حسين جلبي
للأسف الشديد، فإن المتابع لما يجري في ساحتنا الكُردية السورية يلاحظ إفتقادها إلى الحدث الكُردي المُبهر الذي يلفت الإنتباه و يسرق الأضواء، بحيث يستطيع الكُرد أن يقولوا من خلاله: نحنُ هنـا، نصنع شيئاً آخر غير ما ألفتموه.
و لكن بدلاً من ذلك فالساحة مليئة بالأحاديث المُنفرة، التي تدل على تسيب كبير، و التي ليست سوى ردود أفعال لما يصدر عن الآخرين.
يُخيل للمراقب إذاً، و هو إذ يدخل أحد أكثر الأماكن الكُردية التي تعج بالحياة ، ألا و هي مواقع النت، و التي هي بمثابة (ترمومتر) يقيس نبض الأُمة، أن النبض في أدنى حالاته، و أنه حتى و هو في هذه الحالة الخطيرة، لا ينطلق من مُحرك ذاتي، بل هو ليس سوى إستجابة للتغذية التي تزوده بها أجهزة الآخرين.
للأسف الشديد، فإن المتابع لما يجري في ساحتنا الكُردية السورية يلاحظ إفتقادها إلى الحدث الكُردي المُبهر الذي يلفت الإنتباه و يسرق الأضواء، بحيث يستطيع الكُرد أن يقولوا من خلاله: نحنُ هنـا، نصنع شيئاً آخر غير ما ألفتموه.
و لكن بدلاً من ذلك فالساحة مليئة بالأحاديث المُنفرة، التي تدل على تسيب كبير، و التي ليست سوى ردود أفعال لما يصدر عن الآخرين.
يُخيل للمراقب إذاً، و هو إذ يدخل أحد أكثر الأماكن الكُردية التي تعج بالحياة ، ألا و هي مواقع النت، و التي هي بمثابة (ترمومتر) يقيس نبض الأُمة، أن النبض في أدنى حالاته، و أنه حتى و هو في هذه الحالة الخطيرة، لا ينطلق من مُحرك ذاتي، بل هو ليس سوى إستجابة للتغذية التي تزوده بها أجهزة الآخرين.
أين صانع القرار الكُردي في كل ذلك؟ إنه في الحقيقة غائب أو مُغيب.
خُذ ما تشاء من الوقائع في الأسابيع القليلة الماضية مثلاً ستجد غياباً مأساوياً للجهد المدروس فيها، ستجدها و كأنها تسير بمشيئة من يُجري السحاب، و لكن غيومها عاقرٌ لا ماء فيها.
و لنأخذ حدثاً بمستوى الشراكة مع المجلس الوطني السوري، حيث سنكتشف من خلاله فقداناً لروح المبادرة و التخطيط في العمل الكُردي، فكل شئ إبن لحظته، و ليس أكثر من ردود أفعال لا تبعد عن الفعل مسافة دقيقة واحدة، فالإنضمام للمجلس كيفي و الإنسحاب كيفي و البقاء كيفي، و الكتابة كيفية، و النقد كيفي، و حتى هذا الأخير صاحبه و على طول الخط إما مع كل شئ أو ضد كل شئ، و في الحالتين الدوافع شخصية بحتة.
لقد كنا نظن في لحظة تفاؤل بأنه أصبح لدينا مركز قرار موحد، يضم خيرة الخبراء في علوم السياسة و الكياسة و القانون و الإستراتيجيا، لكن ما نلمسه يكشف بأننا أبعد ما نكون عن ذلك العمل المنظم، فعندما يجدُ الجد تجدنا نعود إلى المربع الأول حيث كنا على الشيوع، و كُلٌ و حظه.
