاظ عليها وتنميتها وهو غايتي من إيراد هذه المقدمة,ولعل ان حديث السيد رئيس الجمهورية الدكتور بشار الأسد هو ابرز عنوان لهذه العلاقة حين قال في مقابلته مع قناة الجزيرة:(الأكراد هم جزء أساسي من تاريخ سوريا ومن النسيج الاجتماعي السوري).
ثانيا ـ في الوقائع:
تتلخص وقائع هذه الدعوى في انه أسند للموكل تهمة ارتكاب الجرم المنصوص عليه في المادة 307من قانون العقوبات على خلفية دخوله القطر من تركيا وبحيازته كتب مترجمة إلى اللغة الكردية, ونشره لمواد على الإنترنت أشير إلى عناوين بعضها في ضبط الأمن السياسي بعد استدعائه لعدة مرات والتحقيق معه ومن ثم إحالته ليمثل أمام محكمتكم الموقرة, بعد إن حركت النيابة العامة بحقه تهمة إثارة النعرات الطافية والمذهبية موضوع المادة المذكورة سابقا فهل:
حيازة كتب مترجمة إلى اللغة الكردية + نشر مواضيع فيها إشارة لبعض الثغرات برأي الموكل = إثارة النعرات الطائفية والمذهبية.
إن نص المادة 307 واضح وصريح لا يحتاج إلى الكثير من التفسير والتأويل فهو يعاقب من أقدم على الإتيان بأعمال وكتابات يرمي من ورائها إثارة النعرات المذهبية والطائفية وإثارة البلبلة والفوضى ودفع بعض أبناء الشعب ضد الآخر, فهل قام الموكل بأي من هذه الأعمال, وأين الناس الذين يحرضهم الموكل ضد بعضهم البعض إن حال الموكل لا يستقيم بأي حال من هذه الأحوال مع نص هذه المادة لذلك:
ثالثا ـ وفي الوصف الجرمي:
ـ الركن المادي:إن الركن المادي لهذه الجريمةـ وككل الجرائم الواقعة على أمن الدولة ـ يتمثل في القيام بأنشطة محددة ومعينة سواء كانت أعمال أو خطب يكون الهدف من ورائها الحض على النزاع بين الطوائف وإثارة النعرات وتحريض البعض ضد البعض فأين هذه الأعمال التي ارتكبها الموكل ومن هم الأشخاص الين تم إثارتهم وأين عامل الفوضى وعدم الاستقرار الذي سببته إعماله.
ـ الركن المعنوي: إن الركن المعنوي لهذه الجريمة وككل الجرائم الواقعة علة أمن الدولة ـ وعلى ما يذهب إليه الدكتور محمد الفاضل في مؤلفه الجرائم الواقعة على أمن الدولة لا يقتصر على القصد العام وإنما يتطلب قصدا خاص يتمثل في أن تكون الإرادة والدافع من وراء العمل هو إثارة النعرات .
إن الموكل وبحيازته لكتب كترجمة للغة الكردية لا يقوم بأي عمل مناف للقانون ولو كان في ذلك إثارة للنعرات لكان من باب أولى محاسبة جميع أصحاب المكتبات في البلاد على عرضها وبيعها للكتب الكردية مع العلم ان الموكل يحمل إجازة من الجهات المعنية تجيز له نشر سلسلة اللغة الكردية والتي هي من مؤلفاته منذ عدة سنين والموكل ومنذ عدة عقود يكتب بهذه اللغة ولم يتعرض له أحد(لطفا صورة ضوئية عن الكتاب)
وفضلا عن ذلك فإن الموكل أفاد أمام سيادتكم بأن حيازته لهذه الكتب ليس بغاية النشر وإنما لإضافتها لمكتبته الخاصة.
أما ما يتعلق بنشر الموكل لمواد فيها بعض النقد لأوضاع وثغرات معينة فإن ذلك لا يشكل جرما بل على العكس يشكل حقا كفله الدستور لكل مواطن في هذا البلد حين نصت المادة38 من الدستور( لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى ويسهم في الرقابة والنقد البناء بما يضمن سلامة البناء الوطني والقومي ويدعم النظام الاشتراكي وتكفل الدولة الصحافة والطباعة والنشر وفقاً للقانون).
والمادة26 منه تنص(لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وينظم القانون ذلك).
