على هامش أنا سوري

  على بوبلاني

هذه قراءة ظاهرية لمقالة الناقد الكبير الأستاذ إبراهيم محمود، بدونها فالمضمون مختلف تماما.

وما أكثر من قرأها ظاهريا، وأنا من ضمنهم

أثارت مقالة الناقد الأدبي الكبير الأستاذ إبراهيم محمود والتي بعنوان “نعم أنا سوري،…” تساؤلات لدى بعض المثقفين الكرد المهتمين بالشأن الكردي… معرفتي بالأستاذ محمود هي على خلفية كتاباته في مجال النقد الأدبي.

وكون معرفتي بالأدب لا تتجاوز رغبة الهاوي، لذا لا أدعي بالمعرفة المرجوة في هذا الحقل.

فهو، بلا شك، ناقد من الطراز الثقيل بشهادة أهل النقد من المحيط إلى الخليج من قرّاء العربية وجهابذتها.

لم أحظ بقراءة مقالة سياسية أو تحليل سياسي لناقدنا الكبير وعلى وجه الخصوص في مجال القضية الكردية.
عندما أثار بعض الأخوة الحديث حول مقالته تلك والردود عليها راجعت رد الكاتب والأديب السياسي الكبير الأستاذ هوشنك أوسي لما لمقالاته السياسية من رصانة في الأسلوب وترابط وتسلل للأفكار وغيرها.

من خلال قراءتي للرد وجدت عظمة مقالة ناقدنا الكبير، فدفعني الفضول إلى مراجعة المقالة ذاتها لاطلع عليها من المصدر.

بعد قراءتها وجدتها تدافع عن الأستاذ برهان غليون وتحاول البرهنة على صحة نظرته للواقع السوري وتحديدا القضية الكردية.

فالناقد الكبير متمكن من اللغة العربية تمكنا تماما نسبة إلى أمثالي.

فتركت المقالة لدي انطباعا:  لو أن الناقد الكبير الأستاذ محمود سخر المقالة لشيء آخر لكان أفضل، حيث جاء الدفاع والشواهد والمقارنات منطبقة على الأستاذ غليون والعروبيين أكثر من الكرد.

لكي نكون على وضوح أكثر يستحسن بنا سرد أهم أقواله الواردة في مقالته تلك، حتى لا يكون الحديث ارتجاليا أو تجنيا على الناقد الكبير.

نعم، أنا سوري، أعني: كردي سوري، قبل أن أكون كردستانياً، والذين يسخطون لسماع النقيض، هم بدورهم كردٌ سوريون، قبل أن يكونوا كردستانيين في وضعهم“.

هذا الحكم جائز إذا كان العرب ومنهم الأستاذ غليون قبلوا بأن جولان إسرائيلية.

وأن السوريين فيها هم إسرائيليون قبل أن يكونوا سوريين.

ينكر علينا ناقدنا وطننا، وقد جزأه الاستعمار حسب مصالحه، كما يرى الأستاذ غليون أن وطنه العربي من المحيط إلى الخليج قد جزأه الاستعمار، وبالكاد استطاع الساهرون على العروبة في إشادة جامعة عربية.

ويحثنا أن ننسى أننا كردستانيون، في حين لا تنكر الغالبية العظمى من الكرد أنهم سوريون، مع الاحتفاظ برأيهم أن جزءا من وطنهم قد ألحق بما تسمى سوريا اليوم، كما هو الحال في كثير من الدول الأوربية.

وعليه يطالبنا أن نقبل بالذي حصل ونرضي به.

بينما لا ينكر ذلك على الأستاذ غليون وأمثاله في الجولان أنها سورية.

في هذه الحالة يتساءل الكرد والذين يسميهم الناقد الكبير بالكرد الساخطين، عن الفرق بينهم وبين الأستاذ غليون وأمثاله.

حين يصطدم الكردي بهذه الادعاءات يشعر بمرارة أنه مضطهد ومهضوم الحقوق، فيرى من الإجحاف السكوت على حقوقه.

