لن نتمكن من بناء الحاضر. فه دان آدم
التقديم:
إن هذا البحث التحليلي القصير و الذي يطمح لأن يكون مفيداً، لم يستطع إلا أن يكون جافاً و لا يسعى إلا إلى الإستجابة لضرورات ملحة و معينة هي:
1- إستيعاب و فهم ما يجري كل يوم تحت بصرنا في المنطقة و علاقتنا به.
2- تحجيم و محاربة مجموعة الأفكار التي تحاول أن تعود بطريق متعرج حتى لا تنكشف هنا و في جنوب غرب كُردستان.
3- تنظيم مجموعة الأحزاب و المجموعات السياسية التي لن تحقق أهدافها إلا إذا نُظمت على أساس قومي واضح و شفاف.
4- أن لا تجف سُدىً كل تلك الدماء المهدورة على سفوح جبالنا و العمل على التعريف بمعنىً لما تُمثله تلك التضحيات لمستقبل الأجيال القادمة.
هذا إذا كان لهذه الأسطر إمكانية الإجابة على مثل هذه المسائل، و ليتحمل هذا البحث أيضاً مخاطر صناعته التي أتت فوضوية في منهجيتها المنطقية و الذي يبدو منفصلاً عن المعركة أحياناً، و مع ذلك فليس في نية هذا البحث أن يضيف شيئاً للشعارات المهترئة أو للإستشهادات البلهاء التي أصبحت شبيهة بالطقوس، و كذلك ليست غايته أن يزيد في ألحان المثقفين العاطلين عن العمل.
من هنا أعتقد أن هذا البحث سوف يكتسب شكل الرسم البياني نوعاً ما أو شكل الملخص ( نقل- إستهلاك- هضم)، مثل هذه الأشياء تنتهي أخيراً في سلة المهملات بعد أن تؤدي مهمتها فما هي هذه المهمة ؟
أن تخرج جميع الأفكار و المناقشات الملتزمة للهواء الطلق و الإجابة عليها و تحفيز الأخرين ممن يعرفون هذه القضايا أكثر من غيرهم إلى المساهمة في الرد على هذه الأسئلة و المساهمة في إيجاد الحلول الموضوعية، مهمته بإختصار و تحديد أكثر هو خدمة الحركة التحررية الكُردستانية و قضايا شعبنا بصورة عامة و في الجزء الملحق بالدولة السورية بشكل خاص، و لكن كيف ؟
بداية لابد من الإشار إلى أن ليس كل ما سنواجهه يمكن تغييره و لكن بالتأكيد إذا تطلب الأمر تغيير شيء ما فلابد من مواجهته، خاصة و نحن لم نعد نعيش في عالم معظمه متخلف و نائم و بدون حركة فاعلة.
ففي خضم الأحداث الكبيرة التي تجتازها المنطقة تزداد يومياً على مسامعنا هنا أسئلة من قبيل، هل سيستمر الوضع هكذا بالنسبة لنا، أم سيتغير، و نحو الأفضل أم الأسوأ ؟
إن واقع الحركة التحررية الكُردستانية ليس أقل تعقيداً من واقع المنطقة، لكن أفضل من يستطيع شرحه و تفسيره اليوم هو التاريخ، و أفضل نظرية عملية هو تتبع وصاياه في الحاضر أي ” فعل كُل ما هو موضوعي و منطقي في التاريخ ” حتى و إن إتسم ذلك بشيء من البطء، فأن يستغرق العمل الوطني القومي وقتاً فهو لا يحول دون تحقيقه.
كما لا ينبغي اليوم إغفال الحقيقةالثابتة و التي تتمحور حول تجربة إقليم كُردستان العراق ، و هي أن على نجاح هذه التجربة يتوقف المستقبل المشرق لباقي مناطق كُردستان و حركتها التحررية بصورة عامة.
من أجل ذلك و غيره ينبغي و بحتمية أن يكون نضالنا المستمر، و الذي تكاد أن تكون نتائجه معروفة، ضارياً و بدون هوادة، لأنه نضال من أجل البقاء و الإستمرارية في هذا الوقت الذي بدأت تتآكل العقليات القديمة و المنغلقة و تتحول السياسات بالسرعة التي يشهدها تطور العالم و البشرية في هذا القرن، فمن الذي يريد أن يتوقف الأن، من الذي لا يعنيه الحاضر، و من الذي لا يهتم للمستقبل ؟
من هنا تستوجب الجرأة قول أن ما نريد طرحه هو التحريض، التحريض على التقدم و القيام بالواجبات و زيادة الخبرة الموضوعية بأفضل أشكالها، التحريض الذي يستقطب كل من له ذرة ضمير و بأقصى الإمكانات المُتاحة.
