سوريا: وجود الشعب الكوردي في خطر

جان كورد
على الرغم من أن النظام الحاكم في سوريا أضعف من أن يقدر على ضبط أمور البلاد، فإن نواياه في العودة إلى المنطقة الكوردية في شمال البلاد لا تزال واضحة، وفي الوقت الذي لا يتمكن من السيطرة على الغوطة الشرقية بالقرب من دمشق رغم القصف اليومي وسياسة تجويع الشعب وحتى باستخدام الغازات السامة، وغاز الكلور بشكلٍ واسع، فإنه يطلق بين الحين والحين تصريحاتٍ عدائية للكورد ويعلن على ألسنة وزرائه ورجال الدولة وبعض الدبلوماسيين حملاتٍ كلاميةٍ هوجاءـ  بل إنه يستخدم العنف أحياناً، وفي الأيام الأخيرة تناقلت وكالات الأنباء معلوماتٍ عن هجماتٍ قامت بها قوات النظام على مناطق سيطرة لقوات (قسد)، إلاّ أن الرد الأمريكي هناك كلّف النظام أكثر من مائة قتيل. وهذا دليلٌ على أن النظام الذي فشل منذ عقودٍ من الزمن في تحرير لواء إسكندرون من السيطرة التركية، ومن بعده الفشل في تحرير الجولان الخاضع لسيطرة إسرائيل، لا ولن يتخلى عن طموحه في العودة إلى حكم المنطقة الكوردية الغنية بمختلف أنواع الثروات الباطنية والزراعية وبالمياه. 
ولكن ليس النظام وحده مهتم بالسطو على المنطقة والاستمرار في سياسة تعريبها جملةً وتفصيلاً، فهناك أيضاً تركيا التي تعمل حكومتها بشتى الوسائل على إفراغ منطقة جبل الكورد (عفرين – كورداغ) من سكانها الكورد، وتوطين العرب والتركمان فيها، تحت يافطة “إعادة المنطقة إلى أهلها الحقيقيين!” على الرغم من أن نسبة السكان الكورد فيها أكثر من 95 % وليس فيها أي قرى عربية أو تركمانية، سوى التي لجأ إليها الهاربون من سطوة النظام البعثي أو الذين أسكنهم حزب البعث سابقاً بهدف تغيير المعالم الديموغرافية للمنطقة أو بضمه مناطق كوردية إلى مناطق مجاورة غير كوردية. 
إضافةً إلى طموح النظام السوري والحكومة التركية التي تركض وراء أحلام “إعادة فرض السلطنة العثمانية” وتستخدم لمشروعها تنظيماتٍ وأفراداً منتمين إلى منظماتٍ إرهابية شهيرة، فإن هناك من الأقليات السورية من يعتبر مدينة (عفرين) المعروفة بكورديتها مدينة (سريانية)، على الرغم من أن وجود السريان فيها ربما لا يتجاوز بعض العائلات التي نزحت إلى المدينة بحثاً عن ملاذٍ آمنٍ لها بعد اندلاع ما نسميه مجازاً بالثورة السورية. وهناك دعواتٌ صارخة في أقنية التلفزيون تدعو إلى الدفاع عن عفرين بذريعة أنها مدينة سريانية، وهذا ليس بمزاح وإنما يمكن تتبعه فعلاً في أرشيفات بعض المواقع الالكترونية والقنوات المهتمة بالشأنين السوري والكوردي.
من جهةٍ أخرى، نسمع بين الحين والحين إعلاميين عرب ومن السوريين يرفضون اعتبار الكورد شعباً أصيلاً متميّزاً أو ذا جذورٍ في المنطقة، ولا يجدونه مكوناً من مكونات الشعب السوري، وإنما مجرّد نازحين و “قرباط – غجر” أو لاجئين هاربين من سطوة الدولة التركية. وهذه دعوة عنصرية خطيرة حقاً لأنها تذكرنا بأفكار وزير تموين سوري سابق هو محمد طلب هلال الذي نشر في عام 1962 دراسته “حول محافظة الجزيرة والحسكة” ضمّنها مشروعاً من 12 نقطة لإذابة وتعريب وتهجير وطرد الكورد والاستيلاء على ممتلكاتهم وعلى الأرض التي يعيشون عليها.  وكان حينئذٍ ضابط أمن سوري، وتم تنفيذ معظم نقاط مشروعه منذ سيطرة البعث على الحكم وفي عهد حافظ الأسد بشكل خاص، من سياسة تعريب شاملة وبناء مستوطنات عربية وتطبيق حزام عربي وتجريدٍ من الجنسية بالجملة وتطبيق سياسة قمعٍ لا مثيل لها على الكورد، ويبدو أن كثيرين من فطاحل “المعارضة الوطنية والديموقراطية السورية!” لا يختلفون في نظرتهم إلى الوجود القومي عن ذلك البعثي العنصري بل سيمارسون السياسة ذاتها في حال وصولهم إلى الحكم في دمشق. 
