اكرم حسين
أياً تكن الاسباب التي دفعت الناس للتحرك والاحتجاج ، فان «ثورة » الخميني التي اطلقها عام 1979 لم تستطع ان تكون انموذجاً جاذبا للشعوب والدول المحيطة بإيران رغم المحاولات الحثيثة لقادتها بتصديرها ، وتعميم نموذجها ، لأسباب عديدة : منها افتقادها الى معايير الثورات التي تتيح لها ان تصل الى مرحلة النجاح والتأثير وهذه المعايير كما يقول عنها مايكل ريتشارد هي تحقيق حرية الفرد ، وبناء نظام سياسي مرن ومفتوح ، وتحسين ظروف حياة الناس ومعيشتهم ، وهو ما ادى الى ان يكون افق ما قام به الخميني مفتوحا على امكانية الفشل حتى ولو بعد حين ، لان السلطة المادية والمعنوية اعتمدت على نظام ولاية الفقيه وسطوته وتبنت المفاهيم المذهبية والطائفية في تصدير نموذجها الثيوقراطي بحجة حماية «الشيعة » والتدخل في شؤون دول المنطقة حيث دعمت ميليشياتها بالمال والسلاح ، مما اصابت الدولة الايرانية بالانحطاط السياسي والتصلب المؤسساتي ، وعدم مواكبة المجتمع والقدرة على استيعاب فئات وشرائج اجتماعية جديدة ضمن النظام السياسي القائم.
لقد راكمت ايران العداوات من خلال سياساتها التوسعية ، وتحولت الى دولة مارقة وشبه منبوذة في محيطها الجغرافي ، وما نشهده اليوم من احتجاجات يكاد ان يكون قريبا مما جرى في بداية الثورة السورية ، فهل نحن امام ربيع إيراني حقيقي بعد ان تسببت في وأده في سوريا واليمن واماكن اخرى ؟
في ظل تأكيد كل من روسيا ، وتركيا وايران ، على مواقفها المعادية للاحتجاجات التي تجري في بعض مدن وقصبات ايران ولحرية الشعوب ، كما وقفت سابقاً تركيا وايران في وجه استفتاء كردستان واتخذتا موقفا عدائيا تجاهه، أما روسيا فلم تقدم له شيئاً قد يكون ذا معنى ! .
دائما تلقي الانظمة الاستبدادية والثيوقراطية باللائمة على الخارج ، فيما يحدث لديها من مشاكل وما تعترضها من صعوبات ، وتتهم امريكا والغرب بالتدخل والعبث بأمن البلد واستهداف استقراره وتفكيك وحدته ، استنادا الى تاريخهم في نسج خيوط المؤامرات ضد اوطانهم وشعوبهم حتى وان كان الفعل داخليا محضا ! ، وهذا ما قامت به بالضبط طهران ، حين اتهمت امريكا واسرائيل بالتحريض والوقوف خلف هذه الاحتجاجات ، اتهام جوهره التخلف والعجز عن الفهم الدقيق والتحليل العميق للبنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة !، ففي بداية الربيع العربي تم التركيز على الاسباب الداخلية العميقة التي ادت الى انطلاق شرارة هذه الثورات ، لكن مع تفاقم الامور وتأزمها عاد الحديث يتصاعد من جديد عن المؤامرة واسرائيل ! وعن المجتمع الدولي الذي لم يتحرك !
التناقض في المعايير هي السمة الرئيسية للسياسة الروسية في المنطقة ففي سوريا يعلن الروس بانهم مع قيام دولة علمانية لا طائفية وفق القرار 2254 اما في ايران فيدعمون و يدافعون عن دولة ثيوقراطية بقيادة الولي الفقيه ، لان مصالحها ستتأذى من التغيير ، في حين ان جوهر الموقف التركي يرتكز على الخوف من ان يمتد حريق ايران ويصل اليه ، وهو المسكون بالفوبيا الكردية ، دائما، لان هذا الحريق هو ضد الحكم الاسلامي ، ليس في ايران وحدها بل في تركيا ايضا ، لذلك سارع أردوغان في الوقوف الى جانب حسن روحاني رغم العداء السافر والخلافات العميقة بينهما .