قد يكون السبب في ذلك، و في الوقت ذاته الوجه الآخر للمشكلة هو غياب المحاسبة، إذ لا أحد يُحاسب أحد، فمن يظن أنه يمتلك الساحة يفعل ما يحلو له، يتلاعب بالعقول و المشاعر و المصائر كما يشاء، و في النهاية يكاد لا يجد من يُغامر برفع صوته في وجهه لينبهه على الأقل، بالعكس من ذلك، إذ بإستثاء قلة من الأصوات، وجدنا مثلاً في موضوع وحدة المعارضة و عند إنسحاب المكون الكُردي من المجلس الوطني السوري أن كثيرين أشادوا بالقرار و أصحابه، و عند عودة هؤلاء الأخوة إلى مقاعدهم السابقة عاد المُشيدين و هم يرفعون لافتة الإشادة ذاتها، و كأنهم تعاقدوا مع الإشادة و قطعوا عهداً على أنفسهم بالإلتزام بها، و الأمر ذاته يسري على إنسحاب المجلس الوطني الكُردي من المفاوضات مع سميِّهِ السوري، و كذلك سيكون الحال حين عودته المرتقبة.
و في موضوع الشراكة الكُردية مع المحلس السوري يمكن أن يُقال الكثير كدليل على ضعف الحيلة و الحال، و الهامش الضيق الذي يحتله الحدث الكُردي.
لماذا الحدث الكُردي على هذا القدر من الهُزال؟ طبيعي أن الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى صانع الحدث، إذ أن بين الطرفين علاقة جدلية، فوراء كل حدث عظيم رجال عظماء و العكس بالعكس.
السياسي الكُردي يتواجد حيث لا يجب أن يكون، و يغيب حيث يجب أن يتواجد، و هذا ما يؤدي إلى أن تكون ثمرة جهوده ولادة فقاعات يظنها إنجازات عظيمة، ففي اللحظة التي ينبغي عليه أن يكون محاوراً شرساً تجده يخلي مكانه متوجهاً إلى إقامة ندوة شخصية هنا و حفلة هناك مردودها القومي صفر على الشمال، و في اللحظة التي ينبغي عليه إنخاذ موقف صلب تجده و قد أضاع كل شئ.
لعل المناسبة تصلح هنا للتذكير مرةً أُخرى بأمثولة وحدة المعارضة السورية للدلالة على إضاعة الحركة السياسية ليس لأوراق الضغط التي كنا نظن أنها تمتلكها، بل إضاعة نفسها أيضاً، فقبل مؤتمر أصدقاء سوريا في إسطنبول كانت وحدة المعارضة السورية لسان حال الجميع دولاً و منظمات و أفراد، يذكِّر الجميع المعارضة بضرورة إنجازها لكي تحظى بالدعم و الإعتراف، لكن بعد المؤتمر لم يعد أحدٌ يطلب من المعارضة السورية توحيد نفسها، و حصل إعترافٌ كبير بها، و كأن الوحدة قد تمت رغم أن المجلس الوطني قد إنسحب من المفاوضات مع المجلس السوري، ثم تبعه إنسحاب المكون الكُردي أيضاً.
لم يحقق الكُرد في وجودهم شيئاً و لم يحققوا بإنسحابهم شيئاً أيضاً، و لمن يدعي غير ذلك ليأتنا ببرهانه، على أن لا يستحضر من الأرشيف وثيقة تونس التي نسختها الوثيقة الأم: وثيقة العهد الوطني، بل زادوا بإنسحابهم الطين بِلة عندما كشفوا وزنهم في معادلة المعارضة السورية و الذي جعلوه بسياساتهم لا يساوي للأسف سورياً و إقليمياً و دولياً شيئاً، حيث لم يلتفت أحدٌ لوجودهم كما لم يلحظ أحدٌ غيابهم، فعاد بعضهم إلى مجلسهم بخُفي حُنين، تحت مسوغٍ مؤسف يدور حول الوثيقة الكُردية في تونس و كأنها ما كانت موجودة قبل الإنسحاب، أو أن ألفُ عامٍ قد مضى على صدورها ليكتشفها أحد الأثريين بمحض الصدفة في وقت متأخر جداً بعد إنصراف الجميع.