ومع الأسف، فإن السيد عبد الله أوجالان قد أرضى نظام الرئيس السوري حافظ الأسد بالموافقة على اعتبار الكورد في سوريا، وهم عدة ملايين، دافع آباؤهم وأجدادهم عن سوريا بدمائهم، “أتراكاً” نزحوا من تركيا ومن واجبه إعادتهم إلى وطنهم، وذلك ليظهر ولاءه التام للأسد بحكم تواجده في دمشق ووادي البقاع في ذلك الوقت، والعنصريون العرب يكرهون السيد أوجلان في كل شيء، إلا أنهم يحبونه ويقدرونه على قوله هذا المنشور في مقابلة السيد نبيل الملحم معه والمعروفة باسم “سبعة أيام مع آبو”، وهي على شكل كتاب كان أتباع السيد أوجلان يبيعونه في أوروبا وشرعوا في تجميعه من أيدي المشترين بعد أن لاحظوا غضب الشعب الكوردي العارم على معظم ما ورد في المقابلة مما يتعلق بالشأن الكوردي عامةً وبالوجود القومي له في شمال سوريا. 
الخطر يهدد وجود شعبنا اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى لأن الإعلام التابع لحزب الاتحاد الديموقراطي لا يزال مرتبطاً بإعلام حزب العمال الكوردستاني الرافض للدولة القومية الكوردية أو أي كيانٍ قومي كوردي، ويسعى لبناء كانتونات “لا قومية”، حتى أن كلمتي كورد وكوردستان تختفيان من البيانات والمؤتمرات والتصريحات الصادرة عن هذا الحزب، ولا حاجة للتوسّع في هذا المجال، حيث صارت الطبخة الجاهزة في شأن التلاعب بمصير شعبنا معروفة لدى الجميع، والإخوة في جنوب كوردستان يدركون هذا جيداً.
فما العمل؟
يجب قبل كل شيء عدم الانجرار وراء هذه الدعوات التي تسلخ الجلد الكوردي عن قضيتنا العادلة وشعبنا المسالم الذي له حسب الشرع الرباني والتشريعات الدولية حقه التام في صون لغته وثقافته وفي تقرير مصيره بنفسه والتعايش مع جيرانه في اتحادٍ اختياري قائم على العدل والمساواة.
كما يجب توحيد المنظمات الكوردية المؤثرة فكرياً وثقافياً في المجتمع الكوردي لإعادة اللون الكوردي والعمق الكوردي إلى كفاح هذا الشعب، رغم كل الحملات التضليلية التي تحرّك الشارع وفق احداثيات لا علاقة لها بجوهر القضية القومية لشعبنا، وهي في الأساس قضية وطنية ديموقراطية وقومية، فالمناطق التي يسكنها شعبنا منذ أيام المملكة الميتانية بأكثر من ألفٍ وخمسمائة عام قبل الميلاد هي كوردية، مهما فعل العنصريون والعازمون على تصفية وجودنا فيها.
وإن الركون إلى تلك السياسات الساعية لإظهار المنطقة الكوردية التي نسميها ب”غرب كوردستان” وكأنها منطقة ذات مكوناتٍ يغلب عليها الوضع “غير الكوردي” خيانةٌ لأمتنا وفضيتنا، كما نرى ونسمع يومياً من لوردات الحرب من مقاسات العميد طلال سلو وجنرالات الإعلام الذين يهدفون إلى إمحاء الوجود القومي لنا،  والساكتون عن هذه الجريمة الثقافية الكبرى بذريعة أن “الشباب يضحون بحياتهم لصد العدوان التركي” سيندمون لأن هؤلاء الشباب الذين نقبّل عيونهم وأياديهم لتضحياتهم وبطولاتهم إنما يتم تجييشهم وتجنيدهم لزرع أفكارٍ وفلسفةٍ لا تولي وجودنا القومي وطموحات شعبنا أهمية، وإنما تتشرّب مبادئ وفلسفة زعيمٍ يرفض الفضية القومية الكوردية بشكلٍ صارخ. 
إننا جميعاً ضد العدوان والظلم من أي طرفٍ كان، تركياً كان أو عربياً أو كوردياً أو فارسياً أو خارجياً، وندين كل غزوٍ ونهبٍ وسلبٍ وقصفٍ وإرهابٍ وعسفٍ وقمع، ولكن هل نقبل بأن يسلخ أحد منا أفئدتنا الكوردية بشعاراتٍ أممية لا واقعية؟ بل نحن ندعو للوحدة الحقيقية في مواجهة كل الأخطار والتحديات.
الجواب عند هؤلاء السائرين خلف سراب أطلق عليه البعض اسم “أمة الشعوب الديموقراطية في شمال سوريا!”، وكأن شعبنا كان أو لا يزال ضد تعايش الشعوب وضد الديموقراطية، ويفقد كل صفاته الحميدة إن لم يتبع الفئة التي لا تؤمن بحق قومنا في الوجود والحرية على أرض وطنه.
‏11‏ شباط‏، 2018       
facebook:kurdax.net 
 kurdaxi@live.com     

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…