كما إن نشر هذه المقالات يأتي في إطار الدعوة التي وجهها السيد الرئيس بشار الأسد وفي أكثر من مناسبة على إن يتحمل كل مواطن مسؤولياته ويقوم بدوره في مواجهة الفساد والمفسدين والمساهمة في عملية التطوير والتحديث التي يقودها سيادته.من كل ما سبق ولأن النيابة العامة لم تحدد إعمالا معينة قام بها الموكل بل إن اتهامها جاء في إطار العموميات دون تحديد أو تبرير سليم فإن ذلك يعني انتفاء أي ركن من أركان الجرم فع عمل الموكل وذلك لا يستقيم مع الوصف الجرمي والتكييف القانوني الذي خرجت به النيابة بحقه.ونورد فيما يلي العديد من الاجتهادات التي تؤكد ما ذهبنا إليه:
(لا ينطبق جرم إثارة النعرات المذهبية,إلا اذا كان قصد إثارة عواطف التعصب والنزاع بين الطوائف,مما يعكر وحدة الأمة) الاجتهاد القضائي في ربع قرن ـ عزة ضاحي ـ الجزء الخامس ـالصفحة10)
(الركن المادي لجريمة انتقاد أعمال القيادة,يقوم على وقوع الانتقاد بصورة تحط من كرامة القيادة,فإذا وقع ضمن حدود الأدب,وبألفاظ مهذبة لا تجرح الكرامة,ولا تنال من السمعة,فليس في ذلك جرم لأن القانون لم يقصد حرمان الناس من حرية التعبير عن آرائهم أو الضغط على أفكارهم) المرجع السابق ـ الصفحة216.
(لا ينطبق هذا الجرم الا اذا كان قد قصد اثارة عواطف التعصب و النزاع بين الطوائف مما يعكر وحدة الامة). قرار 120 / 1972 – أساس 113 – محكمة النقض – الدوائر الجزائية – سورية
قاعدة 162 – م. المحامون 1972 العددان 1ـ 2
رابعا ـ في الأدلة:
يخلو ملف الدعوى من أي دليل يدين الموكل اللهم إلا الضبط الأمني الذي حرر بحقه وبموجبه تم إحالة الموكل إلى المحكمة ولا يخفى على سيادتكم الظروف التي يتم فيها تحرير هذه الضبوط وما يتعرض فيه الشخص إلى ضغوط جسدية ونفسية لذلك أهدرها القانون والاجتهاد لمخالفتها لأبسط مقومات العدالة, ونورد لسيادتكم العديد من الاجتهادات التي تؤكد ذلك
( الاعتراف أمام عناصر الأمن غير كاف وحده لبناء الأحكام ما لم يؤيد بأدلة أخرى)قرار 1700المحامون العددان1و2لعام2005
(الاعترافات الأولية لا تكفي وحدها لتكون دليلا يمكن بنا الأحكام عليها)قرار11لعام2006المحامون العددان3,4ص373
(إن القواعد العملية لتنظيم الضبوط توجب إن تكون المعلومات الواردة فيها صحيحة ليس فقط من الناحية الشكلية وإنما الأهم أن تكون ظروف التحقيق سليمة , فإذا كانت تحت الضغط أو الإكراه فلا مجال للأخذ بها سواء أكانت مستوفية شروطه الشكلية أم لا ولا سبيل إلى اعتباره من قبيل المعلومات العادية وإنما يجب إسقاطه كليا واستبعاده من مجموع الأدلة) المحامون العدد7الصفحة783لعام1984.
لذلك ولأن الاجتهاد القضائي(القاعدة358الوارد في المحامون العددان9,10لعام1979ص529) يقول:
أن القضاء مؤسسة عدل وإنصاف تقوم على الحق وتحكم بالقسط وهي تعتمد على إظهار الحقيقة واضحة وجلية بأدلة قوية,وتطرح كل دليل يشوبه أو يتطرق إليه الشك ,ولا يسوغ لها في شرعها أن تستند إلى دليل أخذ بالضغط والإكراه ,أو الخديعة والاحتيال وتتأذى من إيقاع العقوبة ببريء وان الإدانة تقام على الجزم واليقين لا على الشك والتخمين)
ولكل ما ذهبنا إليه ولما تراه محكمتكم من أسباب أخرى ولأن الأصل في جرائم الرأي والجرائم السياسية هو إن المتهم صاحب عقيدة خيرة وذو فكرة إصلاحية نبيلة,وانه مندفع بروح الإقدام والتضحية إلى ما يرى فيه الخير العام والحياة المثلى لبلاده ومواطنيه وانه لذلك ينبغي أن يحظى بالاحترام والتقدير مهما كنا على وفاق أو اختلاف معه أو مع أفكاره لذلك فإننا نلتمس:
ـ إعلان براءة الموكل من الجرم المنسوب إليه وفي حال جنوح قناعة المحكمة إلى خلاف ذلك فإننا نلتمس منح الموكل كافة الأسباب المخففة القانونية والتقديرية, وتبديل السجن بالغرامة ما أمكن ذلك, أو الاكتفاء ومن حيث النتيجة بمدة موقوفيته.
وفي ذلك كل العدل والإنصاف .
تقبلوا فائق الاحترام
القامشلي16/1/2011م
المحامي محمود عمر
عضو مجلس أمناء
منظمة حقوق الإنسان في سوريا-ماف