في الطريق إلى السجن

 

سيامند إبراهيم*
في مشهد تراجيدي تبدأ القصة بخفقان شديد تبدأ من ساعة التوقيف وحتى الوصول إلى السجن, تصل  سيارة الـ (تويوتا) الحمراء إلى بوابة السجن, ثمة حرس يتطلعون إليك بنظرات قوية جداً يزيدون من ارتعابك, ويومىء أحدهم إلى السيارة بالدخول,  ثمة حراس آخرون يتململون يتطلعون يمنة ويسرة, بعضهم منشغلٌ بشرب العصير, وبعضهم الآخر يكشُ الذباب من على وجهه, و آخرون يحدقون في الوافد الجديد ضمن هذه السيارة، ومن هنا تبدأ رحلة حياتك الخفية في عالم آخر, في مدينة أخرى, كلاب بوليسية سوداء هي أيضاً تنظر إليك بالشراسة ذاتها, ولا تعرف أهي أيضاً تحاول الوثوب على روحك وتنهش من جسدك, ومن ثم توصدْ ورائك  سبعة أبواب حديدية لا يخترقها المارد الصيني مهما أوتي من قوة وعنفوان, مدينة مستقلة بكل شيء فيها إلا قرارها, عالم السجن ليس كعالمنا و الداخل إليها لا يدري أنه خارج منها, في السجن هذا المكان الذي تتوقف فيه دورة حياتك الزمانية, يدخل الوهن إلى نفسك قبل جسدك, يزداد شحوب وجهك, تفقد شهيتك للطعام إن جاز أن نسميه طعاماً, وليس مهما نوع القضية التي دخلت من أجلها السجن, تبقى محبطاً, يضيق نفسك يوماً بعد يوم, وراء تلك القضبان كأنك في يباب قحط, وفوق هذا كله تحيط بك الأشواك الصحراوية, وتسمع صوت الرياح الخماسينية, يذر السجان قهره وحقده نحو عينيك, في هذه الصحراء الصفراء يتصبب جسدك عرقاً, يدخل العرق إلى مسامات روحك, أنت منسي في عالم آخر, هنا تصبح رقماً غير مرئيٍ, لكنك في سجنك مرئي حتى نقي عظامك, لا يتوانون في الإحاطة بك وبكل همساتك, وضحكاتك, وبماذا تفكر بعد خروجك, تتوالى الأيام متململة لا تأبى لثقلها الكاتم على أنفاسك المتبقية, تعد معك أيامك الباقية من فترة سجنك, تشحب أوراق التقويم داخل السجن, الحمام اليومي السريع, الرياضة الصباحية هي سلواك الوحيدة ورئتك التي تنعش بقية روحك الهائمة على جدار الصالة التي تنام فيها, تكلست الذكريات و أصبحت متشرذمة على الجدران, تتنفس الجدران الصعداء لما تخطه هذه الأيادي من رحيق أيامهم المفعمة بأنين الحياة التراجيدية, الجرائد الصباحية الموالية تصبح رفيقة أيام سجنك, تلج السلطة الرابعة معنا إلى عالم السجن, لكن هي كما نحن لا حول ولا قوة لها في هذا الوطن السليب من كل شيء, السجن الذي تمناه الشاعر السوري المرحوم مصطفى بدوي حيث قال:” هلا هدمت السجن, السجان”.
السجن يكسر حواجز الخوف لدى الكاتب والسياسي على السواء, ويزيد من غنى تجربته الحياتيه ويزيده إصراراً لمواصلة رسالته, في السجن ترى عالم آخر تتعرف على خفاياه مكنوناته تعرف الناس على حقيقتهم من دون أقنعة, تكشف جميع الذين يقولون بأنهم معارضين للنظام فترتاح للوهلة الأولى, ثم تكتشف بعدئذٍ أنهم أشد تعصباً لأفكارهم ومفاهيمهم, وعدم اعترافهم بالمكون الآخر, وتراهم أشد سوأً من السجان وجلاد السجن نفسه.
———–

 

·  رئيس تحرير مجلة آسو الثقافية الكردية
·  عضو نقابة الصحافيين في كردستان العراق

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…