لماذا الميلُ لشهوة الاعتقال؟

عمر كوجري
اختطت سلطة الأمر الواقع في كوردستان سوريا- ومنذ تسلُّمها زمام الأمور وقيادة “المجتمع” الكردي- عنوة، واغتصاباً، طريقة غير قابلة للتفاوض والمناقشة والتداول، وهي إيذاء كلّ مَن تُسوّل له نفسُه أن يرفع صوته أو رأسه، أو يكتب مقالة، أو حتّى بوستاً على صفحته الشخصية، يُشم منه أنه ضد “ثورة روجافا وشمال سوريا” ولهم من العسس والمخبرين حتى من بعض مثقفيهم الذين يفترض بهم ألا يكونوا شهود زور على حقبة سوداء نمرُّ بها، فتلجأ قوى الأمن” الكردية” إلى ضرب كلّ من لا يرضخ لسلطتها، إذ يبدأ بالضغط والحرمان من السّلل الغذائية والمساعدات، وكومينات الأحياء، وقد لا ينتهي بالاستدعاءات الأمنية، إلى الخطف، والنفي، وحتى القتل بالرصاص الحيّ، إن تطلب الأمر، 
وثمة نفوس كردية عزيزة زهقت أرواحها في وضح النهار، وكذا وضع المعارضين والنُّشطاء من سياسيين وإعلاميين، ورجال مجتمع في غياهب السجون، حيث تُمارَس على بعضهم شتّى صُنوف الإيلام النفسي، والتعذيب والضرب والحرمان من زيارة الأهل، ووضع بعض من ألمع عقول شعبنا مُكبّلين بين المجرمين، وأفراد من تنظيم داعش. كلُّ ذلك بقصد إلحاق أكبر قدر من المهانة والمذلة، ونعت هؤلاء بالخيانة والعمالة لـ “تركيا” و”البارزاني” وغير ذلك من صنوف الزجر.  
مناسبة هذا الكلام أن هذه السّلطة المتمثلة بالإدارة الذاتية التي يقودها –منفرداً- حزب الاتحاد الديمقراطي، لماذا لمّا تزل تسلكُ بعد، سبيل كم الأفواه في استعادة “غير مستحبة” لعقود الاستبداد البعثي الأسدي، وفي استذكار صار مرفوضاً حالياً لواقع دكتاتوريات جمهوريات الموز في الأدغال الإفريقية؟
 لماذا لا تفتح قنوات التّحاور، وبيدِها فعلُ ذلك باعتبارها سلطةً تملكُ الأجهزة الأمنية والسّلاح والمال، ومن يُشترى بـ”تراب المصاري” ممّن يطلقون على أنفسهم تيارات سياسية لا تملك أيَّ عُمقٍ جماهيريٍّ وشعبي على الأرض.
لماذا حوّلت هذه السلطة المستبدة حياة أهلنا في كوردستان سوريا إلى جحيم، من خلال محاولات فرض الإذعان بالواقع، وخفض الرؤوس تحت الجناح، مخافة سراديب التحقيقات وحفلات التعذيب؟ ولماذا أصبحت أحلام الناس مرتهنة لواقع وحيد، وهو: مَن اعتقل اليوم؟ ومَن مُنِعَت عنه زيارةُ أهله وأحبابه؟ ومن أُخليَ سبيلُه دون توجيه أي اتهام له، وغُيّب لأيام وشهور!!
هذه السُّلطة.. وحتى تفرج عن أربعة أو خمسة من مناضلي شعبنا، فإنها وفي اليوم التالي تضيفُ أضعافَهم في معتقلاتها، ولو كانت نيّات هذه الإدارة طيّبة في طيِّ ملف الاعتقال أو تهيئة الأجواء لتمتين الإرادة الكردية خصوصاً أننا نواجه جميعاً إجراماً قادماً من وراء الحدود التركية، ويريد عروستنا عفرين وغيرها.
لكنها لا تفعل، لهذا نحن أمام نيات طيّبة.. قابلة للسوء الأكبر. 
«كوردستان العدد 578»

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس في عالم يتأرجح بين الفوضى والنظام، يبرز المشهد السياسي للولايات المتحدة في ولاية دونالد ترامب الثانية (2025) كمحطة حاسمة لإعادة تعريف التوازنات العالمية. إن صعود ما يُمكن تسميته بـ “الدولة العميقة العصرية”، التي تجمع بين النخب الاقتصادية الجديدة والتكنولوجية والقوى السياسية القومية، يكشف عن تنافس ضمني مع “الدولة العميقة الكلاسيكية”، المتمثلة في المؤسسات الأمنية والعسكرية التقليدية. هذا…

تعرب شبكة الصحفيين الكُرد السوريين، عن قلقها البالغ إزاء اختفاء الزميلين أكرم صالح، مراسل قناة CH8، والمصور جودي حج علي، وذلك منذ الساعة السابعة من أمس الأربعاء، أثناء تغطيتهما الميدانية للاشتباكات الجارية في منطقة صحنايا بريف دمشق. وإزاء الغموض الذي يلف مصيرهما، فإننا نطالب وزارتيّ الإعلام والداخلية في الحكومة السورية، والجهات الأمنية والعسكرية المعنية، بالتحرّك الفوري للكشف عن مكان وجودهما،…

اكرم حسين في عالم السياسة، كما في الحياة اليومية عندما نقود آلية ونسير في الشوارع والطرقات ، ويصادفنا منعطف اونسعى إلى العودة لاي سبب ، هناك من يلتزم المسار بهدوء ، وهناك من “يكوّع” فجأة عند أول منعطف دون سابق إنذار. فالتكويع مصطلح شعبي مشتق من سلوك السائق الذي ينحرف بشكل مفاجئ دون إعطاء إشارة، لكنه في السياسة يكتسب…

إبراهيم اليوسف توطئة واستعادة: لا تظهر الحقائق كما هي، في الأزمنة والمراحل العصيبةٍ، بل تُدارُ-عادة- وعلى ضوء التجربة، بمنطق المؤامرة والتضليل، إذ أنه بعد زيارتنا لأوروبا عام 2004، أخذ التهديد ضدنا: الشهيد مشعل التمو وأنا طابعًا أكثر خبثًا، وأكثر استهدافًا وإجراماً إرهابياً. لم أكن ممن يعلن عن ذلك سريعاً، بل كنت أتحين التوقيت المناسب، حين يزول الخطر وتنجلي…