كيف نفهمُ الحرّية في ساحةِ الصّراحة؟! ( 4)

نارين عمر
بينما كنتُ أرتبُ بعض أفكار هذه السّلسلة, اقتربتْ منّي ابنة أختي الطالبة في الصّفّ العاشر, وبعد أن تأكّدتْ ممّا أكتب وأنّه للنشر.

سألتني بخجل وتردّد:
هل أستطيعُ مساعدتكِ في اختيار بعض الأفكار التي اقتبسها فكري وضميري من الواقع؟؟ أجبتها: نعم, شريطة أن تكون جدّية, وتنطبقُ على المجتمع ككلّ.
فارتسمتْ على شفتيها ابتسامة بريئة, عكستْ براءة نفسها وفكرها فقالتْ:
فكرتي تدور حول فنّ الحديث والكلام: فهناك مَنْ يمدحني أحياناً, ويصفني بصفاتٍ أعرفُ جيّداً أنّها غير متوفرة فيّ شخصيّاً, وذلك من بابِ المجاملةِ, أوالنفاق ولكنني أفكر فيها مليّاً فيما بعد وأحاولُ أن أتحلى بها, وأجعلها صفاتٍ دائمة أتمتعُ بها.

إذاً فقد قدّم لي ذلك الشّخصُ منفعة وفائدة عظيمتين من دون أن يدري؟
ثمّ تساءلتْ بحسرةٍ ممزوجةٍ بدهشةٍ وحيرة:
إذا كانت تلك المجاملة كاذبة وظاهرية, استفدتُ منها, ونفعتني نفعاً أبديّاً, فلماذا لا يُحوّل كلٌّ منا مجاملته وتظاهره بالطيبة والكلام المعسول إلى حقيقةٍ وصدق ما دامَ يتقنُ فنّ الكلام الطيّب والحديث الحسن؟؟!!لماذا لا نجعلُ الصّدقَ والأمانة شعاراً لنا في القول والفعل معاً؟؟!! ومَنْ يسمّى بذي الوجهين/ الظاهريّ الطيّب, والمخفيّ
القبيح/ لماذا لايمحي القبيح منه, و يبقي على الوجه الحسن؟؟ لتنعكس صورته على نفسه فتتطهّرَ من كلّ الضغائن والأحقاد والسّلبيات؟؟
وبعد أن تأكدّتْ الصّبية من اهتمامي بما تقول حيث كنتُ أدوّنُ كلّ ما أسمعه منها على دفتر كان بين يديّ ازدادت مساحة الابتسامة المرتسمة على كلّ ملامحها, ترفقها جرعاتٌ من الثقة والاعتزازوقالت:
أتعلمين عندي أفكار كثيرة استنبطتها من واقعنا المحيّر والمتحيّر لذلك أودّ أن أعرضَها عليكِ أرجو أن تدوّنيها, وتنشريها مع الصّورة الأولى التي عرضتها عليك, هاكِ الصّورة:
على الرّغم من أنّنا كبشر نتشابه في الطبائع والأفكار والمبادئ, والهيئة والخلق فإننا ننسى, ونتناسى هذا الأمر, ويظلّ كلّ منا يرى نفسه هو المحق والصّائب ويرى الآخر المحقوق والمخطئ.

فلماذا لا يفتحُ كلّ منا لنفسه دفتر حسابٍ خاص به يكشفُ من خلاله أخطاءه, بالإضافة إلى أخطاء الآخرين, وعلينا ألا نتجاهلَ أخطاءنا ونقفز فوقها, وننهالَ على الآخرين بشتى الاتهامات والشّتائم؟؟
بينما هي تملي عليّ ما يملي عليها قلبها البريء وفكرها العائم في ملكوت الصّدق والبراءة, تذكرّتُ أمثالها من الصّبايا والصّبية الذين يدركون جيّداً فداحة الأفكار والمفاهيم التي ورثوها عن أسلافهم, ويتمنون من الأعماق نبذها, بل محوها من خارطة شعورهم ولا شعورهم, لكنهم فقط بحاجةٍ إلى مَنْ يتضامنُ معهم, ويرشدهم إلى سبيل الخلاص من براثنهاأيّ/ الأفكار والمفاهيم المتوارثة/ التي تنهشُ أشلاءنا حتى تحوّلها إلى عظام هشّة غير قابلة للإحياء من جديد.
أما آن لنا أن نحققَ ولو جزيئات من أحلام وطموحاتِ هؤلاء اليافعين واليافعات والذين يشكلون عصب المجتمع ووتينه خلال العقود القادمة من الزّمن؟؟أما آن لهم العيش على أرض الواقع لا على بساط الخيال والحلم؟؟!!

 

وللحديث بقيّة…

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي* لم تکن ممارسة عملية الحکم من قبل النظام الإيراني سهلة وهينة لأنه ومنذ البداية واجه رفضا داخليا قويا مثلما کانت هناك عزلة دولية تفاقمت عاما بعد عام، وحاول النظام جاهدا مواجهة الحالتين وحتى التعايش معهما ولاسيما وهو من النوع الذي لا يمکن له التخلي عن نهجه لأن في ذلك زواله، ولهذا السبب فقد مارس اسلوب الهروب…

نارين عمر ألا يحقّ لنا أن نطالب قيادات وأولي أمر جميع أحزاب الحركة الكردية في غربي كردستان، وقوى ومنظّمات المجتمع المدني والحركات الثّقافية والأدبية الكردية بتعريف شعوب وأنظمة الدول المقتسمة لكردستان والرّأي العام الاقليمي والعالمي بحقيقة وجود شعبنا في غربي كردستان على أنّ بعضنا قد قدم من شمالي كردستاننا إلى غربها؟ حيث كانت كردستان موحدة بشمالها وغربها، ونتيجة بطش…

إبراهيم اليوسف منذ اللحظة الأولى لتشكل ما سُمِّي بـ”السلطة البديلة” في دمشق، لم يكن الأمر سوى إعادة إنتاج لسلطة استبدادية بشكل جديد، تلبس ثياب الثورة، وتتحدث باسم المقهورين، بينما تعمل على تكريس منظومة قهر جديدة، لا تختلف عن سابقتها إلا في الرموز والخطاب، أما الجوهر فكان هو نفسه: السيطرة، تهميش الإنسان، وتكريس العصبية. لقد بدأت تلك السلطة المزيفة ـ منذ…

شادي حاجي سوريا لا تبنى بالخوف والعنف والتهديد ولا بالقهر، بل بالشراكة الحقيقية والعدالة التي تحفظ لكل مكون حقوقه وخصوصيته القومية والدينية والطائفية دون استثناء. سوريا بحاجة اليوم إلى حوارات ومفاوضات مفتوحة وصريحة بين جميع مكوناتها وإلى مؤتمر وطني حقيقي وشامل . وفي ظل الأحداث المؤسفة التي تمر بها سوريا والهستيريا الطائفية التي أشعلت لدى المتطرفين بارتكابها الجرائم الخطيرة التي…