إن عمق أي يمينية أو يسارية يتضح و يتحدد بمقدار خدمة القضية التي تم إكتساب تلك الصفات منها، فلا يمكن أن توجد يمينية أو يسارية حقة في القضية الكُردية بقدر ما يوجد مقدار خدمة القضية و مسألة أخدم القضية أم لا أخدم، فالصفات تتحدد وفقاً لنتيجة الخدمة المقدمة للقضية لا قبل خدمتها أو ربط القضية بالأفكار التي نعتقدها.
إن في أعماق الشعب الكُردي جوهراً قومياً لا يمكن لأية حوادث أو ممارسات أن تمحوه، و للكشف عن هذا الجوهر يكفي أن تنفخ في الرماد، أن تعطيه فرصة الكلام” النضال ” و أن تحدد له الأهداف التي يراها دون أن يرى، و التي يفكر فيها بصمت و هكذا يتحول النضال كله تدربجباً إلى نضال علمي يعمل وفق مبدأ الضربة الواحدة المستقبلية.
الجنوب الصغير…
حتى هذه التسمية المجردة توحي بأن هناك كبير يتحمل جزءاً من هموم و مسؤليات الصغير، لاسيما إذا كنا أكثر الصغار و الكبار المتشابهين من حيث الواقع و خاصة جنس و ثقافة المحتل، من بين الأجزاء الأخرى.
إن محاولة كتابة هذه الأفكار بصيغة جافة و مصطنعة مسألة في غاية الصعوبة نظراً لضخامة حجم المسألة المحددة و جوانبها العديدة، لذلك فإن نقل الواقع بعفويته هنا بدون أية عملية تدبيج أو أي إهتمام بصيغة و ترتيب الكلمات سيبدو أمراً منطقياً و مبرراً، هذا إذا لم نغفل عن كمية الوقت وحجم الدراسات المطلوبة لإنجاز صورة عميقة و متكاملة، بعيدة عن التملق و التزييف، للواقع السياسي و الأجتماعي في جنوب غرب كُردستان، كما أني لا أرغب في إنجاز دراسة تاريخية عن جنوب غرب كُردستان و حركته السياسية و تقديمها لإعتقادي الجازم بإمتلاككم لها، لكن ذلك لا ينفي رغبتي في تسليط الضوء على بعض النقاط و إبداء الرأي في اسباب عجز الحركة السياسية الكُردية في جنوب غرب كُردستان عن مواكبة التطورات و المتغيرات الدولية و الإقليمية ذات العلاقة المباشرة و غير المباشرة بقضيته في هذا الجزء أو ذاك، و كذلك أسباب الأزمة المرضية المزمنة التي تعيشها هذه الحركة منذ أكثر من ثلاثة عقود و نصف و التي إستفحلت على غير المتوقع في بدايات العقد الأخير من القرن الماضي.
إن مسألة فقدان الأحزاب الكُردية لمصداقيتها لدى الشعب في جنوب غرب كُردستان لا تحتاج إلى أية دراسات أو تحليلات بقدر ما تحتاج إلى عملية حسابية بسيطة لإنجازات هذه الأحزاب منفردة أو مجتمعة منذ تشكيلها و حتى اليوم و كذلك عملية حسابية بسيطة للخدمات التي قدمتها للسلطات الفاشية الحاكمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة وعلى حساب الشعب و قضيته في جنوب غرب كُردستان، فالإنتهازية و المصالح الشخصية و ضعف الشعور بالمسؤلية و ذهنية المساومة و عدم الكفاءة السياسية كانت و لا تزال من السمات المميزة لقيادات الأحزاب الكُردية في جنوب غرب كُردستان و هو ما أدى إلى بقاءها هزيلةً و كسيحةً لا تفخر سوى بتواريخ ميلادها.
