هذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الزعيم الكوردي الأكثر نفوذا عن إستقلال كوردستان ، فقد سبق له أن أفصح عن رغبته هذه في لقاء مع الصحفية الأمريكية جوديث ميللر عام 2006 حينما قال بأن ( الشعب الكوردي له حق طبيعي مشروع في أن تكون له دولته المستقلة).
وفي مقابلة مع بي بي سي نشرت في كانون الثاني – يناير – من السنة الجارية قال السيد بارزاني أنه ( يشعر بالغبطة وهو يرى إقليم كوردستان يتطور من يوم إلى آخر ، ولكن ما سيسعده حقا هو أن يرى بأم عينيه كوردستان المستقلة) ، لكن رئيس الإقليم الكوردي صعد من لهجته “الإستقلالية” هذه عشية نوروز – 2012 ، عندما هدد بطريقة مواربة بالإنفصال عن العراق ، ملمحا إلى إمكانية ضم منطقة كركوك الغنية بالنفط إلى الدولة الكوردية المنشودة ، في حال إستمرار الأزمة السياسية الحالية في العراق التي طالما وصفها ب”البالغة الخطورة”.
البروفيسورة – أوفرة بينغيو – ، الباحثة في مركز “موشي دايان” لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا ، ومؤلفة كتاب نشر مؤخرا بعنوان “الكورد في العراق ، بناء دولة داخل الدولة” ، تعتقد في مقالة لها نشرت في صحيفة – جيروسليم بوست الإسرائيلية في 22 نيسان – أبريل – الجاري أن مسعود بارزاني متردد بين موقفين متعارضين ، فهو يرى ، من ناحية ، أن “نافذة كبيرة فتحت له تلوح في الأفق الآن تحضه على الإستمرار في نهجه(الإستقلالي – الكاتب) ، بينما يبدو ، من ناحية أخرى ، كما لو أن عواقب جمة تعترض هذا الطريق).
وترى – بينغيو – أن عوامل عديدة تحفز على جنوح الفكر السياسي الكوردي إلى وجهة إستقلالية ، منها ماأطلق عليه تسمية ثورات الربيع العربي ، والنزعة العالمية نحو إعاده تشكيل الخارطه السياسية بإتجاه تفكك الدول المركبة قوميا ، وظهور دول جديدة على أنقاضها، وهي النزعة التي دشنها إنهيار الإتحاد السوفيتي السابق ، ويوغسلافيا في تسعينيات القرن المنصرم ، وصولا إلى إعلان إستقلال كوسوفو وجنوب السودان وإقليم أزواد في مالي مؤخرا.
وترى الباحثة الإسرائيلية أن بارزاني على الأرجح يتعرض إلى ضغوطات داخلية شعبية ، خاصة أذا علمنا أن إستفتاء غير رسمي للرأي أظهرأن 95% من سكان الإقليم يدعمون فكرة إنفصاله عن العراق ، إضافة إلى أن الخلافات المزمنة بين الإقليم والمركز حول مسائل توزيع النفوذ السياسي والثروة والمناطق المتنازع عليها وقضية بترول كوردستان قد تشكل دافعا إضافيا و”ذريعة” ل – بارزاني – للسير قدما في نهجه الإستقلالي.
لكن – بينغيو – ومعها الكاتب التركي في صحيفة – تودايز زمان – التي تصدر بالإنكليزية– إمرة أوسلو – يشيران إلى جملة من العراقيل الشائكة التي تعترض إعلان “كوردستان المستقلة” من بينها إلتزام الكورد بعراق فدرالي موحد كما ينص عليه الدستور العراقي الذي كانوا ، ولايزالون من أكثر المتحمسين له ، ومشاركتهم الفعالة في السلطة المركزية ، بما في ذلك تبوأهم لمنصبي رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية وغيرها من المناصب الإدارية الحساسة ، ولكن على الخصوص بسبب الموقف الأمريكي الذي يتأسس على قاعدة أن الكورد هم الطرف الوحيد الذي يمكنهم الرهون إليه في تأمين الحد الأدنى من الإستقرار اللازم في البلاد ، على خلفية الصراع المرير بين السنة والشيعة على السلطة ، وتزايد النفوذ الإيراني في مراكز صنع القرار في العراق ، وبداية تسربه إلى بلدان الخليج المجاورة ، بما تمثله هذه الأخيرة من أهمية إستراتيجية في السياسة الأمريكية.
ورغم الحديث مؤخرا عن توافقات تركية – كوردية ، قد تدفع تركيا ، مكرهة ، حسب بينغيو ، تحت ضغط من واشنطن ، وطواعية ، حسب أوسلو ، لحسابات إقتصادية وإستراتيجية خاصه بها ، إلى القبول بالدولة الكوردية المستقلة المنشودة ، إلا أن تداعيات الإنفصال الكوردي المحتمل عن العراق على المنطقة ، بما قد يمثل من سقوط القطعة الأولى في “دومينو” من الإنهيارات والصراعات الإقليمية المتتابعة ، يجعل منه أمرا يستبعد أن تقدم عليه الإدارة الأمريكية ، على الأقل الآن ، وهي التي شددت ل – بارزاني – حتى في زيارته الأخيرة ، على إلتزام الولايات الأمريكية المتحدة بالتعاون مع كوردستان ، ولكن في إطار عراق ديمقراطي فيدرالي موحد.
