بعد عفرين وسنجار: «العُمال الكُردستاني» وخياراته الصعبة

رستم محمود
يبدو أن القرار الذي اتخذه حزب «العُمال الكُردستاني» نهاية الأسبوع الماضي، بالانسحاب من منطقة سنجار العراقية، ذات الأغلبية السُكانية الكُردية/ اليزيدية، والواقعة في أقصى شمال الحدود العراقية – السورية، وكأنه حصيلة الضغوط التي تعرض لها الحزب على أكثر من مستوى، والتي كشفت نقاط الضعف الرئيسية في منظومته وعلاقاته وتحالفاته السياسية، هو والأحزاب الكُردية الرديفة له، في كُل من سوريا والعراق وإيران.
قرار الانسحاب جاء بعد أقل من أسبوع من فقدان «وحدات حماية الشعب» الكُردية السورية، والقريبة جداً من «العُمال الكُردستاني»، السيطرة على كامل منطقة عفرين، بعد هزيمتها أمام الجيش التُركي والفصائل السورية المُعارضة المتعاونة معه.
وبعد أيام من مهاجمة الجيش التُركي مُعسكرات حزب «العُمال الكُردستاني» في أقصى شمال كُردستان العراق، وبناء قواعد عسكرية داخل الأراضي العراقية بعُمق خمسة عشر كيلومتراً، وتصريح القيادة العسكرية التُركية بأن القوات التُركية ستسعى لاحتلال المقر الأكثر استراتيجية لـ«العُمال الكُردستاني» في المُثلث الحدودي العراقي الإيراني التُركي، عند منطقة خواكورك، توصل حزب «العُمال الكُردستاني» طوال الشهرين المُنصرمين، إلى قناعة بأن ثلاثة من حُلفائه لم يسعوا، أو حتى لم يستطيعوا، الدفاع عنه وحمايته.
فالحكومة العراقية المركزية ومعها فصائل «الحشد الشعبي»، لم يتمكنا من الاستمرار بتأمين الغطاء القانوني والسياسي لسيطرة حزب «العُمال الكُردستاني» على منطقة سنجار، في مواجهة الضغوط التُركية والأميركية. كذلك لم تنجح مساعي النظام السوري بدعم الوحدات الكُردية في مواجهة الهجمة التُركية. ويبدو أن التوافق السياسي/ العسكري الذي كانت تُركيا قد توصلت إليه مع الجانب الروسي، قد خلق ضغوطاً استثنائية على النظام السوري كي لا يفعل ذلك. على أن الصدمة الأكبر التي تلقاها الحزب، كانت من عدم سعي واشنطن لحماية الوحدات الكُردية من الهجوم التُركي.
ثمة عامل رئيسي بالغ الدقة والحساسية، أوصل حزب «العمال الكُردستاني» إلى الحالة الراهنة. فتمدده والقوى الكُردية الرديفة له، في مُختلف المناطق السورية والعراقية طوال السنوات الخمس الأخيرة، لم يكن نتيجة قوة وديناميكية ذاتية كان يكتنزها، بل نتيجة موضوعية لتصاعد التناقضات بين مُختلف القوى المُتصارعة في المنطقة، وعلى كل المستويات تقريباً، ومُنذ الشهور الأولى لاندلاع الربيع العربي.
على أن كُل تلك التناقضات عادت لتتفكك مُنذ قُرابة عامين، وذلك تحت ضغط اكتشاف جميع الأطراف عدم قُدرتها على تحطيم الطرف النظير، فعادت للتوافق في ما بينها، وكانت جميع تلك التوافقات على حِساب القوى الأصغر حجماً، ومنها حزب العُمال الكُردستاني والقوى السياسية والعسكرية الرديفة له.
فمجموعة التفاهمات العسكرية الأميركية – الروسية، أخرجت منطقة عفرين التي كانت ضمن مناطق نفوذ الحزب الرديف لـ«العمال الكُردستاني»، من نطاق الحماية الأميركية، وهو أمر سمح لروسيا بأن تعقد صفقة مع تُركيا، تغض أنقرة بموجبها، النظر عن هجوم النِظام السوري على الغوطة، مُقابل سماح روسيا لتُركيا بالهجوم على عفرين، وصمت النِظام السوري عن ذلك.
وكانت هذه الصفقة التي كان «العُمال الكُردستاني» يعتبرها مُستحيلة، أولى الدلالات على قابلية القوى الدولية والإقليمية للتخلي عن حُلفائهم المحليين في سبيل صفقات أكثر مردوية، وأن تتملص ببساطة من التعهدات بالحماية التي قطعتها لأطرافٍ مثل فروع «العُمال الكُردستاني».
شيء شبيه من ذلك، حدث في العراق. فالموقف التُركي الحازم من استفتاء استقلال كُردستان، قارب أنقرة وبغداد التي باتت مُجبرة على رد الجميل، وتفهّم ما تعتبره تُركيا، مساً بأمنها القومي، وبالذات في ما يتعلق بهيمنة فصائل قريبة من «العُمال الكُردستاني» على منطقة تحت السيادة العراقية، هي منطقة سنجار.
وكانت الضغوط والتهديدات العسكرية التُركية، وردود الفعل الخجولة التي أبدتها الحكومة المركزية العراقية، شبيهة بتلك التي أبداها النِظام السوري مع بداية الهجوم التُركي على منطقة عفرين، فكان ذلك إشارة لـ«العُمال الكُردستاني» بأن ما جرى في عفرين يُمكن أن يجري في سنجار.
راهناً، ثمة أفقٌ غامض يكتنف مُستقبل نفوذ «العُمال الكُردستاني» والقوى السياسية والعسكرية الرديفة له، في سوريا والعراق على أقل تقدير. فلا الدخول في مواجهات عسكرية مع الدول والقوى الإقليمية مُمكن، وتجربة عفرين ماثلة أمام العين، ولا الدخول في مساومات من موقع الضعف، قد يُجلب لهذا الحزب ونفوذه، أي فائدة، وتجربة سنجار أكثر وضوحاً.
جريدة المستقبل

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…