لقد شهدت مدينة مشهد في ايران اولى هذه الاحتجاجات ، سرعان ما امتدت لتشمل كل المدن التي لم تشارك في الانتفاضة الخضراء عام 2009 والتي خاضتها النخبة بنَفَس إصلاحي ولم تقبل التلاعب بنتائج الانتخابات الرئاسية واقتصرت المشاركة فيها على الشعب الفارسي دون الشعوب الاخرى ولا سيما التركمان والبلوش واللور إذ اعتبرتها شأناً داخل النظام وليست فيها اية فرصة لطرح قضاياها، في حين تميزت الاحتجاجات الحالية بمشاركة واسعة من قبل الجيل الجديد التي قاد الاحتجاج والتظاهر ، بسبب برنامج جديد للتقشف وزيادة ميزانية التسلح ، لكن ثمة دوافع وأسباب داخلية عميقة دفعت الناس للاحتجاج ، بدءاً من تردي الأوضاع الاقتصادية والانسانية ،والذي دفع اعداد كبيرة من الايرانيين للعيش تحت خط الفقر، مروراً باتساع ظاهرة الظلم والقهر القومي ، وفشل الحكومات في وضع حد للفساد ، وتامين حياة لائقة بالإيرانيين بعد الاتفاق النووي، وانتهاءً بتنامي مشاعر الامتعاض والغضب من وصول القتلى الذين قضوا نحبهم في حروب خارجية لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، كسورية والعراق واليمن ولبنان ، وهذا ما يفسر الحضور القوي لشعاري، «إيران أولاً»، و «لا غزة ولا سورية ولا لبنان، روحي فداء لإيران»،
من المبكر معرفة مـال الاحتجاجات التي تجري في ايران اليوم ، لأنها مرهونة بمشاركة الأذريين ، اولا، والكرد ثانيا ، ومن خلفهما عرب الاهواز والبلوش واللور، لكن في مطلق الاحوال ستكون هذه الاحتجاجات منعطفا ايجابيا وعلامة فارقة في تاريخ دولة ايران ، فالمشهد الايراني قد يسير نحو الانصياع لرغبة الشارع وتلبية مطالبه ، وبالتالي البدء بمسيرة اصلاح سياسي شامل وعميق بما فيه الدستور ووقف التدخل في شؤون المنطقة ،واما ستتجه الاوضاع الى مزيد من التدهور والى شكل من اشكال الحرب الاهلية ، وهذا ما سيكون عليه الحال في حال دعمت الحراك قوى اقليمية ودولية ، ونفذ دونالد ترامب تعهداته بتقديم الدعم اللازم للشعب الايراني في الوقت المناسب .
في ضوء كل العناصر السابقة ينبغي ان لا تبقى القوى الكردية في ايران رهن الترقب والانتظار، لا بل عليها ان تبادر الى توحيد صفوفها وتبيان رؤيتها ، وان تنسق مع كافة الأطراف المؤمنة بالحوار والحل السلمي سبيلا وحيداً لحل القضية الكردية ، عبر قيام نظام ديمقراطي تعددي يكفل لكافة مكونات الشعب الايراني حقوقه القومية والديمقراطية ، والتي فشلت «ثورة » الخميني في تحقيقها !
ان اهتزاز الوضع واضعاف نظام الملالي في ايران ، سينعكس ايجابا على حركة الحرية والسلام والاستقرار في المنطقة عموما وفي كردستان باشور على وجه الخصوص ، ورغم كل ما يشاع في الاعلام وما يروج له ، فانه لا يمكن وضع امال حقيقية على ما يجري ، الا اذا تحرك الكرد والأذريون بشكل اساسي لأسباب قومية وسياسية واجتماعية، فالنظام قوي وما زال يحظى بقاعدة شعبية واسعة !
نشرت في العدد”72″ من صحيفة Bûyerpress تاريخ 2018/1/15