إن فضل نشوء حركة سياسية منظمة في جنوب غرب كُردستان يعود بالدرجة الأولى لفكر البارزاني الخالد نظرياً و توجيهاته عملياً فهي التي أسست أول حزب سياسي كُردي في جنوب غرب كُردستان و هي التي رأبت تصدعاته و وحدته وهي وحدها القادرة على توحيده اليوم، فمبادرة البارزاني الخالد قبل أكثر من نصف قرن لم تأتي من فراغ بالقدر الذي كان إدراكاً عميقاً منه بالترابط المصيري الحتمي بين أبناء شعب كُردستان بصورة عامة و في كلٍ من جنوب غرب و جنوب وسط كُردستان بشكلٍ خاص.
على هذا الأساس تم ربط مصير و تقدم الواقع الكُردي و مستقبله في جنوب غرب كُردستان بمصير و تقدم الواقع الكُردي و مستقبله في جنوب وسط كُردستان، و هو ترابطٌ لم يتم بشكل عفوي و عاطفي بالقدر الذي تم من خلال إدراك واقع و مستقبل الحالة في كلا البلدين الذين يقتسمان كُردستان و إيماناً بشخص قائد الثورة و مبدئيته اللامساومة تجاه حقوق الكُرد و كُردستان أينما كانت.
نحن لا نجافي الحقيقة حين نقول بأن ما حدث في في جنوب وسط كُردستان منذ( 1992 ) و حتى اليوم ما هو إلا نتيجة حتمية لتطور الحركة الكُردية و نضالها الدؤب و المتواصل و أهدافها المرحلية الواضحة في ذلك الجزء، و هي بهذا المفهوم ثورة إقليمية و شرق أوسطية ونجاحها يشكل دعماً كبيراً و يضمن النجاح لمثيلاتها في دول المنطقة و لكن ضمن شروط العمل السياسي العقلاني و الأهداف الواضحة و المُعلنة و المنبثقة من صميم الشعب، و ما نعنيه هنا لا ينبغي فهمه بصورة خاطئة او مُحَرفة، فالقصد هو أن علاقة تأثير متبادلة ستنشأ بالضرورة بين مسارات التحرك السياسي للأحزاب و الحركات الوطنية و القومية في دول المنطقة الحُبلى بالصراعات الإثنية.
بالنسبة للحركة القومية الكُردستانية، لكي يتم هذا التبادل و حتى مع مراعات التفاوت في مستوى التطور للحركة في الأجزاء الأربعة، ينبغي بالضرورة قيام تنسيق و تنظيم مركزي هنا في كُردستان و خارجها يستطيع البدء قبل كل شيء بمهمة رئيسية و هي نشر فكرة العمل القومي و تبادل المعلومات و الخبرات و ذلك إنطلاقاً من ضرورة التطور النضالي و كيفية منحى هذا التطور الحديث و اليات إنشاء التناغم بين الحركة في الأجزاء الأُخرى من جهة و بينها و بين الحركة في جنوب وسط كُردستان، ذلك أنه و بقدر ما يغدو في مستطاع كل حركة في هذا الجزء أو ذاك من الإعتماد على عون الحركة المتقدمة في الجزء المجاور، ستجد الحركة الكُردستانية خطاً صادقاً للوصول إلى الأهداف، مع الأخذ بعين الإعتبار دائماً الظروف الخاصة بالحركة في كل جزء و لكن بدون إستغلال ذلك و تسويغه كسبب للإنعزال، إن ذلك وحده هو ما يمكننا تسميته بأرضية العمل القومي.
مع كُل هذه المتطلبات و المهام لا تزال عمليات الإنقسام مستمرة و بوتيرة متصاعدة داخل الحركة في جنوب غرب كُردستان و لا تزال قياداتها تردد حتى اليوم نفس الإسطوانة القديمة و المهترئة حول أسباب تلك الإنقسامات.
الإنقسامات في الحركة السياسية بجنوب غرب كُردستان منذ بدايتها وحتى الأن هي نتيجة لتضارب المصالح و الطموحات الشخصية و هي بعكس ما روجته و تروجه قيادات الحركة، حتى صدقها الشعب و باتت من البديهيات المُسلم بها، بأنها نتيجة و إنعكاس للإنشقاق في الحركة السياسية بجنوب وسط كُردستان، إن مثل تلك الإدعاءات ما هي إلا حجج وهمية زائفة الطرح ومثلها الإنقسامات التي تلتها حتى اليوم و التي تحاول معظم تلك القيادات إلباسها مفاهيم و صيغ أكبر مما تتحمل و مما هي عليه في الواقع، و هي ليست إلا نتيجة منطقية لعدم الكفاءة السياسية و القدرة الإدارية و ضعف الشعور بالمسؤلية.
