سعيد عمر
حين كانت المُخيّلة الكوردية تسترجع مرارة خيانة 16 أكتوبر في كركوك، لاحت في الأفق رائحة خيانة جديدة، قوامها ضربُ أيّ بارقة أمل لاستعادة الدور الريادي والقومي الكُردي في بغداد.
قاد الرئيس مسعود البارزاني عملية الاستفتاء نحو بر الأمان بدعم كبير من عموم شعبنا في جنوب كوردستان مثل كل الشعوب التوّاقة نحو الحرية والعيش بخصوصية قومية، ولكن وحدهم جلاوذة العصر الحديث، وخونة الدم الكوردي، وبائعي كوردستان لم ترق لهم لا الحرية، ولا الاستقلال.
بحدسه وفطنته الفائقة، أدرك الرئيس البارزاني، استحالة العيش مع بغداد، بعد عقود من الوعود والعيش المشترك وما تخلله من خرق للدستور وأنفلة جديدة للكورد قوامها التجويع حتى الموت عبر قطع الميزانية ومحاربة البيشمركة والضغط على الشركات الأجنبية للانسحاب من كوردستان، وخلق حصار مخفي لمنع أيّ نشاط مخالف للتوجهات الإقليمية والرامية للحفاظ على الخصوصية القومية للهوية الكوردية في العراق.
وضع الرئيس البارزاني نصب عينيه، أن لا بديل عن الاستقلال، وأن طال أمده. حمل بنفسه لواء الاستفتاء, ورفع أبناؤه وأحفاده راية القيادة في المعارك الضارية ضد أخطر تنظيم عرفه القرن الحديث، ولم يكن توجه تنظيم داعش الارهابي نحو كوردستان إلا للضغط على الرئيس لإلغاء فكرة الاستفتاء لأن إيران والمالكي كانا يعرفان ومنذ سنوات أن الرئيس ماضٍ على اتخاذ هذا القرار المصيري، وينتظر الفرصة المتحيّنة.
بمقدورنا القول: إن القديم الجديد في قضية الاستفتاء والنضال التحرري الكوردي. هو أن الماضي والتجارب الكوردية تعاد، وتُستعاد. وها هم خونة العصر الحديث أو كما وصف المشهدَ الرئيسُ بارزاني في برنامج تلفزيوني بـ ” لقد حصلت خيانة وطنية” يتبجّحون ببيع كركوك ومحاولة تقسيم كوردستان وإنهاء البارتي الذي يصرُّ على تحقيق أماني الأمة الكوردستانية في الاستقلال، وانتظار بزوغ شمس الحرية.
ففي الوقت الذي كان البارتي وقسم من الإتحاد الوطني الكوردستاني معاً في جبهة واحدة، كان “الشيخ التقي!!” يوصل الليل بالنهار كي يشوّه الاستفتاء واصفاً إياه بالاستفتاء الأعرج. والأوقح من ذلك كانت حملة صاحب مؤسسات ” الإعلام” التضليلي الذي دعا إلى التصويت بـ” لا” في يوم الاستفتاء والوقوف ضده، بل جيّش بعض الصبية في الملعب البلدي الكبير بالسليمانية، ولم يتجاوز أنصار الـ” لا” مئة صبي على الأكثر!! ولن ننسى بيانات وتصريحات حركة “التغيير” التي وصفت الاستفتاء بالمؤامرة الأردوغانية.
المخطط بطبيعة الحال كان بالغ الخطورة، شديد الذكاء، دقيق التنفيذ. ففي البداية حاولوا عرقلة الإعلان عن الاستفتاء، ثم حاولوا منعه، وبعد رؤيتهم للطوفان الجماهيري، لجؤوا إلى أبشع ما عرفته البشرية، بيع المواطن والمحارب والمدني والعسكري و….إلخ
اتفق قسم من الاتحاد الوطني والعمال الكوردستاني وبعض الأحزاب الأخرى وبتقاطع مع رغبة الدول الغاصبة لكوردستان في كل من سوريا والعراق وإيران على توجيه ضربة واحدة مُنهية لكوردستان والفدرالية والاستفتاء والرئيس البارزاني والشعب الكوردي والبيشمركة والبارتي. فكانت ساعة الصفر في16 أكتوبر، حين كانت قوات البيشمركة والمتطوّعين والشعب الكوردي والرئيس البارزاني يتطلّعون إلى وضع حدًّ للتجاوزات العراقية على الهوية القومية لكركوك، كان جناح من الينكي وبعض قيادات الــpkk يُخططون لإفشال أيّ بطولة من البيشمركة، ومنع أيَّ صدًّ ضد بربرية الجيش العراقي والحشد الشعبي. وحصلت الخيانة الكبرى بإفساح المجال للحشد الشعبي بالدخول إلى كركوك والانسحاب المتعمّد والمفاجئ للقوات العسكرية المؤتمرة بقيادة الخونة، ثم محاولة الالتفاف على البيشمركة لقتلهم أو أسرهم أو على الأقل مصادرة سلاحهم والمقايضة بهم، ثم التوجُّه نحو هولير وإنهاء قلعة الكوردايتي، بغضِّ النظر عن حجم الدماء والضحايا المدنيين، لقد كان همُّهم الوحيد إشباع جشعهم وهوسهم بسفك الدماء الكوردية!!