ويرى الكثير من متابعي الشأن الكوردي أن إقليم كوردستان العراق أصبح يستوفي الآن الشروط اللازمة التي تؤهله للتحول إلى دولة مستقلة.
فللإقليم نشيده القومي ، وعلمه وجيشه الخاصين به ، وهو يمتلك كل المؤسسات السياسية اللازمة من رئاسة “الدولة” وبرلمان وحكومة ، بالإضافة إلى إقتصاد مزدهر ، وهم لهذا يعتقدون أن السؤال هو ليس ، هل سيتم إعلان الدولة الكوردية المنشودة ، بل متى سيتم إعلانها.
وفي هذا الصدد تقول البروفيسورة بينغيو أن بارزاني يمارس مايمكن تسميته سياسة “الإستقلال الزاحف” ، أي العمل المستمر على تأمين أركان الدولة القومية المستقلة ، بإنتظار إعلانها في الوقت المناسب.
لكن هناك من يذهب بالضد من هذه الآراء ، ولايرى في التصريحات الأخيرة للرئيس بارزاني وبعض المقربين منه ، بمن فيهم نجله ، ومسؤول جهاز الأمن في السلطة الكوردية – مسرور بارزاني – سوى نوع من ممارسة تكتيك تكثيف الضغوط على المركز للإستجابة للمطالب الكوردية فيما يخص تطبيق المادة 140 المتعلقة بحل قضية المناطق المتنازع عليها وخلافات أخرى شائكة تم الإشارة إليها أعلاه ، ومن هؤلاء المختص في الشأن العراقي في معهد واشنطن لدراسة الحرب – رمزي مارديني – الذي صرح أمام وكالة أسوشيتد برس أن (تصريحات بارزاني تهدف إلى حمل المالكي على القبول ببعض الشروط الكوردية أكثر من أن تشكل تهديدا فعليا بالإنفصال) وذلك لأنه يرى أن (الكورد بحاجة لسنوات كي يتمكنوا من بناء البنية التحتية ، خاصة فيما يتعلق بإنتاج النفط والغاز اللازمان لتوفير الموارد اللازمة لبناء دولة مستقلة).
لاجدال البتة في حق شعب كوردستان العراق الثابت والمشروع في تقرير مصيره بنفسه ، بما في ذلك إعلان دولته المستقلة ، التي يجب أن تكون بالضرورة ديمقراطية ومنفتحة على جوارها الإقليمي والدولي ، وأن تقر بوضوح على حقوق الشعوب والقوميات التي تعيش على أرض كورستان ، و على مساواتها تماما في الحقوق مع الشعب الكوردي نفسه ، ولكن ، برأيي المتواضع ، لاتوجد الآن إمكانية فعلية لإعلان إستقلال كوردستان ، ليس لأن الكورد أو إقليمهم لايملكون مقومات قيامها ، بل لأسباب موضوعية تأتي في مقدمتها غياب الدعم الدولي اللازم ، وعدم تقبل النخب السياسية والثقافية العربية والتركية والفارسية لفكرة الإستقلال الكوردي ، علاوة على حساسية الملف الكوردي الذي يطال مصالح وأجندات إقليمية ودولية عديدة ، ولهذا ، فإن الأولوية يجب أن تعطى الآن لتعزيز دور الإقليم ، عبر توسيع أطر المشاركة الشعبية الواسعة في إتخاذ القرارات السياسية ، ومحاربة الفساد ، والمحسوبية ، وإلغاء مظاهر عبادة الفرد ، وإتباع سياسة إقتصادية موجهة إلى تلبية الإحتياجات الفعلية للمواطن الكوردستاني ، ودعم وإسناد نضال الشعب الكوردي في أجزاء كوردستان الأخرى ، بعيدا عن منطق الهيمنة والوصاية ، والعمل الجدي من أجل الإسراع في عقد الإجتماع الكوردستاني الشامل في العاصمة هولير – أربيل بهدف توحيد الخطاب الكورستاني فيما يخص إيجاد حل شامل وعادل ودائم لقضية الشعب الكوردي ، بما يضمن حقوقه القومية والديمقراطية الثابتة والمشروعة ، على قاعدة التفاهم والتآخي مع الشعوب العربية والتركية والفارسية ، وبما يكفل المساواة الحقيقية والإتحاد الطوعي في إطار الحدود السياسية الحالية.
أنا على دراية تامة بأن هذا عمل ليس بالسهل على الأطلاق ، ولكنه الحل الوحيد الممكن في هذه المرحلة.
عدنان بدرالدين – النرويج