هذا الفراغ الذي أنتجه غياب المسؤلية و عدم قدرة الأحزاب الكُردية في جنوب غرب كُردستان، و كذلك بطئها و رهولتها عن مواكبة التطورات و المتغيرات على الساحتين الداخلية و الإقليمية أدى إلى إنكفاء العديد من الكفاءات و هجرتها إضافة إلى أكبر عملية تشرذم شهدها المجتمع الكُردي لاسيما بين أوساط و قطاعات الشباب في جنوب غرب كُردستان، لا ينبغي هنا الإغفال عن إحتساب عشرات الألاف من الشباب و الشابات
الذين إلتحقوا بحزب العمال الكُردستاني و ذلك بدعم شبه علني و فاضح من قبل السلطات السورية و أمام أنظار الأحزاب الكُردية العاجزة عن كُل شيء عدا الكلام، إن الاضرار التي سببها هذا الإلتحاق وحده كفيلة بضرورة القيام بمراجعة شاملة، بالمعنى الحرفي للجملة، فمن تفريغ الساحة النضالية من العناصر الشابة في جنوب غرب كُردستان إلى تحولهم لشبه مرتزقة لخدمة دول إقليمية من بينها دول مُحتلة لكُردستان مروراً بنيلهم لصفة الإرهاب بإسم الشعب الكُردي و وصولاً لمحاربتهم لتجربة إقليم كُردستان العراق المقامة في جزء من جنوب وسط كُردستان وسقوط الألاف من الجانبين إضافة للخسائر المادية الكبيرة و المضاعفات المستقبلية والأبعاد النفسية التي خلفهتا تلك الحرب.
إن أكبر خطر يهدد الحركة الكُردية في جنوب غرب كُردستان اليوم يتمثل في إندساس عدد كبير من عملاء السلطة الفاشية في اوساط الحركة و الشعب في جنوب غرب كُردستان و محاولاتهم نشر الثقافة الإنهزامية و المُثل و القيم المادية و الإستهلاكية و إضعاف القيم و المُثل القومية و الوطنية و بث اليأس و قتل الأمل في النفوس و الدعوة للإنخراط في المجتمع السوري بإعتباره الطريق الوحيد لتحقيق الذات و الاهداف، و هو ما يُمثل عملية تعريب منهجية بعيدة المدى و بأساليب حديثة غير مؤذية ظاهرياً.
ترى ما الذي يحدث داخل الحركة الكُردية في جنوب غرب كُردستان؟ ما الذي تفعله القيادات الكُردية هناك؟ و على أية أُسس و نحو أية غايات أو أهداف و على هدي أي نظرية في العمل السياسي و النضالي يسيرون؟.
بما أن العمل الذي ينبغي القيام به يجب أن يتم وفقاً لنتائج دراسة واقع الحركة في جنوب غرب كُردستان و واقع الشعب هناك و المساحة الخالية التي تفصل بين هذين الواقعين و كذلك دراسة الواقع السياسي العام في سوريا، لابد من الإشارة إلى أن طرح الحلول للواقع الحالي بالشعارات و المواقف المساندة الجوفاء لا يجدي أي نفع في الوقت الذي يفرض هذا الواقع نفسه كمشكلة تستوجب الإهتمام والحل.