لماذا لا يكون الأستاذ غليون والمجلس الوطني السوري الذين أفردوا فقرة طويلة بخصوص جولان في بيانهم الختامي بأنهم الذين بجرة قلم ينتقلون انتقالا زئبقيا:
يعني التحول في طرفة عين، أو جرَّة قلم، كما هو الانتقال الزئبقي، من جغرافيا قائمة، لها تاريخها الحديث، إلى جغرافيا…“؟

واليهود يحكمون الدنيا وأكبر مصانعها هي مصانعهم، إن كانت المصانع لصناعة الصواريخ والمركبات التي تخترق آفاق الفضاء أو مصانع الأسلحة بمختلف أنواعها وأشكالها… وليس هذا فحسب، فالإعلام والرأسمال وما يخطر بالبال هو رهن أيديهم.

في حين أن الكرد يطالبون شعوبا هم من العالم الثالث.

ربما يكون موضع تساؤل الكثير منا: أن ناقدنا الكبير لا يرى جبروت اليهود وضعف ووهن العرب أمامها؛ بينما يرى جبروت العرب حيال الكرد؟

لنأتي على فقرة أخرى:
نعم، لكَم أخطأ ويخطئ الذين تحدثوا ويتحدثون عن كردستان سوريا من أكرادنا المأخوذين بهوس الكردستانية،… غير عابئين بثقل التاريخ العام، والاستعداد للتاريخ المنشود، بينما أصاب برهان غليون أكثر، وهو ينفي، منطلقاً من راهنه الجغرافي، وجود شيء اسمه كردستان سوريا، بقدر ما اعترف بكرد سوريين“.

يتناسى ناقدنا الكبير أن برهان غليون لم ينطلق من راهن جولان الجغرافي، مع عظمة قوة إسرائيل التي هزمت ثلاث مرات جيوشا عربية نظامية.

وكبدت العرب وعلى رأسهم الأستاذ غليون عارا لن يمحوه التاريخ؟ بل انطلق من نظرته الدونية للكرد.

وغمرنا بعطايا الاعتراف أن الكرد سوريون!

يخبرنا ناقدنا الكبير بأنه ليس من الضروري أن يعرف الأستاذ غليون كسياسي وبروفيسور ومثقف، وقبل كل شيء سوري معارض ويرأس مجلسا يرى في نفسه محررا لسوريا، عن مكونات سوريا ولا تاريخها ولا أجزائها…! إذا كان الرئيس المستقبلي لسوريا غير مدرك تماما بمرسخات أذهان مكونات شعبه من تاريخ وجغرافيا وتقاليد وعادات…، يا ترى من عليه أن يعرفها ويلم بها؟ لنرى دفاعه في الفقرة التالية ولنعاينه فيما إذا كان دفاعا عن الأستاذ غليون أم انتقاصا له.

بوسع القارئ الكريم أن يحكم بنفسه على هذه الفقرة:
كان المطلوب من غليون وفق المقدَّر في الكتابات الكردية المختلفة حتى الآن، أن يكون على دراية تامة بحقيقة التاريخ الكردي والجغرافيا الكردية كما هي راسخة في واعية الكردي تماماً، دونما نظر في موقعه أو ما يمثّله أو ما هو مطلوب منه، وليس ما يجب عليه القيام به جهة تصحيح مسار التاريخ والجغرافياً كلياً بضربة واحدة!“.

ومسألة ضربة واحدة ما موقعها هنا؟ وكأن الأستاذ غليون حل جلّ قضيتنا وبقي بعضا منها، ونحن نصر بسذاجة الإنسان البسيط أن يحل جميعها.

فالأستاذ الكريم ينكر وجودنا ويعترف بوجودنا كما تعترف فرنسا بوجوده على أرضها وتدريسه في جامعاته!

قاوم الكرد المحتلين في الدول المقتسمة لكردستان ولم يخونوا إخوانهم في الدين والعقيدة، بل وقفوا بثبات من دون تزعزع وقدموا الشهداء، ولم يستطع المحتل الإغرار بهم للتخلي عن إخوانهم، بالرغم من العروض السخية من قبلهم للكرد.

