نشر الكاتب السياسي السيد – فايز سارة – مقالا في السادس عشر من الشهر الجاري بصحيفة – الشرق الأوسط – تحت عنوان ” الأكراد يتأرجحون بين سوريتهم وكيان يخصهم ” وقبل مناقشة رؤيته حول كرد سوريا وحركتهم ومصيرهم ننوه بأن الكاتب كان قد ساهم في مناقشة الحالة الكردية السورية بأكثر من مداخلة خاصة بعد اندلاع الثورة السورية وان اتفقنا معه أو اختلفنا فان ذلك يدل على انفتاح النخب العربية على الموضوع الكردي واختراق جدران الحظر المفروض عليه من جانب الأنظمة الحاكمة منذ استقلال البلاد وبعد تسلط الحكم البعثي بداية الستينات خصوصا وسيطرة نظام ( الأسدين ) بشكل أخص ويقود اسهام شركائنا في – القومية السائدة – بالملف الكردي الى اعتباره قضية عربية أيضا كما قالها السياسي الراحل – جمال الأتاسي – منذ السبعينات
اختار الكاتب أحد الجوانب الرئيسية في الاشكالية الكردية السورية والذي سماه بالتأرجح بين سوريتهم وكيانهم الخاص وهو تشخيص سليم كعنوان ولكنه مبهم ولم يسترسل باالخوض في تفاصيل وأسباب ونتائج – التأرجح – والحل البديل , والجانب المهم هذا كنت قد أوضحته أكثر في بحثي المنشور قبل نحو عشرة أيام بعنوان ” الأزمة الكردية السورية وخيار المكاشفة والبديل ” وأفردت فيه محورا خاصا حول : ” التوازن بين القومي والوطني ” وأسهبت : ” تاريخيا ومنذ انطلاق الحركة الكردية السورية كان هناك على الدوام حرصا متواصلا للحفاظ على نوع من التوازن بين العاملين الوطني السوري والقومي الكردستاني وفي معظم الأحيان كان الأول سائدا بحكم ارتباط المصير الكردي بقضية الديموقراطية والتغيير والاصلاح وفي حين من المفترض وكما هو مطلوب من وجهة النظر ليست المبدئية فحسب بل المصلحية الاستراتيجية الآنية المرتبطة بمستقبل كرد سوريا أن تسرع الحركة السياسية الحزبية الكردية اذا كانت تمثل ارادة الكرد حقا وحقيقة الى تصدر الصفوف الأولى من الثورة من اليوم الأول لاندلاعها لأن للكرد مصلحة مزدوجة في اسقاط الاستبداد ” وأردفت ” كما أن الاعتماد الكامل والوحيد على العامل الكردستاني والتخلي عن العوامل الوطنية والانعزال عن المسيرة العامة لشركائنا في الحاضر والمستقبل والمصير في الداخل السوري خصوصا هو اخلال بالتوازن التاريخي القائم لوجهي حركتنا القومية والوطنية ” وتابعت ” ولكن مايحصل الآن من جانب أحزابنا ومثالها الأبرز ( ب ي د التنظيم السوري ل ب ك ك ) يفوق كل تصور ويجتاز الخطوط الحمر ويضع مصير الكرد السوريين في دائرة المجهول ” وذلك عندما يتم تجيير قضية كرد سوريا القومية والوطنية لمصالح حزب كردي خارجي وتغطية ذلك تحايلا ومزايدة بشعارات ( الادارة الذاتية وغرب كردستان والفدرالية ) يقابل ذلك من الجانب العربي عموما ولاأقصد هنا النظام حيث موقفه الشوفيني العنصري بات أكثر من معروف بل الحركة الوطنية السورية وأطراف المعارضة الراهنة المتسمة اما بتجاهل الكرد والقفز فوق مشكلتهم أو بالنأي بالنفس عن تحمل مسؤليتها المبدئية والسياسية والأخلاقية أو قبول مشروعيتها ولكن من دون اعطائها حقها المناسب وترحيلها الى مراحل أخرى أو التعامل معها ليست كقضية قومية سياسية تدخل في عداد حق الشعوب بتقرير المصير وتتطلب اقرارا دستوريا بمعالجتها بل كمسألة حقوق مواطنة تنتفي بقرارات ادارية وبذلك يحجز الطرفان بأطروحاتهما السالفة العربي كقومية حاكمة وسائدة والكردي ( الحزبوي ) كقومية مضطهدة ( بفتح الهاء ) أماكنهما في ” أرجوحة ” السيد سارة وهنا أرى أن هذه الحالة الاشكالية المشخصة لم تظهر فجأة بل تستند الى حقائق ملموسة وأفرزتها مجموعة عوامل تاريخية وموضوعية أبرزها :
أولا – في السياق التاريخي المتسلسل لقضية كرد سوريا أفضت قرارات اتفاقية سايكس – بيكو الى تقسيم أوطان قديمة واقامة كيانات حديثة من دون العودة الى شعوب المنطقة والسكان المحليين الأصليين وبالنتيجة كان أكثر المتضررين : فلسطين التي احتلت من البحر الى النهر وكردستان التي تقطعت أوصالها وتوزعت بين دول أربع من بينها سوريا ومن الواضح أنه بدون التسليم بهذا المدخل التاريخي الواقعي من جانب الشركاء العرب سيؤدي الى الوقوع بشرك شوفينية القومية السائدة وانكار الحقوق المشروعة للآخر الكردي.
