الأمازيغي: يوسف بويحيى
بخلاصة سريعة لا أحد سينكر أن داعش صناعة إقليمية عربية تركية فارسية بمباركة غربية أمريكية و بريطانية و إسرائيلية و فرنسية…،وأن داعش عمليا مقسمة إلى قسمين ،الأولى تابعة لتركيا التي إنحلت لتنضم معظم قواتها إلى الجيش الحر التابع للمعارضة السورية الإرهابية ،والثانية تابعة لإيران التي إنضمت إلى صفوف الحشد الشعبي بعد أن تلقت هزيمة كبيرة في كوردستان باشور.
لو لاحظنا جيدا في سوريا لإستنتجنا أن داعش التي هاجمت السوريين كان وكرها في تركيا و عبرها دخلت إلى الأراضي السورية ،وهاجمت المناطق الكوردية و بعض مناطق نفوذ النظام السوري ،وحوربت على يد النظام و المليشيات الإيرانية و العمال الكوردستاني و الإتحاد الديموقراطي (دون المناطق الكوردية) ،بينما داعش في العراق كانت تحت أمر إيران و حكومة العراق والتي إستهدفت المناطق الكوردية ذات نفوذ حزب “البارتي” و المناطق العراقية ذات الأغلبية السنية.
رغم كل هذا الخلاف و تباين الرؤى بين تركيا و إيران إلا أن داعش توحدت عندما كان المستهدف الشعب الكوردي و كوردستان ،كما أن تمويل داعش كان على يد إيران و تركيا و السعودية و قطر و العراق و سوريا و بعض الدول التي لم تخرج إلى الإعلام ،كل حسب مصالحه و وفق مرجعيته.
كان الهدف من الدفع بداعش بضوء أخضر غربي هو حماية النظام السوري من السقوط أولا ،ذلك بتحريف الثورة من مشروع إسقاط النظام إلى القضاء على الإرهاب ،وثانيا القضاء على الشعب الكوردي و كوردستان بجزأيه الملحق بسوريا و العراق ،ثالثا إنعاش تجارة السلاح الغربي بصفقات خيالية دفعتها دول الخليج و الشرق الأوسط ،رابعا إعطاء ذرائع مقبولة للتدخل الأجنبي لفرض العسكرة و إحتلال المنطقة ،خامسا إستنزاف الطاقة البشرية و الإقتصادية للأنظمة و شعوب المنطقة قصد إضعافها و تقليصها ،سادسا خلخلة النسيج المجتمعي من أجل تسهيل عمليات تقسيم المنطقة إلى أقاليم و دويلات كما ينص مخطط “برنارد لويس” ،سابعا قمع و إفشال رغبة شعوب المنطقة في التحرر و الإنعتاق ،ثامنا تقليص النفوذ العربي السني الشعبي الذي يعتبر الخطر و العدو الأول للغرب على مر التاريخ ،تاسعا تدمير المنطقة و خلق الأزمات فيها و فرض الحصار عليها و القضاء على حضارة الشرق الأوسط ،عاشرا التمهيد لبناء الإمبراطورية الإسرائيلية في المنطقة بالإعتماد على محور الشيعة و المرجعية الإيرانية الخمينية….،والكثير من الأهداف التي لا يسع ذكرها.
قلت الدفع بداعش و لم أقل تأسيسها لكونها موجودة أصلا ،وهي إمتداد لتنظيم القاعدة و جبهة النصرة…،مع العلم ان هذه الطبخات الإرهابية تمر أولا من المختبر الإسرائيلي ثم إلى التنفيد على يد الانظمة الإقليمية ،والذي ينفي إسرائيل في اللعبة فهو واهم و مخترق عقليا.
إن الذين تتبعوا بالتدقيق خطوات داعش على الأرض السورية سيلاحظ مدى الصراع و التناقض الجوهري الذي ظهر في المعارك من طرف ميلشيات إيران و النظام السوري و القوات الكوردية (pydوpkk) وبين داعش على الأراضي السورية الغير الكوردية ،بينما لوحظ إختفاء أغلب قوات المعارضة السورية المدعومة تركيا إبان الحرب على داعش من جهة اخرى ،ما يطرح تساؤل وجيه هو أين كانت القوات المعارضة السورية أنذاك مع العلم أن إحتمال إنسحابها من سوريا ضعيف جدا؟! ،ما يعطينا إستنتاج منطقي أن أغلب المعارضة السورية الإسلامية كانت في صف داعش في سوريا ،ونفس الشيء ينطبق في العراق على أغلب المليشيات الإيرانية بما فيها الحشد الشعبي الحالي كانت ضمن داعش إبان الهجوم على كوردستان باشور…
لقد كان مخطط الدفع بداعش خبيثا جدا و عمل إجرامي يستهدف الحجر و البشر بمباركة دولية و ضوء أخضر غربي ،لكن إنشقاق داعش على الأرض إلى محورين متناحرين أدى إلى الكشف عن المستور عنه ،ما أرغم أمريكا و بريطانيا في التعجيل بحل بعض ميلشيات داعش و إقحامها ضمن المكونات المعروفة كالحشد الشعبي و الجيش الحر كل حسب ولائه ،بينما تم نقل باقي ميلشيات داعش الأخرى إلى معسكرات سرية في سوريا و العراق و لبنان و إيران و تركيا…،والبعض تم إقحامه كمواطنين مدنيين أو ما يسمى بالخلايا النائمة بين المجتمع العراقي و السوري…
لقد كانت تركيبة داعش جد معقدة و ذكية جدا ،بينما تجلت كلمة سر فهم هذا التنظيم في معرفة و الإطلاع على مشاريع الدول النشيطة في المنطقة ككل ،وإلى حد الآن مازالت تنكشف أسرارها التي تحمل في طياتها تناقضات لا يتقبلها العقل بالسرد بل تحسمها الأرض و الواقع الملموس.
كما لاحظنا أن كل من تركيا و ايران و سوريا و العراق صرحوا بإعتقالهم لمقاتلي داعش علنا ،ولكن بماذا يمكننا تفسير أن الحشد الشعبي العراقي (الإيراني) و الجيش الحر السوري (التركي) أغلب أمرائهم و قواعدهم البشرية كانوا ضمن داعش ،علما أن في كل يوم سواء علنا أو سرا يتم إطلاق سراحهم أو مبادلتهم بدواعش آخرين فيما بين الأنظمة نفسها ،وهذا ليس بالغريب على من تتبع حيثيات تنظيم داعش و مصيرها.
إن الهدف من إطلاق سراح الدواعش من طرف هؤلاء الأنظمة و أذيالها ماهو إلا خطوة جديدة بمباركة دولية قصد ترتيب صفوف القوات الإرهابية من جديد ،إما بنفس الإسم “داعش” أو بإسم آخر سيظهر في المستقبل القريب .وللعلم فإن هذا بالضبط ما يتداوله الإعلام الدولي و الإقليمي بين الفينة و الأخرى على أن داعش و مشتقاتها الإرهابية بدأت في رص صفوفها من جديد للهجوم على المناطقة ككل.
والحقيقة أن البيشمركة بقيادة “مسعود بارزاني” وحدها القوة الوحيدة التي حاربت داعش بوجه مكشوف ،وقوات أمن كوردستان وحدها من لم تطلق سراح أي عنصر من داعش ،بينما الأنظمة الإقليمية و القيادات الكوردية المشبوهة تاجرت و تورطت مع داعش بمحوريها (التركي،الإيراني) في الكثير من الكوارث الإنسانية خصوصا في “شنكال” و “كوباني”…