يُخيل لي أن سبب الفوضى التي تضرب أطنابها في الوسط الكُردي، و فقدان ما يجري للبريق الذي يجذب الناس و يحفزهم للعمل و التعاون من أجل مستقبلهم يعود إضافةً إلى ما ذكرته من عدم وجود صانع القرار المُهيأ علمياً و كذلك غياب المُحاسبة هو كذلك ضياع التخصصات، أي عدم وجود مبدأ (الفصل بين السلطات) في الجسم الذي يمثل الشعب الكُردي، فما الذي يمنع هذا الجسم و هو المجلس الوطني الكُردي من أن تكون لهُ سُلطاتٌ ثلاث: تشريعية و تنفيذية و قضائية، على أن يكون هناك فصلٌ تامٌ بينها، و ما الذي يمنع أن تكون له شبهُ حكومة من التكنوقراط ـ حكومة ظل تقريباً ـ معظم أعضاءها من خارج المجلس، يجري إستجوابهم و محاسبتهم أمام المجلس ـ البرلمان، و حجب الثقة عنهم في حال لم يقوموا بواجباتهم، و ذلك في ظل رقابة صارمة من سلطة قضائية عادلة.
خُذ ما تشاء من الوقائع في الأسابيع القليلة الماضية مثلاً ستجد غياباً مأساوياً للجهد المدروس فيها، ستجدها و كأنها تسير بمشيئة من يُجري السحاب، و لكن غيومها عاقرٌ لا ماء فيها.
و لنأخذ حدثاً بمستوى الشراكة مع المجلس الوطني السوري، حيث سنكتشف من خلاله فقداناً لروح المبادرة و التخطيط في العمل الكُردي، فكل شئ إبن لحظته، و ليس أكثر من ردود أفعال لا تبعد عن الفعل مسافة دقيقة واحدة، فالإنضمام للمجلس كيفي و الإنسحاب كيفي و البقاء كيفي، و الكتابة كيفية، و النقد كيفي، و حتى هذا الأخير صاحبه و على طول الخط إما مع كل شئ أو ضد كل شئ، و في الحالتين الدوافع شخصية بحتة.
لقد كنا نظن في لحظة تفاؤل بأنه أصبح لدينا مركز قرار موحد، يضم خيرة الخبراء في علوم السياسة و الكياسة و القانون و الإستراتيجيا، لكن ما نلمسه يكشف بأننا أبعد ما نكون عن ذلك العمل المنظم، فعندما يجدُ الجد تجدنا نعود إلى المربع الأول حيث كنا على الشيوع، و كُلٌ و حظه.
قد يكون السبب في ذلك، و في الوقت ذاته الوجه الآخر للمشكلة هو غياب المحاسبة، إذ لا أحد يُحاسب أحد، فمن يظن أنه يمتلك الساحة يفعل ما يحلو له، يتلاعب بالعقول و المشاعر و المصائر كما يشاء، و في النهاية يكاد لا يجد من يُغامر برفع صوته في وجهه لينبهه على الأقل، بالعكس من ذلك، إذ بإستثاء قلة من الأصوات، وجدنا مثلاً في موضوع وحدة المعارضة و عند إنسحاب المكون الكُردي من المجلس الوطني السوري أن كثيرين أشادوا بالقرار و أصحابه، و عند عودة هؤلاء الأخوة إلى مقاعدهم السابقة عاد المُشيدين و هم يرفعون لافتة الإشادة ذاتها، و كأنهم تعاقدوا مع الإشادة و قطعوا عهداً على أنفسهم بالإلتزام بها، و الأمر ذاته يسري على إنسحاب المجلس الوطني الكُردي من المفاوضات مع سميِّهِ السوري، و كذلك سيكون الحال حين عودته المرتقبة.
و في موضوع الشراكة الكُردية مع المحلس السوري يمكن أن يُقال الكثير كدليل على ضعف الحيلة و الحال، و الهامش الضيق الذي يحتله الحدث الكُردي.
