السلم الأهلي.. خط أحمر

عمر كوجري


قبل ما يقارب الشهر دعيت مع مَنْ دعيت لحضور طقوس المصالحة بين فريقين من كرد وعرب يسكنان ناحية “شبعا” القريبة من دمشق ، ومختصر المشكلة أن الجانب الكردي كان في حفلة عرس في إحدى المزارع الخاصة فهوجم من قبل بعض الشباب الطائش .
وقد كانت قد دعت إلى هذه المصالحة عائلة كردية تقيم منذ زمن طويل في المنطقة وهي تفوز بتقدير السكان جميعاً.
وقد أسْبِغَ على الحفل – كما كان متوقعاً- الطابع الاحتفالي حيث حضرت بعض أطراف الحركة الكردية، وبعض الوجوه الثقافية والإعلامية من قبل الكرد، ومن قِبَل الأخوة العرب حضرت بعض الشخصيات، والفعاليات الحزبية، والرموز الدينية، ومن ضمنهم “أمين شعبة حزب البعث “
وما إنْ سَلَّمَ الضيوف على مضيفيهم ، وأخذوا أمكنتهم في الجهة المقابلة ، حتى بدأت مباراة ، وسباق بلاغي محموم حذق فيها الطرفان الكردي والعربي ، حيث افتتح المباراة عريف الحفل بالحديث عن الإمبريالية والصهيونية والرجعية، والمؤامرات التي تحاك والدسائس التي” تُخَيَّط” ، وكل هذا الحديث المضحك الذي لم يمت إلى جو الاحتفال بأية صلة ، ويبدو أن المدير لم يتعب روحه ، فألقى على مسامعنا كلمة كان قد ألقاها باسم الجبهة التقدمية في إحدى المناسبات في ديريك قبل سنوات عديدة .
وقد تركزت مداخلات الأخوة – كما كان متوقعاً – حول الأخوة الكردية – العربية التي عُمِّدَتْ بدماء الضحايا، وأعادوا الأسطوانة المشروخة بأن الكرد تبوؤا مناصب كبيرة في الدولة السورية !! والتضحيات الكردية من أجل استقلال البلد أرفع وأكثر من الإحصاء ، كما ذكَّرَنا الأخوة العرب بدَيْننا عليهم نحن الكرد الذين حررنا لهم بيت المقدس بقيادة الفاتح “صلاح الدين” إلى آخر ما جادت بها قريحة القوم من عبارات السجع والتنميق ، واعُتُبِرَ الأمر في النهاية عملاً أخرقَ لا دخل “للكبار” به اقترفه بعضُ المراهقين و” الصُيَّع” من الطرفين ، وإن السلم الأهلي بخير، واقتنع الجميع – استنباطاً من الكلمات التي ألقيت – من الطرفين أن لا عودة لهذا الفعل المشين لأن مابين الطرفين وشائج أقوى من أن تهتز لهذه الحادثة العابرة .
رغم أنني كنت أحمل ورقة وقلماً في يدي لكنني لم أكتب حرفاً ، وهذا ما أثار استغراب زميلي الذي جاورني في الجلوس فقلت له: لا داع لتغطية المناسبة على الانترنيت ، فقلبي يحدثني أن هذه المصالحة لن تدوم طويلاً ، وبالفعل صدق حدسي، فبعد أقل من أسبوع تصدَّعَ البناء الذي حاولت أن تبني جدرانه كلمات الأمس .

وهذه المرة أيضاً هجوم من قبل بعض الشباب وفي “شبعا” عينِها على بعض الشباب الكردي ، وأُشبعوا ضرباً مبرحاً.

وبعدها بأيام حدثت مشكلة أخرى كان مسرحها ورشة خياطة تابعة لبعض الشباب الكرد حيث تشرشحوا وأشبعوا هم أيضاً ضرباً، لكن هذه المرة في منطقة حرستا- ريف دمشق
هل السلم الأهلي في خطر؟؟ :
في كل أصقاع الأرض تحدث مشاكل ومناوشات، ولكن الأخطر هو أن تأخذ طابع الطائفية والأثنية لأن هذا بالذات يهدد السلم الأهلي، ويُقوِّض أركان التعايش السلمي الذي ينشده الإنسان في وطنه ، فالحياة مضجرة إذا عاشها الإنسان في قلق وتوجس ، وعدم معرفة ما ستخبئ قادمات الأيام له .بالتأكيد لا مصلحة لأحد في تأجيج هذه الممارسات ، وهنا يأتي دور الدولة في حماية إنسانها أياً كان هويته وعشيرته وطائفته .
سورية بلد الطوائف والملل والنِّحل ، وهذه المزية – هذه اللوحة الفسيفسائية الجميلة –  يفترض أن تخلق عوامل المنَعة والقوة لاعوامل الخلخلة والضعف ، فالحديقة بهيجة العين ومشرقة بتعدد أزاهيرها وعطوراتها- حسب لغة الشعراء- ولنا في هذه البسيطة أكثر من مثال ناصع ” الهند – لبنان – سويسرا- ألمانيا- أمريكا ألخ…

أريد أن أُذَكِّر أن سوريا تجلس على برميل من البارود إذا لم تقم الدولة بواجباتها تجاه الناس وقد سبق أن حدثت مشاكل من هذا القبيل في السويداء ، وفي بلدة جرمانا قبل أشهر قليلة، وثمة مناوشات تحدث هنا وهناك تأخذ طابعها الطائفي المقيت والمنفر .
المطلوب تخفيف الاحتقانات ، ومعاقبة من يسيء إلى سمعة البلد ، وضربهم بأيد من حديد وتقديمهم إلى المحاكم المختصة لينالوا جزاء شر أعمالهم ، وكلما تأجل حل هذه المشاكل ستكون العواقب أكثر وخامة ، ويبدو أن السلطات المعنية تقوم بواجباتها لكن ليس بالمستوى المرتجى وهذا من شأنه أن يزيد من المخاوف والهواجس .

 

همسة في أذن بعض الأخوة العرب:



يقسم كاتب هذه السطور بأغلظ الإيمان بالنيابة عن أهله الكرد لإخوته وأصدقائه العرب أن لا دخل للكرد في سقوط بغداد ، وإن أمريكا أسقطت بغداد انطلاقاًً من المطارات العربية وتمركُز قوات التحالف في الدول العربية ، وقدمت بعض هذه الدول تعاوناً لوجستياً فاخراً لأمريكا.

ففكوا هالسيرة، وخففوا احتقانكم علينا، وفهمكم كفاية.

 

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…