والذي حصل أن أباد الترك مليونا وسبعمائة ألف كردي وحرقوا ودمروا تسعة آلاف قرية كردية.

وفي بعض القرى حتى الحيوانات لم تنج من المحرقة.

وفي سوريا التي يدعونا ناقدنا الكبير أن نتحلى بها قبل أن نكون كردستانيا، حيث أحرق إخواننا العرب السوريون أطفالنا في عمر الزهور، دون أن تغمض لهم عين أو يؤنبهم ضمير أو تستعطف قلوبهم براءة الطفولة.

وأية جريرة ارتكبها هؤلاء الأطفال ليموتوا حرقا… وأية جريمة ارتكبها سجناء الحسكة ليمتوا حرقا.

وماذا فعل مائة وخمسون ألفا من الكرد ليتجردوا بقانون استثنائي من المواطنة.

وبأي جنح استحق الكرد أن يسلب منه أرضه ويتحول أجيرا لدى المستقدمين من الغمر… ليحثنا ناقدنا الكبير أن نثق بهم وأن نكف بمطالبة حقوقنا ووقاية أطفالنا وسجنائنا من الحرق ومنع قطع أرزاقنا… فالأستاذ غليون وعروبيوه أخلوا بثقتنا فيهم، فكيف لنا أن نجرب المجرب مرة أخرى دون الحصول على تأكيدات تثبت عدم التزحزح عنها، فتفحمنا هذه النصيحة في ظاهرها أننا فقدنا البوصلة:
والذين يقفون على الخلاف التام من تصريحه، ثمة افتقاد لبوصلة التوجه المشتركة ليكون في مقدور الجميع التقابل الودي أكثر“.
هل نحن المجنى عليهم فقدنا البوصلة أم الجناة يبحثون عن حجج أخرى لتجويع وتشريد وحرق ما تبقى من الكرد مرة أخرى؟

يرى ناقدنا الكبير أننا فقد بوصلة تعاريف المصطلحات، ويظهر كردستان مصطلحا عنصريا يجب التخلي عنه.

ويدعونا إلى القفز من فوق أوطان الشعوب ومناطق سكناهم.

ويرغبنا في تقبل الجمهورية العربية السورية كمصطلح غير عنصري بقدر ما هو مصطلح كردستان.

ولماذا لا يعتبر مصطلح تركيا عنصريا ومصطلح روسيا عنصريا ومصطلح أرمينيا عنصريا ومصطلح جورجيا وكازاخستان وغيرها عنصريا علاوة على مصطلح جمهورية مصر العربية عنصريا في حين مصطلح كردستان يظهره مصطلحا عنصريا!

تُرى ما الضير في أكون سورياً، وأن أبقى سورياً، وأعزّز مكاني سورياً، بعيداً عن هذا الاقتتال السجالي أو هذا الاستنفار الجغرافي، دون أن أمحو كردستانياً، لأن التسمية الجغرافية حديث مغاير لحديث التاريخ القائم“.

يوحي حديث ناقدنا الكبير وكأن الكرد هم من قتلوا وأحرقوا وهجروا… وعليهم الآن بناء على جريرتهم أن يركنوا سوريين آمنين.

ويوحي للمعاني أن يفكر بمعاناته ويعيد النظر في ثقته هؤلاء.

أليس عليهم هم أن يثبتوا على عدم تكرارهم لما أجروا بحقنا وتعسفوا.

بالرغم من كل هذه الويلات التي يسببها لنا العرب والترك والفرس، يجب أن لا نكون كردستانيا.

فالذي يدفعنا أن نكون كردستانيا هم غليون وأمثاله؛ في حين يحثنا كاتبنا الكبير على تحمل الجراح وتجاوز الراهن المؤلم، بالرغم من المحرضات القائمة.

أحب أن أنوه إلى شيء، أراه ضروريا، ربما لن يفهمني العديد من القرّاء، هو: أن ناقدنا الكبير هو أكثرنا تألما وأكثرنا حبا لكردستان، فجروحه تنزف الدم بشدة قياسا بجروحنا.

