في استمرار أنفلة الكورد

عمر كوجري

   لا تبدو أيام الكورد مبعثة على البهجة بوجه عام. شعب مجبول على الحزن والدموع، لا يكادون يودعون ساقية صغيرة للحزن حتى تجتاحهم أنهر دموع من جديد، ولشدة بكاء الأمهات على فقد الأحبة والمدللين على قلوبهن ماعاد للفرح أيّ مطرح في أرواحهن التعبة..
  البارحة كانت الذكرى الأربعون للمجزرة الشنيعة التي ارتكبها النظام العراقي البائد والمجرم بحق أكثر من ثمانية آلاف بارزاني، في 31 تموز 1983 حيث أقدمت قوّةٌ عسكريةٌ على محاصرة كلٍّ من مجمعات قوشتبة وبحركة وهرير وديانا، وفي عملية وحشية اقتادتهم إلى صحاري العراق الجنوبية ودفنتهم، وهم أحياء.
هي جريمة كبرى، ولو كان هناك عدل في العالم، لما تمادى النظام الصدامي فيما بعد، ولا استسهل قتل مئات الآلاف من الكورد، وتوّج جرائمه التي تندى لها جبين الإنسانية التي نامت وقتها في مجزرة حلبجة الشهيدة بالسلاح الكيماوي عام 1988
  بعدها بثلاث سنوات، وبعد انتفاضة أهلنا ضد طغمة البعث، حيث نزح نحو مليوني مواطن كوردي إلى الحدود الدولية مع كلٍّ من إيران وتركيا في أكبر عملية نزوح جماعي في العالم، ووقتها استفاق الضمير العالمي لمأساة الكورد، وتدخّلت الأمم المتحدة، وحدّدت منطقة حظر الطيران الجوي بعد خط العرض 36 لمنع القوات العراقية من العودة مجدداً إلى مناطق كوردستان.
  شعبنا الكوردي، في باقي أجزاء كوردستان، ولو أنه لم يشهد أنفالات، وإبادات جماعية بالمقارنة مع مأساة شعبنا في جنوبي كوردستان، إلا أن الأنظمة المجرمة في تركيا وسوريا وإيران كانت على الدوام تتصيّد أية فرصة للانقضاض على كل حلم كردي بالتغيير، ولو في حدوده الدنيا، وكأن الكورد أينما كانوا معرّضين بشكل ممنهج من حكومات ونظم الدول المقتسمة لكوردستان بقتل كل تطلع نحو الحرية، وفي أية بقعة ومكان، ورغم خلافات هذه الأنظمة الحادة كان الاتفاق على ضرب الكورد، وقتل أحلامهم هو الأساس، وكان يتعالون على مشاكلهم  البينية العميقة بالضد من مصلحة الكورد.
  يبدو أن أنفلة الكورد مستمرة حتى الآن، وإن بأشكال ووجوه مختلفة، على وجه الخصوص في جنوبي كوردستان، الأساليب غير البريئة اختلفت، لكن التوق والاشتياق لأنفالات جديدة قائمة في أذهان هؤلاء..
  منذ سقوط الطاغية البعثي عام 2003 وحتى الآن تعاقبت حكومات عديدة على الحكم في العراق، لكنّها وبلا منازع كانت غير منسجمة مع مطالب شعبنا، بل ناصبت العداء له، رغم أن الكورد كان لهم دور في إيصال الكثير من هذه «النمر» إلى سدة الحكم، وكانت أربيل وجبال كوردستان منطلقاً لهم حينما كانوا في المعارضة، وحمتهم كوردستان وأهلها من سوءات كثيرة.
  الخلافات تحتدم بين بغداد وأربيل، ويتذرع قادة بغداد بأن الكورد لسوا على قلب واحد، وغيرها من حجج واهية لمحاربة الكورد في لقمتهم من قطع رواتب الموظفين، وإرباك متقصد لتصدير النفط، وتقليل حصة الكورد في الموازنة المالية كما وردت في الدستور، كذلك إعادة احتلال المناطق الكوردية المتنازع عليها بعد إعلان الاستفتاء الكوردستاني عام 2017 والتدخل العسكري المباشر واحتلال كركوك لإيلام الوجع الكوردي بفقدها كونها قلب كوردستان النابض. وغيرها من الجرائم.
  هذا ما أشار إليه بوضوح الرئيس مسعود بارزاني في رسالته يوم الذكرى الأربعين لأنفلة البارزانيين، حين قال سيادته: أربعون عاماً مرت على هذه الجريمة، لكننا ما زلنا – للأسف – نرى الشوفينية وسوء النّية ومحاولة إبادة الشعب الكوردستاني وإيذائه في خيال وسلوك بعض الناس وبعض الأطراف».
أصحاب هذا العقل لا يمكن أن يكونوا شركاء المصير المشترك، مكتوون بنار الحقد على التطور العمراني والمجتمعي والأمان الذي تتغنى به كوردستان.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين اثار الأستاذ مهند الكاطع، بشعاره “بمناسبة وبدونها أنا سوري ضد الفدرالية”، قضية جدلية تستحق وقفة نقدية عقلانية. هذا الشعار، رغم بساطته الظاهرة، ينطوي على اختزال شديد لقضية مركبة تتعلق بمستقبل الدولة السورية وهويتها وشكل نظامها السياسي. أولاً: لا بد من التأكيّد أن الفدرالية ليست لعنة أو تهديداً، بل خياراً ديمقراطياً مُجرّباً في أعقد دول العالم تنوعاً. كالهند،…

د. محمود عباس بصوتٍ لا لبس فيه، نطالب الحراك الكوردي في غربي كوردستان بعدم التنازل، تحت أي ظرف، عن مطلب النظام الفيدرالي اللامركزي، وتثبيته بوضوح في صلب الدستور السوري القادم. فهذا المطلب لم يعد مجرد خيارٍ سياسي ضمن قائمة البدائل، بل تحوّل إلى صمّام أمان وجودي، يحفظ ما تبقى من تطلعات شعبٍ نُكّل به لأكثر من قرن، وسُلب…

كفاح محمود   لطالما كانت الحرية، بمختلف تجلياتها، مطلبًا أساسيًا للشعوب، لكنّها في الوقت ذاته تظل مفهومًا إشكاليًا يحمل في طياته تحديات كبرى. ففي العصر الحديث، مع تطور وسائل الاتصال وانتشار الفضاء الرقمي، اكتسبت حرية التعبير زخمًا غير مسبوق، مما أعاد طرح التساؤلات حول مدى حدود هذه الحرية وضرورة تنظيمها لضمان عدم تحولها إلى فوضى. وفي العالم العربي، حيث تتفاوت…

إبراهيم محمود   بداية، أشكر باحثنا الكردي الدكتور محمود عباس، في تعليقه الشفاف والمتبصر” في مقاله ( عن حلقة إبراهيم محمود، حوار مهم يستحق المتابعة ” 11 نيسان 2025 “. موقع ولاتي مه، وفي نهاية المقال، رابط للحوار المتلفز)، على حواري مع كاتبنا الكردي جان دوست، على قناة ” شمس ” الكردية، باللغة العربية، في هولير، ومع الشكر هذا، أعتذر…