لماذا الحدث الكُردي على هذا القدر من الهُزال؟ طبيعي أن الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى صانع الحدث، إذ أن بين الطرفين علاقة جدلية، فوراء كل حدث عظيم رجال عظماء و العكس بالعكس.
السياسي الكُردي يتواجد حيث لا يجب أن يكون، و يغيب حيث يجب أن يتواجد، و هذا ما يؤدي إلى أن تكون ثمرة جهوده ولادة فقاعات يظنها إنجازات عظيمة، ففي اللحظة التي ينبغي عليه أن يكون محاوراً شرساً تجده يخلي مكانه متوجهاً إلى إقامة ندوة شخصية هنا و حفلة هناك مردودها القومي صفر على الشمال، و في اللحظة التي ينبغي عليه إنخاذ موقف صلب تجده و قد أضاع كل شئ.
لعل المناسبة تصلح هنا للتذكير مرةً أُخرى بأمثولة وحدة المعارضة السورية للدلالة على إضاعة الحركة السياسية ليس لأوراق الضغط التي كنا نظن أنها تمتلكها، بل إضاعة نفسها أيضاً، فقبل مؤتمر أصدقاء سوريا في إسطنبول كانت وحدة المعارضة السورية لسان حال الجميع دولاً و منظمات و أفراد، يذكِّر الجميع المعارضة بضرورة إنجازها لكي تحظى بالدعم و الإعتراف، لكن بعد المؤتمر لم يعد أحدٌ يطلب من المعارضة السورية توحيد نفسها، و حصل إعترافٌ كبير بها، و كأن الوحدة قد تمت رغم أن المجلس الوطني قد إنسحب من المفاوضات مع المجلس السوري، ثم تبعه إنسحاب المكون الكُردي أيضاً.
لم يحقق الكُرد في وجودهم شيئاً و لم يحققوا بإنسحابهم شيئاً أيضاً، و لمن يدعي غير ذلك ليأتنا ببرهانه، على أن لا يستحضر من الأرشيف وثيقة تونس التي نسختها الوثيقة الأم: وثيقة العهد الوطني، بل زادوا بإنسحابهم الطين بِلة عندما كشفوا وزنهم في معادلة المعارضة السورية و الذي جعلوه بسياساتهم لا يساوي للأسف سورياً و إقليمياً و دولياً شيئاً، حيث لم يلتفت أحدٌ لوجودهم كما لم يلحظ أحدٌ غيابهم، فعاد بعضهم إلى مجلسهم بخُفي حُنين، تحت مسوغٍ مؤسف يدور حول الوثيقة الكُردية في تونس و كأنها ما كانت موجودة قبل الإنسحاب، أو أن ألفُ عامٍ قد مضى على صدورها ليكتشفها أحد الأثريين بمحض الصدفة في وقت متأخر جداً بعد إنصراف الجميع.
يُخيل لي أن سبب الفوضى التي تضرب أطنابها في الوسط الكُردي، و فقدان ما يجري للبريق الذي يجذب الناس و يحفزهم للعمل و التعاون من أجل مستقبلهم يعود إضافةً إلى ما ذكرته من عدم وجود صانع القرار المُهيأ علمياً و كذلك غياب المُحاسبة هو كذلك ضياع التخصصات، أي عدم وجود مبدأ (الفصل بين السلطات) في الجسم الذي يمثل الشعب الكُردي، فما الذي يمنع هذا الجسم و هو المجلس الوطني الكُردي من أن تكون لهُ سُلطاتٌ ثلاث: تشريعية و تنفيذية و قضائية، على أن يكون هناك فصلٌ تامٌ بينها، و ما الذي يمنع أن تكون له شبهُ حكومة من التكنوقراط ـ حكومة ظل تقريباً ـ معظم أعضاءها من خارج المجلس، يجري إستجوابهم و محاسبتهم أمام المجلس ـ البرلمان، و حجب الثقة عنهم في حال لم يقوموا بواجباتهم، و ذلك في ظل رقابة صارمة من سلطة قضائية عادلة.