إن السلبيات الناجمة عن الضعف الشديد لأداء الأحزاب الكُردية في جنوب غرب كُردستان خلال العقدين المنصرمين بصورة خاصة لم تُفد في شيء سوى جذب و كسب المزيد ممن يحبون الثرثرة و يجيدونها و كذلك إنكفاء و إنعزال العديد من الكوادر المبدئية و النشيطة عن الحياة السياسية و آمال و طموحات شعبهم، و إفساح المجال أمام تغلغل الأفكار و الأراء السلبية داخل صفوف الجماهير و هو ما دفع العديد من كوادر الأحزاب الكُردية إلى الإنشقاق عن أحزابها و تشكيل أحزاب أُخرى لم تستطع أن تكون أكثر من نسخة مصغرة أُخرى عن أحزابها الأصلية، و ذلك لضعف تبلور الوعي الوطني و القومي و قلة الخبرة في التجربة السياسية و النضالية، و لتعود فيما بعد لتعلن إما عن إنحلالها و توبتها أو عن إتحادات إندماجية عفوية و لكن بدون أية دراسات جدية لظروف تشكلها و سمات عملها لتعود إلى الإنقسام على بعضها فيما بعد أو لدى إصطدامها بنتائج خطوات تم إتخاذها في فترات سابقة و الإنتهاء إلى الفشل المزدوج، على غرار تجربة حزب الوحدة، والتي تكون عادة تجربة مؤلمة و سلبية في نتائجها اكثر من غيرها لأسباب عديدة في مقدمتها هو كون تلك الأحزاب أحزاب شابة في بنيتها التنظيمية و متمردة بالأساس عن الواقع الذي كرروه بأنفسهم و الذي يدركون مدى كره الشعب له في جنوب غرب كُردستان، مما أدى بالنتيجة إلى الضعف الشديد في الحركة الكُردية و تطورها في جنوب غرب كُردستان.
إن إنعدام النظرية النضالية الواضحة و ضعف الأداء السياسي هو ما يبقي القضية الكُردية في جنوب غرب كُردستان خارج دائرة الضوء في ظل كل هذه المتغيرات و التطورات المتسارعة و الظروف الموضوعية الملائمة إلى حد كبير، وهو ما يسبب المرارة للكثيرين نتيجة الثرثرة السياسية التي بات يستأصلها (من الأصالة) قادة الأحزاب في جنوب غرب كُردستان و ذلك عوضاً عن العمل من أجل خلق و تطوير الممارسة النضالية من خلال فهم الوضع الوطني في البلاد و وضع السلطة و عدم التهوين من شأن العمل النظري ( الممارسة النضالية السياسية) و التمييز بين العمل والممارسة السياسية النظرية و بين الثرثرة السياسية النظرية، لأنه و بالتأكيد يوجد تشابه بين الصيغ السياسية على صعيد الإستعمال و التكرار و لكن و كما نعلم فالصيغ تبقى على حالها بينما التاريخ في تغير مستمر، فالصيغ تكرر جهد نظري جرى في بدايات القرن وحتى السبعينيات منه، و مع التأكيد على ضرورة إعادة النظر بشكل جدي في هذا الجهد على ضوء المستجدات الكثيرة و المتتالية اليوم، من هنا يبرزالخطر الذي يتجسد في تشكل لغة من طراز إصلاحي إستسلامي بحت تزعم الحلول دائماً في مكان لغة المعرفة الحقة.
فبالتأكيد لن نصل إلى الحقوق والأهداف التي نصبو إليها من خلال التحدث عن النظام بسوء وأن نلحق به ما نشاء من النعوت و الشتائم، وكذلك لن نصل إليها من خلال التعظيم المنافق و المدح المبتذل والتهليل لاية خطوة تقوم بها الاحزاب الكُردية تجمعها مع زبانية النظام و السلطة الفاشية، فأن يبقى الوضع الكُردي في جنوب غرب كُردستان معلقاً بين السماء و الأرض ليس إلا نتيجة منطقية لحجم و قدرة الأحزاب الكُردية و قياداتها التي تكيلها السلطة القمعية بصورة دقيقة و تحدد بالتالي المساحة و الخطوط التي لا ينبغي تجاوزها، فمعرفة السلطة لحجم الأحزاب وقدراتها هو ما يحدد مساحة الملعب والزمان اللذان ينبغي فيهما اللعب، لكن التطورات في جنوب وسط كُردستان و العراق والخوف من تغيير تلك المساحة بصورة كُلية هو ما يثير جنون السلطات السورية وأصدقائها المحليين و حلفائها الإقليميين و لذلك تسعى بكل جهد معهم من أجل عدم إحداث أي تغيير في تلك المساحات.
إن العمل السياسي القومي و الذي بات يفرض نفسه كضرورة و لاسيما في ظل توافر الظروف الموضوعية إلى حد كبير ينبغي أداءه بصورة إحترافية و اساليب عملية مُتقنة في مقدمتها إنجاز الإجماع القومي حول القضايا المصيرية وتحديد خطوط العمل تلك وكذلك المسؤليات تجاهها، و العمل من أجل تطهير الذهنية الكُردية من الشعاراتية الفاقعة في هذا العصر الذي لا يلتفت للألوان.