ومقالته من أولها إلى آخرها تعبير صادق عن ألم مبرح يعاني منه الناقد الكبير كما نعاني نحن جميعا.

قد يجد القارئ الكريم أني متناقض بعض الشيء؛ ولكن هذه هي الحقيقة، كما لا يفهم مقالته هذه الكثير منا ولا يدرك عمقها وأنينها الآتي من الأعماق.

فهو أصدقنا شعورا وقولا وأكثرنا حرصا ومحبة لكردستان.

وأدرانا بضعفنا ووهن إمكانياتنا فيعبر بصدق عن مشاعر تبدو في مظهرها جفاء وإجحافا بالقضية؛ ولكنها في الحقيقة أهات وأنات وتأوهات لنفس تحترق لمصيبة شعبها.

فالرجل عظيم عندما أثبت لبني يعرب في تمكنه من النقد من المحيط إلى الخليج، بالرغم من شحة الإمكانيات ومحدودية المجال وقلة الموارد.

لو أن له ما لبني الخليج أو للمنعمين من أهل الضاد لأحيى شوقي في قبره من قامشلو وليس من قصور الخديوي.

يقتضي سياق المقالة أن يتناولها أمثالي بهذا الشكل.

فأنا أكن له كل التقدير والاحترام والتعظيم.

فهو عظيم عظم الخالدين في الأرض وشامخ شموخ الجبال.

يدعونا جميعا إلى تحمل مآسينا وآلامنا.

ولنكن على قدر عظمته مقدرين عظمة درايته للأمور.

اكتفي بهذا القدر
إذا كان سريان المقالة بهذا الأسلوب جاذبا لعناية القارئ الكريم يمكنني بناء على طلبه أن أكمل بقية مقالته.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين تستند الشعبوية في خطابها على المشاعر والعواطف الجماهيرية، بدلًا من العقلانية والتخطيط، حيث أصبحت ظاهرة منتشرة في الحالة الكردية السورية، وتتجلى في الخطاب السياسي الذي يفضل دغدغة المشاعر الجماهيرية واستخدام شعارات براقة، ووعود كاذبة بتحقيق طموحات غير واقعية، بدلاً من تقديم برامج عملية لحل المشكلات المستعصية التي تعاني منها المناطق الكردية. إن تفاقم الاوضاع الاقتصادية وانتشار الفقروالبطالة، يدفع…

خالد حسو عفرين وريفها، تلك البقعة التي كانت دائمًا قلب كوردستان النابض، هي اليوم جرحٌ عميق ينزف، لكنها ستبقى شاهدة على تاريخٍ لا يُنسى. لا نقول “عفرين أولاً” عبثًا اليوم، بل لأن ما حدث لها، وما يزال يحدث، يضعها في مقدمة الذاكرة الكوردية. لماذا عفرين الآن؟ لأن عفرين ليست مجرد مدينة؛ هي الرئة التي تتنفس بها كوردستان، والعروس التي تتوج…

خليل مصطفى ما تُظهرهُ حالياً جماعة المُعارضة السورية (وأعني جماعات ائتلاف المُعارضة المُتحالفين مع النظام التركي) من أقوال وأفعال مُعادية ضد أخوتهم السوريين في شمال شرق سوريا، لهي دليل على غباوتهم وجهالتهم ونتانة بعدهم عن تعاليم وتوجيهات دين الله تعالى (الإسلام).؟! فلو أنهُم كانوا يُؤمنون بالله الذي خالقهُم وخالق شعوب شمال شرق سوريا، لالتزموا بأقواله تعالى: 1 ــ (تعاونوا على…

  نظام مير محمدي* يمثل الخامس والعشرون من نوفمبر، اليوم العالمي للقضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة، فرصة للتأمل في أوضاع النساء في مختلف المجتمعات ومناقشة التحديات التي يواجهنها. وعند تأملنا في هذا السياق، تتجه أنظارنا نحو السجون المظلمة في إيران، حيث تُعتقل النساء ويتعرضن للتعذيب لمجرد ارتكابهن جريمة المطالبة بالعدالة وإعلاء أصواتهن لوقف القمع وتحقيق الحرية. هؤلاء…