دخل الحشد إلى كركوك، وخانقين, وطمع في الوصول إلى مركز الكوردايتي في كوردستان، هولير، قبلة القوميين الكورد. لكن ما قدّمه الشعب الكوردستاني، والبيشمركة وصمود الرئيس البارزاني وبيشمركة روج افا في معارك “سحيلا” و”بردي” وغيرها، أطبقت على المؤامرة في مهدها، ومع التضخيم الإعلامي والتشويه المتعمّد من قبلهم لقلب الحقائق وبثّ الفتن والأكاذيب حول دخول الحشد إلى هولير ودهوك وغيرها، فإن ثبات البارتي وواقعيته في التعامل مع الحدث أثبت كبرياء السروك البارزاني وتفانيه في سبيل حماية كوردستان. وما فعله كل من نيجرفان ومسرور البارزاني أوضح أن الجيل الجديد حمل الأمانة باقتدار وحنكة. فقد اتّبع الجيل الجديد من قادة كوردستان سياسة امتصاص الصدمة والصدّ والرد بدبلوماسية والانتقال من مرحلة الدفاع عن كوردستان الى الهجوم على العدو، أثبت كم أن كوردستان محمية بعقول كوردية صافية ونقية.
دخل الإقليم أسوأ مرحلة له منذ 2003، ومع كل الضغط والحصار المفروض من الدول الإقليمية، ودعوات أعداء كوردستان – من الأحزاب التي تستكثر عليها تسمية كوردية أو كوردستانية- قوات الحشد الشعبي للسيطرة على إبراهيم الخليل ومعبر فيش خابور ومنابع النفط والخط الحدودي بين كوردستان سوريا وإقليم كوردستان، ومحاولة إلغاء الوجود القومي الكوردي في بغداد. مع كل ذلك، نجح البارتي في لملمة جراحه، والاحتفاظ بالثبات والهدوء، والعمل كسابق عهده في دفع القرابين في سبيل الحق القومي. نجح البارتي في إعادة التوازن إلى الإقليم، وعودة العلاقات مع دول الجوار وفتح قنوات الاتصال والدبلوماسية والتجارة و….إلخ وحقق المرتبة الأولى على صعيد الترتيب الحزبي في الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت مؤخراً. ومع سرقة /6/ مقاعد من البارتي نتيجة التلاعب بالفرز الإلكتروني، إلا أن حكمة الرئيس البارزاني وحنكة الجيل الجديد، لم تسمح بسقوط البارتي الذي يعني سقوط كوردستان.
في هذه الفترة، يستعد حزب الاستحقاقات القومية، البارتي، للدخول إلى حلبة الانتخابات البرلمانية الكوردستانية، وتستعدُّ باقي الأطراف للاستمرار في نهج الخيانة والعمالة، وهمّ يُدركون جيداً أن تواجد البارتي في بغداد يعني بقاء الحق والوجود القومي الكوردستاني في بغداد، وما محاولات فرض “أحدهم” المتصف بالبهلوانية والنط على حبل جديد كل يوم لمنصب رئاسة العراق، سوى لسد أيّ احتمال ممكن للدفاع عن الاستفتاء في مجلس رئاسات العراق.
ورغم كل العراقيل ظل البارتي قوياً، صلباً، متمرساً على صدّ الهجمات التي تسعى للنيل من كوردستان.
في الذكرى الأولى للاستفتاء. تحية تقدير وإجلال إلى أرواح شهداء الكورد وكوردستان، وسيبقى الشعب الكوردستاني في كل مكان، ممتناً للسروك البارزاني لإصراره ثباته على أعظم وأهم مشروع عرفه الكورد في القرن الحالي.