ثانيا – الحل الراهني المتاح أمام القضية القومية الكردية في بداية القرن الجديد لن يتم الا في الاطار الوطني التوافقي وعبر العملية الديموقراطية والحوار السلمي وبتحديد أكثر الا باسقاط الاستبداد واانتصار الثورة السورية فليس في الأفق مايشير الى توفر شروط الحل القومي الكردستاني الشامل وبدفعة واحدة بالشرق الأوسط والانتماء القومي لكرد سوريا ليس بالضرورة أن يبيح تبعيتهم ( الآيديولوجية والسياسية ) لمرجعيات خارج الحدود بل يملي عليهم والى جانب خصوصيتهم المميزة الالتزام بالمفاهيم الوطنية العامة التي يعتنقها السورييون بشأن الحاضر والمستقبل هذا مايجب أن يتقبله المعنييون بالحركة الكردية .
ثالثا – بمرور أكثر من ستة عقود على الاستقلال مازال الكرد يعانون محنتهم ويواجهون تحديات التمثلية القومية وتغيير تركيبتهم – الديموغرافية – بأشكالها العديدة وحرمانهم من الحقوق وقمعهم بدءا من ادارة الانتداب الفرنسي ومرورا بحكم البورجوازية الوطنية وانتهاء بنظام البعث وكانوا شهودا على عجز وتقصير الحركة الوطنية السورية بكل أطيافها القومية والشيوعية والاخوانية ليس على ايجاد حلول لقضيتهم فحسب بل حتى على طرح برنامج نظري يتضمن صيغة عادلة للحل ومن هنا ظهرت لدى أقسام في الحركة السياسية الكردية نزعة اللجوء الى الخارج والاستقواء بالعامل القومي بعد فقدان الأمل المرجو من الداخل الوطني .
رابعا – يعتبر الكاتب أن ” سوريا المقبلة ستكون دولة فوق القوميات ” ولذلك لايجوز للكرد أن يطرحوا تصورهم بشأن قضيتهم القومية أو اعتبار أنفسهم ” القومية الثانية ” ( مع أنه وفي مكان آخر يعلن غير ذلك ويقترب أكثر نحو الحقيقة الكردية ) وحبذا لو شرح لنا مواصفات هذه الدولة الخالية من القوميات التي يبشر بها هل هي دولة أممية علمانية أم دينية لاقومية أم جمهورية افلاطون حتى تمنع عن المكون الكردي تعريف ذاته وتحجب ترتيبته العددية البشرية في المقام الثاني بعد العرب وبهذا يرفض الكاتب دون أن يعلم كل برامج وأدبيات الثورة السورية والمعارضة حول سوريا التعددية قوميا ودينيا ومذهبيا وضمان حقوق ومستقبل كل المكونات ويذكرني طرحه هذا بقول أحد كتاب البعث الشوفينيين في معرض انكاره لوجود الكرد وحقوقهم : ” مبدأ حق تقريرالمصير لم يعد ساريا في القرن الواحد والعشرين ” .
خامسا – حسب ظني لامستقبل لأطروحات الطرفين السالفي الذكر فمن الجانب الكردي أسقط الحدث الثوري المفاهيم – الحزبوية – المزايدة والمتذبذبة والشعب الكردي والحراك الشبابي الثوري في مختلف المناطق والمواقع يعيشون الحالة الوطنية ويتعايشون معها ويراهنون على انتصار ثورتهم أما من الجانب العربي والسوري العام فهناك آفاق مشجعة على تفهم الوضع الكردي من جانب قوى الثورة والحراك والتنسيقيات وأجزاء من المعارضة الوطنية من شأنها التخفيف من حالة – التأرجح – السائدة حتى الآن في وسط الأجنحة التقليدية بالحركة الوطنية السورية .
نحن السورييون على أعتاب مرحلة جديدة مفعمون بمزيد من الآمال والطموحات المشروعة في الخلاص من أشكال الظلم وتحقيق العدل والمساواة في أجواء الحرية وقبول الآخر المختلف واعادة الاعتبار لحقائق تاريخنا المشترك وتنوع ثقافتنا الوطنية وألوان مجتمعنا الزاهية من دون طمس أدوار كل من ساهم بتحقيق الاستقلال وبناء البلاد وخاصة الشعب الكردي ثم العمل يدا واحدة لبناء دولتنا المنشودة التي تتسع لجميع قومياتها ومكوناتها وتصون حقوقها وتضمن مشاركتها في السلطة والقرار .